"البدون في مصر".. فلسطينيون محرمون من العلاج والتعليم والإقامات

داود علي | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

“المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار”.. مثل ينطبق على عدد كبير من الفلسطينيين الذين وفدوا مصابين وجرحى ومكلومين، إلى مصر عقب العدوان المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وقصة هذا المثل أن أحد وجهاء العرب في الجاهلية، وهو وائل بن ربيعة، أصيب بطعنة رمح، وحين مر عليه رجل يدعى عمرو بن الحارث، ووجد فيه رمقا، ثم استنجد الأول به وطلب شربة ماء، فبدلا من أن يجيره إذا به يجهز عليه ويقتله.

ووجد الفلسطينيون مشاكل متعددة في تلقي العلاج أو توفير أساسيات الحياة، فضلا عن تعنت السلطات المصرية في منحهم الإقامة أو إطلاق حريتهم في الحركة والحديث الإعلامي، أو حتى الاختلاط بعامة المصريين.

وهناك فئة من الفلسطينيين لا تقل معاناتهم عن هؤلاء، وهم الذين وفدوا إلى مصر عقب اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

وتأثر هؤلاء بالأوضاع الاقتصادية في مصر، فضلا عن حظرهم من الإقامة أو حق اللجوء والحصول على هوية، واستحالت مأساتهم إلى أولادهم الذين لا يستطيعون الدخول إلى مراحل التعليم المختلفة. 

وذلك بدلا من أن يجرى احتواؤهم وتدارك وضعهم الصحي والنفسي، وحصولهم على حقوقهم كاملة من باب أخوة الدين والعروبة والإنسانية.

سجن بلا علاج 

بحسب تصريحات تلفزيونية لوزير الصحة المصري خالد عبد الغفار، في 21 مايو/أيار 2024، هناك حوالي 5500 فلسطيني، جاءوا إلى مصر بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، عن طريق آلية التنسيق الطبي.

وذلك سواء بسبب الإصابة خلال العدوان أو الاحتياج للعلاج من وضع صحي حرج كالإصابة بالسرطان أو الأمراض عالية الخطورة كالفشل الكلوي والقلب. 

وفي 6 يونيو/ حزيران 2024، أجرى موقع "مدى مصر" المحلي، تحقيقا عن وضعية هؤلاء المرضى، مبينا أن كثيرا منهم رددوا عبارة "نشعر بأننا في السجن"، وهم يصفون ظروف "احتجازهم" داخل المستشفيات المصرية، بعد خروجهم من وطأة العدوان الصهيوني.

ونقل "مدى مصر" شهادة مصاب من غزة يدعى محمد وعمره 45 سنة يعالج من إصابة داخل مستشفى "التل الكبير" بمحافظة الإسماعيلية. ويقول: "المستشفى عبارة عن سجن، لا يوجد علاج، فقط مسكنات".

وأضاف أنه بقي 4 أشهر داخل المستشفى، لم يخرج منه أبدا. ويكمل: "كنت محتاج للحلاقة (تصفيف الشعر) وبعد ما عانيت كثيرا، جابولي (بعثوا لي) بحلاق للمستشفى، ثم بقيت 4 أشهر كأنني بالسجن، ولم أخرج ليوم واحد، حتى أصابني اكتئاب حاد".

ويعقب الجريح الفلسطيني: “إذا حاولنا التعرف على أي شخص مصري داخل المستشفى، يمنع الأمن هناك ذلك تماما”.

وأردف: "هناك فرد من الأمن بالمستشفى كان سيتم فصله من العمل بسبب التصوير معي".

ممنوع الخروج 

هناك شهادة أخرى صادمة من "أم محمد" الغزاوية، وهي مريضة بسرطان الغدد، جاءت من غزة لتلقي العلاج في مستشفى حميات دمياط، حيث تصف وضعها الصحي بـ "شديد الخطورة".

ومع ذلك ذكرت أنها لم تحصل على أي علاج لحالتها المتأخرة حتى الآن. وعقبت أم محمد: “كان من المفترض أن يتم تحويلي إلى الإمارات لأخذ جرعات الكيماوي واستكمال العلاج، ولكن حتى الآن لا نعرف سنبقى هنا أم سنذهب؟”

وأضافت: "أن هذه ليست المشكلة فقط، حيث يمنع الأمن المصري داخل المستشفى المرضى من الخروج حتى لشراء الطعام أو المستلزمات الشخصية". 

