"شبح العياش".. لما تعد عملية تل أبيب "أخطر" على إسرائيل من حرب غزة؟

12

طباعة

مشاركة

لم تتوقف هيستيريا الخوف في صحف إسرائيل ومواقع التواصل بها منذ أعلنت كتائب القسام مسؤوليتها عن عملية تل أبيب في 18 أغسطس/ آب 2024، وتهديدهما بتنفيذ المزيد منها "طالما استمرت المجازر بغزة".

المخاوف الإسرائيلية من عودة العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل، دارت حول القلق من أن تجد إسرائيل نفسها أمام جبهة قتال جديدة تتحول إلى انتفاضة في الضفة الغربية المحتلة، بعدما ظلت تحاول لمدة 10 أشهر إجهاض ذلك.

أغلب التحليلات والتعليقات الإسرائيلية والأميركية تحدثت عن خطر فتح باب جحيم العمليات الاستشهادية مرة أخرى، وبصور أعنف من عمليات الشهيد يحيى عياش في تسعينات القرن العشرين.

شجع على توقعهم هذا السيناريو الأسود، فشل مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، وإفصاح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علنا عن أنه لن يوقف الحرب ولن ينسحب من محور صلاح الدين ولا نتساريم.

وعياش المعروف باسم “المهندس” شخصية فلسطينية بارزة في المقاومة الفلسطينية خَبِر صناعة القنابل التي أحدثت دمارا هائلا في إسرائيل قبل ان تغتاله عام 1996 بهاتف مفخّخ.

عودة يحيى عياش

لم يكن اختيار حركة حماس تاريخ 18 أغسطس 2024 لاستئناف عملياتها الاستشهادية بالتعاون مع حركة الجهاد الإسلامي بتنفيذ عملية تل أبيب عشوائيا ولكنه يبدو من المفارقات المقصودة.

ففي مثل هذا اليوم قبل 21 سنة أعلنت كتائب القسام وسرايا القدس عن واحدة من أقوى العمليات الاستشهادية والتي أسفرت عن مقتل 20 إسرائيليا وإصابة 150.

وذلك حينما قام الاستشهادي "رائد مسك" بالتخفي بثياب مستوطن وصعد للحافلة 12 العائدة من ساحة البراق وبها كبار الحاخامات، ليقوم بتفجير حزام شديد الانفجار يزن 5 كيلوغرامات تطايرت معه الأشلاء وسقف الباص وجثة الشهيد الطاهر".

وبنفس اليوم عام 2024 أعلنت القسام والسرايا عن عملية تل أبيب المشتركة وعن عودة العمليات الاستشهادية بعد انقطاع سنوات.

ولبدء تدشين هذه المرحلة الجديدة نشرت كتائب القسام على حسابها في تليغرام تصميم يحمل عنوان "قادمون" بالعربية والعبرية والإنكليزية وصورة حافلة مدمرة في تل أبيب وحزام ناسف.

وتزامن هذا مع انتشار واسع لهاشتاغ #العياش_يعود في استحضار لسيرة أحد أبرز مهندسي العبوات الاستشهادية يحيى عياش.

ويقول مراقبون إن حماس أدركت أن العدو لا يريد وقف الحرب ولا فرصة لإنجاح المفاوضات، فالخلاف ليس مجرد تعنت حول تفاصيل، بل هو خلاف حول نقاط جوهرية لا يمكن تجاوزها.

وهذا التعنت الإسرائيلي والغطاء الأميركي الممنوح له، هو أسرع وصفة لاشتعال الإقليم واستدامة الصراع، حسبما يقول المحلل الفلسطيني سعيد زياد عبر "الجزيرة" في 19 أغسطس 2024.

ويدور الحديث عن اتفاق أميركي إسرائيلي على القبول بشروط نتنياهو بالبقاء في معبر رفح ومحور صلاح الدين وأيضا محور نتساريم الذي يقسم غزة ثم السعي لإملائه على المقاومة والادعاء أنها رفضت.

وفور تنفيذ عملية تل أبيب، انهالت تحليلات إسرائيلية تتحدث عن أن إعادة تفعيل العمل الاستشهادي من وسط تل أبيب ينقل النار والضغط والرعب والموت التي تغرق فيه شوارع وأطفال غزة إلى شوارع تل أبيب.

وقال محللون إسرائيليون إن أسوأ كوابيس إسرائيل ليست حربًا إقليمية مفتوحة، وانما عودة عمليات "الحزام الناسف" التي أوقفت بقرار من الفصائل الفلسطينية قبل قرابة 20 عاما، وعدوا عملية تل أبيب إعادة لفتح باب الجحيم هذا مجددا.

