الإمارات والمغرب يحاولان شراء “ناتورجي” الإسبانية.. استثمار أم إضرار بالجزائر؟
تعتزم الجزائر فسخ العقد مع "ناتورجي" في حال باعت حصصا بها لشركات أو دول أخرى
بعد بلدان الخليج العربي، تضع الجزائر شركة ناتورجي الإسبانية تحت المجهر؛ حيث تراقب عن كثب عرضا للاستحواذ عليها من أجل الحفاظ على اتفاقيات الغاز.
وناتورجي هي إحدى الشركات الإستراتيجية في إسبانيا، وأهم شركات النفط في البلاد، وتسعى عدة دول للاستحواذ عليها من بينها الإمارات والمغرب، وفق ما تقول صحيفة "إلباييس" الإسبانية.
فسخ العقد
وفي 7 مايو/أيار 2024، هددت الجزائر بفسخ عقد بيع وشراء الغاز المبرم بينها وبين شركة "ناتورجي" الإسبانية وتوقيف إمدادات الغاز الجزائري نحو إسبانيا في حال شراء حصص الشركة الإسبانية من طرف الإمارات.
ووفق ما نشرته وكالة "رويترز" البريطانية حسب مصدر لم تسمه، تعتزم السلطات الجزائرية فسخ العقد مع "ناتورجي" في حال باعت الأخيرة حصصها لفائدة شركة أخرى.
وتعد الجزائر الشريك الرئيس في تزويد إسبانيا بالغاز الطبيعي بنسبة 27.3 بالمئة من إجمالي الطلب متفوقة على الولايات المتحدة (25.4 بالمئة) وروسيا (16.9 بالمئة).
وبحسب مستشار سابق للحكومة الجزائرية وفي سوناطراك (عملاق النفط الجزائري)، فإن "أي انتهاك لاتفاقيات الغاز سيضر بإسبانيا". في الأثناء، يؤثر التوتر الجيوسياسي مع الرباط على المفاوضات في هذا الشأن.
وبينت الصحيفة أن الجهات الرسمية الجزائرية تلتزم الصمت بشأن خططها نحو الاستحواذ على أسهم في شركة ناتورجي، ويبدو أنها ليست الوحيدة في هذا الصدد.
إذ تحافظ الرباط أيضا على السرية فيما يتعلق باهتمامها بعرض الاستحواذ المفترض للسيطرة على ما لا يقل عن 40 بالمئة من شركة الطاقة الإسبانية التي اقترحتها شركة “طاقة” متعددة الجنسيات، وهي مجموعة تسيطر عليها أبوظبي تنتج أيضًا 40 بالمئة من الكهرباء المغربية.
ونوهت الصحيفة إلى أن التوتر الجيوسياسي بين المغرب والجزائر، اللتين أبقتا حدودهما المشتركة مغلقة لمدة 30 سنة وقطعتا العلاقات الدبلوماسية بينهما في سنة 2021، ألقى بظلاله على المفاوضات الجارية.
وقد طفت هذه المسألة على السطح منذ أن أعلمت الهيئة الوطنية لسوق الأوراق المالية بدخول شركة طاقة الإماراتية إلى رأس مال شركة ناتورجي، حيث أصبحت تمتلك أسهما فيها.
ونقلت الصحيفة عن عبد الرحمن مبتول مدير الدراسات السابق في وزارة الطاقة الجزائرية والمستشار السابق لشركة سوناطراك، أن الأخيرة، وهي الشركة الحكومية التي تدير المحروقات الجزائرية شريك ذو مصداقية يحترم دائما التزاماته الدولية.
ونوه إلى أن "العقد المبرم مع ناتورجي، والموقع على المدى الطويل، يتضمن بنودا دقيقة بشأن نقل الأسهم سواء من قبل العميل أو المورد".
تحذيرات متزايدة
وأشارت الصحيفة إلى أن الجزائر أعربت منذ سنة 2022 عن مخاوفها من أن ينتهي غازها في خطوط الأنابيب المغربية، وتحذر من "ضرورة احترام الاتفاقيات المبرمة بين البلدين".
وأورد مبتول، في تبادل للرسائل النصية مع الصحيفة أن "أي انتهاك للبنود يمكن أن يؤدي إلى قضايا طويلة الأمد في المحاكم الدولية تضر بكل من إسبانيا والجزائر".
ويقول خبير الطاقة الشهير: "أنا أثق في العلاقات السلمية بين الجزائر وإسبانيا، في شراكة مربحة للجانبين تسهم في استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط".
