ماكرون يلعب بالنار وبوتين جاهز بالنووي.. هل تقترب مواجهة روسيا والغرب؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل تدهور الوضع على خط المواجهة شرق أوكرانيا، وميل الكفة ميدانيا لحساب روسيا أخيرا، لوحت فرنسا مجددا بإمكانية إرسال قوات برية لأوكرانيا لوقف التقدم الروسي.

وفي حوار مع مجلة “إيكونوميست” البريطانية تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تفاصيل خطته لتجنب الموت "الوحشي" لأوروبا، مكررا موقفه المثير للجدل بشأن إمكانية إرسال قوات برية إلى أوكرانيا.

وقال ماكرون في 2 مايو 2024:"في حال اخترق الروس خطوط الجبهة وفي حال ورود طلب أوكراني بهذا الخصوص وهو أمر لم يحصل بعد، يجب أن نطرح هذه القضية بشكل مشروع".

منع الانتصار الروسي

وأثار الرئيس الفرنسي جدلا في نهاية فبراير 2024 عندما صرح أنه لا ينبغي "استبعاد" إرسال قوات غربية إلى الأراضي الأوكرانية. ومن الواضح أن أغلب الدول الأوروبية، فضلا عن الولايات المتحدة، تتحفظ على الفكرة.

كما رأى في مقابلته مع المجلة البريطانية، أن روسيا "دخلت في منطق الحرب الشاملة" ويجب منعها من الانتصار في أوكرانيا، وإلا "فلن يكون لدينا أمن في أوروبا".

وفي هذه السنة الثالثة من الحرب يبدو الوضع غير مريح للغرب في أوكرانيا، إذ إن الجيش الروسي في حالة هجوم في كل مكان تقريبا على طول الجبهة الشرقية.

بالمقابل، يتلقى نظام الدفاع أرض-جو في أوكرانيا عددا قليلا للغاية من الإمدادات، ولهذا السبب تضرب الهجمات من مسافة بعيدة البنية التحتية الحيوية بشدة، بينما يتدفق الدعم من الغرب ببطء.

وفي ضوء ذلك استولت القوات الروسية على أكثر من 500 كيلومتر مربع من الأراضي من القوات الأوكرانية منذ بداية عام 2024 وفق ما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. 

وتصعيد باريس تجاه موسكو، لم يمر، دون رد، حيث حذرت روسيا فرنسا من أنه إذا أرسل إيمانويل ماكرون قوات إلى أوكرانيا فإن الجيش الروسي سيعد أفرادها أهدافا مشروعة.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا للصحفيين: "من الطبيعي أن يفسر ماكرون نفسه هذا الكلام بهدف خلق حالة من عدم اليقين الإستراتيجي لروسيا".

وأردفت قائلة: "إذا ظهر فرنسيون في منطقة الصراع، فسيصبحون حتما أهدافا للقوات المسلحة الروسية. ويبدو لي أن باريس لديها بالفعل ما يثبت صحة ذلك".

وأوضحت زاخاروفا أن روسيا ترى بالفعل تزايدا في عدد القتلى من حاملي الجنسية الفرنسية في أوكرانيا.

كما قالت روسيا إنها ستجري مناورات عسكرية تتضمن تدريبا على نشر أسلحة نووية تكتيكية ردا على تهديدات من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله إن موسكو تحذر خصومها في الغرب من شعورها بالاضطرار لتعزيز سلاحها النووي الرادع بسبب ما تراه من مسارهم "التصعيدي".

وتابعت الوكالة نقلا عن ريابكوف أن روسيا لن تغير رغم ذلك عقيدتها النووية التي تسمح باستخدام الأسلحة النووية في حالة ظهور تهديد وجودي للدولة.

وتبقى مسألة إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا وطرحها "بشكل مشروع" من قبل فرنسا، مرهونة بحال اختراق روسيا الخطوط الأمامية الأوكرانية وتقدمت كييف بمثل هذا الطلب.

بالمقابل، سارع المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي كان حذر من جر حلف شمال الأطلسي "ناتو" إلى صراع مباشر مع روسيا، إلى استبعاد أي نشر للقوات الألمانية أو قوات التحالف في أوكرانيا.

بدورها، قالت الولايات المتحدة الداعم الأكبر لأوكرانيا، إنها لن تنشر قوات على الأرض، لكنها وافقت على إرسال مساعدات عسكرية طال انتظارها بقيمة 61 مليار دولار لكييف.

بينما تعهدت فرنسا في فبراير 2024 بتسليم المزيد من الأسلحة وتدريب الجنود في أوكرانيا وإرسال ما يصل إلى ثلاثة مليارات يورو (3.21 مليارات دولار) كمساعدات عسكرية.

