الحزب الوطني والجيش والإسلاميون.. من يحكم بنغلاديش بعد الشيخة حسينة؟

3 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد تحول دراماتيكي للأحداث، تجد بنغلاديش نفسها في فترة من عدم اليقين السياسي، في أعقاب الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة.

فبعد أسابيع من الاحتجاجات الطلابية ضد نظام حصص الوظائف الحكومية المثير للجدل، هربت حسينة من مقر إقامتها في دكا، في 5 أغسطس/آب 2024، حيث اقتحمت الحشود الشعبية الغاضبة مقر إقامة رئيسة الوزراء.

وبحسب الباحث في العلاقات الدولية، راتناديب تشاكرابورتي، فإن "إعلان رئيس أركان الجيش الجنرال، واكر الزمان، عن حكومة مؤقتة يدفع البلاد إلى وضع محفوف بالمخاطر".

وقال تشاكرابورتي، في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، إن التطورات في بنغلاديش "تهدد بالارتداد عن سنوات من التقدم الاقتصادي وربما دفع البلاد نحو مستقبل أكثر إسلامية".

نهاية مرحلة

وأضاف: “يمثل سقوط حكومة حسينة نهاية حكم دام 16 عاما شهد خطوات كبيرة في التنمية الاقتصادية والحد من الفقر في بنغلاديش”.

وزعم أن "تحت قيادتها، حققت البلاد نموا اقتصاديا ملحوظا، تجاوز فيه نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي نظيره في الهند المجاورة في السنوات الأخيرة".

لكنه استدرك أن "هذا التقدم جاء بتكلفة كبيرة فيما يخص الديمقراطية والحريات والنزاهة المؤسسية".

وتابع: "شاب فترة حكم حسينة استبداد متزايد، حيث مارست حكومتها نفوذا غير مبرر على القضاء وجهات إنفاذ القانون ولجنة الانتخابات".

وأوضح أن "قمع المعارضة أصبح سمة مميزة لحكمها، وتجسد ذلك في استخدام قانون الأمن الرقمي (Digital Security Act) لإسكات المنتقدين والصحفيين والناشطين".

وقال: "لقد تحملت المعارضة الرئيسة المتمثلة في الحزب الوطني البنغلاديشي (BNP) -الذي أسسه اللواء ضياء الرحمن في عام 1978 وتقوده حاليا زوجته خالدة ضياء- وطأة قمعية مارستها حسينة".

ومن خلال التحديات القانونية واعتقال الزعماء الرئيسين والقيود المفروضة على الأنشطة السياسية، أُضعف الحزب بشكل ممنهج.

ويزعم الحزب أن أكثر من 20 ألفا من أعضائه قد سُجنوا في الأشهر الأخيرة وحدها، مما يسلط الضوء على مدى القمع السياسي في البلاد.

مفترق طرق 

وشدد الكاتب على أن "الآن، وبينما تواجه بنغلاديش فراغا في السلطة، تقف البلاد عند مفترق طرق حرج".

وأوضح أن "الحكومة المؤقتة، بقيادة الحائز على جائزة نوبل، محمد يونس، تواجه مهمة شاقة تتمثل في إعادة بناء نظام سياسي مستقر".

ويرى الكاتب أن "القلق الأكثر إلحاحا هو الصعود المحتمل للجماعات الإسلامية إلى السلطة".

وتابع: "يرى الحزب الوطني البنغلاديشي نفسه، على الرغم من حالته الضعيفة، الخليفة الطبيعي لحزب "رابطة عوامي" الذي تتزعمه حسينة".

ومع ذلك، فإن تاريخ الحزب الوطني البنغلاديشي في التحالف مع الأحزاب الإسلامية، وخاصة الجماعة الإسلامية، يثير مخاوف جدية بشأن التوجه المستقبلي للبلاد، بحسب المقال.

وقال إن "الجماعة الإسلامية ببنغلاديش (BJeI) بتنظيمها الشعبي وهدفها المتمثل في أسلمة البلاد، تشكل تهديدا خاصا للطابع العلماني لبنغلاديش".

ويؤكد أن "هناك احتمالا حقيقيا بأن يفوز ائتلاف يقوده الإسلاميون في الانتخابات إذا عقدت في المناخ الحالي".

وأشار إلى أن "هذا التحول المحتمل نحو الإسلامية ليس جديدا في تاريخ بنغلاديش".

"فقد استخدم جميع الزعماء في بنغلاديش، بدرجات متفاوتة، الدين كأداة سياسية، غالبا لتعزيز السلطة أو استرضاء قطاعات معينة من السكان"، وفق الكاتب.

