تعيين أول محافظ من البلوش بمحافظة "سيستان وبلوشستان" بإيران.. ما الدلالات؟

14 days ago

12

طباعة

مشاركة

يسعى النظام الإيراني إلى محاولة تهدئة الاضطرابات المناهضة له من قبل أبناء الأقلية السنية في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق البلاد، عبر منح ممثلين للأقلية مناصب داخل الحكومة الجديدة.

وعيّنت الحكومة الإيرانية في 30 أكتوبر 2024، منصور بيجار، أول محافظ من الأقلية البلوشية في محافظة سيستان وبلوشستان، وفق ما قالت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني عقب اجتماع لمجلس الوزراء.

البلوشي الأول

وينتمي بيجار البالغ 50 عاما إلى إثنية البلوش السنية في الدولة ذات الأغلبية الشيعية.

وتقع محافظة سيستان بلوشستان عند الحدود مع باكستان وأفغانستان وهي واحدة من أفقر المحافظات الإيرانية.

وتضم عددا كبيرا من أفراد أقلية البلوش السنية التي ينتشر أفرادها بين إيران وباكستان وأفغانستان.

وشهدت المحافظة مواجهات متكررة بين قوات الأمن الإيرانية وجماعات قتالية من أقلية البلوش التي تتحدث اللغة البلوشية.

وولد بيجار عام 1975 في مدينة زاهدان مركز سيستان وبلوشستان، وحصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية. 

وتشمل خلفية بيجار أنه شغل منصب نائب مدير تنسيق الشؤون المدنية لمحافظ سيستان وبلوشستان، والمدير العام للمكتب الفني للمحافظة، ونائب مدير الشؤون المدنية للمحافظة.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن الحاكم البلوشي الأول في الحكومة الرابعة عشرة، منصور بيجار، أكد على أهمية مشاريع إمدادات المياه وإدارة الأزمات الطبيعية في مقاطعة سيستان وبلوشستان وفي عملية مشاريع نقل المياه لتلبية احتياجات مناطق المحافظة المختلفة.

وأكدت مواقع إيرانية، أن بيجار هو حاليا شخصية محلية، يتمتع بمعرفة عميقة بالثقافة والتاريخ والتحديات الاجتماعية والاقتصادية للمحافظة التي ينحدر منها.

لذلك، فإن دوره في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي لسيستان وبلوشستان سيحدد ما إذا كان يمارس صلاحياته بحرية ويحظى بدعم حكومي أسوة ببقية المحافظات من خلال توفير الأساس لتنمية المحافظة انطلاقا من موقعها الإستراتيجي الحدودي، أم أن تعيينه شكلي بعد تعهد مسعود بزشكيان خلال برنامجه الانتخابي بالسعي لتشكيل "حكومة وحدة".

وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين شخص بلوشي وسني في أعلى منصب تنفيذي في المحافظة، بينما في السابق كان يتم تعيين محافظ غير محلي.

ويأتي تعيين بيجار عقب هجوم في محافظة سيستان وبلوشستان وسط تنفيذ القوات المسلحة عملية منطقة سيركان الحدودية  التابعة للمحافظة منذ 26 أكتوبر 2024 عندما قُتل 10 عناصر شرطة في هجوم تبنته جماعة "جيش العدل" السنية وهو تنظيم يحارب النظام الإيراني منذ عقد من الزمن.

وكتب على الفور مدير حملة الناشطين البلوش، حبيب الله سرباري، إن "تعيين بيجار وكيل الحكومة في بلوشستان كحاكم بلوشي ثالث بعد دانيش نارافي وحاتم نارافي لا يأتي بأي تغيير في الوضع البلوشي إلا من خلال خلق أمل كاذب مرة أخرى ومشاركة البعض في الحكومة".

وأضاف سرباري على حسابه في منصة "إكس" قائلا: "الهدفان الرئيسان لهذا الاختيار، الأول تهدئة أجواء بلوشستان بعد مجزرة زاهدان، والثاني استمرار التنفيذ الأقل إزعاجا للخطط المهمة لاحتلال سواحل بلوشستان".

