يتيح التزوير.. البرلمان العراقي يزرع "لغما" في قانون الانتخابات

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يحاول البرلمان العراقي إعادة بناء الثقة مع العراقيين بالعملية الانتخابية من جديد، بعدما شهدت الانتخابات البرلمانية العامة في مايو/أيار 2018، عمليات تزوير وبيع لأصوات الناخبين، أضعفت أمل الكثيرين في تغيير الواقع المتردي عن طريق صناديق الاقتراع.

إلى جانب ذلك، فإن حالة العزوف الكبيرة عن الانتخابات الأخيرة، دقت جرس الإنذار لدى القوى السياسية، ودفعتهم لإجراء تعديلات شبه جوهرية في قانون الانتخابات، لحث العراقيين على المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات في أبريل/ نيسان 2020.

"قنبلة موقوتة"

تلك التغييرات في قانون الانتخابات، كانت "ملغومة بقنبلة موقوتة" تمثلت في أن المحافظة التي لا يصل فيها تحديث سجل الناخبين على البطاقة البيومترية (تعتمد بصمات العينين واليدين) بنسبة 75 بالمئة من ناخبيها، فإن الانتخابات ستجري فيها وفقا للبطاقة القديمة، إذ أن الأخيرة قابلة للتزوير.

المعلومات الخطيرة هذه كشفها النائب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، أحمد الجبوري، الذي أكد أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي هو من دفع بهذا الاتجاه، ولم يلق بالا لطلبات النواب بمعاقبة مديري مكاتب المفوضية في المحافظات، إذا لم تصل نسب التسجيل في مناطقهم إلى الرقم المقرّ في التعديل الجديد (75 بالمئة).

وأوضح النائب خلال مقابلة تلفزيونية، أن "لديه معلومات تفيد بفقدان 3 مليون بطاقة من النوع القديم، وتتوزع تحديدا بين المحافظات التي استعيدت من تنظيم الدولة (الأنبار، نينوى، وصلاح الدين)"، لافتا إلى أن "أسماء أصحابها مثبتة في سجلات الناخبين، لكنها لم تصل إليهم".

وأكد الجبوري، أن هذه المحافظات قطعا لن تصل نسب التسجيل فيها إلى 75 بالمئة، وبالتالي سيتم اعتماد البطاقات غير البيومترية في العملية الانتخابية، ويعود التزوير كما حصل في الانتخابات السابقة.

وحذر النائب، مفوضية الانتخابات من إقالتها بالكامل، في حال لم تستطع إيصال التسجيل إلى النسب المطلوبة، وذلك بعد صرف 500 مليون دولار لها، على أن تنجز مهمتها على أكمل وجه، عن طريق الفرق الجوالة في المناطق، وكذلك إلزام موظفي الدولة باستلام بطاقات بيومترية.

وأشار الجبوري إلى أن استلام المواطن للبطاقة مهم جدا، حتى لو لم يذهب للانتخابات، فإنه بذلك لا يدع صوته يسرق بواسطة البطاقة الانتخابية القديمة، مبينا أن البرلمان إذا لم يلزم مفوضية الانتخابات بإكمال ما نسبته 75 بالمئة، فإنها لعبة وقنبلة موقوتة وضعت في القانون.

قبل ذلك، كشف النائب رشيد العزاوي، عن خلاف محتدم يدور خلف الكواليس، حول اعتماد البطاقة الانتخابية القديمة من عدمها، في تعديل قانون انتخابات المحافظات والأقضية غير المرتبطة بإقليم.

وقال العزاوي: إن "مقترحا قدم من عدد من النواب والخبراء في مجال الانتخابات والمفوضية الخاصة بها للحد من عمليات التزوير والتلاعب بأصوات المواطنين، بأن تكون البطاقة التي يتم اعتمادها في الممارسة الانتخابية المقبلة، هي البطاقة البيومترية فقط، التي تتصف بطول الأجل وتحمل صورة وبصمات كل ناخب عراقي".

وبحسب النائب، فإن "بعض الكتل اعترضت على المقترح وترفض تطبيقه، بأعذار وحجج تم تفنيدها، كون تطبيق هذا الإجراء سيحد من عمليات التزوير الذي تقتات عليه بعض الكتل في العملية السياسية".

