عداء للإسلام والمسلمين. هكذا فضحت صحفية علمانية الوجه الآخر للحريات في فرنسا
"حرية التعبير في فرنسا مجرد خدعة"
وجدت فرنسا نفسها محط اختبار حقيقي لتفعيل شعار "حرية وعدالة ومساواة" دون تمييز، إزاء الأحداث الدامية بفلسطين وأشكال التعبير المتعلقة بها، وهو الاختبار الذي فشلت فيه بشكل ذريع.
وقالت الصحفية الفرنسية المغربية زينب الغزوي إن وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، رفع دعوى قضائية ضدها بتهمة "الترويج للإرهاب"، وذلك بسبب مقابلة أجرتها في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024 مع صحيفة "يني شفق" التركية في نسختها الفرنسية حول إبادة الشعب الفلسطيني.
اختبار حقيقي
الوزير ريتايو عبر منشور على منصة "إكس" في 15 أكتوبر 2024، ذكر أنه أحال القضية إلى القضاء، مؤكدا أنه قدم بلاغا بشأن تصريحات الغزوي، التي رأت فيها أنه "لا يوجد مدنيون في إسرائيل" لأنهم "جاءوا لاستعمار أرض ليست لهم".
من جانبها، أكدت الغزوي في منشور عبر "إكس"، أنها تحدثت وفقا لما يمليه عليها ضميرها بشأن ما وصفته بـ"حرب الإبادة" التي يتعرض لها الفلسطينيون.
وأوضحت الغزوي أن هذه الدعوى القضائية “تمثل محاولة من فرنسا للتغطية على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني”.
ووصفت هذا الإجراء بأنه "يعكس الانهيار الأخلاقي للدول التي تدعم الكيان الصهيوني".
كما أعربت عن استيائها من دعم فرنسا للعنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، رغم ادعائها بأنها "رمز للحرية".
وأضافت: "لن أدين هجوم 7 أكتوبر لأنني لم أرَ من يدين الاستعمار أو الاحتلال أو القصف المكثف للمدنيين، أو قتل الأطفال، أو العنف الجنسي".
وفي تحليله للمشهد، قال الناشط السياسي المقيم بفرنسا محمد التفراوتي، إن "قرار السلطات الفرنسية بسحب جائزة (سيمون فايل) من الصحفية زينب الغزوي ومتابعتها قانونيا أثار جدلا كبيرا بفرنسا".
وأوضح التفراوتي لـ "الاستقلال"، أن "العديد من النشطاء والمدافعين عن حرية التعبير يرون أن هذا يعكس تناقضا واضحا في المواقف المتعلقة بحرية التعبير بالبلاد".
وأضاف: "فقد دافعت فرنسا بشدة عن حرية التعبير عندما تعرضت جريدة (شارلي إيبدو) للنقد بسبب إساءتها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقدمت الغزوي آنذاك كمدافعة شرسة عن هذه الحرية، وتم الترحيب بها على مختلف وسائل الإعلام بصفتها نموذجا للحداثة".
واستدرك، "لكن عندما انتقدت الغزوي بشدة الممارسات الإسرائيلية ووصفتها بـ(الهمجية)، تعرضت لهجوم واسع وتم استبعادها من المنابر الإعلامية واتهامها بمعاداة السامية".
ورأى التفراوتي أن "هذا الوضع يكشف الفجوة الكبيرة بين ما تدعيه فرنسا والغرب من التزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وما يُمارس على أرض الواقع".
وأشار إلى أن العديد من الآراء بالبلاد وخارجها ترى أن "حرية التعبير تُستغل لخدمة مصالح سياسية وتاريخية، خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والجالية اليهودية، ما يؤدي إلى تصنيف الانتقادات الموجهة لإسرائيل على أنها معاداة للسامية".
وذكر أن "هذه الإجراءات تأتي ضمن سياق أوسع لتضييق الخناق على الأصوات المؤيدة لفلسطين، بما في ذلك حظر التظاهرات والملاحقات القانونية، مما يُعد تقييدا واضحا لحرية التعبير فيما يخص انتقاد إسرائيل".
وخلص التفراوتي إلى أن "التناقضات في هذه السياسات تضع فرنسا أمام تحديات صعبة في تحقيق التوازن بين حماية حرية التعبير واحترام الحساسيات التاريخية والسياسية، مما يثير تساؤلات حول مصداقية المبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية".
الإنسان المكتوم
من جانبه، قال الباحث الأكاديمي علي فاضلي، إن زينب الغزوي لمن لا يعرفها، هي مؤسسة "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية" المعروفة بـ(مالي)، وهي من أشد المدافعين عن الحريات الفردية في صيغها الأكثر تطرفا.
وذكر فاضلي لـ"الاستقلال" أن الغزوي أصبحت "أيقونة" لدعاة الحرية الفردية ومواجهة "الظلاميين"، وفتح لها الغرب أبواب الشهرة والاغتناء على مصراعيه.
