يستغل الفوضى بالقارة.. كيف يؤثر انتشار تنظيم الدولة على أمن واقتصاد إفريقيا؟

12 days ago

12

طباعة

مشاركة

بعد فقدان تنظيم الدولة سيطرته في الشرق الأوسط، اختار إفريقيا كمنطقة جديدة لعملياته، تعد أكثر سهولة من غيرها نظرا لبيئتها الجغرافية والسياسية والاقتصادية المعقدة والفوضوية.

ويعود ذلك إلى الهياكل الحكومية الهشة وعدم الاستقرار والفقر وانعدام الثقة في الإدارات المحلية والثغرات الأمنية العابرة للحدود والتي تهيئ بيئة خصبة لتوسيع نشاطات التنظيمات التي تستغل الدين مثل تنظيم الدولة، وفق ما يقول مركز تركي. 

وبين مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط في مقال للكاتب التركي "كان ديفيجي أوغلو" أن مناطق الساحل وغرب وشرق إفريقيا وموزمبيق خاصة توفر مساحة لعمل التنظيم؛ حيث تعلن بعض المجموعات ولاءَها له وتؤسس "ولايات" تمارس ضغوطا على السكان المحليين وتنفذ هجمات عليهم.

نطاق التأثير

وأشار الكاتب إلى أنه بخلاف الهيكل الهرمي لتنظيم القاعدة يعتمد تنظيم الدولة على هيكل أفقي في إفريقيا، حيث يسعى للاستفادة من الثغرات الأمنية بإنشاء "ولايات" مختلفة. ويُعَدّ هذا الأسلوب أحد العوامل الأساسية التي تسهم في توسعه بالقارة. 

وتُعد ولاية غرب إفريقيا من أقوى فروعها، حيث طورت هيكلا شبه حكومي في شمال نيجيريا ومحيط بحيرة تشاد، إذ تعمل على جمع الضرائب وتوفر الأمن وتفرض الأيديولوجيا الخاصة بها. 

وفي تمويل عملياته يستغل تنظيم الدولة مجموعة من المصادر غير القانونية مثل تجارة الذهب والكولتان (خام طبيعي) غير المشروعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وشبكات تهريب الأسلحة والبشر في منطقة الساحل، وتحصيل الفديات من عمليات الاختطاف. 

كذلك يشارك في تهريب المخدرات في الساحل ووسط إفريقيا لدعم عملياته.

وإلى جانب تأجيج الصراعات الإقليمية، يستهدف تنظيم الدولة تجنيد الشباب في إفريقيا، ويحاول كسب دعم السكان المحليين عبر توفير الحماية لهم وإنشاء شبكة أمنية تستجيب لاحتياجاتهم. 

ويشير هذا النهج إلى أن تنظيم الدولة يسعى إلى استمرار وجوده في إفريقيا على المدى الطويل، الأمر الذي يشكل تهديداً لأمن واستقرار دول القارة.

وقد عزّز التنظيم من وجوده في الصومال، حيث تتمركز قواته في مناطق مثل بونتلاند، ويقال إن أعداد عناصره ارتفعت إلى نحو 500. 

هناك يسيطر تنظيم الدولة على موارد مائية ولوجستية، وتستخدم "مركز القيادة الإقليمي" المعروف باسم "الكرار" لتنسيق أنشطة الفروع الأخرى في شرق ووسط إفريقيا، وهكذا يحقق ملايين الدولارات سنوياً من مصادر مثل جباية الأموال من الشركات المحلية.

ومع تزايد خطر التوسع من الصومال إلى أوروبا والشرق الأوسط عبر البحر الأحمر، بات الموقع الإستراتيجي للصومال يشكل مصدر قلق للأمن العالمي، حيث يمكن أن يسهل من وصول المقاتلين الأجانب ويهدد الطرق التجارية في المحيط الهندي والبحر الأحمر.

وتابع: يشهد توسع تنظيم الدولة في وسط وجنوب إفريقيا نموا متزايدا، حيث يسعى في موزمبيق إلى فرض سيطرة إستراتيجية على المنطقة من خلال شن هجمات على حقول الغاز والأهداف الاقتصادية. 

وتتزايد قوة التنظيم في مقاطعة كابو ديلجادو بموزمبيق، ما يلحق ضررا بالبنية التحتية ويخلق بيئة مناسبة للأنشطة الإرهابية بسبب عدم الاستقرار في المنطقة. 

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا تسهم قوات الحلفاء الديمقراطية المرتبطة بتنظيم الدولة في تمويل الشبكة عبر تهريب البشر وطلب الفدية، ما يسهم في زيادة مصادر تمويله.

ولذلك فإن هذه الهجمات تؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي وزيادة المخاطر على الأمن العالمي.

هشاشة إقليمية

وأردف الكاتب: تؤدي تأثيرات تنظيم الدولة في إفريقيا إلى تعميق الأزمات الإنسانية والاقتصادية في القارة، فضلا عن إفساد استقرار الأمن الإقليمي والعالمي. 

إذ تسهم هجمات تنظيم الدولة بإفريقيا في حدوث حركات هجرة كبيرة وأزمات لاجئين، مما يزيد من تدهور الوضع الإنساني في المنطقة.

