لماذا تُرجئ البحرين أحكامها بحق المعارضين لأيام العطلات بأوروبا؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعمد محاكم البحرين التي تصدر أحكاما نهائية إلى تأجيل إصدار الأحكام القضائية "النهائية" إلى أيام العطلات الرسمية في الغرب، وهو ما فعلته مؤخرا في قضية المواطنين المحكومين بالإعدام حسين علي موسى ومحمد رمضان.

وهذان الشخصان يواجهان اتهاما بتنفيذ تفجير بمنطقة الدير أسفر عنه قتل شرطي والشروع في قتل آخرين في 2014.

حكم الإعدام انتقدته منظمات حقوقية، مؤكدة أنه أصدر بناء على اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب، ليستأنف عليه أصحاب الحق، وتقرر محكمة الاستئناف تأجيل النطق بالحكم النهائي في القضية إلى  25 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وهو يوم عطلة رسمية في الدول الغربية بمناسبة ذكرى عيد الميلاد.

الأمر الذي دفع 20 عضوا في البرلمان الأوروبي لإرسال رسالة إلى وزير العدل البحريني، يبدون فيها مخاوفهم من تثبيت حكم الإعدام، مشيرين إلى أن اختيار اليوم محاولة من جانب سلطات البحرين لتقويض قدرة المجتمع الدولي على مراقبة الموقف والرد عليه.

وذكروا بقضية المدافع عن حقوق الإنسان نبيل رجب، الذي أصدرت بحقه محكمة الاستئناف العليا حكما نهائيا العام الماضي في 31 ديسمبر/تشرين الأول –ليلة رأس السنة الماضية-، أيدت به حكما بسجنه خمس سنوات بسبب "تغريدات ناقدة" حول واقع السجون وحرب اليمن.

 

واقع الأحكام

الواقع الحقوقي في البحرين يؤكد أن هذه القضايا ليست وحدها التي تم إرجاء الفصل فيها لأيام عطلات رسمية غربية، ما يثبت أن الأمر ليس من قبيل الصدفة، فتأجيل سلطات البحرين إصدار الأحكام النهائية إلى يوم عطلة على مستوى العالم، ينسحب على كثير من قضايا ومحاكمات سابقة.

وأبرز تلك القضايا إعدام علي العرب (25 سنة) وأحمد الملالي (24 سنة) بعدما استنفذا كل الطعون، رميا بالرصاص، بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية وارتكاب جرائم القتل وحيازة المتفجرات والأسلحة النارية تنفيذا لغرض إرهابي.

حكم الإعدام تم تنفيذه في يوليو/تموز الماضي، في 27 يوليو/تموز الماضي، خلال العطلة التشريعية الصيفية في بريطانيا، الولايات المتحدة، وأوروبا.

واعتبر حقوقيون المعدومان ضحيتا تعذيب أدينا في محاكمة جائرة، ونفذت السلطة عمليات الإعدام بحقهم وسط احتجاج دولي ضد هذا الإجراء. 

وفي يوم عيد الميلاد أيضا قبل عامين، وتحديدا في 25 ديسمبر/كانون الأول 2017، أصدرت المحكمة العسكرية الكبرى بالبحرين حكما بالإعدام على ستة متهمين "مدنيين"، وأسقطت عنهم الجنسية بعد إدانتهم بتهم منها "تشكيل خلية إرهابية والشروع في اغتيال القائد العام لقوة الدفاع".

وقد أيدته محكمة التمييز العسكرية التي تعد أعلى درجات المحاكم العسكرية وحكمها نهائي في يناير/كانون الثاني 2018، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها حكما في قضية يحاكم فيها مدنيون، بعد تعديل الدستور في أبريل/نيسان 2017 قانون رقم (12) لسنة 2017 بما يسمح بمحاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية.

ولم تستثن الحكومة البحرينية قضية الزعيم الشيعي ورئيس جمعية الوفاق المحظورة علي سلمان، من وضعها في جدول أيام العطل والأعياد، حيث كانت قد اعتقلته بعد ثلاثة أيام من يوم عيد الميلاد في 28 ديسمبر/كانون الأول 2014، وحكمت عليه لمدة أربع سنوات بتهم متعلقة بحرية التعبير.

