العالم ينفض يديه من حفتر.. هل انتهت طموحات الجنرال؟

مهدي محمد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بيان هو الأول من نوعه الذي يدعو إلى وقف القتال حول العاصمة الليبية طرابلس، الأمر الذي يعني عمليا الرفض المباشر لعملية اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي استهدفت منذ انطلاقها في أبريل/نيسان الماضي الاستيلاء على العاصمة، وإسقاط حكومة الوفاق.

المثير أيضا، أن البيان المشترك الذي شمل 6 دول غربية وعربية، تضمّن جميع الداعمين الدوليين والإقليميين لحفتر، وفي مقدمتهم فرنسا ومصر والإمارات، فهل يمكن القول بأن البيان كتب بداية نهاية الجنرال وطموحاته، أم أن المستقبل يحمل له دورا آخر؟

أوقفوا القتال فورا

في تطور لافت ومثير للأزمة الليبية، دعت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ومصر والإمارات، إلى وقف القتال في محيط العاصمة الليبية طرابلس فورا.

وأعربت الدول الست في بيان مشترك لها، الثلاثاء الماضي، عن قلقها إزاء استمرار القتال في طرابلس، ودعت إلى خفض التصعيد ووقف العمليات القتالية والعودة إلى العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة.

وحذّرت الدول من أن "الجماعات الإرهابية" قد تستفيد من الفراغ السياسي في البلاد، بينما أفاد الإعلام الحربي التابع لقوات حفتر بأن اللواء المتقاعد من المتوقع أن يعلن قريبا انطلاق "العمليات الأخيرة لتحرير كامل طرابلس".

البيان النادر يأتي بعد أقل من شهر على هزيمة قوات حفتر المفصلية في معركة مدينة غريان، وخسارتها جميع المحاور بالقوس الغربي للقتال، الأمر الذي لجأت معه قوات حفتر إلى تكثيف قصفها الجوي على مناطق مختلفة في غريان وطرابلس، واستهداف خطوط إمداد قوات حكومة الوفاق جوا وبرا.

قصف طيران حفتر الذي شمل معسكرات غريان ومخازن السلاح والذخيرة التي خلفها جنوده وراءهم، تسبب بانكشاف وجود جنود فرنسيين بالمدينة وأسلحة أمريكية متطورة (صواريخ جافلين مضادة للمدرعات)، اعترفت باريس بأن ملكيتها تعود لها.

ولم يكتف طيران حفتر، بقصف المعسكرات ومخازن الذخيرة، بل طال انتقامه المهاجرين غير النظاميين العرب منهم والأفارقة، بل وحتى المستشفيات الميدانية والمرافق المدنية، الأمر الذي يبدو أنه عزز الموقف الدولي الرافض لاستمرار عمليته العسكرية.

ففي 3 يوليو/تموز الجاري، قصف طيران حفتر بشكل جنوني مركزا لإيواء المهاجرين غير النظاميين بمنطقة تاجوراء شرقي طرابلس، وتسبب في مجزرة مروعة، خلفت ما لا يقل عن 53 قتيلا و130 جريحا، وأعقبتها إدانات دولية واسعة.

كما استهدف طيران حفتر، مستشفى ميدانيا بحي السواني، الذي شهد إحدى هزائم قوات حفتر بطرابلس، وخلّف القصف مقتل 3 جرحى من قوات الوفاق، وإصابة أفراد من الطواقم الطبية.

معارك وهمية

ويبدو أن الهزيمة الثقيلة والمفصلية التي تعرض لها حفتر في غريان، دفعته إلى اختلاق معارك جانبية ربما لتعويض خسارته تلك والبحث عن ميدان آخر غير ميادين المعارك العسكرية التي شهدت هزيمته.

انبرت قوات حفتر إلى شن حرب دعائية وسياسية تتحدث عن انتصارات وهمية واستعدادات ضخمة لاقتحام العاصمة الليبية، رغم خسارتها لنصف المعركة، وفقدانها لنصف خطوط الإمداد الطويلة بمئات الكيلومترات، والإجهاد والاستنزاف الذي يعاني منه جنوده بعد مقتل وإصابة وأسر المئات منهم خلال المعارك.

ولعل الهدف من كل هذه الدعاية الإعلامية رفع معنويات قوات حفتر بعد "هزيمة غريان"، ويظهر ذلك من خلال الترويج لانتصارات وهمية، مثل إعادة السيطرة على غريان وعلى منطقتي صلاح الدين والزطارنة جنوبي طرابلس، وهو ما نفته قوات الوفاق.