واسترسل: "وبسبب المكانة التي باتت تحتلها الغزوي فقد احتضنتها فرنسا بكل قوة، ومنحت عدة جوائز مرموقة ومن أشهرها جائزة "سيمون فايل" عام 2019، التي تحمل اسم الناجية الفرنسية من الهولوكوست (محرقة اليهود)، وذلك تكريما لعملها في مجال "الدفاع عن العلمانية والنضال ضد الظلامية بكل أشكالها ومن أجل المساواة بين النساء والرجال"، وذلك وفق تعبير يورونيوز.
وأضاف "كما تم ترشيحها لجائزة نوبل للسلام عام 2021، وكانت صحفية في جريدة شارلي إيبدو التي كانت تسخر من رموز الإسلام ومقدساته"، بل إنها، وبسبب المكانة التي باتت تحتلها الغزوي، وبسبب مواقفها المعادية للإسلام فقد خصصت لها السلطات الفرنسية حماية أمنية خاصة".
واستدرك فاضلي: "غير أن طوفان الأقصى، أخرج الإنسان المكتوم في الغزوي وانقلبت مواقفها بشكل كبير، إلى حد أن تقول إنه لا وجود لمدنيين في دولة الاحتلال، فكل سكانها جنود، وهو موقف لم يجرؤ حتى بعض الحركات الإسلامية على قوله، بل إنه موقف لم يجرأ حتى بعض الفلسطينيين على قوله.
وأردف، "كما دافعت عن هجوم 7 أكتوبر 2023، وعن حركة حماس ورفضت إدانتها، وشبهت دولة الاحتلال بتنظيم الدولة، وشبهت ما يجرى ضد الفلسطينيين بما جرى لليهود في المحرقة".
وتابع، ولذلك انقلبت الدنيا رأسا على عقب في فرنسا بشكل مفاجئ، بسبب هذه التصريحات، وصدمت "عاصمة الأنوار والحرية"، وصولا إلى فتح بحث قضائي بشأنها.
ونبه فاضلي إلى أن "الغزوي وفي موقف كبير جدا لا يقدر عليه إلا الرجال، أعلنت تشبثها بتصريحاتها وإيمانها بما أدلت به".
ورأى فاضلي أن "تصريحات الغزوي هي من بركات الطوفان التي عرت حقيقة الغرب المنافق المتوحش، وأحدثت صدمة لدى كل منبهر بهذا الغرب".
تناقض مفضوح
واعترفت الصحفية -التي طالما تجرأت على قيم الإسلام العظيم- بشجاعة كبيرة بانخداعها بقيم الغرب المنافق، وأنها اليوم تؤدي ضريبة متابعتها بتهمة الإشادة بالإرهاب جراء موقفها المبدئي ضد إجرام الكيان الصهيوني ومناصرتها للشعب الفلسطيني.
وكانت رئيسة منطقة "إيل دو فرانس" الفرنسية سحبت الجائزة التي سبق وسلمتها للصحفية الغزوي عام 2019، لأنها قارنت بين الوضع في غزة والمحرقة اليهودية، حينها قالت "منحت لي الجائزة باسم حرية التعبير ثم سُحبت مني لما مارست حرية التعبير عن الوجع الكبير الذي أشعر به عندما أرى مدى نزع الإنسانية عن الفلسطينيين".
وانتقدت الغزوي في حوار مع قناة "الجزيرة مباشر"، في 16 أكتوبر 2024، "تزايد العنصرية في فرنسا ضد العرب"، متهمة الحكومة بـ"التواطؤ مع الكيان الصهيوني".
ورأت أن الواقع الحالي في فرنسا “يعكس تناقضات كبيرة بين القيم المعلنة والممارسات الفعلية”، قائلة "حرية التعبير في فرنسا مجرد خدعة".
كما انتقدت الغزوي المعايير المزدوجة في التعامل مع حرية التعبير؛ حيث يُسمح بالانتقاد ضد الأديان بينما يُمنع الاقتراب من انتقاد الاحتلال الإسرائيلي.
وأضافت "كنتُ ممن آمنوا بالخدعة الكبرى في فرنسا، وهي الادعاء بالمساواة بين الأديان، والمساواة في الوطنية، ولكن هذا ليس صحيحا؛ إذ إن العلمانية لا توجه في فرنسا سوى لدين واحد وهو الدين الإسلامي".
وتابعت الغزوي: "رأينا أن من كانوا يشجعون الهجوم على الدين الإسلامي بحجة العلمانية، هم أنفسهم من يساندون جرائم الكيان الصهيوني في غزة"، مشيرة إلى أن "العنصرية عرت أنيابها في فرنسا".
وعبرت الصحفية عن استعدادها لأداء ثمن مواقفها، قائلة: "سأكون سعيدة لأي ثمن أدفعه لقول كلمة الحق، وهذا أضعف الإيمان"، مؤكدة أننا "نشاهد سقوط الأقنعة ومازلنا نشاهد المزيد من الكذب والانحطاط في هذه المجتمعات".
