صحيفة عبرية تدعو لتقليص أعداد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير.. ما الأسباب؟
"إسرائيل تخلت بالفعل عن القوات البرية"
انتقدت صحيفة عبرية "العدد المفرط للقوات البرية في الجيش الإسرائيلي"، في وقت يجرى تجاهل تطوير أجهزة وقوى أخرى ترى أنها أكثر أهمية.
وتدعو صحيفة “زمان” في مقال للكاتب يعقوب جليل إلى التركيز على “الاستثمار في تطوير جهاز الاستخبارات وسلاح الجو، بصفتهما الركيزتين الأساسيتين لتحقيق النصر لإسرائيل في معاركها”.
وقللت من أهمية قوات البر التقليدية، مستدلة بمجريات حرب إسرائيل الحالية على غزة ولبنان، والحروب السابقة التي خاضتها.
وتعرض الصحيفة رؤية مغايرة لدعوات الجنرال المتقاعد يتسحاق بريك والعميد احتياط غاي حزوت، اللذين يطالبان بزيادة حجم الجيش البري وتطوير قواته.
وفي ضوء انعقاد لجنة عسكرية تبحث الإنفاق الدفاعي، تطالب الصحيفة بعدم زيادة ميزانية الدفاع أو توسيع القوات البرية، مبررة ذلك بعدة أسباب.
وتناولت كذلك تأثير مشاركة قوات الجيش البرية في قمع الفلسطينيين بالضفة الغربية، على أدائها في قطاع غزة.
كما ناقشت تأثير تركيبة الجيش من الناحية الاجتماعية، حيث تبرز الفجوة بين الجنود الذين يتلقون تدريباتهم في الوحدات التكنولوجية والجوية، وبين نظرائهم الذين يخدمون في الوحدات البرية.
تضارب آراء
وذكرت الصحيفة هنا جملة من 3 كلمات قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك قبل عقود من الزمان وهي "جيش صغير وذكي"، للدلالة على شكل الجيش المفترض أن تعده إسرائيل.
وترى أن "الحرب المستمرة منذ عام أثبتت أن باراك ورئيس الأركان الأسبق دان شمرون (الذي تُنسب إليه أيضا العبارة) كانا على حق، بينما أخطأ منتقدوهم، بما في ذلك يتسحاق بريك وغاي حزوت".
لذلك رأت الصحيفة أن سبب فشل إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يعود بالأساس "لعدم تعاون جميع وحدات الجيش (باستثناء وحدة المراقبين والمحللين في وحدة الاستخبارات التكنولوجية 8200) والقيادة السياسية بشكل أفضل في مواجهة التهديدات".
وتدعي أن "التنسيق بينهم بشكل فعال، كان سيجعل الاستخبارات وسلاح الجو يحققان نجاحا أكبر في المعركة بغزة ويحسمان النصر لإسرائيل، مما كان سيساعدهم على السيطرة على الوضع في لبنان أيضا".
وأردفت الصحيفة: "في هذه الحالة، كانت وحدات القوات البرية ستصل فقط لتنظيف ما تبقى من آثار المعركة، بدلا من أن تكون هي الوحيدة التي تتولى المهمة".
جدير بالذكر أن العميد الاحتياطي غاي حزوت نشر أخيرا كتابا عنوانه: “جيش التكنولوجيا وجيش الفرسان: كيف تخلت إسرائيل عن جيش البر؟”
وقد تصدر الكتاب عناوين الأخبار والمناقشات في الداخل الإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة.
وعلق الكاتب: “لم أقرأ الكتاب بعد، فقط مراجعات حوله، لكن أحداث الأسابيع الأخيرة تشير إلى خطأ جسيم ومتجذر في تصور المؤلف".
وتوضح الصحيفة هذا الخلل بالقول: "ينشأ هذا الخطأ من كون حزوت ينتمي لسلاح الفرسان (القوات البرية)، وربما يعاني أيضا بسبب ذلك، مثل بعض أصدقائه، من مشاعر نقص تجاه رجال الاستخبارات والوحدات الخاصة وسلاح الجو".
وانتقدت "الاستغلال السيئ من قبل القادة للقوات البرية، مما أثر بشكل سلبي من كفاءتها في ميدان المعارك في غزة".
