اعتقال وإضراب.. هكذا تكتوي عبير موسي بـ"نيران" استبداد رئيس تونس

رغم اشتراكها مع الرئيس التونسي قيس سعيد في معاداة الإسلاميين ووصفها لمرحلة الانتقال الديمقراطي بعد العام 2011 بـ"العشرية السوداء"، إلا أن رئيسة الحزب "الدستوري الحر"، عبير موسي، كانت ضحية حملة اعتقالاته.
وأعلنت موسي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 دخولها في إضراب عن الطعام من سجنها احتجاجا على ما عدته "انتهاكا لحقوقها في الحرية والنشاط السياسي والانتماء الفكري"، بعد توجيه تهم إليها قد تصل عقوبتها للإعدام.
ومنذ انقلاب سعيد على "المسار الديمقراطي" في 25 يوليو/تموز 2021، لم يتوقف مسلسل الاعتقالات التي لم تستثن تقريبا أيا من العائلات السياسية في البلاد.
احتجاجات متعددة
وتوالت الرسائل الصادرة من رئيسة حزب "الدستوري الحر" من محبسها في سجن "النساء" بمدينة منوبة غرب العاصمة، والتي توجهت بها تارة إلى أنصارها وتارة لجهات مسؤولة في الدولة.
ففي يوم 27 نوفمبر 2023، وجهت موسي رسالة مفتوحة لوزيرة المرأة حملت عنوان "رسالة امرأة مهددة بالإعدام" اتهاما للوزيرة وحكومة سعيد بأنها "راعية وحاضنة لأوكار الإرهاب الدولية" وأن "حكومتها بصدد التحضير لإعدام امرأة مؤمنة بقيم الحداثة ومتمسكة بدولة القانون والمؤسسات"، وفق زعمها.
وأضافت موسي في رسالتها أن الحكومة "بصدد ارتكاب أشنع جريمة عنف سياسي ومعنوي ومادي وأبشع عملية تعذيب نفسي وجسدي ضد رئيسة الحزب الدستوري الحر".
وأعلنت هيئة الدفاع عن عبير موسي، في 28 نوفمبر، أنّ "موكلتها شرعت بداية من صباح اليوم نفسه، في تنفيذ إضراب جوع بمركز احتجازها احتجاجا على اضطهادها وانتهاك حقوقها الأساسية في الحرية والصحة والنشاط السياسي والانتماء الفكري" وفق نص البيان.
ونفذ العشرات من الناشطات في الحزب "الدستوري الحر" وقفة احتجاجية أمام مقر المفوضية السامية لحقوق الإنسان بتونس تحت شعار "صرخة فزع إلى كل نساء العالم بمناسبة الحملة السنوية من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة التي تستمر 16 يوما، وكانت فيه موسي مضربة عن الطعام خلال هذه الفترة دون أن تطورات.
وأدانت المشارِكات في الوقفة ما تتعرض له رئيسة الحزب "من عنف سياسي ومعنوي ومادي من قبل السلطة السياسية الحاكمة"، ورأين "أن الاعتداء على رئيسة الحزب يمثل اعتداء على كل امرأة تونسية".
وخلال مؤتمر صحفي لهيئة الدفاع عن موسي، في 18 ديسمبر 2023 تم نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، تحدث المحامي وعضو المكتب السياسي للحزب كريم كريفة عن تدهور الوضع الصحي لرئيسة الدستوري الحر".
وأضاف "آخر زيارة لعبير موسي كانت في 15 ديسمبر وصحتها ليست على ما يرام، كانت تشكو من الآلام وكانت تتوجع والآلام في ازدياد جراء الاعتداء عليها خلال إيقافها في 3 أكتوبر، يومها كانت تمشي على ساقيها واليوم طالبوا لها عكاز".
ونشرت الصفحة للحزب على "فيسبوك" في نفس اليوم رسالة لموسي قالت فيها "حوالي شهر ونصف الشهر لم ألمح بناتي لا من قريب ولا من بعيد بسبب الدراسة بعد أن حُرِمْتُ تعسفا من الزيارة المباشرة في مناسبتين متتاليتين".
حسابات خاطئة
وأوقفت الشرطة التونسية في 3 أكتوبر 2023 عبير موسي عندما كانت بصدد تقديم ما سمته "تظلما" لدى مكتب الضبط أمام القصر الرئاسي في قرطاج.
ووفق تسجيل نشرته مساعدتها على "فيسبوك"، فإن موسي تعرضت للتوقيف من أمام القصر الرئاسي، حيث تم نقلها إلى أحد مراكز الشرطة في ضاحية حلق الوادي بالعاصمة تونس.
ويذكر أن موسي أحد أبرز وجوه نظام الرئيس المخلوع الراحل زين العابدين بن علي الذي أطاحت به ثورة 2011.