فرنسا تطرح الخيارات

ويحذر منتقدو باريس في دعواتها لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا، من أن الصراع بين روسيا حلف شمال الأطلسي سيصبح حتميا إذا أرسل الأعضاء الأوروبيون في الحلف جنودهم للقتال في أوكرانيا.

وكانت فكرة إرسال قوات من المحرمات، خاصة أن حلف الناتو يسعى إلى تجنب الانجرار إلى حرب أوسع مع روسيا.

لكن في الوقت الراهن لا شيء يمنع أعضاء الناتو من الانضمام إلى مثل هذا المشروع الفرنسي بشكل فردي أو في مجموعات، لكن الحلف لن يشارك إلا إذا وافق جميع الأعضاء الـ 31.

في الداخل الفرنسي، حظيت تصريحات الرئيس الفرنسي بمزيد من الجدل، مع ظهور ماكرون بشكل متزايد في عزلة.

إذ سعت حكومته في وقت لاحق إلى توضيح تعليقاته، وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورن، إن الرئيس يفكر في إرسال قوات للقيام بمهام محددة مثل المساعدة في إزالة الألغام وإنتاج الأسلحة في الموقع والدفاع الإلكتروني.

وقال سيجورن للمشرعين الفرنسيين: "هذا قد يتطلب وجودا عسكريا على الأراضي الأوكرانية، دون تجاوز عتبة القتال".

وفي حين أن الهدف الرئيس لأوكرانيا هو الصمود في الحرب، فإن الجانب الأوكراني يفتقر إلى القوة البشرية بينما يقاتل دولة يبلغ عدد سكانها ثلاثة أضعاف عدد سكانه.

وهناك مخاوف من أن هذه الظروف سوف تشجع موسكو على التصرف بثقة أكبر، ليس فقط في أوكرانيا، بل وربما أيضا في مولدوفا، وجنوب القوقاز.

ولهذا فقد تطرق اللواء فاديم سكيبيتسكي، نائب رئيس مديرية المخابرات العسكرية الأوكرانية، خلال مقابلة مع الإيكونوميست نشرت في 3 مايو 2024 إلى التهديد الذي تشكله موسكو على الدول الأخرى في أوروبا.

وقال سكيبيتسكي: "سيأخذ الروس منطقة البلطيق في سبعة أيام إذا لم يقف الحلفاء في وجه روسيا الآن".

حديث المسؤول الاستخباراتي الأوكراني، يصب في إطار دق ناقوس الخطر من قبل، بشأن احتمال سعي الكرملين لبدء صراعات في دول البلطيق. 

فبحسب معهد دراسة الحرب ( ISW ) فإن بوتين بدا وكأنه يبذل جهدا لإضعاف حلف "الناتو" من خلال خطاب تصعيدي يتعلق بدول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا)، وجميع دول البلطيق الثلاث أعضاء في الحلف والاتحاد الأوروبي.

ومن ناحية أخرى، تشعر باريس بقلق متزايد إزاء الحرب الهجين التي تخوضها روسيا، والتي تفيد التقارير بأنها اشتدت ضد فرنسا وغيرها من أعضاء الاتحاد الأوروبي.

فقد كانت فرنسا هدفا خاصا للهجمات الهجينة على سبيل المثال الإنترنت والمعلومات المضللة.

وقال ماتيو دروين، زميل زائر في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، في تصريحات صحفية، إن هذا ربما ساعد ماكرون على التأقلم مع واقع روسيا الأكثر عدوانية. 

كما يريد ماكرون تعزيز رؤيته للاستقلال الإستراتيجي لأوروبا عن واشنطن وإظهار قدرة أوروبا على دعم كييف دون الاعتماد على الولايات المتحدة ــ وخاصة في ضوء احتمال فوز دونالد ترامب برئاسة ثانية.

بدوره يرى أرتين دير سيمونيان، وهو زميل باحث في برنامج أوراسيا: "أن المخاوف بشأن رئاسة دونالد ترامب الثانية أيقظت الأوروبيين على حقيقة أنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للدفاع عن أنفسهم.. مثل هذا الإدراك في جميع أنحاء القارة يلعب دورا في دفع ماكرون نحو الاستقلال الإستراتيجي".

وفي حين قوبل حديث ماكرون عن إرسال قوات عسكرية غربية إلى أوكرانيا بالرفض إلى حد كبير من أغلب حلفاء فرنسا في الناتو، فقد ابتهجت دول البلطيق ــ استونيا ولاتفيا وليتوانيا ــ فضلا عن بعض الدول الأخرى القريبة جغرافيا من روسيا.

