على خطى النفط.. هكذا بدأ الغاز الطبيعي يتحول إلى سلاح سياسي بيد منتجيه
في 2 مارس/ آذار 2024، انطلقت أعمال القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز بالجزائر، بحضور رؤساء وقادة 9 دول، هي إيران والعراق وقطر وموريتانيا والسنغال وتونس وليبيا وموزمبيق وبوليفيا.
ورأت صحيفة إسبانية أن قمة الجزائر كانت أشبه بقمة دول حركة عدم الانحياز، مشيرة إلى أن الجزائر تسعى إلى تعزيز مكانتها في سوق الغاز الطبيعي والاعتراف بها كقاطرة طاقية في هذه الفترة التي تتسم بالتوتر في بقاع عديدة حول العالم.
قمة لافتة
وقالت صحيفة "الإندبندينتي"، إنه عبر الجزائر، قدمت بعض الدول الأكثر تعرضا للهجوم من الغرب نوعا من الاستعراض في الأيام الأخيرة: من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى مبعوثي الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفنزويلي نيكولاس مادورو.
في الواقع، تنتمي هذه الدول إلى النادي الذي يحتكر 70 بالمئة من احتياطيات الغاز في العالم، ويسعى الآن إلى أن يصبح أشبه بمنظمة أوبك للاستفادة من موارد الطاقة التي يملكها.
وجاءت هذه المبادرة في ظل تزايد الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي، والحرب في أوكرانيا، وعدم الاستقرار في البحر الأحمر.
وفي مركز الجزائر الدولي للمؤتمرات، بالقرب من العاصمة الجزائرية وعلى ضفاف البحر المتوسط؛ لم يخف هؤلاء المسؤولون امتعاضهم من الولايات المتحدة، المنتج الرئيس للغاز ولكن خارج المنظمة، والعقوبات المفروضة على روسيا، وإيران، وفنزويلا.
وخلال هذه القمة، قال وزير النفط الفنزويلي بيدرو رافائيل تيليشيا: "إن أسواق الطاقة تمر بوضع معقد ناجم عن الإجراءات المناهضة للسوق التي فرضتها الدول الإمبريالية ضد المنتجين".
وفي حواره مع الإندبندينتي، علّق أحمد بن سعادة، الخبير الجزائري في الشؤون الجيوسياسية، قائلا: "لقد أطلق عنان هذا المنتدى سنة 2001، بناء على طلب إيران".
وأضاف: كان نتاجه اليوم مجموعة من دول ما يسمى بالجنوب العالمي التي تدافع عن مصالحها كمنتجين للغاز. وخلف كل هذا، هناك عنصر سياسي واضح.
ونقلت الصحيفة أن هذا المنتدى يتكون حتى الآن من 12 دولة وهي الجزائر، وقطر، وروسيا، وإيران، وبوليفيا، ومصر، والإمارات، وغينيا الاستوائية، وليبيا، ونيجيريا، وترينيداد وتوباغو وفنزويلا.
وانضمت السنغال قبل أيام إلى النادي، بعد أن اكتشفت احتياطيات الغاز منذ عقد من الزمن وسيبدأ استغلالها نهاية 2024.
ويوجد أيضا دول مراقبة، وهي بيرو والعراق وأذربيجان وماليزيا وموريتانيا وأنغولا وموزمبيق. لكن تطمح موريتانيا وموزمبيق إلى أن تصبحا عضوين دائمين.
51 بالمئة من الصادرات
وأوردت الصحيفة الإسبانية أن مجموعة هذه الدول تمثل 51 بالمئة من صادرات الغاز المسال على المستوى العالمي.
وفي إعلان الجزائر، الذي تم تبنيه نهاية القمة راهنت هذه الدول على مستقبل الغاز بوصفه موردا "وفيرا ومتاحا وموثوقا ومستداما"، ورفضت "جميع القيود الاقتصادية الأحادية" و"القوانين التمييزية".
ووسط إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة والدعم الذي تقدمه واشنطن إلى إسرائيل، تعهد ممثلو هذه الدول بضمان "أسواق غاز طبيعي متوازنة وموثوقة" من خلال "عقود متوسطة وطويلة الأجل وأسعار مستقرة وعادلة".
وتتمثل إحدى الحجج الرئيسة في تقلب الأسعار. ومن هنا، ترتكز مطالب هذه الكتلة على ضمان استقرار السوق؛ في وقت يبحث فيه الاتحاد الأوروبي عن بدائل للغاز الروسي وتفرض الالتزامات الدولية خفض استعمال الوقود الأحفوري للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري.