امتحان سياسي
تفاعلا مع هذه التطورات، ذكر موقع "هسبريس" المغربي في نسخته الفرنسية، أن “السؤال الذي يعذب عقول الناس وراء الشكوى التي رفعها وزير الداخلية الفرنسي ضد الغزوي بسيط وهو على النحو التالي: أين تنتهي حرية التعبير، وأين تبدأ الرقابة تحت ستار الحفاظ على النظام العام؟”
ورأى الموقع في مقال نشره في 18 أكتوبر 2024، أن "القضية الحقيقية في هذه القضية تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد كلمات الغزوي البسيطة".
واستطرد: "إنها معركة أيديولوجية بين أولئك الذين يدافعون عن حرية التعبير المطلقة، وأولئك الذين يعتقدون أنه لا بد من وضع حدود، وخاصة فيما يتصل بقضايا حساسة مثل الإرهاب والصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وبالتالي، يقول المصدر ذاته، "فإن الرد القانوني على هذه القضية يمكن أن يحدد، بشكل أعم، ملامح النقاش العام حول القضية الفلسطينية في فرنسا، وعلى نطاق أوسع، حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بمسائل الأمن القومي".
وأبرز أن “هذه القضية تسلط الضوء أيضا على مشكلة أعمق، وتتمثل في الدعم الفرنسي المطلق لإسرائيل، حيث يتم قمع الانتقادات الموجهة لها بسرعة، في المقابل، تذهب الدعوات لتحقيق العدالة للضحايا الفلسطينيين أدراج الرياح، فهل تضحي فرنسا، التي نصبت نفسها بطلة للحريات، بتعددية الآراء على مذبح سياستها الخارجية؟”.
ومن خلال هذه القضية، يقول الموقع، “يبرز السؤال بشكل حاد: هل لا تزال فرنسا قادرة على الحفاظ على التوازن بين حرية التعبير والحرب ضد الإرهاب، أم أننا نشهد تحولا مثيرا للقلق نحو الرقابة السياسية، التي تضعف أسس الديمقراطية ذاتها؟”.
من جانبه، قال موقع "هوية بريس" المغربي، إنها "ليست هذه هي المرة الأولى التي تُختبَر فيها فرنسا فيما تدعيه من إيمان بالحرية، فكل مرة تثبت للعالم أنها تؤمن بحرية خاصة تسقط معها حريات الأقليات والمختلفين عن الرأي العام الذي يراد صناعته صناعة متقنة ومقصودة ولأغراض سياسية بعينها".
ورأى الموقع في مقال نشره في 21 أكتوبر 2024، أن ما يقع "درس لدعاة الحريات الفردية بلا حدود في المجتمع المغربي وغيره من المجتمعات العربية والإسلامية، وللمشرفين على أمر جمعيات أجنبية غربية في بلدانهم".
واسترسل: "هذا درس لهم ليعلموا أن فرنسا ومراكزها وجمعياتها لا تطلب منهم غير العمل والوظيفة، وإذا ما امتنعوا عن أدائهما وعارضوا المواقف الفرنسية فلا احترام ولا تقدير ولا ترويج، بل هو المنع والمتابعة القضائية".
تضييق ممنهج
بالعودة إلى ارتباط ما وقع للغزوي بموقف فرنسا من التعبيرات الشعبية بالبلاد تجاه ما يجرى بفلسطين، أكد الناشط السياسي بفرنسا محمد التفراوتي، أن "القضية الفلسطينية ما تزال تثير تفاعلات واسعة في الشارع الفرنسي رغم كل التضييقات".
وأضاف التفراوتي لـ"الاستقلال"، أن "عدة مدن شهدت مظاهرات تضامنية مع الفلسطينيين واحتجاجات ضد الاحتلال".
واسترسل: "ومع تصاعد العنف في غزة، تصاعدت موجة من التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين، لا سيما بين الشباب والنقابات وأحزاب اليسار الراديكالي مثل (فرنسا الأبية)".
وأردف التفراوتي: "وقد رأى الكثيرون أن هناك تكتما إعلاميا ممنهجا على معاناة الشعب الفلسطيني، ومع ذلك، يصر المتظاهرون على التعبير عن دعمهم للقضية الفلسطينية"، مؤكدين على "ضرورة رفع الوعي بما يجرى بالأراضي المحتلة".
على الجانب الآخر، يضيف الناشط السياسي: "أثار تعامل السلطات الفرنسية مع هذه التحركات جدلا كبيرا، إذ أصدرت الحكومة قرارات بحظر بعض المظاهرات المؤيدة لفلسطين بذريعة الحفاظ على الأمن العام، واعتمدت إجراءات صارمة تجاه المتظاهرين والمنتقدين شملت الاعتقالات والغرامات، وحتى ترحيل بعض الأئمة والخطباء، وترهيب المساجد وإغلاق بعضها أحيانا".
وشدد التفراوتي على أن "هذه السياسات لاقت انتقادات من منظمات حقوقية وبعض الأحزاب، التي عدتها اعتداء على حرية التعبير، ومحاولة لإسكات أصوات التضامن مع الفلسطينيين".
وخلص إلى أنه "ورغم كل القيود التي تقوم بها السلطات الفرنسية تجاه القضية الفلسطينية وأشكال التعبير التضامني والشعبي معها، إلا أن الاحتجاجات بشأن ما يجرى بغزة مستمرة وعلى نطاق واسع".