استهداف الغرب والتمدد بإفريقيا.. ماذا تخفي تحركات روسيا في ليبيا؟
أظهرت روسيا منذ عام 2014 قدرتها على الاستفادة من الفرص في ليبيا
منذ ثلاثة أشهر، تواصل روسيا نقل جنود ومقاتلين محترفين إلى ليبيا، مع ترجيحات بوجود ما لا يقل عن 1800 عسكري روسي متمركزين بشكل رئيس في شرق وجنوب البلاد.
هذا ما توصل إليه المشروع الاستقصائي "كل العيون على فاغنر" في تقرير رصد تحركات ونشاط المرتزقة الروس في بعض الدول الإفريقية منها ليبيا، سلطت عليه الضوء مجلة "فورميكي" الإيطالية.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية (لم يكشف عن اسمه) في حديث لوكالة "نوفا" الإيطالية للأنباء ما نشره المشروع الاستقصائي في 10 مايو/أيار 2024.
وقالت مذكرة نشرتها منظمة “كل العيون على فاغنر” إن "روسيا تحاول جعل ليبيا حلقة وصل لنقل مرتزقتها بين السودان والنيجر ومالي.
وقال المسؤول الأميركي للوكالة الإيطالية إن مرتزقة فاغنر "لم يوتروا الأوضاع في ليبيا فحسب بل استخدموا البلاد أيضا كمنصة لزعزعة استقرار منطقة الساحل والقارة الإفريقية".
تعزيز المصالح
وفي تعليقها على المعلومات الواردة بالتقرير والاتهامات الموجهة لموسكو، ترى فيرجيني كولومبيه، المنسّقة العلمية لمنصّة المتوسط التابعة لكلية دراسات الحكومة في جامعة لويس غويدو كارلي (إيطالية) أن موسكو تهدف من خلال الحضور القوي في ليبيا "إلى زرع خطاب مناهض للغرب وتعميق أنشطتها في إفريقيا".
يأتي ذلك في ظل ما عده كريم ميزران، مدير مبادرات شمال إفريقيا في المجلس الأطلسي في مقابلة سابقة مع مجلة "فورميكي" الإيطالية "عدم انتباه" من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبحسب حديث فيرجيني لنفس المجلة، "أظهرت روسيا منذ عام 2014 قدرتها على الاستفادة من الفرص التي توافرت لها لتعزيز مصالحها في ليبيا، ليس لأن هذا البلد يحتل مكانة مركزية في سياسة روسيا الخارجية والأمنية ".
وإنما لأن "موسكو تتحدى من خلال توسيع نفوذها في ليبيا بشكل مباشر القوى الغربية وحلف شمال الأطلسي على حدوده الجنوبية، وفي نفس الوقت تنشئ لها موطئ قدم إستراتيجي لتنفيذ أنشطتها في القارة الإفريقية".
وتضيف: "على الرغم من أن الأهداف المحددة التي تسعى روسيا إلى تحقيقها في ليبيا لا تزال غامضة، إلا أن الحدس في العقد الماضي كان يشير إلى أنها ستسعى على الأرجح إلى استغلال الفوضى الإقليمية ولا مبالاة الغرب النسبية وفقدان مصداقيته لصالحها".
وتفترض أن يكون ذلك من خلال تقديم دعم لهجوم عسكري جديد لزعيم مليشيا بنغازي اللواء الانقلابي خليفة حفتر أو بزيادة النشاط العسكري في منطقة الساحل.
كما أنها تستبعد أن تسعى روسيا إلى قيادة عملية دبلوماسية جديدة في البلد الشمال إفريقي مستغلة الفراغ الدبلوماسي المستمر بعد استقالة المبعوث الخاص للأمم المتحدة عبد الله باتيلي في أبريل/نيسان 2024.
