تحالف ثلاثي.. ما أهداف المناورات البحرية بين إيران وروسيا والصين؟
أثارت المناورات البحرية المشتركة بين كل من إيران وروسيا والصين، في المحيط الهندي وتحديدا في بحر عُمان، الذي يعد المدخل الرئيس للخليج العربي، ومضيق هرمز، العديد من التساؤلات، حول أسبابها وأهميتها.
التصريحات التي خرجت عن المسؤولين الإيرانيين أصحاب الدعوة للمناورات، التي أطلق عليها اسم "حزام الأمان البحري"، كانت واضحة بأن الهدف هو عدم انفراد الأسطول الخامس الأمريكي بمنطقة الخليج، وأنه بدلا من أسطول واحد لدولة واحدة، فإن مياه الخليج تتسع لأربع أساطيل.
ورغم التصريحات الأمريكية الهادئة، وغياب ردود الأفعال الأوروبية والخليجية، فإن تحليلات عديدة أكدت أن المناورات لا يجب التعامل معها على أنها تدريب بحري بين ثلاث دول تجمعها أزمات مع الولايات المتحدة فقط، وإنما يجب النظر إليها على أنها بداية تشكيل حلف عسكري وسياسي دولي، يمكن أن يواجه واشنطن في أماكن كثيرة وملفات عديدة.
نقطة تحول
وفقا لوصف العديد من المحللين، فإن المناورات التي بدأت يوم 27 من ديسمبر/ كانون الأول 2019، واستمرت أربعة أيام، تمثل نقطة تحول مهمة في موازين القوى العسكرية في منطقة الخليج العربي، خاصة أن المناورات اختارت مكانا له أهمية إستراتيجية وجيوسياسية، وهو بحر عمان.
وهذا البحر يعد مفتاح المرور لمضيق هرمز من ناحية، والخليج العربي من جهة أخرى، وهو ما يمثل رسالة واضحة للأسطول الأمريكي الخامس القابع في البحرين، بأنه لم يعد بمفرده في مياه الخليج.
وحسب تحليل موسع لصحيفة "رأي اليوم" اللندنية، فإن كل دولة من الدول الثلاث لها هدف إستراتيجي من المشاركة في المناورات، حيث تعمل الصين على تأمين مصادر النفط القادمة من الخليج، وتوفير طرق التجارة التي تعتمد عليها في مشروعها التجاري العملاق المعروف بطريق الحرير.
وترى الصحيفة أن الصين تضع أقدامها لتكون قوة بحرية كبرى على شاكلة الولايات المتحدة، ولذلك فإن الهدف من المناورات هو وضع سيناريوهات روسية صينية إيرانية، لمواجهة أي قوى خارجية تحاول السيطرة والتحكم في مضيق هرمز.
وحدد الجنرال يحيى رحيم صفوي أحد كبار المساعدين العسكريين للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، في تصريحات نشرتها وكالة أنباء مهر الإيرانية، بأن بلاده أحرزت 6 انتصارات خلال الفترة الماضية ضد الولايات المتحدة، كان من بينها تنفيذ المناورات البحرية بالمشاركة مع روسيا والصين.
وقال صفوي: إن بلاده تحولت مؤخرا من "قوة وطنية إلى قوة إقليمية"، مشيرا إلى أن الأمريكيين يدركون جيدا معنى النفوذ الإيراني في المنطقة، وأن ضغطهم على إيران هو نتيجة غضبهم من نفوذها.
ولم تبتعد تصريحات صفوي كثيرا عن تصريحات قائد الأسطول الإيراني، الأدميرال غلام رضا تهاني، الذي أكد أن كلا من روسيا والصين تتعاونان مع بلاده لمواجهة "التهديدات البحرية المشتركة"، وأن المناورات تهدف في الأساس لتعزيز أمن المجاري المائية في المنطقة.
