يمين متطرف عابر للحدود.. لهذا تثير جرائم المراهقين القلق في تركيا
"يُلاحظ أن الجناة نفذوا هجماتهم بعد بضع سنوات من إكمال التعليم الثانوي الإلزامي"
بصورة لافتة، تتزايد في تركيا الجرائم التي يرتكبها “الجيل زد”، وهم الشباب المراهقون المولودون في الألفية الجديدة، وسط أحاديث عن حضور سلوكيات اليمين المتطرف الأوروبي في ممارساتهم.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة ستار التركية مقالاً للكاتب "نجدت أوزتشيليك" سلط فيه الضوء على زيادة الجرائم في المدن التركية التي تشبه الهجمات المتطرفة بدول أوروبية مختلفة.
سلوكيات منحرفة
وقال الكاتب التركية إنه بينما كان يتواصل الحديث عن هجوم بسكين في مدينة “إسكي شهير” (غرب) في 13 أغسطس/ آب 2024، وقع حادث هجوم آخر بسكين آخر في مدينة يوزغات (وسط) بعد ثلاثة أيام.
وقبل ذلك، وقعت حادثة مماثلة في 9 أغسطس في مدينة كوجالي (شمال غرب)، وهجوم آخر في 24 يوليو/ تموز 2024 في مدينة بينغول (شرق).
وعلى الرغم من أن الهجمات تعد حوادث منفصلة من حيث الدوافع، إلا أن ملف الجاني وهدف الهجوم وطريقة الهجوم تحمل خصائص متشابهة.
فيشير الهجوم الذي ينفذه أشخاص تتراوح أعمارهم بين 17 و20 عاماً والذين يعيشون حياة اجتماعية منعزلة على أشخاص لا يعرفونهم في الشارع وباستخدام أدوات حادة إلى تراكم مشاكل اجتماعية أكثر من كونها مشاكل جنائية.
وكما هو معروف فإنّ تركيا بلد مستهدف وهي ممر لحركات الجريمة الأيديولوجية والمنظمات المتعلقة بالإرهاب وتجارة المخدرات والهجرة غير النظامية.
حيث يمكن أن تؤدي هذه الحركات غير القانونية المتداخلة إلى خلق مناخ جنائي يؤثر سلباً على السلوك الفردي بالإضافة إلى تأثيراتها الاجتماعية.
ويمكن أن يؤدي استغلال هذه الحركات غير القانونية سياسياً على المستوى المحلي و ما ينتج عنها على المستوى الدولي إلى تطبيع هذه الحركات في نظر الأفراد الذين يقاومون التعليم والانضباط الاجتماعي.
يتطلب التعامل مع مثل هذه المشكلة مبادرة اجتماعية جماعية تعتمد على التعاون بين الأسرة والمجتمع والدولة، وليس مجرد تطبيق قانوني وأمني.
متطرفون انعزاليون
وعند النظر إلى الهجمات التي وقعت منذ 24 يوليو، يمكن القول إن الهجوم في مدينة إسكي شهير كان الأكثر تحضيراً.
حيث شوهد أن الجاني البالغ من العمر 18 عاماً دخل مبنى قبل الوصول إلى موقع الهجوم، وكان قد ارتدى خوذة واقية وقناع وجه بهيكل عظمي وسترة هجومية تحمل رموزاً نازية، ثمّ تحرّك نحو موقع الهجوم بسكين في يده وبدأ بثاً مباشراً عبر هاتفه المحمول.
وأشار الكاتب التركي إلى أنه يمكن القول إن هذا الهجوم يشبه إلى حد كبير أساليب اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ونيوزيلندا/أستراليا.
ولفت النظر إلى أن الجاني تحدث عن بيان في مدونته قبل يوم من الهجوم وأعطى تلميحات حول الهجوم.
ويبدو أن الجاني قد قارن نفسه مع تيموثي مكفاي، الذي نفذ هجوماً بالقنابل في أوكلاهوما بالولايات المتحدة في عام 1995، وأندرس بهرنغ بريفيك، الذي نفذ هجوماً بالقنابل والأسلحة النارية في مركز شبابي بالقرب من أوسلو بالنرويج في عام 2011.
بالإضافة إلى أنه قارن نفسه بستيفن بادوك، الذي نفذ هجوماً بالأسلحة النارية في حفل موسيقي في لاس فيغاس بالولايات المتحدة في عام 2017، وبرينتون تارانت، الذي نفذ هجوماً بالأسلحة النارية على مسجدين في كرايستشيرش بنيوزيلندا في عام 2019.
وذكر الكاتب أن الجاني البالغ من العمر 18 عاماً كان يهدف إلى ارتكاب مجزرة جماعية مثل هؤلاء الجناة الذين لا يرتبطون ببعضهم البعض.
بل ويُعَرِّف الجاني نفسه كنازيٍّ اشتراكي، ويعبر عن كراهيته للبشر كمبرر لدوافعه.
وممّا تمّت ملاحظته يمكن القول بأنّ الجاني كان يعاني من مشاكل مع أسرته وكان يعزل نفسه اجتماعياً.
فقد وصف نفسه في منشوراته السابقة على وسائل التواصل الاجتماعي بأنّه "نشأ في حي متوسط الحال، وزادت كراهيته للناس في نهاية سنوات المدرسة الإعدادية".
ولفت الكاتب إلى أنّ الأشخاص الذين يعرفون الجاني وصفوه أيضاً بأنه طفل منعزل من عائلة متوسطة الحال، وهو الأمر الذي يؤكد تصريحاته.
وعلى الرغم من شخصيته الاجتماعية المنعزلة، يبدو أن الجاني قد طور قناة تفاعل عبر المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويمكن القول إن تشكّل نوعية شخصية الجاني "الاجتماعي المنعزل" في إسكي شهير كانت بتأثير العنف اليميني المتطرف الأوروبي العابر للحدود.
ويبدو أن الجاني كان يحاول بشكل قسري إقامة علاقة نموذجية مع الجناة الدوليين الآخرين بدلاً من وجود دافع وارتباط أيديولوجي عضوي.
ويمكن القول إن نوعية الجناة في الهجمات الواقعة في مدينة كوجالي وبينغول ويوزغات كانت مستقلة عن التأثيرات العابرة للحدود ومرتبطةً أكثر بالعوامل المحلية.
حيث يُقال إن الشاب البالغ من العمر 17 عاماً والذي أصاب أربعة أشخاص في مدينة كوجالي بسكين كان لديه شخصية اجتماعية منعزلة.
ويُعتقد أنه عد رفض طلب بسيط له كنوع من الإقصاء الاجتماعي.
بينما والد الجاني في مدينة بينغول ذكر أنّ ابنه البالغ من العمر 19 عاماً قد تخرج من المدرسة الثانوية قبل عام وكان يتعاطى المخدرات.
وذُكِرَ أنّ والد الجاني قد قدم طلباً للنيابة العامة لاحتجاز ابنه ومراقبته وعلاجه بسبب مشاكله النفسية الخطيرة.
وذكر الكاتب التركي أن الهجوم في مدينة يوزغات نفذه شابّ مدمنٌ على المخدرات يبلغ من العمر 17 عاماً.
وعلى الرغم من عدم مشاركة أية تفاصيل حول هوية الجاني، إلا أن عمره وطريقة الهجوم تشير إلى أنه ينتمي إلى نفس النوع.
ماذا يجب فعله؟
كما هو واضح، أظهر الجناة عموماً ميولاً اجتماعية منعزلة وسلوكيات مرتبطة بالإدمان على المخدرات قبل فترة طويلة من الهجمات.
في الوقت نفسه، نفذ الجناة هجماتهم بعد بضع سنوات من إكمال التعليم الثانوي الإلزامي.
ويمكن القول إن هذا الأمر يشير إلى المشاكل النفسية والاجتماعية التي يواجهها الفرد خلال فترة التعليم الثانوي.
يجب الانتباه إلى حقيقة أن البيئة التعليمية الأكاديمية والاجتماعية التي تقدمها المدارس ليست مناسبة للتنمية النفسية والاجتماعية والأكاديمية لجميع الأطفال.
ويمكن دعم مجالات التنمية هذه من خلال التعاون بين الأسرة والمجتمع والمدرسة.
بينما في بيئة تعليمية تفتقر إلى التعاون بين الأسرة والمجتمع والمدرسة يمكن أن تمنع فترة التعليم الطويلة والإلزامية الطفلَ من اكتشاف مواهبه وقدراته وتمنعه من التعرف على نفسه.
ويجب على الأسرة والمجتمع والمدرسة التي تمثل الدولة إعادة النظر في العلاقة بين التعليم الأكاديمي والانضباط الاجتماعي المخصص لتنمية الفرد من خلال مراقبة الفرق بين "الذهاب إلى المدرسة" و "التعلم".
حيث يحتاج كل فرد إلى هدف في حياته، ويتشكل الهدف عندما يتعرف الفرد على نفسه، ويشعر بأنه جزء من المجتمع ثمّ يأخذ دوراً في المجتمع.
أمّا في بيئة تفتقر إلى التعاون بين الأسرة والمجتمع والدولة، حيث لا يمكن إقامة العلاقة بين التعليم الأكاديمي والانضباط الاجتماعي، لا يمكن للفرد تكوين هدفه الذي يحقق دوره في المجال الاجتماعي.
في مثل هذه الحالة، يصبح من المحتم أن يميل الشباب الذين لم يكملوا التعليم الثانوي الإلزامي بعد إلى مجالات إشكالية يعتقدون أنهم يحققون أنفسهم من خلالها، سواء من خلال التطرف الفردي أو الأيديولوجي.
وتُذَكِّرنا حوادث الهجمات بالسكاكين التي وقعت في مناطق مختلفة من تركيا بأهمية الأنشطة الوقائية والتدخلية للشرطة، والسيطرة على التسلح الفردي.
ومع ذلك، تتطلب المكافحة تطبيقات تتجاوز بكثير مجرد مكافحة الشرطة.
حيث تُظهر سلسلة الهجمات هذه، التي تُظهر إمكانات التطرف الفردي أو المنظم في البلاد، ضرورةَ تحرك الدولة والمجتمع والأسرة بمبادرة مشتركة لمواجهة تهديدات مماثلة.
ويجب على علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الجريمة وممثلي التعليم والعمل والمجتمع المدني والأمن الاجتماعَ لمناقشة واقتراح سياسات واقعية، وإنشاء آليةٍ للتعامل مع المشكلة، يختم الكاتب التركي.