وبعد انقضائها تلك العقوبة، يقضي عقوبة أخرى بالسجن مدى الحياة بتهم "التخابر مع قطر وتسليم أسرار دفاعية" التي يعود تاريخها إلى عام 2011.

تعتيم متعمد

وبدوره، استنكر حسين عبد الله مدير منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية بالبحرين، اختيار دول الخليج بشكل عام والبحرين بشكل خاص، على مدى السنوات الماضية، الإجازات الغربية كفرصة لتنفيذ مجموعة واسعة من الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، سواء كانت هذه الإجازات عيد الشكر أو عيد الميلاد أو رأس السنة أو حتى إجازات تشريعية.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن دول الخليج تعوّل على أن شركاءها الغربيين سيكونون غائبين بشكل شبه كامل عن إصدار بيانات أو مواقف دولية تستنكر أعمالهم وقراراتهم وأحكامهم. 

وأشار "عبدالله" إلى أن الحكومة والقضاء البحريني تستغلان عطلة الأعياد من أجل التعتيم على إصدار قرارات خطيرة وسيئة بشأن القضايا البارزة، لتجنب التدقيق الدولي، مؤكدا أن هذا صار نمطا معتمدا للأسف.

وأعرب عن أمله أن يكون مصير محمد رمضان وحسين موسى مختلفا هذه المرة عما سبق من أمثلة، وذلك من خلال اعتماد وسائل الضغط الدولية، خاصة من قبل حلفاء كالولايات المتحدة وبريطانيا، وبهذا سيتمكنان من تجنب حكم إعدام قسري وغير قانوني. 

ودعا "عبدالله" المجتمع الدولي للضغط على السلطات البحرينية من أجل ضمان إجراء محاكماتهما بكل ضمانات حقوق الإنسان، وعدم السماح لاحتفالات عيد الميلاد بصرف الانتباه أو تبييض انتهاكات الحقوق.

وحث أيضا على وقف جميع أحكام الإعدام، والسعي لحظر استخدام هذه العقوبة وفتح تحقيقات شفافة بما يتعلق بمزاعم التعذيب، بهدف محاسبة المنتهكين.

مطلب إلغاء عقوبة الإعدام بالبحرين، نادت به دول غربية عدة، ومنظمات حقوقية رسمية وغير رسمية، إلا أن السلطات البحرينية تتجاهل كل المناشدات، وتصر على أنها تنفذ أحكامها بعد استيفاء "كافة معايير العدالة" -بحسب قولها-.

المنظمات الحقوقية تصف تنفيذ السلطات البحرينية لعقوبة الإعدام بأنها "عمليات مروعة"، وتعتبرها "جريمة إعدام تعسفي وقتل خارج إطار القانون"، خاصة في ظل وجود دلالات على تعرض المحكومين بتلك العقوبة لعمليات تعذيب لانتزاع الاعترافات تتضمن نزع أظافر وربط بكرسي وصعق بالكهرباء وغيرها من الانتهاك للإجراءات القانونية.

أما أعضاء البرلمان الأوروبي فيدينون الإعدامات في البحرين ويعتبروها عقوبة مهينة لا إنسانية، ويطالبون السلطات بإيقاف تنفيذها أو تجميدها، مستندين في طلبهم على ما تصدره المنظمات الحقوقية من تقارير تؤكد ازدراء السلطات البحرينية لحقوق الإنسان، وعدم حصول المحكومين على محاكمات عادلة.

فيما تحث بريطانيا -أبرز حلفاء البحرين-، سلطات المنامة على حظر استخدام عقوبة الإعدام، مع كل حكم إعدام يصدره القضاء البحريني، ما يضطرها إلى إصدار بيان تزعم فيه "التزامها بالصكوك الدولية الموقعة وفقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور والقانون وضمان جميع ضمانات المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة".

تجنب النقد

ونتيجة لسيل البيانات المنتقدة للقضاء البحريني من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى جانب اهتمام الإعلام الدولي بهذه القضية، تحاول السلطة تخفيف هذه الإدانات عبر اختيار الأوقات التي تتزامن مع العطل الرسمية العالمية، بحسب ما أكده المعارض السياسي والناشط البحريني، علي مشيمع.

وأشار مشيمع في حديثه مع "الاستقلال" إلى أن ذلك حدث في عدد من المحاكمات، حيث يأتي إرجاء البت في قضية حكم الإعدام ضد محمد رمضان وحسين موسى في هذا السياق.

وينظر مراقبون بريبة وتخوف من تحديد 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، يوما للنطق بالحكم النهائي في قضيتهما والتي كان لها أصداء كبيرة على مستوى برلمانات ومنظمات دولية.

وأكد "مشميع" أن النظام البحريني يتجنب نقد الدول الغربية وخصوصا الحليفة والداعمة مثل بريطانيا التي ترفض عقوبة الإعدام بشكل مطلق في أي قضية، ما قد يجعل موقفها تجاه هذه المسألة غير مرضيا للسلطة في البحرين.

وأضاف أن هذا يفسر اختيار السلطة البحرينية لتنفيذ الإعدام ضد ضحيتا التعذيب أحمد الملالي وعلي العرب مع بداية إجازة الحكومة والبرلمان البريطاني في نهاية يوليو/تموز الماضي. 

واستطرد "مشميع": "في كل الأحوال هذا لا يعني أن بريطانيا على سبيل المثال ستتخلى عن نظام الحكم في البحرين، فتلك الدول أيضا مساهم رئيسي في استمرار القمع وسياسة الاضطهاد لأنها تقدم مصالحها الاقتصادية والاستقرار الأمني على حقوق الإنسان".

وأشار إلى أنها تكون "مضطرة" لإظهار نقد علني للأنظمة الديكتاتورية كنظام البحرين لإسقاط العتب، قائلا: "لو كانت بريطانيا وغيرها جادة في الدفاع عن حقوق الإنسان لكان بإمكانها إجبار البحرين والضغط عليها لتغيير سياستها تجاه الشعب وإطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان".

وتطرق المعارض البحريني إلى تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش سابقا، أظهرت فيه فساد القضاء في البحرين حيث يفلت الجلادون من المحاكمات بينما تصدر الأحكام المغلظة والإنتقامية ضد المعبرين عن رأيهم.

وأضاف أن الحقوقي البارز نبيل رجب هو أبرز مثال لفساد القضاء من هذه الناحية إلى جانب المحاكمات التي طالت زعماء المعارضة السياسية. 

فساد قضائي

المنظومة القضائية في البحرين تواجه اتهامات في نزاهتها وتعمدها التنكيل بالمعارضين وانتزاع الاعترافات، فضلا عن أن اتهامات للعائلة المالكة بالعبث في المنظومة من توجيه القضاء وتعيين القضاة وغيره.

وتحت عنوان "كيف يدير القضاء لعبة الانتقام في البحرين؟"، نشرت شبكة الجزيرة، تقريرا أعده باقر درويش رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان، أكد فيه أن المنظومة القضائية تحوَّلت -في السنوات الماضية- إلى أداة رئيسية للتنكيل بالمعارضين، حتى بات من الممكن قياس مستوى التوتر الداخلي وفق إيقاع الأحكام القضائية التي تصدر.

وأشار إلى أن الاستعمال السياسي للقضاء يستند إلى الرافعة التشريعية التي أتاحت للسلطة الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة، من خلال بعض المواد الدستورية الموجودة في دستور المنحة الصادر بإرادة منفردة عام 2002، لافتا إلى أنها وسعت نفوذ السلطة التنفيذية في القضاء.

ولفت التقرير إلى أن الملك يمتلك صلاحيات واسعة تتنافى مع ما يقتضيه الدستور من الفصل بين السلطات وأن يكون الشعب مصدرا للسلطات، موضحا أن العائلة البحرينية الحاكمة تحتل المرتبة الأولى في التعيينات القضائية منذ أكثر من مائة عام، وأن الملك لديه السلطة العليا في تعيين القضاة بخلاف المعايير الدولية فضلا عن ترقيتهم أو عزلهم من مناصبهم.

وكان التقرير السنوي لعام 2018 الصادر عن منتدى البحرين لحقوق الإنسان، قد رصد تحت ‏عنوان "التعذيب سيد الأدلة" وقوع 791 حالة تعذيب وسوء معاملة، ‏مؤكدا أن جريمة التعذيب تشكل أحد الأركان الأساسية في أدوات قمع الحريات والانتهاكات في ‏البحرين، وهي ركن أساسي من العقيدة الأمنية.‏