تجهز دحلان وتحارب حماس.. ما سر تواطؤ الإمارات مع العدوان الإسرائيلي ضد غزة؟
منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، اتخذت الإمارات موقفا مغايرا لباقي الدول الخليجية والعربية بإدانتها "هجوم" حركة المقاومة الإسلامية حماس على "المدنيين الإسرائيليين".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد توالت العديد من التطورات التي تشير إلى تورط ومشاركة هذه الدولة الخليجية في مخططات كبيرة ضد حماس وأخرى تستهدف الشعب الفلسطيني.
كانت البداية عندما قالت وزارة الخارجية الإماراتية بعد العملية مباشرة، إن الهجمات التي تشنها حركة حماس "ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة"، تشكل تصعيدا خطيرا وجسيما.
وأعربت الإمارات "عن تعازيها لأسر الضحايا"، وأكدت على ضرورة أن ينعم المدنيون من كلا الجانبين بالحماية الكاملة بموجب القانون الإنساني الدولي، وضرورة ألا يكونوا هدفا للصراع.
ودعت الخارجية الإماراتية في بيانها إلى بذل الجهود الدبلوماسية كافة لمنع حدوث مواجهة إقليمية أوسع نطاقا، وأكدت أنه يجب على المجتمع الدولي أن يظل حازما في مواجهة ما وصفتها بـ"المحاولات العنيفة التي تحاول عرقلة الجهود الإقليمية الجارية الرامية إلى الحوار والتعاون والتعايش".
بدورها، هاجمت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية ريم الهاشمي، حركة "حماس"، ووصفت هجماتها يوم 7 أكتوبر بأنها "بربرية وشنيعة".
وفي كلمة لها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي في 24 أكتوبر، بخصوص الحرب، طالبت الهاشمي حركة حماس "بالإطلاق الفوري وغير المشروط لسراح الرهائن الإسرائيليين، لحقن الدماء وتجنيب جميع المدنيين مزيدا من الويلات"، حسب وصفها.
وتقيم الإمارات علاقات مع إسرائيل منذ عام 2020 بعد أن وقعت هي ودول أخرى ما تسمى "اتفاقات أبراهام" التطبيعية، ومنذ ذلك الحين بات موقفها أكثر سلبية تجاه القضية الفلسطينية.
تجسس على المقاومة
وفي خطوة أثارت الريبة بشأن أهدافها، قررت الإمارات، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني إنشاء مستشفى ميداني متكامل داخل قطاع غزة لتقديم الدعم الطبي للفلسطينيين في القطاع.
جاء ذلك تنفيذا لأوامر رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بعد يوم من إعلانه "بدء عملية الفارس الشهم 3 الإنسانية لدعم قطاع غزة"، وفق وكالة الأنباء الرسمية "وام".
وذكرت الوكالة: "انطلقت اليوم من مطار أبوظبي الدولي خمس طائرات تحمل جميع المعدات والمتطلبات اللازمة لإقامة المستشفى الميداني وتشغيله، حيث ستفرغ حمولتها في مطار العريش في جمهورية مصر الشقيقة، تمهيدا لنقلها إلى داخل قطاع غزة".
ووفق ذات المصدر "تبلغ سعة المستشفى الميداني 150 سريرا ويضم أقسام الجراحة العامة وجراحة العظام والأطفال والنساء، والتخدير وعناية حثيثة للأطفال والبالغين، بجانب عيادات في تخصصات الباطنية، والأسنان وعيادة نفسية، وطب العائلة إضافة إلى خدمات الأشعة المقطعية، ومختبر وصيدلية والخدمات الطبية المساندة".
وأثارت هذه الخطوة ريبة الكثيرين بعدما كشفت هيئة البث الإسرائيلية "كان" في 7 نوفمبر 2023 أنها تأتي بالتنسيق بشكل خاص مع حكومة الاحتلال.
وحول طريقة دخول المعدات ذكرت الإذاعة أنها ستدخل عبر معبر رفح بعد تخصيص موقع سيكون مخصصا للجانب الإنساني جنوب قطاع غزة.