المحلل الإسرائيلي جاكي خوري قال في صحيفة "هآرتس" إن إسرائيل باتت على موعد مع "الخوف من العمليات الانتحارية في مركز الدولة، وسيناريو الرعب الذي طغا في التسعينيات وفترة الانتفاضة الثانية".

وأضاف أنه "حسب وجهة نظر حماس والجهاد الإسلامي، الرسالة واضحة تماماً: المماطلة في المفاوضات وإفشال فرص عقد الصفقة على يد نتنياهو، لن يمر مرور الكرام، سيتغير الصراع ويتصاعد، في غزة وداخل إسرائيل، وستكون العمليات الانتحارية هي الخيار".

لماذا أخطر؟

عقب طوفان الأقصى، سعى الاحتلال لخنق الضفة الغربية والقدس بصورة لم تعهداها من قبل، واعتقل قرابة 10 آلاف فلسطيني وقتل 800 بينهم مقاومون تصدوا له وقصف الضفة بالطائرات، ومنع أي تعاطف مع غزة، حتى ولو على مواقع التواصل الاجتماعي.

نجحت هذه الخطة في إجهاض تحويل طوفان الأقصى في الضفة الغربية والقدس لانتفاضة فلسطينية ضخمة ضد إسرائيل.

الآن، ومع خروج الضفة الغربية عن طوق الحصار الصهيوني الخانق عبر عمليات تصد للشبان المقاومين وانتشار الحركات المسلحة ضد الاحتلال، ثم انتقالها إلى العمق الصهيوني في تل أبيب عبر عمليات استشهادية، فُتحت جبهة قتال جديدة.

القلق الإسرائيلي جاء من التخوف من عودة عمليات يحيى عياش التي حولت حياة الإسرائيليين لجحيم أوائل التسعينات، وهم يرون أسقف أتوبيسات النقل العام تتطاير بأشلاء المستوطنين والمولات والكافيهات تصبح ساحات دماء.

الانزعاج جاء من إعلان حماس والجهاد مسؤوليتهما سريعا ودون إخفاء ذلك، والتهديد أن هذه باكورة سلسلة عمليات قادمة ستفجر إسرائيل من الداخل وتزيد الضغط النفسي والرعب الأمني بجانب العمل الميداني في غزة.

وأكد محللون إسرائيليون أن عودة العمليات الاستشهادية بعد انقطاعها في 2005 سوف يسبب قلقاً وجوديا لإسرائيل لزعمهم أن تل أبيب آمنة ومحصنة.

الصحفي الإسرائيلي رون بن يشاي، أشار إلى هذا في تقرير بصحيفة “يديعوت أحرونوت” حيث أوضح أن انفجار تل أبيب "علامة جديدة أن التصعيد المسلح في الضفة الغربية يجب أن يؤخذ على محمل الجد".

وأشار إلى أن شعبة الاستخبارات أرسلت تقييماً تحذيريا، يتوقع فيه تصعيدا في إسرائيل يشمل هجمات بالقنابل والعمليات الاستشهادية، يصل إلى "انتفاضة فلسطينية".

وأوضح يشاي أن خطورة هذه الانتفاضة الجديدة التي تتقدمها العمليات الاستشهادية، تتعلق بمخاوف من أن الانتفاضة الثالثة ستختلف عن الانتفاضتين الأولى (انتهت 1993) والثانية (انتهت 2005)، لأنها مسلحة هذه المرة، والمواجهة فيها بالتفجيرات وضرب النار.

والسيناريو الذي يربك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو هجوم منظم للكتائب الفلسطينية في شمالي الضفة الغربية على مستوطنات أو مدن إسرائيلية، وفق قوله.

وأضاف أن هناك عوامل محفزة لهذه الانتفاضة المسلحة، وهي غضب أهالي الضفة الغربية لمقتل أقاربهم في غزة، وتصاعد "الإرهاب اليهودي" من عصابات المستوطنين في الضفة الغربية، والذي يحفز الجماعات الفلسطينية المسلحة.

وقد أكد هذا السيناريو الكارثي المسؤول السابق في الشاباك، شالوم بن حنان، الذي قال لراديو "أف أم 103"، إن إسرائيل على بُعد خطوة من العودة إلى العمليات الاستشهادية في مدنها المركزية، وتوقع "تحديات معقدة".