وفي سنة 2023، زودت الجزائر الاتحاد الأوروبي ما نسبته 19 بالمئة من الغاز الطبيعي المصدر عبر خطوط الأنابيب، خلف النرويج 54 بالمئة، وقبل روسيا 17 بالمئة.
وفي إسبانيا، زودت الدولة المغاربية هذا البلد بنسبة 29.2 بالمئة من وارداتها من الغاز خلال العام 2023.
وبحسب بيانات مبتول، في الشهرين الأولين من 2024، بلغت المشتريات حوالي 33.1 بالمئة، وهي نسبة ارتفعت إلى 42 بالمئة من الواردات نهاية مارس/آذار.
ووفق التقارير المقدمة في اجتماعات الربيع الأخيرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، انخفضت صادرات الجزائر من المحروقات سنة 2023 إلى 49 مليار دولار بعد أن كانت في حدود 56 مليار دولار في 2022.
وقال الخبير الجزائري إن "السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان البيع المحتمل للأسهم لصالح مجموعة طاقة في أبوظبي عبارة عن عملية تجارية بحتة لصالح شركة ناتورجي، أم أنه ينطوي على أهداف جيواستراتيجية لدولة الإمارات (حليفة المغرب) ضد الجزائر".
وأكد أن وجهة النظر هذه مشتركة بين القادة السياسيين والاقتصاديين في بلاده. وأشارت الصحيفة إلى أن سوناطراك تمتلك 3.85 بالمئة من أسهم ناتورجي.
وتتقاسم الشركتان أيضا ملكية خط أنابيب الغاز ميدغاز الذي يربط الساحل الجزائري لبني صاف، على بعد مئة كيلومتر غرب وهران، مع ساحل ألميريا. وتمتد هذه الخطوط تحت البحر الأبيض المتوسط لمسافة 240 كيلومترا.
التوتر مع المغرب
في الأثناء، توقف خط أنابيب المغرب العربي–أوروبا، الذي يربط الحقول الجزائرية بإسبانيا عبر مضيق جبل طارق، عن العمل سنة 2021 بعد انقطاع العلاقات بين الجزائر والرباط.
وفي العام التالي، استخدم خط الأنابيب مرة أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس. وتدفق الغاز المسال الذي حصل عليه المغرب إلى الأسواق الدولية، بعد إعادة تحويله إلى غاز في إسبانيا، في محطات تحويل تفتقر إليها المملكة.
ومن هنا، حذرت الجزائر إسبانيا من أنها إذا أرسلت جزءا من الوقود الذي تتسلمه منها إلى المغرب فإنها تخاطر بخسارة عقد توريد الغاز المبرم بينهما.
وأشارت الصحيفة إلى أن طاقة تسيطر على محطة كبيرة للطاقة الحرارية في المغرب في مدينة الجرف الأصفر الساحلية، على بعد 100 كيلومتر جنوب الدار البيضاء، والتي توفر 40 بالمئة من إنتاج المملكة العلوية من الكهرباء.
كما تطمح المجموعة الإماراتية للمشاركة بإنتاج الهيدروجين الأخضر في جنوب المغرب والصحراء الغربية الخاضعين لسيطرة الرباط منذ سنة 1975.
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل سنتين، وقعت إسبانيا والإمارات اتفاقية "لتحديد فرص الاستثمار المشترك" و"تعزيز العلاقات الاقتصادية".
وفي نهاية العام 2023، تعاونت "مصدر"، ذراع الاستثمار في الطاقة المتجددة في الإمارة - والتي تشمل شركة طاقة نفسها - مع شركة "إيبردرولا" لاستثمار 15 مليار يورو في طاقة الرياح والهيدروجين في أوروبا والولايات المتحدة.
في الأثناء، تعد مبادلة، الصندوق السيادي لإمارة أبوظبي، المساهم الأول في شركة الطاقة الإسبانية ثيبسا بنسبة 63 بالمئة من رأس المال والخامس في إيناغاس الإسبانية بنسبة 3.1 بالمئة.
وبحسب مصادر جزائرية استشارتها صحيفة الإندبندينتي الإسبانية، "لا تحرك هذه الاتفاقيات وعمليات الاستحواذ على أسهم ناتورجي مصالح تجارية".
وتشير الدولة الإفريقية صراحة إلى منافسها، المغرب، بصفته المروج الرئيس والطرف المهتم في عرض الاستحواذ على ناتورجي. ويحذرون في الجزائر من أن "ما يحدث هو مناورة من الرباط".
وتؤكد الجزائر أن إستراتيجية الاستحواذ قد صممت في الرباط وأنها تلتزم بالخطة طويلة الأمد للنظام الملكي العلوي المتمثلة في "نسف" و"تقويض" جارتها بكل الطرق الممكنة.