وفي أغسطس/ آب 2024، اشتكى خطيب أهل السنة في إيران، مولوي عبدالحميد، في خطبة صلاة الجمعة، من عدم تحقيق السلطات بمجزرة جمعة زاهدان في 30 سبتمبر/ أيلول 2022، حينما قتلت قوات الأمن عشرات المصلين والمتظاهرين في مدينة زاهدان على خلفية الاحتجاجات على مقتل الشابة مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق”. 

وقد قدرت منظمات حقوق الإنسان حصيلة الضحايا لاحقا بـ100 قتيل وعشرات المصابين.

ومحافظة سيستان وبلوشستان التي يبلغ عدد سكانها مليونان و700 ألف شخص، تطل على بحر العرب وخليج عمان، وفيها يقع ميناء تشابهار وهو أكبر ميناء بحري في إيران، ويعد منفذا حيويا أساسيا إلى أسواق آسيا الوسطى وأفغانستان.

كما يعد ميناء غوادر القريب في باكستان أساس مشروع الممر الاقتصادي بين باكستان والصين.

وميناء تشابهار مهم للهند التي تسعى مع إيران لتحويله إلى مركز لوجستي رئيس ضمن ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC) الذي يربط الهند بروسيا وآسيا الوسطى عبر إيران.

تعيينات جديدة

ولهذا يؤكد المراقبون أن إيران تحرم الأقلية السنية من حقوقها وتضطهدها رغم موقع المحافظة الإستراتيجي والهام لاقتصاد البلاد.

والملاحظ أن النظام الإيراني أجرى في الفترة الأخيرة تغييرات عبر منح أبناء السنة الذين يشكلون نحو 10 بالمئة من السكان مناصب كانت مجمدة منذ ما يسمى "الثورة الإسلامية" عام 1979.

ففي سبتمبر/ أيلول 2024، عيّنت إيران أول محافظ سني لإقليم كردستان وهو  "آرش زرهتن لهوني" من العرقية الكردية منذ "الثورة الإسلامية".

وفي أغسطس/ آب 2024، عيّن الرئيس مسعود بزشكيان، عبد الكريم حسين زاده، وهو سياسي من الأقلية السنية، نائبا له لشؤون التنمية الريفية.

وفي وقت لاحق، عرقل النواب تعيينه عبر رفض استقالته من مجلس الشورى، وقال النائب مهرداد لاهوتي إن المجلس صوت لصالح الإبقاء على عضوية حسين زاده في الهيئة التشريعية بسبب "خبرته القيمة".

لكنهم وافقوا على استقالته إثر عملية تصويت جديدة، ولم يقدّم مجلس الشورى مزيدا من التفاصيل حول سبب تغير الموقف.

كما عينت الحكومة الإيرانية الجديدة في أكتوبر 2024 محمد رضا موالي زاده أول محافظ عربي لمحافظة خوزستان جنوب غرب البلاد التي تقطنها أقلية عربية وازنة.

وذكر موقع "حال وش" الحقوقي، المعني بأخبار المواطنين البلوش في إيران، أن تعيين مواطن بلوشي سُني في منصب حاكم المحافظة جاء بعد نحو نصف قرن من قيام الثورة.

وأشار الموقع الحقوقي إلى القمع الدموي، الذي تعرض له الشعب خلال "جمعات زاهدان وخاش الدموية"، مضيفا أن "الشعب البلوشي" أظهر مرارا عدم رضاه عن النظام الإيراني، ومطالبته بإجراء استفتاء من أجل تغييرات جذرية في الحكم.

وفي حفل تنصيب منصور بيجار، شارك الإمام السني لمدينة زاهدان، مولوي عبد الحميد إسماعيل زاهي، وطلب من السلطات الحكومية توظيف المزيد من القوات السنية في المؤسسات الأمنية.

ورغم تعيين هذين المواطنين السُّنيين في هذين المنصبين، فإنه لم يكن هناك أي وزير من أهل السنّة في تاريخ النظام الإيراني الممتد لـ45 عاما.

