"ينوب عن المهدي المنتظر".. لماذا زادت إيران من تلميع صورة خامنئي؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

يواصل التيار المحافظ الذي يوصف بـ"المتشدد" في إيران "تجميل صورة" المرشد الأعلى علي خامنئي في عيون الإيرانيين، في محاولة للتغطية على انتكاسات النظام القائم في الداخل والخارج.

فما تزال الشعارات الشعبية المناهضة لنظام الملالي التي رفعت طوال شهور من الاحتجاجات على مقتل الفتاة الإيرانية مهسا أميني في 13 سبتمبر/ أيلول 2022 على يد شرطة الأخلاق، تقلق الدائرة الضيقة للحكم في البلاد.

"تلميع خامنئي"

ويبدو واضحا هذه الأيام عودة الممثلين الرسميين للمرشد خامنئي في المحافظات الإيرانية، للعب الدور الأبرز في مواجهة المناهضين لسياسات النظام الإيراني في البلاد الخاضعة لعقوبات دولية شديدة.

وفي أحدث هذه المواقف، قال لطف الله دجكام، ممثل المرشد الإيراني في محافظة فارس "اليوم يقف خامنئي ممثلا عن الإمام المهدي ليمنعنا من الضلال".

وأضاف خلال تصريحات في 24 يناير/كانون الثاني 2025: "يتخلى البعض عن إسلامهم للحصول على جنسية دولة أخرى، لكن أن تكون مسلما وتحت راية الإمام المهدي ونائبه ليس أمرا هينا". 

ويعتقد الشيعة الإثنا عشرية بظهور المهدي، وهو الإمام الثاني عشر، ويعد الولي الفقيه الممثل اليوم بشخص علي خامنئي هو النائب عنه.

ويتمتع المرشد الأعلى بالسلطة النهائية في إيران، ويعمل كقائد أعلى للقوات المسلحة ويقرر اتجاه السياسة الخارجية، التي تحددها إلى حد كبير المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويشرف المرشد الأعلى على السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ولديه صلاحيات واسعة، منها تحديد السياسة العامة للبلاد واختيار قادة القوات المسلحة ورؤساء الأجهزة الأمنية، وبإمكانه أيضا عزل رئيس الجمهورية.

السلطة القضائية في إيران يجرى تعيين رئيسها كل 5 سنوات من جانب المرشد الأعلى.

والمرشد هو الذي يبت في القضايا السياسة الخارجية مثل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة.

وأمام ذلك، يبرز دور ممثلي المرشد بالمحافظات الإيرانية في تدعيم "ركائز الجمهورية الإسلامية" ضد المخاطر التي تفرضها المعارضة في الداخل و"الأعداء في الخارج".

إذ تحاول النخبة الدينية التي تعرف بـ المعممين" في تصدير الخطاب الناعم لمواجهة الأزمات الاقتصادية الداخلية المتزايدة وغضب الإيرانيين من القيود الاجتماعية والسياسية التي يفرضها النظام الإيراني.

ولم يخرج كلام دجكام عن سياق ظاهرة التملق للمرشد الإيراني المتفاقمة في البلاد.

ومنذ احتجاجات عام 2018 تزايدت حالات تمزيق صور خامنئي المعلقة في الشوارع أو حرقها في مختلف المدن والمحافظات وتكررت بشكل مكثف عقب الاحتجاجات التي خرجت بعد مقتل مهسا أميني.

وقال دجكام في 4 أكتوبر 2024 "إن المرشد إذا أصدر الأوامر، فإن الشعب مستعد لإلقاء جميع الجنود الإسرائيليين في البحر الأحمر". 

كما صرح في نهاية سبتمبر/أيلول 2023 بالقول: "هذه الثورة مثل سفينة نوح، يديرها ويحافظ عليها خامنئي نيابة عنه الإمام المهدي الغائب".

"قلق داخلي"

وضمن هذا السياق، يرى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو، أن “الخطاب الرسمي تجاه خامنئي يأتي من مكانته الدينية ومرتبة ولي الفقيه التي برزت ما بعد عام 1979 في إيران (الثورة الإسلامية)”.

وهو إقرار بأن ولايته هذه هي نيابة عن الشؤون العامة والخاصة للإمام المهدي لحين ظهوره بحسب رواية الشيعة. 

وأضاف جلو لـ “الاستقلال”: "لهذا في إيران جرى دسترة وقوننة كل قضايا النظام السياسي في إيران على أساس الخطاب الذي يكرره ممثلو المرشد الإيراني في الجلسات العامة وفي الحوزات". 

ولفت إلى أن "من هم دون الولي الفقيه أمثال من يطلق عليهم آية الله وحجج الإسلام في إيران يعمدون إلى نقل أحاديث عن لقاءات خامنئي مع المهدي المنتظر والذي يزعمون أنه يقدم له توصيات في الشأن العام فضلا حتى عن ما يمكن تسميته تزكية الشخصيات".

وأردف: "فعلى سبيل المثال، استبعد خامنئي العلاقة مع الرئيس الإيراني سابقا محمود نجاد بناء على ما يمثله المرشد من الإنابة عن المهدي في الشؤون العامة والخاصة المرتبطة بدفع خُمس المال والتقاضي بين المتخاصمين".

وسبق للمرجع الديني المقرب من السلطة الإيرانية، آية الله ناصر مكارم شيرازي أن قال في مايو/أيار 2016 خلال مؤتمر أقيم في مدينة قم، إن "أحد أسباب نجاح المرشد هو تواصله الدائم مع إمام الزمان بمسجد جمكران".

و"إمام الزمان" وصف يستخدمه الشيعة للتعبير عن "المهدي المنتظر" الذي سيظهر في آخر الزمان.

و"جمكران" الذي يتحدث عنه المرجع الإيراني، هو مسجد في مدينة قم، يعده النظام الإيراني مقدسا "لأن من أمر ببنائه هو المهدي المنتظر".

ويعد الدستور الإیراني، "ولاية المرشد مطلقة"، وطاعته "واجبة"، كما طاعة "المهدي المنتظر".

وذهب جلو للقول إن "الترويج لمثل هذا الكلام حول خامنئي في هذا التوقيت، مرتبط بقلق النظام الإيراني من الهجرة الزائدة، خاصة من أصحاب الكفاءات وتنامي حالة التذمر الاقتصادي والعزوف عن الإنجاب في إيران".

وكان أعلن معهد البحوث السكانية الإيراني في سبتمبر 2024 أن متوسط عمر الزواج لدى النساء وصل إلى 24 عاما، ولدى الرجال إلى حوالي 28 عاما في عام 2023، وأن عدد حالات الزواج في إيران قد شهد انخفاضا بمعدل 6 بالمئة سنويا منذ عام 2011.

وفي الشهر المذكور، دعا خامنئي، في أول اجتماع له مع أعضاء الحكومة الجدد عقب فوز مسعود بزشكيان بالرئاسة، وزير الصحة إلى اتباع سياسات من شأنها تشجيع الإنجاب والنمو السكاني في هذا البلد البالغ عدد سكانه نحو 86 مليونا.

وسعيا لتحفيز الولادات في الوقت الراهن، تنفذ الحكومة حملة تنشر من خلالها ملصقات في جميع أنحاء البلد، تصور إحداها والدين يحضنان أولادهما الأربعة تحت سقف منزل وعليها شعار "الأطفال، نبض حياتنا".

ومع تراكم الأزمات الاقتصادية وغياب الرفاهية المناسبة على مدى العقود الماضية، دخل المجتمع الإيراني في مرحلة "الهجرة الجماعية".

وقد حذر مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للرئاسة الإيرانية، استنادا إلى نتائج استطلاع للرأي، من أن المجتمع الإيراني يدخل مرحلة "الهجرة الجماعية"، مشيرا إلى وجود مشكلات خطيرة في استثمار رأس المال البشري.

وقال المركز  خلال تقرير في 3 أغسطس/آب 2024: نحن الآن في فترة ذروة "الرغبة والقرار" بالهجرة، خاصة بين القوى العاملة الماهرة وصاحبة رأس المال.

وفي هذا البحث، عدت مجموعتان من "الأطباء والممرضين" و"الطلبة والخريجين" المشكلات الاقتصادية الناجمة عن التضخم أكثر تأثيرا في رغبتهم بالهجرة.

"معارك حساسة"

وتسيطر ظاهرة المبالغة في مدح خامنئي على أنصار نظام ولاية الفقيه، وهي أيديولوجيا ظهرت في البلاد بعد سقوط نظام الشاه في فبراير/ شباط 1979.