كما تثار الشبهات حول الهدف الحقيقي من المستشفى في ظل استمرار إسرائيل في استهداف المستشفيات وإخراجها عن الخدمة، ومع وجود سابقة إماراتية بالتجسس على المقاومة الفلسطينية لصالح الاحتلال.
ففي يوليو/تموز 2014 وعندما كانت إسرائيل تشن حربا على غزة، حققت إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية مع أحد أعضاء بعثة الهلال الأحمر الإماراتية، والذي اعترف بعمله في جهاز أمن إماراتي.
وقالت شبكة رصد المصرية إضافة إلى وسائل إعلام فلسطينية إن مصدرا مطلعا في قطاع غزة أكد أنه جرى الاشتباه في المواطن الإماراتي الذي دخل تحت غطاء بعثة الهلال الأحمر، وتم احتجازه والتحقيق معه.
ووفق المصدر، "اعترف بمحاولته التقصي عن مواقع إطلاق الصواريخ على الاحتلال الصهيوني". وقد أطلقت المقاومة سراح الضابط الإماراتي حينها وطُلب من بعثة الهلال الأحمر مغادرة غزة على الفور.
وقالت إن سبب الإفراج عن الضابط والوفد؛ هو تجنب خلق أزمة دبلوماسية، وصرف الأنظار عن معاناة غزة تحت القصف الإسرائيلي وقتها.
وفي ذلك الوقت، منعت السلطات المصرية الوفود الطبية الأجنبية والمساعدات الشعبية من الدخول إلى قطاع غزة الفلسطيني، غير أنها سمحت بما يثير الريبة والشك للهلال الأحمر الإماراتي بدخول القطاع المحاصر.
وبعد ساعات من دخول الوفد الإماراتي ثارت شائعات حول مشاركة ضباط من المخابرات ضمن الطاقم، خصوصا بعد سؤال أعضاء من أولئك الأطباء عن أماكن إطلاق الصواريخ بحجة أنها تعيق عملهم لكونها تطلق من مناطق سكنية، بحسب شهود من القطاع.
ونقل موقع الخليج الجديد وقتها عن مصادر أن محمد دحلان القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح والذي يعمل حاليا مستشارا أمنيا لدى محمد بن زايد، أجرى اتصالات عاجلة مع حركة "حماس" من أجل "لملمة فضيحة الإمارات وتجسسها بواسطة الهلال الأحمر لحساب الإسرائيليين".
وأكد "جهاد حلس" الكاتب والداعية الفلسطيني العامل في مجال الإغاثة الإنسانية أن وفد الهلال الأحمر الإماراتي المكون من 50 طبيبا، غادر غزة فجأة ودون سابق إنذار تاركين كل معداتهم آنذاك.
دحلان والمرتزقة
في نفس اليوم الذي أعلنت فيه الإمارات عن المستشفى الميداني، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن هناك دولا ترسل مرتزقة للقتال بجانب جيش الاحتلال، وحملها مسؤولية الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين.
وهنا حضرت الإمارات أيضا في تغريدات عدد من الناشطين الذين اتهموها بالتورط بشكل مباشر أو غير مباشر في القتال إلى جانب دولة الاحتلال.
وكانت صحيفة إلموندو الإسبانية نشرت تحقيقا في 5 نوفمبر قالت فيه إن الجيش الإسرائيلي يستعين بعدد من المرتزقة المتعاقدين مع شركات عسكرية خاصة لأجل القيام بخدمات عسكرية، بعضها مرتبط بدعم غير مباشر للحرب على غزة.
وحذفت الصحيفة التحقيق بعد أن أثار ضجة في وسائل الإعلام العربية والغربية، فيما قال محللون إن ذلك جاء "بضغوط إسرائيلية".
ومن ضمن الشركات الخاصة التي تقدم خدمات عسكرية في المنطقة، حضرت إلى الواجهة مجددا "بلاك ووتر"، وهو اسم ارتبط في الأذهان بالعمليات القذرة للمرتزقة الأميركيين الذين انتشرت أخبارهم خلال العقدين الأخيرين في كثير من دول العالم وخاصة المناطق التي تتسم بالصراعات والحروب.