وتتالت المطالب على نفس المنوال؛ وهو أمر وصفه رئيس بوليفيا، لويس آرسي، بأنه اختبار "لإعادة تشكيل نظام عالمي جديد".
وفسر قائلا: "إن ظهور وتعزيز التكتلات التجارية مثل تلك الموجودة في إفريقيا وأميركا الجنوبية ومجموعة البريكس يفتح أمامنا إمكانية الوصول إلى الأسواق الدولية دون الحاجة إلى التضحية بسيادتنا".
من جهته، ندد ممثل غينيا الاستوائية "بالمضايقات التي تتعرض لها الدول الأعضاء بسبب العقوبات الغربية التي تمنعها من تصدير مواردها الطبيعية بحرية".
وأضاف: "هذه العقوبات لها تأثير مدمر على حياة الناس. يجب أن يكون هناك تعاون بين الدول الأعضاء لتقليل التأثير المدمر لهذه العقوبات".
وبحسب بن سعادة، تمثل منظمة الدول المصدرة للنفط، أوبك، مرجعا هائلا بالنسبة للمنتدى الذي نظم في الجزائر.
وعلّق قائلا: "لقد استخدمت أوبك النفط كسلاح سياسي. ويمكن أن يكون الغاز وسيلة بين أيدي هذه الدول".
ونقلت الصحيفة عن محلل الطاقة الجزائري، شعيب بوتامين، قوله إن أسعار الغاز عبارة عن نتاج عقود متوسطة وطويلة الأجل. لكن، تتمثل الأسئلة المطروحة على الطاولة الآن في كيفية حماية سلسلة التوريد.
ومثلما شهدنا أخيرا، أصبحت السفن مستهدفة في البحر الأحمر. وهو ما يمثل مصدر قلق كبير. يجب حماية منشآت الغاز الطبيعي، حيث تمثل الحرب بين الاتحاد الأوروبي وروسيا مثالا حيا على ذلك.
الجزائر تطالب بثقلها
ونوهت الصحيفة بأن الجزائر توجد في قلب هذه الكتلة، حيث إنها المصدر الأول للغاز في القارة الإفريقية والخامس في العالم من حيث احتياطياتها.
وبعد فشل انضمامها إلى مجموعة البريكس، النادي السياسي والاقتصادي للدول الناشئة؛ وجدت الجزائر، تحت رئاسة عبد المجيد تبون، من خلال تنظيم القمة فرصة للمطالبة بدور وثقل بوصفها دولة مصدرة ولها وزنها الجيوسياسي.
وافتتح البلد المغاربي قبل أيام المقر الرئيس لمعهد أبحاث الغاز، الذي يسعى إلى ترسيخ مكانة الجزائر كحارس لمستقبل الغاز.
وأوردت الصحيفة أن الجزائر أصبحت رائدة في القارة بعد أن راهنت على مواردها الطاقية لتحويلها إلى قوة دافعة لبناء وتأسيس الدولة بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي الدامي.
كما تتمتع بعلاقات تاريخية مع روسيا وإيران؛ وتحافظ على علاقات متينة مع الدول الأفريقية بعد رعاية حركات الاستقلال فيها والمساعدة في إنشاء قطاعات الغاز في دول مثل أنغولا ونيجيريا.
ولأسباب أيديولوجية فإنها تشارك الكثير من القيم مع فنزويلا وبوليفيا. وفي السنوات الأخيرة، حاولت أيضا الترويج لبناء خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والجزائر.
على سبيل المثال، تمتلك شركة سوناطراك الحكومية الجزائرية العملاقة حصصا في خط أنابيب الغاز في بيرو، وقد وقعت اتفاقيات تعاون مع نظيراتها في بوليفيا وفنزويلا.
بالمثل، وضعت الحرب في أوكرانيا الجزائر كمورد رئيس لأوروبا بعد انفصالها عن موسكو.
وفي العامين الماضيين وقعت اتفاقيات مع إيطاليا وألمانيا، وتمكنت من الحفاظ على علاقة غاز مميزة مع إسبانيا على الرغم من الاضطرابات السياسية التي أدت إلى تراجع بقية العلاقات التجارية الثنائية.
وتقوم حاليا بتشغيل خطي أنابيب للغاز مع القارة، الإيطالي والإسباني. وفي العام الماضي كانت ثاني أكبر مصدر إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب الغاز.