وأتبعت: "يجب أن يكون أحد أفراد الأمن مرافقا لنا إذا خرجنا، وحتى الطعام يجب أن نطلبه حتى لا نخرج من المستشفى، وفوق ذلك نشتري الأكل بأضعاف السعر في السوق".

الظروف مماثلة لقصة المواطنة "انشراح" من البريج وسط قطاع غزة، والتي حضرت إلى مصر مع طفلتها حلا (15 سنة) المصابة باللوكيميا (سرطان الدم).

ووصلت انشراح من غزة وظلت في مستشفى حميات دمياط، ممنوعة من الخروج منه.

وقالت: "انتظرت 3 أيام حتى أشتري طعاما وملابس لابنتي، والخروج لا يكون يوميا ويكون من ساعة إلى ساعتين فقط". 

وأوردت: "يتم تحديد ساعة معينة للرجوع ويكون معنا الأمن، وعندما حاولت أن أخرج آخر مرة قيل لي: أنت خرجت مرتين مفيش خروج تاني".

ووصفت انشراح وضع المستشفى وما يحدث معهم، مستخدمة تعبير "السجن".

والأصعب أن انشراح تشكو من عدم استكمال علاج نجلتها، وقالت "شهر ونصف بلا علاج، يقال لنا في المستشفى: يفترض السفارة هي التي تعالج وتجد لكم حل".

ما السبب؟ 

وبحسب بيانات وزارة الداخلية المصرية في فبراير/ شباط 2024، فإنه من بين 100 فلسطيني الذين عبروا إلى مصر، وصل أكثر من 44 ألف جريح، من بينهم 10 آلاف و730 طفلا. 

وعن هذه القضية، يقول الناشط الفلسطيني جمال حساسنة: "مع الأسف هناك كثير من التحديات تواجه الفلسطينيين الوافدين إلى مصر في ظل صمت عالمي على ما يحدث مع أهل غزة الذين خذلهم القريب والشقيق قبل الغريب". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "الفلسطيني الذي يأتي إلى مصر يستفيد فقط من الإقامة لمدة 45 يوما فقط، وبعدها يصبح وضعه غير قانوني، والسلطات تتعسف في منحه الإقامة، أو عدّه استثنائيا حتى يتم علاجه". 

وعقب: "ومع ذلك فمن غير المفهوم أن يضيق على الجرحى الذين يحتاجون إلى رعاية نفسية وصحية عالية، ومن غير المفهوم إهمال علاجهم، وتركهم لمصيرهم". 

وطرح حساسنة سؤالا في ذلك الصدد: “لماذا التضييق على اللاجئين الفلسطينيين في مصر؟ وما الجرم الذي يمكن أن يرتكبوه هناك؟”

وأكمل: “هل الحكومة المصرية تعد الفلسطينيين حاليا تهديدا أمنيا بإبقائهم في المستشفيات، حتى يكون من الأسهل مراقبتهم والسيطرة عليه، من خلال احتجازهم؟”

واستطرد: "هل تخشى الحكومة المصرية من تصاعد مشاعر التضامن الشعبي مع الفلسطينيين وأن ينقل صوتهم إلى العالم العربي والمجتمع الدولي من مصر؟"

ثم اختتم "هل يكون الفلسطينيون في مصر ضحايا أيضا لحسابات وتوازنات سياسية، وإمكانية أن يتم تعقيد العلاقات أكثر مع إسرائيل بسببهم".

حرمان من التعليم 

وإلى جانب هؤلاء، هناك فئة أخرى من الفلسطينيين تعاني في مصر منذ سنوات دون تسوية أوضاعهم، وهم الذين اضطروا لمغادرة سوريا بسبب الحرب.

تحدثت عنهم أخيرا شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، في تحقيق بعنوان “كيف يجبر الفلسطينيون الذين فروا من الحرب السورية إلى مصر على الأمية؟”

وقال التحقيق المنشور في 5 يونيو 2024: “إن جميع الفلسطينيين في مصر، معتادون على التعامل مع نظام مرهق لإصدار تصاريح الإقامة”.

وأوضح كيف يجرى حرمان أولئك الذين فروا من سوريا بشكل منهجي تقريبا من نفس الوثائق، مما يجعل ظروفهم أكثر خطورة.

وأضاف: “تلجأ العديد من العائلات الفلسطينية التي تحمل أوراقا سورية إلى حلول بديلة، وجزئية أحيانا، لتوفير التعليم لأبنائها”.

لكن أيا من هذه الحلول لن يمنح الأطفال الفلسطينيين في مصر شهادة مدرسية معترف بها رسميا، وفق قوله. 

وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف لاجئ فلسطيني من سوريا قد وصلوا إلى مصر بين عامي 2011 و2013.

ويقال إن عددهم انخفض إلى حوالي 3 آلاف بعد أن أجبرتهم القيود التي فرضتها الحكومة المصرية، بما في ذلك رفض تصاريح الإقامة، على العودة إلى سوريا، أو اللجوء إلى مكان آخر.

وتمكنت شبكة أريج، من جمع بيانات مئة عائلة فلسطينية سورية مقيمة في مصر، وخلصت أن معظم الأطفال محرومون من التعليم، ومنهم من لم يجلس قط في الفصل الدراسي.

وبالفعل شرعت أريج في توزيع الاستبيانات وتوثيق حالات كل هذه العائلات، التي لديها أبناء في سن المدرسة.

وبحسب عينة المسح، فإن الغالبية العظمى من هذه الأسر دخلت الأراضي المصرية عبر المنافذ الحدودية الرسمية (المطارات، الموانئ البحرية، أو المنافذ البرية)، ومعظم المشاركين يعيشون في القاهرة.

وكشف تحليل البيانات أن ما يقرب من الثلث (29 بالمئة) من الأطفال في هذه الأسر لم يتلقوا أي شكل من أشكال التعليم، ومن بينهم، من بلغ سن 13 عاما دون الالتحاق بمدرسة، أو مركز تعليمي أو مجموعة مدرسين أو غير ذلك.

وأظهرت البيانات أن حوالي 47 بالمئة من الأطفال في هذه العائلات الفلسطينية، كانوا يدرسون خارج نظام التعليم الرسمي ويعتمدون على "المراكز السورية" غير الرسمية، أو مجموعات دروس خصوصية خارج المدرسة، أو مبادرات أخرى.

بروتوكول ضائع

المثير أن تلك الحالات تخالف مواثيق دولية أقرتها القاهرة واعتمدتها في سنوات سابقة.

ففي عام 1965 وقعت مصر على بروتوكول الدار البيضاء في المغرب، والذي يتعلق باللاجئين الفلسطينيين.

وينص على "أن الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر، ويقيمون في دول الجامعة العربية يحق لهم الحصول على نفس المعاملة، التي يتمتع بها مواطنو تلك الدول فيما يتعلق بطلبات التأشيرة والإقامة".

ومع ذلك، لم يتمتع الفلسطينيون قط بكل الحماية التي كان من المفترض أن يضمنها البروتوكول.

فمع أنه يمكن للاجئين السوريين تسجيل أطفالهم في المدارس الرسمية الخاصة في مصر، لكن هذا ليس خيارا للفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر سورية.

وحتى لو كانوا قادرين على تحمل تكاليف تسجيل أطفالهم في هذه المدارس، فإن اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، لا يستطيعون الحصول على شهادة مدرسية دون تصريح إقامة ساري.

ونقلت "أريج" شهادة "ماجد" الذي غادر سوريا إلى مصر هربا من الحرب، وبحثا عن حياة أفضل له ولعائلته، لكن الحياة الجديدة أصبحت أصعب.

ويقول: "أينما ذهبنا نجد الحياة صعبة للغاية، لأن تصريح الإقامة هو الحياة بالنسبة لنا". 

ولم يتمكن ماجد من الحصول على شهادة ميلاد لابنته الصغرى، ويكمل "لا أجرؤ على التوجه إلى أي دائرة حكومية بسبب تهديد الضباط وتعنت الموظفين".

هذا تحديدا ما حدث مع المواطن الفلسطيني أحمد سعيد، عندما زار أحد مراكز الجوازات لتجديد تصريح إقامته.

وقال سعيد إن أحد الضباط المصريين في المركز، كان ينوي الإبلاغ عنه للترحيل مع أسرته، لكنه وافق على عدم القيام بذلك بشرط عدم عودته مرة أخرى. 

وقد توعده الضابط قائلا: "لا تَعُد مرة أخرى. إذا فعلت، فسيتم ترحيلك". فيما تحدثت سناء وهي لاجئة فلسطينية من سوريا، عن مدى قلقها على مستقبل بناتها.

وتقول بأسف شديد: "حتى لو أعطونا تصريح الإقامة ويمكننا التقدم لتسجيلهم في مدرسة رسمية، ورغم أنهم يدرسون في المنزل في الصفين الخامس والسادس الابتدائي، إلا أنهم سيعيدونهم إلى السنة الأولى". وأكملت وهي تبكي: "ستضيع ست سنوات كاملة من حياتهم".