"يديعوت أحرونوت"، قالت في 19 أغسطس 2024 إن المخاوف بشأن عودة العمليات الاستشهادية بالداخل الإسرائيلي، بعد هجوم تل أبيب، سببها "التسلسل غير المعتاد لمثل هذه العمليات" حتى وصولها لتل أبيب.

فقد سبقت عملية تل أبيب يوم 18 أغسطس، هجمات أخرى منها انفجار حديقة "اليركون" في تل أبيب ليلة رأس السنة العبرية يوم 15 سبتمبر/أيلول 2023، وانفجار عبوة ناسفة عند مفترق مجدو جنوب حيفا يوم 13 مارس/آذار 2023.

كما حدث تزايد مطرد للهجمات بالعبوات الناسفة في الضفة الغربية، والتي اقتربت من مدن وسط إسرائيل.

ففي مطلع يوليو/تموز 2024، قتل جنديان إسرائيليان في تفجيرات ضد عمليات للجيش في مخيمات اللاجئين في طولكرم وجنين، وفي نفس الشهر، انفجرت ثلاث عبوات ناسفة أخرى قرب السياج الأمني في منطقة جلبوع، وأصيب جنديان إسرائيليان.

سلاح تفاوض

وأكدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 19 أغسطس أن عودة التفجيرات الانتحارية تطور خطير جدا يشير إلى تصعيد كبير قادم سيجعل الإسرائيليين يزدادون رعبا، وألمحت لأنه سيكون سلاحا في يد المقاومة للتفاوض أيضا.

وهذا ما أكده القيادي في حماس أسامة حمدان بتصريحات لقناة الجزيرة بالقول إن "التطور في نوعية عمليات المقاومة سينعكس إيجابا على طاولة المفاوضات".

وربط محللون بين توقيت العملية الاستشهادية في تل أبيب الذي لم يكن اعتباطيا وفشل محادثات الدوحة ووصول وزير الخارجية الأميركي الصهيوني أنتوني بلينكن إلى إسرائيل مشيرين إلى أنه يحمل رسالة تهديد لأميركا التي تدعم الاحتلال بتصعيد قادم لن ينهي المقاومة.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست يوم 18 أغسطس 2024 عن "إتش إيه هيلير"، الباحث في دراسات الأمن الدولي بـ"المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن" في لندن، تفسيره بدء حماس مرحلة جديدة من التفجيرات الاستشهادية.

قال إن حماس تجنبت إلى حد كبير الهجمات الانتحارية في السنوات الأخيرة في إطار سعيها إلى مزيد من القبول الدولي ومشاركتها مفاوضات دولية.

لذا يعد تنفيذها عملية تل أبيب مؤشرا على "اليأس الواضح" من جدية مفاوضات غزة وغضبا تلاعب الإسرائيليين والأميركيين بالمفاوضات، وفق قوله.

أضاف "إنهم (حماس) يريدون أن يحاولوا إلحاق الأذى بالإسرائيليين في الداخل بنفس الطريقة التي يتلقون بها كل هذا الألم (في غزة والضفة)" والرد على المجازر ومستوى إراقة الدماء الرهيب المتعمد في غزة.

وقد ذكرت تقرير لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان")، نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 20 أغسطس أنه "يتوقع تصعيدا في الضفة الغربية، بحجم انتفاضة، وستتخلله عمليات تفجيرية وانتحارية في إسرائيل".

وأكد أن الانفجار في تل أبيب، مؤشر على ذلك، وخطورته، بالمقارنة مع تفجيرات العامين 2022 و2023، أنه احتوى على مواد متفجرة أشد ومن صنع محلي، ومن النوع الذي استخدم في عمليات انتحارية في انتفاضة القدس والأقصى.

ووصفت الصحيفة هذا الوضع أنه نوع من "دائرة سحرية" فإسرائيل لا تسمح للفلسطينيين بالخروج للعمل في أراضيها، ما يؤدي إلى وضع اقتصادي صعب وبطالة.

والسيناريو الذي يؤرق جهاز الأمن، هو شن الكتائب الفلسطينية في شمال الضفة هجمات مشابهة لطوفان الأقصى على مستوطنات وبؤر استيطانية عشوائية، "بمشاركة أجهزة الأمن الفلسطينية".

ويصف الجيش الإسرائيلي هذا السيناريو بـ "سيناريو تحويل الفوهات"، وذلك "لأنه حتى الآن تحاول أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تقليص ظاهرة الكتائب المسلحة"، وقد يحول بعضهم فوهات بنادقه تجاه الإسرائيليين لاحقا.