وكان الأخير قال خلال المؤتمر الذي أعلن فيه استقالته إن "ليبيا أصبحت ساحة معركة، بالنظر إلى وجود تدافع متجدد ومستمر على أراضيها المستخدمة لمواجهات عسكرية من قبل جهات فاعلة مختلفة، وأيضًا استخدام قوات ليبية وأخرى أمنية في الصراعات السياسية داخل البلاد" .
وترجح فيرجيني أن "تركز موسكو على تعزيز مكانتها في المنطقة وبالتالي زيادة قدرتها على فرض تحديات أمام القوى الغربية".
معضلة حفتر
وفيما يتعلق بالدعم الروسي لحفتر والذي كان بأشكال مختلفة منذ ما يقرب من عقد من الزمن، رأت المنسقة أن الجهات الغربية أخطأت في عده محاورا جديا. وبينت أن نهج القوى الغربية تجاه الجنرال الانقلابي كان إشكاليا لعدة أسباب.
وتفسر بأن هذه القوى كشفت، على وجه الخصوص من خلال مغازلة الجنرال الذي يسيطر على الشرق، عن تناقضات قوية بين السياسات القائمة على القيم التي يعلنون التشبث بها ونهجهم الفعلي فيما يتعلق بالسياسة الليبية.
وتابعت بالقول إن ذلك "يتجسد في الفرنسيين الذين أعلنوا رسميًا أنهم يدعمون العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وقدموا في الوقت نفسه المساعدة العسكرية لما يطلق عليه للجيش الوطني الليبي أي مليشيا حفتر".
وذكرت أن "الجهود التي بذلتها إيطاليا في الآونة الأخيرة لتأمين تعاون حفتر في مجال السيطرة على الهجرة غير النظامية مقابل تقديم الدعم المادي، سلطت بدورها الضوء على ازدواجية الإجراءات الغربية".
وذلك بمعارضة الحل العسكري للصراع وتقديم الدعم المباشر في نفس الوقت لأحد "أمراء الحرب الرئيسين" أي حفتر.
وبحسب قولها، "هذا التناقض لم يمر دون أن يلاحظه أحد في ليبيا وأماكن أخرى مما أضر بشكل كبير بصورة وسمعة الدول الغربية".
في المقابل، زعمت أن سياسات روسيا في ليبيا "اتسمت منذ عام 2014 بالتماسك، فيما ركزت إستراتيجيتها على اغتنام الفرص السانحة واستخدام النفوذ الصارم لدعم حفتر وقواته المسلحة".
"كما استغلت خلال الحروب الأهلية في عامي 2014 و2019، عدم الاستقرار المتزايد والتردد وعدم فعالية القوى الغربية"، تضيف المحللة.
ووصفت "قرار موسكو الواضح بدعم الفصيل الذي يتوافق مع رؤيتها لاستعادة السلطة والنظام" بالأساسي لتوسيع سيطرتها على البنى التحتية الإستراتيجية، بما في ذلك القواعد العسكرية والمنشآت النفطية في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد.
وأوضحت في تعليقها على ملاحظة المجلة بشأن حقيقة أن توسع النفوذ الروسي في ليبيا لا يعود حصريا إلى ممارسة "النفوذ الصارم"، بأن "موسكو تعمل بشكل فعال كذلك على تعبئة خطابها المناهض للقوى الغربية للتأثير على الأغلبية العالمية".
وقالت إن "هذا السرد يفضح ازدواجية الغرب ومعاييره المزدوجة ويسلط الضوء على العواقب الكارثية لسياساته في ليبيا والشرق الأوسط ومنطقة الساحل".
ومضت قائلة إن "صدى هذا الخطاب يتردد بشكل أكثر عمقا في المجتمعات المحلية بعد أكثر من عقد من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، وعلى خلفية الحربين في أوكرانيا وغزة".
وختمت بأن "مصداقية القوى الغربية تتضاءل أكثر بفعل التصور السائد بأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية ظلت سلبية إلى حد كبير في خضم الأزمات في تناقض صارخ مع حزم موسكو العسكري والدبلوماسي".