أمريكا وإسرائيل
ورغم أن المناورات موجهة في الأساس للوجود الأمريكي الظاهر والإسرائيلي الخفي، في الخليج، إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية اكتفت في بيان رسمي لها بالقول: إن البنتاجون تتابع المناورات، وأنها على استعداد لضمان حرية الملاحة في المياه الدولية.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية: "نحن على علم بتدريبات متعددة الأطراف تجريها إيران والصين وروسيا في بحر العرب، نتابع ذلك وسنواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا لضمان حرية الملاحة وحركة البضائع عبر الممرات المائية الدولية".
التحفظ في الرد السابق، لم يمنع مسؤول دفاعي أمريكي رفيع، بالحديث لمجموعة الأزمات الدولية عن أن إيران "ستواصل تنفيذ أعمال استفزازية في المنطقة، وأن الإيرانيين سيستغلون كل فرصة ممكنة للقيام بذلك".
وأضاف المسؤول العسكري الأمريكي قائلا: "لا يوجد شيء يوحي لي، باستثناء تغيير النظام هناك، أن لديك نغمة مختلفة عن القيادة، والتي من شأنها أن توحي لي بأنهم سيتوقفون عن فعل ما كانوا يقومون به".
على الجانب الآخر، اعتبرت إسرائيل المناورات تهديدا مباشرا لها، وقالت الصحف العبرية التي علقت على المناورات: إنها تأتي في وقت صعب للغاية، حيث يتصاعد التوتر في منطقة الخليج منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي سبق وأن وقعته مع إيران.
واعتبر تحليل نشره موقع "تايم أوف إسرائيل"، المناورات واحدة من عدة إجراءات تسعى طهران من ورائها لتعزيز التعاون العسكري مع بكين وموسكو، وسط عقوبات اقتصادية غير مسبوقة من واشنطن. كما زادت زيارات ممثلي البحرية الروسية والصينية إلى إيران في السنوات الأخيرة.
وتحدث الموقع الإسرائيلي عن خطوات أخرى اتخذتها إيران، في إطار خطتها لتنمية قدراتها العسكرية النووية، من بينها الكشف خلال الأيام الماضية عن أحد نماذج أجهزة الطرد المركزي، بالإضافة لبدء عمل مفاعل نووي جديد يعمل بالماء الثقيل.
مضيق هرمز
متابعون لتطورات الأحداث خلال الأسابيع الماضية، نظروا للمناورات المشتركة بين إيران وروسيا والصين، ضمن حزمة أخرى من الإجراءات المرتبطة بها، من بينها زيادة النشاط الأمريكي في الخليج، والسعي نحو تشكيل قوة بحرية تضم بجانب دول الخليج العربي، القوات البحرية الإسرائيلية.
وأرجعت دراسة مفصلة لمجموعة الأزمات الدولية، السبب وراء كل هذه التطورات، إلى أهمية مضيق هرمز بالنسبة لكل من الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بأسواق النفط، خاصة وأن المضيق يمر منه يوميا ما لا يقل عن 30 في المئة من النفط الخام حول العالم.
ورصدت مجموعة الأزمات الدولية أهم الأحداث التي شهدتها منطقة الخليج الملتهبة، والتي كان قمتها قبل نهاية عام 2019 بيوم واحد، حيث احتجز الحرس الثوري الإيراني سفينة ماليزية، قال إنها مخصصة لتهريب الوقود.
وقبل هذه الخطوة بيوم واحد، وتحديدا يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أن المناورات الثلاثية دليل على أن "طهران مستعدة للتعاون مع دول أخرى، لضمان أمن وحرية مرور حركة الملاحة البحرية في الممر المائي الدولي الهام هرمز".
ويشير تحليل آخر لمركز "يونايتد وورلد إنترناشونال" المعني بالنزاعات الدولية، إلى أن المناورات يمكن أن تشكل نواة لتوازن القوة البحرية في منطقة الخليج، خاصة مع تزايد عمليات الهجوم الغامضة على حافلات النفط التي تمر عبر بوابة مضيق هرمز.