وشغلت لسنوات منصب الأمين العام المساعد في حزب الدستوري الديمقراطي الحاكم قبل الثورة.
وعارضت موسي كل الحكومات المتعاقبة منذ انتخابات العام 2011.
وعرفت بعد دخولها للبرلمان بقيامها بتحركات احتجاجية تسببت في تعطيل أشغاله و"تشويه" صورة المجلس التشريعي، بحسب مراقبين.
وقادت موسي وحزبها منذ أشهر احتجاجات منتظمة ضد الرئيس سعيد، وتصفه باستمرار بأنه "الحاكم بأمره"، وتقول إنها لا تعترف بقراراته لكونها غير قانونية.
والتحقت موسي بقائمة طويلة من المعتقلين السياسيين في تونس، من أبرزهم رئيس مجلس النواب وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي والعشرات من قيادات النهضة وزعماء أحزاب المعارضة على غرار الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي.
دعم محدود
ويرى عدد كبير من المتابعين للشأن التونسي أن اعتقال موسي يأتي في سياق إفراغ الساحة السياسية من أي منافس محتمل للرئيس سعيد خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقررة نهاية العام 2024.
كما أن اعتقال موسي قد يسهم في رفع شعبية سعيد حيث تعد رئيسة الحزب الدستوري الحر من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل وتعد من "أبرز رموز نظام الرئيس المخلوع". زين العابدين بن علي، كما أن اعتقالها يرفع عن السلطة الحالية شبهة استهدافها لطيفٍ سياسيٍّ محدد على خلفية أيديولوجية.
إلا أن موسي وعلى خلاف غيرها من المعتقلين السياسيين في تونس لم تحظ بدعم حقوقي واسع واقتصرت حملات التضامن معها على أنصار حزبها.
ففي مقطع مصور تم تداوله من قبل ناشطين محسوبين على الحزب الدستوري الحر، عبرت إحدى الناشطات على هامش مشاركتها في الوقفة التي نظمها الحزب أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تونس بأن "موسي لم ترتكب أي ذنب".
واستنكرت ما وصفته بـ"الصمت المطبق للحقوقيين"، نظرا لضعف المواقف المساندة لموسي من قبل المنظمات الحقوقية في تونس.
هذا الاحتجاج من قبل أنصار موسي مبني على "حقائق واقعية"، حيث لم تصدر أي من المنظمات الحقوقية بيانات داعمة لها، واقتصرت المواقف الداعمة فقط عن بعض التصريحات.
ورأى المحلل السياسي التونسي سليم الحكيمي أن "غياب الدعم لعبير موسي بعد اعتقالها يعود لتهورها السياسي وثانيا لمهاجمتها للجمعيات والمنظمات التي وجهت لها اتهامات عديدة بلغت ببعضها رفع قضايا ضدها مثلما حصل مع نقابة الصحفيين التونسيين".
وأوضح الحكيمي لـ"الاستقلال" أن "عددا كبيرا من المنظمات الرئيسة والكبرى في البلاد تسير في فلك رئيس الدولة ولا تحاول إغضابه حتى لا تطالهم جرافة التضييق والاعتقالات".
وأضاف "موسي لم يكن لها دور سياسي فقط كانت تلعب الأدوار القذرة لضرب التجربة والبرلمان واستغلت الديمقراطية للانقلاب عليها".
ولفت الحكيمي إلى أنه "ما بين سعيد ورئيسة الحزب الدستوري الحر تناقض وتقاطع، حيث إنها قد تمثّل في مرحلة ما منافسا انتخابيا جادا ولكنها في نفس الوقت أسهمت في التمهيد لإسقاط البرلمان السابق".
وأكد أن "موسي كانت تعتقد أنه عندما تتعفن التجربة الديمقراطية ويسقط برلمان العام 2019، فإن البلاد ستتجه نحو انتخابات جديدة وستكون هي الفائز الأكبر بها، ولكن سعيد كان ينتظر سقوط التجربة برمتها بما فيها موسي وحزبها".
ورأى أن "السلطة الآن تعرف أن شعبية موسي تراجعت من خلال ما أصبح ظاهرا من خلال تحركاتها في الشارع، وكذلك فإنه يعلم أن لا أحد سيذهب لمناصرتها".
وتابع الحكيمي: "كما أن الوضع السياسي في البلاد يشهد حالة شلل تام، وهو أمر غير مرتبط بالحزب الدستوري فقط، فحركة النهضة التي تعد الحزب الأكبر في البلاد والأكثر تنظيما وامتدادا وشعبية ومنذ اعتقال قيادات جبهة الخلاص وقياداتها أصبحت غير قادرة عن الحشد والتعبئة في الشارع للتصدي للانقلاب".