وأسس إريك برنس هذه الشركة عام 1997 في كارولينا الشمالية وأنشأ مدرسة للعمليات الخاصة، واستمد اسم "بلاك ووتر" من المستنقعات الملونة التي تقع في محيط المدرسة.
وتوقف برنس عن العمل في أي عقود حكومية أميركية عام 2010، عندما تفاوض على تسوية مع وزارة العدل بشأن سلسلة من انتهاكات تهريب أسلحة نفذتها بلاك ووتر.
وانتقل برنس للإقامة في الإمارات وقدم الكثير من الأعمال والخدمات المشبوهة لولي عهد أبو ظبي آنذاك والرئيس الحالي محمد بن زايد.
ويوضح تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في مايو/أيار 2011 دخول جنود لجيش من المرتزقة الكولومبيين إلى الإمارات متنكرين في صورة عمال بناء مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2011 جلبهم مؤسس بلاك ووتر.
وكانت المفاجأة أن هؤلاء المرتزقة جلبتهم الإمارات من إسرائيل بعد أن تدربوا على يد ضباطها، وذلك تخوفا من ارتدادات الربيع العربي وقتها، بحسب ما نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت.
وهو ما يشير إلى وجود تعاون بين الجانبين بشأن قضية المرتزقة خلال الحروب والصراعات ويثير الشك بتورط الإمارات في العدوان الحالي على غزة، حيث سبق أن نشر ابن زايد هؤلاء في سوريا واليمن، حسب تقرير لصحيفة ذي إنترسبت الأميركية.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق قال إن هناك أنظمة عربية طالبت الغرب سرا بالقضاء علينا، مبينا أن "القذائف التي نقتل بها تنطلق أيضا من قواعد أميركية موجودة في بلدان عربية.
وبين في مقابلة مع "الجزيرة مباشر" أن المعونات التي تأتي للسلطة الفلسطينية لمواجهة المقاومة مصدرها أيضا بلدان عربية.
القيادي في حماس موسى ابو مرزوق هناك دول عربية تطالب من الغرب وإسرائيل بالقضاء على حماس.
المطبعين العرب والمتصهينين هم من طلبو ذلك وسيأتي يوم ويدفعون ثمن هذا التخاذل التاريخ لا يرحم .#الصهاينة_العرب pic.twitter.com/BXFPmp9Zro— مختار الرحبي (@alrahbi5) October 31, 2023
وفي خضم العدوان على غزة، ظهر محمد دحلان فجأة في مقابلة أجرتها معه في أبوظبي صحيفة إيكونوميست البريطانية وهو يعرض "خطته" لما بعد الحرب.
ورد دحلان على الشائعات التي تقول إنه الاختيار الإسرائيلي لإدارة غزة، رافضا الفكرة مؤكدا أنه سيكون الشخص الذي سيأتي لتنظيف الفوضى بعد نهاية الحرب.
وقدم مؤهلاته للقيادة، مدعيا أنه يعرف غزة جيدا وقضى 40 عاما يقاتل من أجل القضية الفلسطينية، زاعما أنه يعرف الإسرائيليين أيضا.
وأصبح دحلان مستشارا مقربا لمحمد بن زايد، وزعم أنه أدخل 50 مليون دولار في العام من الإمارات إلى غزة، كما بنى شبكة دعم له في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية.
دعم إسرائيل
ويرى موقع "إمارات ليكس" أن أبوظبي برزت بوصفها المساند الإقليمي الأكبر لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة.
واستند إلى ذلك في إطلاق "الأذرع الإعلامية والحسابات الإلكترونية التابعة للإمارات حملة دعم واسعة لإسرائيل ومحاولة شيطنة فصائل المقاومة الفلسطينية".
وفي موازاة ذلك، عمدت الإمارات إلى استغلال علاقاتها الإقليمية لتجنب فتح ساحات أخرى ضد إسرائيل لا سيما من سوريا.