وأضاف أن "التشابك البراغماتي بين الدين والسياسة أدى إلى تآكل الأسس العلمانية للبلاد تدريجيا، وخاصة مع جهود "الحزب الوطني" في الماضي لدمج الإسلام مع القومية البنغلاديشية".

حتى الشيخة حسينة، على الرغم من الموقف التاريخي العلماني "رابطة عوامي"، قدمت تنازلات من أجل المشاعر الدينية، ووافقت على مشروع قانون للاحتفاظ بالإسلام كدين للدولة".

وتابع: "مع عودة الجيش إلى السلطة، من الأهمية بمكان أن ندرك أنه خلال فترات الحكم العسكري بين عامي 1975 و1990، شهدت بنغلاديش أسلمة واسعة وعززت العلاقات مع دول الخليج، التي مولت بشكل كبير بناء المساجد والمدارس الدينية الجديدة لتوسيع حضور الإسلام".

وأضاف: "لقد سار اللواء ضياء الرحمن، أول دكتاتور عسكري في البلاد، عكس التوجه العلماني لبنغلاديش، بتعديل دستورها في عام 1977 لإزالة الإشارات إلى العلمانية لصالح "الثقة المطلقة والإيمان بالله تعالى".

مخاوف جدية

ويعتقد الكاتب أن "العواقب المترتبة على مثل هذا التحول ستكون بعيدة المدى، سواء على المستوى المحلي أو الدولي".

وادعى أن "على الصعيد المحلي، تواجه الأقليات الدينية، خاصة الهندوس، التهديد الأكبر".

وأفاد بأنه "في عام 1951، شكل الهندوس 22 بالمئة من سكان البلاد، واليوم لا يشكلون سوى 7.95 بالمئة، أو ما يقرب من 13 مليون شخص".

ويشير هذا التحول الديمغرافي الدراماتيكي إلى التحديات والتهديدات المستمرة التي يواجهها المجتمع الهندوسي في بنغلاديش.

وعلى الصعيد الدولي، قد يؤدي التحول نحو الإسلامية إلى تغيير العلاقات الخارجية لبنغلاديش بشكل كبير، بحسب المقال.

وأضاف: "لقد تميزت فترة حكم الحزب الوطني البنغلاديشي والجماعة الإسلامية بدعم صريح لجماعات مثل "حزب الله" و"حماس"، إلى جانب الخطاب العدائي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة".

وتابع: ذهبت الحكومة خلال الفترة 2001-2006 إلى حد تسمية جسر باسم "حزب الله" كعلامة على الاحتفاء بالحزب اللبناني.

ووصف وزير الخارجية البنغلاديشي آنذاك، مرشد خان، تصرفات إسرائيل بأنها "إرهاب دولة" بينما اتهم الولايات المتحدة برعاية هذه التصرفات.

وقال الكاتب: "إن أي آمال في تطبيع العلاقات مع إسرائيل سوف تتبدد في ظل حكومة يقودها الإسلاميون، وقد تجد بنغلاديش نفسها أكثر انسجاما مع رواية جماعة الإخوان المسلمين".

ولن يؤثر هذا التحول على الديناميكيات الإقليمية فحسب -وفق المقال- بل قد يمثل أيضا خسارة إستراتيجية للولايات المتحدة في شبه القارة، حيث قد تسعى الحكومة البنغلاديشية الحالية إلى إعادة التوازن في علاقاتها مع الهند، وللاستفادة من ذلك، قد تقترب من الصين.

ويعتقد الكاتب أن "عداء إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لحكومة حسينة، إلى جانب استعدادها للتعامل مع الأحزاب الإسلامية المناهضة لأميركا، يُظهِر سوء فهم عميق للمشهد السياسي المعقد في بنغلاديش".

ويرى أن "البلاد تواجه الآن صراعا على السلطة بين الجيش، والحزب الوطني البنغلاديشي، والإسلاميين اليمينيين، وقادة الطلاب".

ولذلك يشدد على أنه "يجب على المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، إعادة تقييم نهجه تجاه بنغلاديش، مع الاعتراف بتعقيدات المشهد السياسي والعواقب المحتملة للتحول نحو الإسلاموية".

وأشار أنه "بينما تمر بنغلاديش بهذه الفترة المضطربة، سيكون دور الجيش حاسما".

لكنه أوضح أن "خبرة الجيش في إدارة شؤون الدولة قد أكسبته وعيا بأن تصدره للمشهد السياسي ربما يؤثر سلبا على صورته أمام الشعب".