ويخشى سنة إيران من أن تكون هذه الخطوات من الحكومة الجديدة شكلية ومحدودة الصلاحية أو إحداث تغيير حقيقي وواقعي للسكان في محافظة سيستان وبلوشستان.

إذ يرى بعض المراقبين أن النظام الإيراني يريد احتواء الاضطرابات ووقف الهجمات القاتلة على عناصر الشرطة وأفراد الحرس الثوري في محافظة سيستان وبلوشستان.

"غير كافية"

ولهذا قال خطيب أهل السنّة في زاهدان، مولوي عبد الحميد، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 إن الموارد الوطنية "يجب ألا تُنفق وفق المذهب".

وأوضح  عبد الحميد، أنه خلال السنوات الـ45 الماضية، لم يتلق أهل السنة أي مساعدة من الحكومة في الأنشطة الدينية، مطالبا بإنهاء التمييز وتحسين الوضع الاقتصادي.

وأشار إلى أن المجتمع السُّني يعتمد على تبرعات الناس لبناء المساجد وإدارة المدارس الدينية.

وأكد مولوي عبد الحميد، في خطبة صلاة الجمعة، أن الشؤون الدينية والمذهبية يجب أن تظل مستقلة وألا تعتمد على الحكومة. 

ووجه حديثه إلى المسؤولين في النظام الإيراني، مؤكدا أنه “لا ينبغي على القادة أن يظنوا أنهم في غنى عن الشعب”.

وشدد على أن جميع الموارد الوطنية يجب أن تُستخدم لصالح جميع المواطنين، وألا تُخصص لأفراد محددين. 

وأضاف أن "الفساد لا يمكن القضاء عليه من خلال الأجهزة القضائية والأمنية فحسب، بل يتطلب ثورة شاملة لاجتثاثه".

ويضغط النظام الإيراني على الأقلية البلوشية عبر الملاحقات الأمنية والمداهمات والإعدامات التي يستسهل في إصدار أحكامها الإعدام بحق الأقليات العرقية في هذا البلد كواحدة من أدوات القمع الممنهجة على مدار العقود الماضية.

ففي أكتوبر 2024، أعدم النظام الإيراني 11 من الأقلية البلوشية، و9 أكراد.

وقالت منظمة العفو الدولية في 4 أبريل 2024 إن إيران حولت سجونها إلى "ساحات قتل"، مشيرة إلى إعدام ما لا يقل عن 853 شخصا عام 2023.

وأورد تقرير المنظمة أن "بين الأشخاص الذين جرى إعدامهم معارضين وأفرادا من الأقليات الإثنية المقموعة".

وذكرت بهذا الصدد أن الأقلية البلوشية السنية “تستهدف بعمليات الإعدام بصورة غير متناسبة”.

وذكر التقرير أن هذه الأقلية "تشكل 5 بالمئة فقط من الشعب الإيراني، لكنها تمثل 20 بالمئة من العدد الإجمالي للإعدامات في 2023".

وتعاني جميع القوميات غير الفارسية وأبرزها الأذرية والكردية والكردية البلوش والعربية من السياسات التمييزية في إيران.

ويمنع النظام الإيراني الذي يعتنق المذهب الشيعي الإثنى عشري، المشاركة السياسية ويحظر الأحزاب، وينفذ إعدامات واعتقالات تعسفية وترحيلا ضد الناشطين والمعارضين سواء الأكراد أو العرب في الأحواز والبلوش في بلوشستان.

فيما يطالب هؤلاء بالحقوق والحريات الوطنية التي حرموا منها ويرفض النظام الإيراني الاعتراف بها بل ويسعى إلى طمس هويتهم وإنهائها بالقوة.

وأمام ذلك النهج المتواصل، لجأت أفراد بعض الإثنيات بشكل مستقل إلى تشكيل مجموعات مسلحة لاستهداف النظام الإيراني مثل "جيش العدل" الذي تأسس من البلوش عام 2012.