وأردفت أن إسرائيل تخلت بالفعل عن القوات البرية، عندما حولتها من جيش محترف وذي قدرات قتالية إلى قوة شرطة وقمع مليشيات في الأراضي المحتلة، وهو ما تجلى بالطبع أيضا في القتال بغزة.
سلاح الجو والاستخبارات
وقبل تصريحات حزوت، كان الجنرال الاحتياطي بريك قد "صرخ في السنوات الأخيرة عن عدم الاستعداد المزمن للجيش البري للحرب متعددة الجبهات وعن نقص المعدات للقتال البري".
كان الحل من وجهة نظر بريك هو زيادة عدد الألوية في الجيش، مع إضافة آلاف الدبابات والمدافع، وقوات المشاة والقوات الأخرى، المطلوبة لاستكمال الوحدات القتالية.
لكن تنتقد الصحيفة هذا الطرح بالقول: "يثبت حزوت وبريك أنهما مازالا في العالم القديم، عالم الفرسان، الذي انتهت صلاحيته".
وأكملت: "مثلهما مثل خريجين آخرين من قوات البر، الذين يدّعون أن الأحذية على الأرض" مطلوبة لحسم الحروب".
ورأت أن "هذا الادعاء صحيح فقط إذا كانت إسرائيل ترغب في احتلال أراض شاسعة، والاحتفاظ بها لفترة طويلة".
وتعيد التأكيد على تميز قوة الجيش الإسرائيلي في عدة عناصر أخرى غير القوات البرية، وفق تقديرها.
وواصلت: "على مدار السنة الماضية، خاصة في الأسابيع الأخيرة، أُثبت أن قوة الجيش الإسرائيلي تكمن أساسا في أجهزة الاستخبارات، وفي القوات الخاصة، وفي سلاح الجو (كما أثبت ذلك أيضا في حرب 1967، وبشكل سلبي في حرب 1973)، وهم من يمنحونه التفوق في ساحة المعركة".
ورأت الصحيفة أن سلاح الجو وجهاز الاستخبارات كان لهما الفضل في إلحاق الضرر الأكبر بحركة المقاومة الإسلامية حماس.
وأشارت إلى أنه "حتى تدمير حماس في غزة، بما في ذلك قتل عشرات الآلاف من الأبرياء وارتكاب جرائم حرب، لم يكن ليتحقق بدون النشاط الضخم والقاتل لسلاح الجو، بالاستناد إلى المعلومات التي أصدرتها أجهزة الاستخبارات".
وتابعت: "وصلت القوات البرية فقط لتطهير سطح الأرض وباطنها، وهي مهام صعبة ومعقدة وخطيرة، ولكنها ليست حاسمة لحسم المعركة، وبالتأكيد ليست تلك التي تتطلب قوات برية بالمدى المطلوب من قبل بريك".
وفيما يخص لبنان، تقول: "تنطبق نفس الملاحظات على النشاط هناك. فبعد أن يحسم سلاح الجو المعركة، تصل قوات الأرض لاستكمال المهمة التي تعد غير سهلة وتكلف أرواحا إسرائيلية ولبنانية".
جيش صغير وذكي
وتطرقت الصحيفة للجنة التي أنشأتها الحكومة أخيرا لمناقشة ميزانية الأمن، والتي "ترغب وزارة الدفاع في زيادتها بنسبة تصل إلى عشرات بالمئة".
وستُحدد استنتاجات اللجنة إلى حد كبير، بناء على تصورات الأمن التي ستُعرض أمام أعضائها، وعلى الأيديولوجيات التي يحملونها، والتوجيهات التي سيتلقونها من قادة الحكومة.
وتشير إلى أنه "بيد أعضاء اللجنة القدرة على تحديد الاستثمارات المستقبلية لوزارة الدفاع، وأنه قد يتم استقطابهم من قِبل بريك وأمثاله، ومن ثم يطالبون بزيادة القوات البرية بحجم واسع".
حينها، ترى الصحيفة أن "الاستثمارات في وزارة الدفاع ستكون مفرطة وغير مركزة، وستؤثر سلبا على أمن الدولة".
واستنكرت ما عدته "رغبة من الجيش والجهات الأمنية المختلفة في زيادة كبيرة في ميزانياتهم".
ورأت أن "تلك الزيادة مشكوك بجدواها، في ضوء النجاحات التي حققتها أجهزة الاستخبارات، والقوات الخاصة، وسلاح الجو خلال عام 2023".
