لعنة النفط.. لهذا يجب على جنوب السودان تنويع موارده الاقتصادية

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

بعد استئناف الصادرات النفطية، تسود تخوفات من أن تصيب لعنة ندرة الموارد جنوب السودان، الجمهورية التي انفصلت عن الخرطوم عام 2011.

وأوصى معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي بتنويع الاقتصاد في هذه الدولة الإفريقية، لتحفيز التنمية والاستدامة على المدى الطويل وعدم السقوط في مفارقة الوفرة.

حرب داخلية

وأعلنت وزارة الطاقة والبترول السودانية في 4 يناير/كانون الثاني 2025، التوصل إلى اتفاق مع وزير النفط في جنوب السودان بوت كانج شول، وشركة أنابيب البشاير (بابكو)، لاستئناف إنتاج النفط في جوبا بطاقة 90 ألف برميل يوميا.

وكانت صادرات نفط جنوب السودان قد توقفت في أواخر مارس/آذار 2024، فجأةً بعد "انفجار كبير" في خط أنابيب يقع في منطقة الحرب الأهلية المستمرة في السودان المجاور منذ أبريل/نيسان 2023.

وكان السودان قد رفع حالة "القوة القاهرة" التي أعلنها في مارس 2024، على نقل النفط الخام من جنوب السودان إلى ميناء على البحر الأحمر بعد تحسّن الظروف الأمنية.

وفي حديثه عن الآثار الاقتصادية المترتبة على الاعتماد على النفط في دولة جنوب السودان، حذر المعهد البحثي الإيطالي من عامل الفساد ووقوع البلاد فيما يعرف بمصطلح "لعنة الموارد". 

وانفصلت دولة جنوب السودان في 9 يوليو/تموز 2011، بعد حرب أهلية اندلعت في مرحلة أولى من عام 1959 إلى 1972، ثم تجددت من 1983 إلى 2005.

وانتهت الحرب بتوقيع اتفاقية سلام شامل في منطقة نيفاشا جنوبي كينيا، وبموجبه يتقاسم جنوب السودان مع الشمال عائدات البترول بنسبة 50 بالمئة لكل منهما.

ورغم قرار سكانها في استفتاء تقرير المصير عام 2011 الاستقلال عن الخرطوم، لم تسلم أحدث دولة في العالم من التوترات والحروب.

فقد انزلقت إلى حرب أهلية من 2013 إلى 2018 على إثر محاولة انقلاب قادها آنذاك نائب الرئيس السابق ريك مشار ضد الرئيس الحالي سلفا كير.

وكانت حصيلة السنوات الخمس من القتال وخيمة على شعب جنوب السودان بمقتل نحو 400 ألف شخص ونزوح أكثر من  مليون و600 ألف ساكن، قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق سلام وتقاسم السلطة عام 2018.

وكان لهذا الوضع آثار دراماتيكية، على البلاد بعد أن تسبب اليوم في أن تصبح أفقر دولة في العالم.

إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 334,14 دولارا فقط، وفق ما يقول المعهد الإيطالي.

لعنة النفط

وأشار إلى إمكانية تعريف جنوب السودان اليوم بأنه “دولة نفطية”، موضحا أنه عادة ما يطلق هذا المصطلح على البلدان التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على استخراج هذه المادة وتصديرها.

ويذكر أن البلاد تخضع لحكم استبدادي، وقد احتلت المرتبة الثالثة بين أكثر الدول فسادا في العالم بحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2023.

ولفت المعهد الإيطالي إلى أن من السمات المميزة للأنظمة النفطية أو ما يطلق عليها Petrostate، عدم الاستثمار في القطاعات الرئيسة مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية الأساسية.

 وحذر من أن ذلك يعرض الاقتصاد إلى مخاطر "لعنة الموارد" أو "المرض الهولندي"، نسبة إلى حالة الكسل والتراخي الوظيفي التي أصابت الشعب الأوروبي المذكور، بعد اكتشاف النفط والغاز في بحر الشمال.

وظهر مفهوم المرض الهولندي عام 1977 بعد اكتشاف أمستردام لاحتياطات ضخمة للغاية من الغاز الطبيعي عام 1959، بما تبعه من زيادة كبيرة جدا في الصادرات.

لكن كان هناك تناقض كبير جدا بين التدفق الكبير للإيرادات الخارجية وصعوبات الاقتصاد داخليا، بسبب عدم استثمار عوائد الغاز جيدا. 

وبين المعهد الإيطالي أن هذه اللعنة تتجلى عندما تتحول وفرة الموارد الطبيعية إلى عقبة أمام تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي بدلا من أن تسهم في تعزيز التنمية.

وأشار إلى أن البلدان المتضررة من هذه اللعنة تكون في العادة منخفضة أو متوسطة الدخل، وغالبا ما ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح أكثر فقرا من نظيرتها التي لا تمتلك موارد طبيعية كبيرة.

ضرورة تنويع الاقتصاد

وأردف أن استخراج هذه المادة يظل قطاعا رئيسا في جنوب السودان، لا سيما أن النفط الخام والمكرر شكل عام 2022 ما نسبته 86.5 بالمئة من إجمالي صادرات البلاد، ما سلط الضوء على حالة عدم الاهتمام بتنويع الاقتصاد.

وبلغ إنتاج جنوب السودان نحو 150 ألف برميل يوميا من النفط الخام عبر الخرطوم للتصدير، وذلك قبل اندلاع الصراع فيها عام 2023.

وكما هو الحال مع الدول النفطية الأخرى، فإن جنوب السودان عرضة لتقلبات أسعار النفط.

فهي تضطر بسبب الاستثمار بشكل رئيس في قطاع واحد إلى استيراد الكثير من السلع الاستهلاكية والمنتجات الصناعية بسبب ضعف الإنتاج الوطني.

يضيف المعهد أن استخراج النفط يتسبب أيضا في عواقب وخيمة على البيئة والمجتمعات المحلية، خصوصا أن تلوث المياه والتربة، وإزالة الغابات، فضلا عن النزوح القسري للسكان، تشكل مشاكل شائعة في المناطق المنتجة لهذه المادة.

ويوصي المعهد الإيطالي بضرورة تركيز دولة جنوب السودان على وضع سياسات تشجع التنوع الاقتصادي، وتعزز الاستثمار في القطاعات الإستراتيجية مثل الزراعة وتنمية البنية الأساسية المحلية.

وبالرغم من أن استئناف صادرات النفط إلى السودان قد يسهم في تطور سريع لهذا القطاع، فقد حذر المعهد من مخاطر الإدارة غير الفعالة لعائدات هذه المادة والوقوع في خطر الإصابة بـ "المرض الهولندي".

وأشار إلى أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الاعتماد على قطاع النفط، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على القدرة التنافسية للقطاعات الاقتصادية الأخرى، مثل الزراعة أو التصنيع.

وتابع أن توسع قطاع النفط سيخلق فرص عمل، لكنه في الوقت نفسه قد يحول الانتباه بعيداً عن القطاعات الإنتاجية الأقل ربحية، مما يزيد الطلب على العمالة في القطاعات المتعثرة.

 ولتجنب هذه المخاطر، أكد المعهد على ضرورة أن تعمل حكومة جنوب السودان على تطوير سياسات اقتصادية تهدف إلى الإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية وتنويع اقتصادها.