وجه آخر من أوجه المعارك الجانبية التي يختلقها حفتر، عبّر عنه استخدام "موالوي" له مسوغات دينية لتبرير الهجوم المستمر منذ أشهر على العاصمة طرابلس، ووصل بهم الحال حد تكفير أهلها واعتبارهم "خوارج ودواعش" والتبشير بنشر "دين محمد الحقيقي" فيها.

ولم تعد الدعوات لقتل أهالي طرابلس باسم الجهاد ومحاربة الخوارج قاصرة على شيوخ التيار المدخلي الداعمين لمشروع حفتر، وإنما باتت تصدر عن بعض الساسة الطامحين لقيادة ليبيا بدعم من قوى إقليمية.

وكان حفتر نفسه أطلق العنان لاستخدام الشعارات الدينية غطاء لحرب يأمل أن تسفر عن بسط سيطرته على كل ليبيا بقوة السلاح، فحين أعلن في الرابع من أبريل/نيسان الماضي عن بدء الهجوم على طرابلس، أطلق عليه "الفتح المبين"، واستخدم عبارات ترمز إلى فتح مكة مثل "من لزم بيته فهو آمن".

وفي كلمة ألقاها قبل أيام في بلدة الأبيار قرب بنغازي (شرقي ليبيا)، انضم سفير ليبيا السابق لدى الإمارات عارف النايض لقائمة طويلة من المحرضين على قتال أهالي طرابلس واستباحة دمائهم، مستخدمين في ذلك شعارات دينية.

وقال النايض في الكلمة التي ألقاها في عزاء والدة أحد نواب المنطقة الشرقية "نحارب جميعا من أجل نصرة الوطن ومن أجل أن يحق الحق ويبطل الباطل وأن يعم دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الحقيقي".

في الأيام القليلة الماضية، أفادت أنباء بأن أبوظبي تدفع باتجاه أن يشكل عارف النايض حكومة موازية جديدة تحل محل حكومة عبد الله الثني- غير معترف بها دوليا- ونقلت عنه وسائل إعلام محلية أنه جاهز لمثل هذا السيناريو ولديه برنامج للحكم.

وكان النايض، أبدى العام الماضي في مقابلة مع صحيفة مصرية، استعداده للترشح إذا أجريت الانتخابات الرئاسية التي كان يفترض أن تنظم أواخر عام 2018، وفق الأمم المتحدة.

وفي وسائل الإعلام الموالية لحفتر تتواتر مواقف لا تقل خطورة عن تكفير أهل طرابلس واستحلال دمائهم، حيث تبث منابر إعلامية خطابات تنطوي على تحريض صريح على القتل.

وقبل أيام ظهر الإعلامي محمد مطلل على قناة مؤيدة لحفتر هو يتوعد سكان طرابلس بـ"الطوفان العظيم"، ويدعوهم لتخزين الدقيق في منازلهم لأن ساعة الصفر لدخول طرابلس قد دقت بعد 100 يوم من "حرب استنزاف".

نهاية أم دور جديد؟

لاشك أن الموقف الغربي والإقليمي الذي عبّر عنه البيان سالف الذكر، يؤكد أن العالم ضاق ذرعا بحفتر وممارساته، أو على أقل تقدير تبين لداعميه أنه أقل كفاءة من حجم الدور الذي كانوا يأملون أن يلعبه، رغم تسخير الإمكانات كافة لترجيح كفّته في السيطرة على طرابلس.

وفي ظل تلك المعطيات السياسية، وما سبقها من وضع عسكري متأزم للواء المتقاعد وقواته، فإن رهان داعمي حفتر على حسم المعركة خسر على المدى البعيد، الأمر الذي يشير إلى احتمالين، إما التخلي الكامل عن شخص حفتر وانتهاء دوره وطموحاته إلى الأبد، أو السعي للعب دور جديد غير عسكري.

وكان لافتا دخول مصر على خط المعركة السياسية، بعدما استضافت قبل أيام نوابا من البرلمان الليبي المنعقد في طبرق وأغلبهم من الموالين لحفتر، وتبين، وفق تقارير إعلامية، أن الاجتماع هدفه الانقلاب على المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، وحتى المجلس الأعلى للدولة المعترف بهم دوليا.

الهدف الواضح من تلك الخطوة السعي إلى خلق كيان سياسي جديد، يضم معسكر حفتر ورجاله وداعميه، ومحاولة كسب الاعتراف والدعم الدوليين، بعيدا عن صورة حفتر المشوهة أخيرا، بعد جرائمه المتتالية في هجومه على طرابلس.