وتبرر وجهة نظرها قائلة إن: "إسرائيل ليست محاطة بأعداء لديهم قوات مدرعة مع آلاف الدبابات، أو قوات جوية مع مئات وآلاف من الطائرات القتالية، أو قوات مدفعية مع آلاف من مدافع المدفعية".
وأضافت: "لقد انتهت تلك الأنظمة، ولا ينبغي لإسرائيل أن تستثمر أموالا طائلة في التحضيرات لعمليات لن تحدث، كما يطلب بريك وشركاؤه".
بل ترى الصحيفة أن الفائض في موارد الجيش كان السبب وراء هجوم حماس.
وبينت أن كارثة 7 أكتوبر، لم تحدث بسبب نقص الموارد، بل ربما بسبب فائض الموارد الذي ساهم في الإفراط في الرضا عن الذات".
وأوضحت أن اللوم الرئيس يقع على عاتق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي خدر قادة الجيش بالسلاح، على افتراض أن حماس هُزمت ولم تكن تشكل تهديدا كبيرا، وفق تقديرها.
وتؤكد الصحيفة على صحة فرضيتها قائلة: "الاستنتاج من أحداث السنة الماضية حاسم، فعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة في الأمن، أُصيبت إسرائيل بالدهشة والصدمة في 7 أكتوبر، لكنها تعافت لاحقا، بفضل نجاحات الاستخبارات وسلاح الجو، والتي جرى الإعداد لها على مدى سنوات".
وتقر بأن “القوات البرية أو سلاح الفرسان” ستظل ذات أهمية رئيسة في الدفاع عن الدولة.
ولكن تشدد على أنه "يجب تطوير مفاهيم جديدة للدفاع الإقليمي وحماية الحدود، لذلك لا حاجة لزيادة الألوية المدرعة أو وحدات المدفعية".
من هذا المنطلق، تؤكد أنه "لا ينبغي للدولة في السنوات المقبلة زيادة ميزانية الدفاع أو توسيع القوات البرية، لأنه من جهة لا تواجه إسرائيل أعداء لديهم قوات برية كبيرة، ومن جهة أخرى يوفر سلاح الجو، الذي يعمل في بيئة آمنة، وأجهزة الاستخبارات، النتيجة المرجوة".
فجوة تعليمية
وفي موضوع آخر، تطرقت الصحيفة إلى أزمة الفجوات التعليمية والاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، وتأثيرها على توزيع الأفراد في الجيش.
وقالت إن معنى الاعتماد على الاستخبارات وسلاح الجو في الأمن، هو أن الجيش سيواصل تجنيد وتوجيه الأفراد بشكل حتمي نحو مجالات التكنولوجيا العالية وسلاح الجو من جهة، ومن جهة أخرى نحو قوات الفرسان والشرطة.
وتتابع أن “الأفضل والأكثر كفاءة يُخصصون لوحدات 8200 والقوات الخاصة وسلاح الجو، وأولئك الأقل كفاءة يُخصصون لقوات الشرطة”.
وهو ما يعني أن بوتقة الانصهار التي تحدث عنها ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل وأحد مؤسسي الدولة، لم تعد ذات صلة.
وتعني "بوتقة الانصهار" أن الأفراد من خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة، يجب أن يندمجوا في هوية وطنية واحدة من خلال الخدمة العسكرية.
ويعود السبب في غياب “بوتقة الانصهار” إلى أن “تأهيل شاب أو شابة ذَوَيْ تعليم أساسي أو دون تعليم على الإطلاق للخدمة العسكرية (أي منح رخصة للقتل)، يتطلب فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز بضعة أسابيع”.
بينما يتطلب تأهيل جنود 8200 والطيارين سنوات من التعليم، بدءا من مرحلة الروضة وحتى الانتهاء من الدورات العسكرية المهنية.
واستطرد: "هذه مستويات من التعليم، والتي في الغالب، يمكن فقط للعائلات من الطبقة المتوسطة وما فوق، أن توفرها لبناتها وأبنائها، على عكس مناطق الضواحي".
تحمل الصحيفة الدولة المسؤولية عن هذه الظاهرة، قائلة: "لا تقدم الحكومة تعليما عالي المستوى في جميع المناطق، لكن هذه ليست مشكلة الجيش، الذي يحتاج إلى أفضل العقول في الاستخبارات والقوات الخاصة وسلاح الجو".