فطوال فترة الحرب الروسية الأوكرانية، ولسنوات عديدة قبلها، تعتقد بعض دول أوروبا الشرقية والوسطى أن المسؤولين في دول أوروبا الغربية الأعضاء في الناتو، بما في ذلك فرنسا، كانوا حريصين للغاية على استرضاء الكرملين وفشلوا في التنبه إلى تهديد وجودي.

تأييد شرق أوروبا

وضمن هذا الجزئية أوضح دير سيمونيان بالقول: "إن موقف ماكرون المتشدد على الأقل خطابيا بشأن أوكرانيا قد يكون محاولة أخرى لتخفيف المخاوف في شرق القارة".

ومضى يقول: "سواء واصل ماكرون خطابه أم لا، فقد حظي بالتأكيد بتأييد الجزء الشرقي من القارة، وهو ما قد يكون مفيدا على الأرجح في الخطط الإستراتيجية الفرنسية المستقبلية".

وبحسب بعض المراقبين فإن بعض دول أوروبا الشرقية والوسطى هي "الأكثر صوتا ودعما لأوكرانيا" وقد "رحبت بحرارة" بتحول ماكرون.

ويبدو أن تحول ماكرون بدأ في نهاية مايو 2023 عندما كان يتحدث في مؤتمر أمني استضافته مؤسسة "جلوبسيك" البحثية التي تتخذ من براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا مقرا لها.

واعترف في خطاب له بأن باريس فشلت في الاستماع بشكل كاف لمخاوف أعضاء الناتو بالقرب من روسيا وأوكرانيا.

وفي الوقت الراهن، يؤكد مراقبون أنه ليست هناك حاجة فورية للقوات الغربية للقيام بأدوار قتالية في أوكرانيا.

إذ يمكن للمساعدة الغربية أو غيرها من الحلفاء في أمن الحدود والخدمات اللوجستية والإدارة أن تحرر عددا هائلا من القوات الأوكرانية من مهام الدعم الإضافية، ما يسمح للبلاد بالتعامل بشكل أفضل مع تحديات الخطوط الأمامية واستعادة الأراضي.

لكن النشر الفعلي للقوات الغربية على الأرض في أوكرانيا يمنح كييف دفعة معنوية وقدرة على ساحة المعركة تحتاج إليها بشدة، وفق الخبراء.

وحتى الآن يجتهد المقاتلون الأوكران في مواجهة الهجوم المنسق من قبل القوات الروسية الأكبر حجما والأفضل تجهيزا.

ومع ذلك، فإن تحقيق نصر كامل من قبل روسيا يتطلب الاحتلال العسكري لأوكرانيا ككل، ولا تزال القوات المسلحة الروسية بعيدة كل البعد عن تحقيق هذا الهدف.

وإذا خسرت أوكرانيا الحرب، فسوف يستسلم الرئيس الروسي لإغراء مواصلة تقدمه في أراضي أوروبا الشرقية. 

ولذلك، فإنه في حال قررت فرنسا منفردة إرسال قوات برية إلى أوكرانيا فستكون “بمثابة سلك تعثر أمام الكرملين أمام التقدم على الأراضي الأوكرانية”.

لكن فرنسا لن تخاطر بمثل هذه الحملة العسكرية، دون دعم شركاء مهمين في حلف شمال الأطلسي.

وفي هذا الإطار، يرى المحلل كريج هوبر حسبما كتب في موقع "فوربس"، أن “أي مناقشة نظرية مفتوحة للتدخل العسكري الغربي في أوكرانيا هي مناقشة صحية”.

ويضيف: لذلك فإن تأملات ماكرون، رغم كونها صادمة إلى حد ما بالنسبة للبعض، إلا أنها تجهز الناتو لخيارات صعبة في المستقبل. وفي ظل استعداد روسيا للحرب، فلا يوجد سبب وجيه يفسر توقف روسيا عند حدود أوكرانيا إذا استولت على كييف".

وتابع: "من خلال جعل التدخل على الأرض في أوكرانيا خيارا حقيقيا وملموسا، فإن احتمال التوصل إلى مستوى أوسع من الالتزام في زمن الحرب من شأنه أن يجبر أوروبا وغيرها من البلدان على اتخاذ موقف جدي بشأن استكشاف خيارات أقل مواجهة بشكل مباشر، مثل معالجة المشكلة الأوروبية المتزايدة. والنهج المتهالك في تطبيق العقوبات ومصادرة الأصول الروسية".

وختم بالقول: "إذا كانت أوروبا غير راغبة في اتخاذ الخطوات الاقتصادية المطلوبة للضغط على روسيا فعليا لإنهاء غزوها دون التهديد بالحرب، فإن الخيارات الوحيدة أمام أوروبا ستكون إما الانخراط بشكل مباشر في القتال أو الاستسلام للاستبداد على النمط الروسي".