ووفق "أوميد شكري كالهسار"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج ماسون، والذي كتب التحليل، فإن إيران ليس لديها نية للتخلي عن مياه الخليج، ولذلك فإن المناورات الثلاثية التي جرت مؤخرا، ستكون واحدة من سلسلة مناورات مع دول أخرى، لعدم انفراد الولايات المتحدة بأمن الخليج.
وحسب كالهسار، فإن روسيا بعد أن لعبت دورا نشطا في الأزمة السورية، تحاول الآن زيادة نفوذها ووجودها في الشرق الأوسط، ما جعلها تخطط لتعزيز الشراكة الإيرانية الصينية منذ أشهر.
أما الصين فإنها تستورد كميات كبيرة من النفط الذي يمر عبر الخليج العربي، ولذلك فإنه أصبح من بين مهامها تأمين هذا النفط وصناعتها وتجارتها، خاصة وأن الحرب التجارية الصينية الأمريكية، أعطت لإيران فرصة جيدة لتصدير النفط في السوق الرمادية، وهو ما يجعل بكين حريصة أكثر من أي وقت مضى، للحفاظ على المزيد من الأرض في المنطقة والقيام بدور في المعادلات الإقليمية، وخاصة في مجال أمن الطاقة.
ويرى الباحث الأمريكي أن هناك العديد من العوامل المهمة التي تشير لتأسيس تحالف إقليمي بين روسيا والصين وإيران، أهمها المصالح المشتركة بين الدول الثلاث.
كما أن هناك حافزا قويا للصين وروسيا للتجمع مع إيران، بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي في المنطقة، بالإضافة لوجود حوافز قوية لتشكيل تحالف قوي مع إيران، وخاصة الروس الذين عانوا العديد من العقوبات والصراعات مع الأمريكيين والأوروبيين، في أعقاب الوضع في جزيرة القرم، كما تعرض الصينيون للهجوم من جانب واشنطن نتيجة لتنافسهم التاريخي، مما دفع بكين إلى تعزيز العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.
وتوقع كالهسار أن تظهر أولى خطوات التحالف الإيراني - الصيني – الروسي، مع بداية 2020، من خلال تعزيز الدوريات المشتركة بين روسيا والصين في مياه اليابان، وكوريا الجنوبية في بحر الصين الشرقي.
المصادر
- المناورات العسكرية الروسية-الصينية-الإيرانية بداية نهاية الهيمنة البحرية الأمريكية
- حراس آخرون لنفط الخليج.. خصوم واشنطن يستعرضون قوتهم في المحيط الهندي
- انطلاق مناورات ثلاثية لإيران وروسيا والصين في خليج عُمان وسط توتر مُستمر بين طهران وواشنطن
- إيران تعلن إجراء مناورات عسكرية مع الصين وروسيا
- مناورات إيران وروسيا والصين "في مواجهة الغرب"
- إيران تدعو دول الخليج العربية للانضمام إلى المناورات مع روسيا والصين
- إيران تقول إنها تعمل مع روسيا والصين من أجل "الأمن الكامل لخطوط الشحن"
- هل ستساعد المناورات البحرية الإيرانية الروسية في تحقيق توازن جديد للقوة في المنطقة؟
- المناورات العسكرية لإيران وروسيا والصين ؛ قتال ثلاثي مع رسالة
- قائد البحرية الإيرانية: هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة انتهت
- تمرين "حزام الأمان البحري" في عيون وسائل الإعلام العالمية
- القوى العظمى العالمية تتنافس على السلطة في Chokepoint النفطية الأكثر أهمية في العالم
- منحت إيران ست ضربات ساحقة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة
- أمريكا تتابع المناورات البحرية بين روسيا وإيران والصين في بحر العرب