ملف النازحين

وبخصوص ملف النازحين، فقد نصت التعديلات الجديدة لقانون الانتخابات، على أن يكون تصويت النازحين لمن يمتلك بطاقة بيومترية حصرا، وهذا يعني أنه لا يوجد تصويت مشروط أو حركة سكانية بالانتخابات المقبلة. إضافة إلى اعتماد بطاقة الناخب البيومترية كوثيقة رسمية.

وكشفت تقارير صحفية، أن "تحالف القوى العراقية (السنة) بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تداول خلال الجلسات الماضية في اللجنة القانونية مسألة بقاء آلاف النازحين في المخيمات وطريقة التعاطي مع ملفهم خاصة، وأن أعدادهم لا تزال كبيرة وهي تمثل جمهورا لهم، إذ يطالبون باعتماد التصويت اليدوي".

وقالت مصادر سياسية لـ"الاستقلال" إن الكتل السياسية التي اعتادت التزوير في كل انتخابات، تسعى إلى تشويه اعتماد البطاقة البيومترية، وتحاول بشكل أو بآخر أن تعرقل ذلك، وهذا ما برز جليا في وقوف رئيس البرلمان ضد اعتماد البطاقة البيومترية بشكل كامل في المحافظات التي استُعيدت من تنظيم الدولة.

وأكدت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن المتضرر الأكبر من البطاقة الانتخابية السابقة، هم الناخبون في المحافظات ذات الغالبية السنية، التي تحاول أطراف سياسية نافذة الاستحواذ على أصواتهم، لذلك وضعت شرط أن يصل التسجيل إلى نسبة 75 بالمئة، كي يتم اعتماد البطاقة البيومترية، ولا سيما أن أعدادا كبيرة لا تزال نازحة من مناطقها.

ولفتت إلى أن السبيل الوحيد للخلاص من عمليات التزوير هو استلام العراقيين للبطاقة البيومترية، التي تعتبر بمثابة قاطع الطريق أمام الكتل التي تعول على تزوير إرادة الشعب، وحتى لو لم يرغب العراقي بالتصويت فإن ذلك يعتبر عاملا إيجابيا، إذا استلم البطاقة سالفة الذكر، حتى لا يُسرق صوته.

"النازحون" الذين لم يتمكنوا من التصويت بسبب وجودهم في المخيمات، كانت أصواتهم عرضة للتزوير، إذ فجّر نواب سابقون جدلا واسعا بعد كشفهم عن عمليات بيع أصوات الناخبين النازحين، إضافة إلى أصوات الناخبين المقيمين خارج البلاد.

وفي جلسة سرية عقدها البرلمان في دورته السابقة عقب إجراء الانتخابات البرلمانية في مايو/ أيار 2018، كشف النائب العراقي، مشعان الجبوري، عن اجتماع خاص حضره مع شخصية سياسية عراقية، ومدير بالمفوضية، جرى خلاله الاتفاق على بيع أصوات الناخبين لمراكز انتخابية كاملة.

وأوضح الجبوري، أن "الاجتماع الخاص جرى في فندقه الخاص بالعاصمة السورية دمشق، وضم قائد إحدى التحالفات الانتخابية (لم يذكر اسمه)، إضافة إلى مدير مكتب الخارج لمفوضية الانتخابات العراقية في الأردن سوريا، محمد العيساوي".

وذكر النائب العراقي في فيديو مسرب عن الجلسة السرية، أن "أحد قادة تحالف بغداد اتصل بي، وقال لي هل تريد ألفي صوت، قلت: نعم أريد، قال احجز طائرة ونسافر خارج العراق للقاء أناس نشتري منهم أصواتا".

الجبوري، أكد اجتماعه وقائد التحالف الانتخابي، مع محمد العيساوي مدير المفوضية في الأردن وسوريا، قائلا: "الجلسة حصلت في فندق أنا أملكه، وفيه كاميرات الأمن يلزم وضعها في قاعة الاستقبال في جميع الفنادق الخمس نجوم"، مؤكدا أن "مدير المفوضية تعهد ببيع ثلاثة مراكز انتخابية فيها 12 ألف صوت، ومركز آخر في سوريا".