غير أن تنظيم الدولة يستغل الثغرات الأمنية في مناطق مثل الساحل وغرب إفريقيا، حيث يشن هجمات تؤدي لنزوح السكان وزيادة انتهاكات حقوق الإنسان. 

ويؤدي هذا الوضع إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد المحلي، الأمر الذي يعزز من عدم الاستقرار الاقتصادي ويخلق بيئة غير مواتية للسياحة والتجارة والاستثمار، خاصة في المناطق الغنية بالموارد مثل موزمبيق حيث تزعزع الهجمات ثقة المستثمرين. 

علاوة على ذلك، يحمل وجود تنظيم الدولة في إفريقيا إمكانية تحويل القارة إلى نقطة انطلاق للهجمات ضد أوروبا والشرق الأوسط، مما يزيد من خطر تدفق الإرهابيين إلى القارات الأخرى ويزيد التهديد على الأمن العالمي. 

وتبرز مناطق ذات موقع إستراتيجي مثل شرق وشمال إفريقيا، والتي يمكن أن تسهّل وتسهم في انتشار الجماعات الراديكالية إلى المناطق المجاورة.

ومن أجل مكافحة هذا الأمر تلعب التدابير الأمنية المتخذة على المستويين الإقليمي والدولي، مثل العمليات العسكرية والتعاون بين الدول، دورا مهما في مواجهة نشاطات تنظيم الدولة في إفريقيا.

وأضاف: تحاول دول الساحل وغرب إفريقيا تعزيز الأمن عبر إنشاء قوات أمنية إقليمية وتقوية حماية الحدود وتطوير آليات دفاعية فعالة ضد تنظيم الدولة.

ومع ذلك، شهدت العلاقات بين دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2023 خلافاتٍ مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، ما أسفر عن تشكيل تحالف دول الساحل الذي يعاني من هشاشة دبلوماسية وعسكرية في محاربة تنظيم الدولة.

وبالتعاون مع الشراكات الإقليمية، تعمل بعثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، على دعم القوات الأمنية المحلية. 

لكن وعلى الرغم من العمليات الواسعة التي نفذتها فرنسا في عملية برخان من 2013 إلى 2023، وكذلك القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، فإن انسحاب فرنسا من الساحل بعد تشكيل تحالف دول الساحل يثير مخاوف بشأن الفراغ الأمني في المنطقة. 

ولفت الكاتب إلى أنه وعلى الرغم من تلقي بعض الدول الأعضاء في تحالف الساحل دعما عسكريا من روسيا والصين، بما في ذلك التدريب والشركات العسكرية الخاصة وشراء معدات أمنية، فإن هذه الجهود لم تحقق تقدما كبيرا في محاربة الإرهاب كما كانت الحال في فترة وجود القوى الغربية.

الحاجة للتعاون

من جهة أخرى، تسهم تركيا في الاستقرار الإقليمي من خلال الدبلوماسية الإنسانية وتدريب القوات على القانون والأمن في المنطقة، وتستخدم أدوات القوة الناعمة للتصدي لتهديد تنظيم الدولة في إفريقيا. 

كما تدعم التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الذي تأسس في 2014، وتشارك بشكل فعال في عملية إعادة هيكلته التي بدأت في 2019. 

غير أن عوامل هيكلية مثل عدم الاستقرار وضعف الهياكل الحكومية والقصور الاقتصادي والفساد تصعّب قضية الاستمرار في مكافحة تنظيم الدولة، وهو الأمر الذي يجعل بناء دفاع فعال ضدّه صعباً 

وتسهم هذه العوامل في زيادة نفوذ تنظيم الدولة في المنطقة، مما يجعل مكافحة الإرهاب أكثر تعقيدا. 

وأردف الكاتب: لمكافحة فعالة ومستدامة لتنظيم الدولة في إفريقيا، هناك حاجة إلى تعاون أوسع وبرامج اجتماعية. 

فتعزيز التعاون الإقليمي سيمكن من تطوير آليات دفاعية وهجومية أكثر فعالية ضد تهديد تنظيم الدولة في القارة. 

على وجه الخصوص يمكن لإنشاء قوات أمن مشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية في مناطق مثل الساحل وغرب إفريقيا أن يسهم في تعزيز حماية الحدود ويحد من حركة تنظيم الدولة. 

ومن المهم أيضا إنشاء برامج اجتماعية شاملة تتيح للسكان المحليين الوصول إلى التعليم والصحة وفرص العمل، مما يساعد في تقليل الفقر واليأس الذي يستغله تنظيم الدولة.

وختم الكاتب مقاله قائلا: من الضروري أن يعزز المجتمع الدولي التنسيق في مواجهة تهديد تنظيم الدولة في إفريقيا. 

إذ يمكن للتعاون بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والدول الأخرى مثل تركيا والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين أن يساعد في ملء الفراغات الأمنية في المنطقة. 

وبذلك يسهم هذا التنسيق في تقليص خطر انتشار تنظيم الدولة من إفريقيا إلى باقي القارات، ويعد خطوة مهمة نحو كسر نفوذه في القارة وضمان الاستقرار طويل الأمد.