وسبق لـ "محمد تقي مصباح يزدي" المعروف بقربه من المرشد الأعلى علي خامنئي، أن أصدر فتوى بحكم "الشرك" على منتقدي ولاية الفقيه. 

يزدي الذي يعد من أشهر داعمي التيار المحافظ وتوفي في عام 2021 كان يروج بأن الولي الفقيه ما هو إلا نائب الإمام "المهدي المنتظر" الغائب ويملك كل صلاحياته وصلاحيات النبي المعصوم.

وقال سابقا إن الشعب “لا يملك إلا الانقياد له وتنفيذ أوامره ولا يحق الاعتراض بل ولا تجوز استشارته ومشاركته في القرار”.

ودفع هذا التشدد حول مقام الولي الفقيه بمصباح يزدي إلى الانحناء يوما لتقبيل حذاء "خامنئي" أثناء زيارة لافتة أجراها للمرشد له في منزله.

وهذه "النظرة التقديسية" لخامنئي تواجه بالانتقاد في الداخل الإيراني، الذي يطالب بحل مشاكل المواطنين ومواجهة حالة التهميش.

وذات يوم سخر خطيب جمعة أهل السنة في زاهدان بإيران، عبد الحميد إسماعيل زهي، في خطبة 13 يناير 2023، من كلام خامنئي عن دور المداحين الدينيين في "المعارك الحساسة".

وقال زهي إن مشاكل البلاد لا يمكن حلها بالمدح والمواعظ، ويجب الاستعانة بالنخب والخبراء.

اللافت أن من يمثلون المرشد الإيراني لا يتوانون عن الدفاع بشراسة عن سياسات النظام الإيراني الخارجية عبر شعارات ضخمة.

فمع عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، يجرى الحديث عن أنه سيعيد ممارسة إستراتيجية "الضغوط القصوى" ضد إيران بنسخة أكثر تشددا عما طبقها في ولايته الأولى (2017-2021) حينما انسحب من الاتفاق النووي مع طهران وفرض عقوبات صارمة عليها.

وضمن هذه الجزئية خرج لطف الله دجكام ممثل خامنئي، مهاجما الولايات المتحدة بعد إعادة انتخاب ترامب.

وقال: "إن شاء الله سنحول البيت الأبيض إلى حسينية، وليكن رؤساء أميركا الذين لا يخافون الله على يقين بأن هذا الوعد سيتحقق".

وأضاف دجكام في 10 يناير 2025 قائلا: "ترامب سيموت كما مات (الرئيس الأسبق جيمي) كارتر، وسيأخذ معه إلى القبر أمنيته بإلحاق الضرر بالنظام الإيراني".

وحينما سقط نظام بشار الأسد الذي دعمته إيران لأكثر من عقد من الزمن لقمع الثورة السورية، خرج ممثل خامنئي في أردبيل، حسن عاملي وقال إن "الصور المتداولة عن سجون سوريا مفبركة بالذكاء الاصطناعي أو مأخوذة من مراكز الاعتقال في دول أخرى".

وجاء هذا التصريح لينفي فظائع التعذيب وحال السجون أثناء حكم الأسد الذي سقط في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وأضاف عاملي في 12 ديسمبر: "المنافقون يصنعون مقاطع فيديو عن الوحشية باستخدام الذكاء الاصطناعي، ثم ينشرونها داخل إيران".

وكان خامنئي قال في مطلع يناير 2025 معلقا عما جرى في سوريا: “يعتقد البعض ويعبرون وربما يروجون، أنه مع الأحداث الأخيرة في المنطقة، ضاعت الدماء التي سُفكت دفاعًا عن ضريح السيدة زينب؛ وهذا خطأ كبير”.

وأردف: "هذا الخطأ الكبير ارتكبه هؤلاء الأفراد – الدم لم يضع.. النصر في سوريا سيحدث قريبا".

وعلق موقع "مجاهدي خلق" المناهض للنظام الإيراني على تصريحات خامنئي بقوله: “استمرارا لجهوده العبثية للتغلب على مأزق نظامه في سوريا، أدلى الولي‌ الفقیه للنظام الإيراني بتعليقات علنية ردا على الانتقادات المتزايدة والسخرية من فشل النظام الإيراني في سوريا”.

وبين الموقع أن تصريحات خامنئي تأتي بعد “إهدار عشرات المليارات من الدولارات، وخسارة الآلاف من أعضاء حرس النظام الإيراني” في سوريا.