إذا فالحل السياسي بات هو هدف الجميع، لكن داعمو حفتر يصرون على ضرورة أن يشمله هذا الحل، بما يضمن للرجل دورا سياسيا في المستقبل.

ويبدو أن باب الصدام السياسي هو عنوان المرحلة المقبلة، حيث ينتظر أن تصطدم مساعي خلق كيان جديد بمبادرة فائز السراج رئيس حكومة الوفاق، والذي نجح في الحصول على المزيد من الدعم الدولي مؤخرا.

في منتصف يونيو/حزيران الماضي، وقبل أن تسيطر قواته على مدينة غريان وتلحق الهزيمة الأكبر بقوات حفتر، تقدم باقتراح للخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد، يتلخص في عقد تجمع مع جميع القوى الوطنية الليبية تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة، لتحديد خارطة طريق وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019.

لكن السراج شدد في الوقت ذاته على أنه غير مستعد للجلوس مع خليفة حفتر للتفاوض على إنهاء الهجوم على العاصمة، بل دعا المجتمع الدولي إلى فتح تحقيق دولي في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال الاعتداء على العاصمة وغيرها من المدن الليبية، في إشارة واضحة لعزمه ملاحقة حفتر قضائيا.

تثبيت الاحتلال

ليس بعيدا عن سيناريو الحل السياسي للأزمة الليبية، يظهر بعد آخر لخطوة رفع الداعمين يدهم عن حفتر، أو هكذا يبدو الأمر، وهو ما لفت إليه الأنظار رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني.

ففي تغريدات عبر حسابه الرسمي على "تويتر" علّق بن جاسم على البيان السداسي بشأن وقف القتال حول طرابلس بالقول: "أمر مضحك أن تعلن مجموعة دول بإيقاف الحالة حول طرابلس لإيجاد حل سياسي. أين كنتم منذ بداية المعركة المدعومة من بعض الدول التي في الإعلان والتي لم توقف هذا الاعتداء على الحكومة الشرعية وعلى الآمنين في طرابلس؟ ولماذا لا يكون إيقاف الحالة ما قبل بدء العمليات؟".

وتابع: "المراد اليوم أن يكونوا دعاة سلام ولكن بعد ابتلاع أجزاء من طرابلس، وهذا يذكرنا فيما جرى قبل عام ٦٧ والهدنة التي أريد منها تثبيت المحتل. المضحك أن البيان يصدر وفيه دول ديمقراطية يفترض أن تحترم إرادة الشعوب ولكن الواضح أنها احترمت المصالح".

تلك الجزئية تحدّث عنها العديد من المراقبين مع بدء عملية حفتر للسيطرة على طرابلس، مشيرين إلى أن الهدف الحقيقي من وراء العملية ليس الاستيلاء على العاصمة بل احتلال بعض المناطق التي تقوي موقف حفتر التفاوضي.

ورغم أن هزيمة حفتر في غريان أعادت الحديث بشأن أهلية الرجل لأداء الدور المرسوم من الإمارات ومصر تحديدا، إلا أن مصادر مصرية كشفت في وقت سابق أن اتصالات مصرية خليجية تنشط بشأن الاستمرار في دعم حفتر استخباراتيا وعسكريا.

المصادر نقلت، أن السيسي يكاد يكون الطرف الإقليمي الوحيد الذي يؤمن بضرورة بقاء حفتر وعدم الرهان حاليا على شخص آخر، ليس فقط باعتباره "صنيعة استخباراتية مصرية"، لكن لأنه يرى أن الوسط السياسي الليبي يخلو من الشخصيات التي يمكن الاعتماد عليها، وأن مجموعة حفتر نفسها ليس فيها من يمكن الرهان عليه.

المعركة القادمة هي ما ركزت عليه الاتصالات، حيث يرتقب أن تشتعل في "ترهونة"، سواء طال أم قصر أجل انتظارها، ولذا وجب تكثيف دعم حفتر للحفاظ على معقله الأخير في الغرب الليبي، فضلا عن محاولة استعادة غريان أيضا.

الهاجس الذي يشكّله المسلحون والتنظيمات التي تقاتل بجانب حكومة الوفاق رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي كان حاضرا في اجتماعات مجموعة العشرين باليابان، وفق المصادر، حيث حاول مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون "تطوير رؤى مشتركة مع فرنسا لكيفية التخلص من المليشيات الإسلامية الداعمة لحكومة الوفاق".