فبحسب موقع أكسيوس الأميركي، حذرت الإمارات، النظام السوري من التدخل في المعركة الدائرة إلى جانب ما يسمى محور المقاومة، عبر شن هجمات على إسرائيل من الأراضي السورية.
وقال إن الإماراتيين يتمتعون بنفوذ على النظام السوري أكبر من معظم الدول العربية في المنطقة، خاصة أن أبوظبي كانت من أولى الدول التي أعادت علاقاتها معه.
ووفق الموقع، فقد أطلع الإماراتيون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على اتصالاتهم مع السوريين من أجل تجنب الدخول في الحرب.
وعلى الرغم من انشغال رئيس النظام السوري بشار الأسد بقتل شعبه، جاء التحذير الإماراتي ليبرز الحرص على التخلص من حركة حماس وهو الهدف الذي أعلنت عنه إسرائيل منذ بداية هذه المعركة.
وإلى جانب تصريحاتها المشار إليها سابقا، شنت الإمارات هجوما آخر على "حماس" في 17 أكتوبر؛ بسبب العملية التي نفذتها ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي قائلة: إن الحركة "لا تمثل الفلسطينيين".
جاء ذلك في كلمة مندوبة الإمارات بمجلس الأمن لانا زكي نسيبة، والتي قالت فيها: "نكرر هنا في هذا المجلس إدانتنا للهجوم، لكن وجب التنويه بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا سكان غزة الذين يعانون أشد المعاناة يومياً".
وقالت المندوبة الإماراتية: إن "هجمة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، لا يمكن تبريرها"، مضيفة: "وقد أدان جميع أعضاء مجلس الأمن القتل العشوائي للمدنيين الإسرائيليين الأبرياء، واحتجاز 199 منهم كرهائن، بمن فيهم الأطفال".
وفي السياق، نفى وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ثاني الزيودي في 10 أكتوبر، وجود أي تأثير للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين على علاقات تل أبيب وأبوظبي
وصرح الزيودي في حديثه من دبي على هامش توقيع بلاده أحدث اتفاق تجاري مع جورجيا، أن الأولوية لدى الإمارات تتمثل في الوصول إلى الأسواق في جميع المناطق على مستوى العالم. وتابع الوزير الإماراتي “نحن لا نخلط التجارة بالسياسة”.
وبدوره، نشر موقع "thecradle" الدولي تقريرا بعنوان: "كيف تمول الأنظمة العربية: حرب إسرائيل على غزة؟"، وتحدث خلال عن مبيعات الأسلحة.
وأشار الموقع إلى تقرير صادر عن وزارة الجيش الإسرائيلية بشأن المكاسب المالية غير المتوقعة التي خلقها التطبيع لصناعة الأسلحة في دولة الاحتلال.
ففي عام 2022 وحده، وجدت 24 بالمائة (ما يعادل 3 مليارات دولار) من الصادرات العسكرية الإسرائيلية طريقها إلى الدول العربية التي أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل. ويمثل هذا زيادة ملحوظة من 16.5 في المئة في العام السابق.
وفي عام 2021، استحوذت البحرين والإمارات وحدهما على 7.5 بالمئة (853 مليون دولار) من صادرات الأسلحة الإسرائيلية.
وجغرافيا، تبرز الدول العربية الموقعة على اتفاقيات أبراهام كثالث أكبر مجموعة من الدول المستوردة للأسلحة الإسرائيلية، بعد دول آسيا والمحيط الهادئ (30 بالمئة) وأوروبا (29 بالمئة).
وهذا يوضح الدور المهم الذي تلعبه هذه الدول العربية كمساهمين رئيسين في المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي واقتصادها، يقول الموقع.
وتابع: "مع ذلك، فإن خلفية التدخل المالي للدول العربية هي الحقيقة المؤلمة المتمثلة في مقتل الآلاف معظمهم من النساء والأطفال، في مذبحة الطائرات الحربية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة".