من الدعوة إلى السياسة.. ما سر علاقة "القبيسيات" بنظام بشار؟
لفتت "حركة القبيسيات" النسوية السورية، الأنظار مجددا عقب لقاء جمعهن برئيس النظام السوري بشار الأسد، في خطوة غير مألوفة من نظام اعتاد شيطنة الحركات والتنظيمات الإسلامية بهدف قمعها، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن طبيعة التنظيم وعلاقته بالسلطات.
ولعل آخر لقاء جمع القبيسيات برأس النظام السوري، كان في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إذ جرى استقبالهن في القصر الرئاسي تحت مسمى "تمتين المجتمع من الداخل، وذلك من خلال التصدي للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة سواء الموجودة في المجتمع أو الدخيلة عليه والتي حملتها معها التنظيمات الإرهابية".
صوفية الجذور
"القبيسيات" تعرف بأنها جماعة دينية إسلامية، صوفية الجذور، تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن تعدادها يصل 150 ألف امرأة، لأن تنظيمها يعتمد على النساء حصرا قيادة وأفرادا في حالة ربما تكون الأغرب بين الحركات الدينية الأخرى.
اكتسبت تسمية "قبيسيات" إلى "الآنسة الأم" منيرة القبيسي (86 عاما)، التي تتلمذت على يد مفتي سوريا الراحل الشيخ أحمد كفتارو، المشهور باتباعه الطريقة " الصوفية النقشبندية".
بدأت الحركة بالنشاط سرا منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وتعقد حلقاتها الدعوية في البيوت، وبدأ نشاطها يتوسع بعد توريث كرسي الحكم لبشار الأسد، خلفا لأبيه حافظ في العام 2000.
واستهدفت دعوة منيرة طالباتها في مدارس دمشق، وبخاصة الفتيات المنحدرات من عائلات دمشقية كبيرة وثرية، وكانت تركز الدروس الدينية في المناطق الغنية من العاصمة، لتنتشر فيما بعد في كامل أنحاء دمشق، وريفها، وحلب، وحمص ومحافظات أخرى، وليمتد اسم الجماعة لاحقا خارج سوريا.
أما بخصوص الهيكلية التنظيمية للحركة، فإنها تنحصر في تسلسل هرمي ينظم البنية الأساسية للتنظيم النسوي، وفي مقدمتهن "الحجَّات"، ويعتبرن بمثابة مجلس الإدارة، فهن الطبقة الأولى والنواة المركزية والمرجعية النهائية التي تدير الجماعة وحلقاتها وتضع الخطط والبرامج وتشرف على التنفيذ العام وتُرفع إليهن التقارير.
وفي المرتبة الأدنى من "الحجَّات" تأتي الآنسات، وهن الذراع التنفيذية للخطط والبرامج وعلى عاتقهن تقع مسؤولية الاستقطاب والوصول إلى الشرائح المستهدفة، وهنا تكمن سلسة تراتبية من الآنسات يتمايزن بألوان حجاباتهن من الأزرق السماوي إلى الكحلي الغامق وما بينهما من درجات، غير أن الجماعة لا تصرح بذلك.
ويتركز التنظيم على القاعدة الأساسية، وهن المريدات أو الطالبات، إذ تمثل الشريحة المستهدفة، ويتم تأطيرها في حلقات تتبع كل حلقة لآنسة فيما يشبه الخلية التنظيمية التي تلتقي بشكل دوري ويقدم لها منهاج مدروس ومقرر من مجلس الإدارة "الحجّات" وينتقلن تصاعديا من آنسة إلى أخرى.
ربيبات النظام
ليست المرة الأولى، التي يستقبل الأسد القبيسيات، فقد كن في ضيافة رئيس النظام السوري في 2012، ولاقت حركتهن نقدا شعبيا واسعا أثناء انطلاق الثورة السورية.
زادت الحركة من نشاطها عقب اندلاع الثورة السورية، وبدأت تظهر الدروس الدينية إلى الموالد النبوية والاحتفالات، وغيرها من المناسبات الدينية والاجتماعية، الهادفة إلى التعليم الديني، وتحولت بعدها إلى مؤسسة دينية لها مؤسساتها وجمعياتها ومعاهدها المدعومة من النظام.
ويرفض النظام إطلاق تسمية "القبيسيات" على الحركة النسوية، ففي بيان للوزارة عام 2018، قالت: إنه "أنه لا وجود لتنظيم بهذا الاسم، كما أن هذه التسمية التي كانت تعود لفترة معينة، لم تعد موجودة الآن، وإنما توجد حاليا معلمات القرآن الكريم مهمتهن تحفيظ القرآن وتفسيره".
وخلال اللقاء الأخير، أكدت "القبيسيات" عزمهن على مواصلة العمل من أجل تطوير الخطاب الديني وتكريس ثقافة الحوار وبناء الإنسان الواعي بما يسهم في إعادة الوطن أفضل مما كان.
الكاتب والباحث بشأن قضايا الجماعات والحركات الإسلامية، ماهر علوش، قال في تصريحات صحفية: "ليس بالضرورة أن يكون النظام السوري هو مؤسس هذه الحركة. الأنظمة قد تستفيد من حركات وجماعات قائمة بالفعل، من خلال استيعابها، وهو النموذج الأكثر تداولا في المنطقة العربية".
وأوضح، أن غياب الرؤية السياسية عند القبيسيات، كان عاملا مطمئنا للنظام، إذ لم ير فيها تهديدا سياسيا، وهو ما دفعه إلى قبولها، وليس لأنها سيئة، بل لأنها لا تتعارض مع مصلحته، لأنها توجه سلوكها لإصلاح الفرد.
ولفت علوش إلى أن النظام يحرص على مد بعض الجسور نحو الحركات النافذة في الأوساط السنّية السورية، بحثا عن الشرعية الاجتماعية، نظرا إلى انتماء الأسرة الحاكمة إلى الأقلية العلوية.
وحسب تقارير نقلت عن معارضين للأسد، فإن "النظام يعمل على مأسسة ما يمكن تسميته بـ"الإسلام الشامي"، المكونة من شبكة المؤسسات ورجال الدين والخطابات والتوجهات، التي تلتزم بتوجهات وزارة الأوقاف والأجهزة الأمنية في مختلف المناطق، دون تدخل في أي من الشؤون السياسية والعامة في البلاد".
وأشار المعارضون لنظام الأسد أنها "أداة لشرعنة المنظومة الحاكمة والترويج لها، وخلق فضاء من السلام الاجتماعي السوري، لا يفكر بالمسألة السياسية الداخلية بتاتا".
النشاط السياسي
بعد الثورة السورية، اصطفت رؤوس الجماعة إلى جانب النظام السوري وهذا حالها بوصفها كيانا كاملا، وأما ما كان من بعض القبيسيات من الوقوف إلى جانب الثورة، فهن يؤكدن أن هذه حرية شخصية لا علاقة لها بموقف الجماعة، حسب تقارير.
كانت سلمى عياش أول امرأة من الداعيات القبيسيات تُعيّن في منصب معاون وزير الأوقاف في سوريا، وذلك في ربيع عام 2014 في خطوة تمثل مكافأة من النظام للجماعة على مواقفها من جهة واستخدامها سياسيا في ظل الثورة من جهة أخرى.
كما أصبحت القيادية في الجماعة فرح عشو عضو في مجلس الشعب التابع للنظام السوري 2016- 2020، فيما عُينت خديجة الحموي مديرة للدعوة النسائية في وزارة الأوقاف، أما سوسن فلاحة فعرفت بدعمها للأسد في الانتخابات.
اللافت هو ظهور انشقاق في حركة القبيسيات" النسوية، تحت ضغط وتأثير تطور أحداث الثورة، حيث عملت الجماعة بشكل شديد الوضوح على الابتعاد عن أي موقف سياسي مع الثورة أو مع النظام، إلا أن ما يجري على الأرض لم يكن يسمح بضبط كامل للتنظيم، فقد كان لا بد للبعض من اتخاذ موقف واضح من الثورة.
وظهرت حالة نسوية جديدة تحت اسم "حرائر القبيسيات" نهاية (نوفمبر/تشرين الثاني) 2011، تعمل على دعم الثورة، لكن من غير الواضح حتى الآن مدى تماسكها وتأثيرها.
وتعليقا على النشاط السياسي لـ"القبيسيات" قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عبدالرحمن الحاج في حديث لتلفزيون "سوريا": "الحركة أسست على أساس الرفض للعمل السياسي، وأنها تعتنق الفكر الصوفي، لإصلاح المجتمع".
ولفت إلى أن بدايات تأسيس التنظيم كان موضوع السياسة والإعلام من المحرمات لدى "القبيسيات"، إلا أنه في أحداث الثمانينيات (قمع الإخوان في حماة) وخشية التأثير في نشاط الجماعة، قام الشيخ محمد سعيد البوطي بالتوسط لدى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، لمنح الحرية للجماعة على الأقل في حدود معينة، أو إبعادها من أن تكون ضمن الجماعات المستهدفة من أجهزة الأمن.
وأشار إلى أنه في فترة نشاط "القبيسيات" كانت المخابرات السورية تسعى إلى اختراقها، إضافة إلى ذلك فإن الجماعة الصوفية هذه كانت تركز نشاطها على العائلات الغنية والمتقدمة في الدولة، وسمح ذلك للنظام بطريقة ما للتأثير في الجماعة.
ونوه الحاج إلى أن النشاط العلني للجماعة النسوية، انطلق بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2004، لأنه كان يتخوف من استهدافه أيضا، فاستخدم الجماعات الدينية ومنها "السلفية والقبيسيات"، في عملية تعطي تصورا أن المجتمع يتجه للتدين، ليبعث برسالة خوف للمجتمع الدولي بأن الإسلاميين هم البديل للنظام.
وأكد الباحث السوري، أن الحركة بعد الثورة السورية تغيرت. عدد من "القبيسيات" كن قريبات من النظام، مثل أميرة جبريل شقيقة القيادي الفلسطيني في اللجان الشعبية أحمد جبريل في سوريا، وهو متحالف مع نظام الأسد، إذ لعبن دورا في جر الحركة النسوية إلى دعم النظام السوري، وهو ما أوصل بعضهن إلى مجلس الشعب، وغيرها من المناصب.