ولم يطالب النائب السابق بإلغاء الانتخابات، لأنها بحسب قوله: "ستدخل البلد في أزمة، رغم قناعتي بوجود الجور والظلم الذي صاحب هذه الانتخابات وخاصة في المحافظات الغربية (ذات الغالبية السنية)، لكن أنا أدعو إلى إلغاء انتخابات الخارج التي أثبت للبرلمان أنها بيعت بمبالغ مالية".

وبيّن الجبوري أن "صناديق ومراكز انتخابية كاملة في المحافظات السنية تسمى القبان، الهدف منها أنها بمثابة مراكز موجودة فعليا لكنها غير معروفة للناس".

وأشار إلى أن "من أخطر ما جرى أن مشتري الأصوات لديهم قوائم بأصوات الناخبين من بغداد، وتمت تعبئة أصواتهم في صناديق الانتخابات من غير معرفة أصحابها، وهذه تم بيعها من المفوضية العليا للانتخابات".

"سانت ليغو"

أقرّ البرلمان العراقي، آلية العد والفرز الإلكتروني باستخدام أجهزة تسريع النتائج التي استخدمت بانتخاب مجلس النواب في 12 مايو/ أيار 2018 بعد ثبوت نجاحها. إضافة إلى اعتماد طريقة سانت ليغو، التي تبدء 1.9 لاحتساب مقاعد الكتل الفائزة.

وأفادت تقارير صحيفة، بأن "الخلافات بين الكتل ترفض الإفصاح عنها لأغراض انتخابية، تتمثل في عدة مواد أبرزها: القاسم الانتخابي وفقاً لطريقة سانت ليغو، إذ لدى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، بشكل خاص والتيارات الشيعية بشكل عام قلق من مسألة عدم الحصول على المقاعد الكافية في المحافظات التي تمثل عمقهم الانتخابي".

وطريقة "سانت ليغو" هي آلية عالمية لتوزيع المقاعد في القوانين الانتخابية التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وأصلها أن يتم تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعديا، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز، أما إذا زاد العدد، كأن يكون 1.5 أو 1.6 فصاعدا، فإن حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب الصغيرة.

ويرى مراقبون، أنّ البرلمان ارتكب خطأ فادحا جديدا بحق العملية الانتخابية، من خلال تصويته على التعديل الجديد لقانون الانتخابات الذي يقضي بالقسمة على 1.9، أن هذه الطريقة ستعزز دكتاتورية الأحزاب الكبيرة وتقصي تلك الصغيرة.

وأشاروا إلى أنّ قانون الانتخابات لم يكن متوازنا، بل جاء متناغما بشكل كبير مع رغبة الكتل البرلمانية، التي جاءت بتعديل على مقاسها، يمكن أن يوصلها إلى مجالس المحافظات بسهولة.

لكن كتلا سياسية في البرلمان ترى عكس ذلك، فقد قال النائب عن "حزب الحل" محمد الكربولي في مقابلة تلفزيونية، إن القسمة على 1.9 ستشجع على قيام التحالفات، بخلاف القسمة على أعداد أقلّ، موضحا أنّ التحالفات المقبلة ستتكون وفقا لقانون الانتخابات.

ويشار إلى أنه في التعديلات الأخيرة، حدد القانون عدد المقاعد وفق آلية جديدة وهي عشرة مقاعد في محافظة لكل مليون نسمة وما زاد عن المليون، مقعد لكل ٢٠٠ ألف نسمة، وأصبح عدد أعضاء مجالس المحافظات ٢٥٥ مقعدا بعدما كانت ٤٥٦ مقعدا في مجالس المحافظات الحالية.

وطبقا للنسب السكانية، فإن أقل المحافظات هي المثنى بعشرة مقاعد والأعلى بغداد بـ٥٠ مقعدا، بعدما كثر الحديث عن أن الحد الأعلى كان ٣٥ مقعدا، الذي نص عليه تعديل قانون رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨. وهذا التعديل جعل السقف الأعلى غير محدد وبالتالي بغداد الأعلى سكانا قرابة تسعة مليون نسمة والمثنى الأقل من مليون نسمة.