روسيا أمام خيارات صعبة.. بين العودة للشمال والبحث عن “طرطوس جديدة”

منذ ٤١ دقيقة

12

طباعة

مشاركة

بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، تواجه روسيا تحديات كبيرة تتعلق بضمان أمن واستمرارية وجودها العسكري في سوريا، حيث تمتلك قاعدتين هناك، حميميم الجوية وطرطوس البحرية.

وإذا اضطرت روسيا للانسحاب من هناك، فستكون في حاجة للبحث عن قاعدة جديدة لنشر سفنها، وفق ما تقول صحيفة إندبندنت البريطانية بنسختها التركية.

وكان الهدف الأساسي لموسكو من تدخلها في سوريا نهاية سبتمبر/أيلول 2015 لدعم نظام الأسد، هو نجاحها في توقيع عقد استئجار طويل الأجل عام 2017 لقاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى.

وذلك إلى جانب القاعدة البحرية الروسية على ساحل طرطوس التي جرى استئجارها أيضا لـ 49 عاما وشكلت نقطة دعم لوجستي لقاعدة حميميم التي تبعد نحو 50 كيلومترا عنها.

وأمام ذلك، بدأت تطرح تساؤلات في الوقت الراهن، حول مصير تلك القواعد الروسية التي أعطت للكرملين نفوذا على البحر المتوسط ومنه إلى شمال إفريقيا، سواء من ناحية بقائها أو الانسحاب الكامل من سوريا.

ورغم أن تدخل روسيا في سوريا كان لدعم الأسد في قمع الثورة، فإن الإدارة السورية الجديدة لم تبدِ بعدُ رغبة في فك العلاقة مع الروس حتى الآن.

تغيّر التوازنات

ولكن، تقول الكاتبة التركية "نالان يازغان" إن الوضع الحالي يحد بشكل كبير من خيارات موسكو، لأن انسحابها من المنطقة قد يعد فشلا سياسيا سيؤدي إلى أزمة لوجستية لأسطولها البحري.

وتابعت: “تدخل روسيا في الحرب عام 2015 غيّر التوازن الداخلي في سوريا، وأثر على ميزان القوى في البحر الأبيض المتوسط”.

فقد أسهم في ترسيخ وجود موسكو العسكري في المنطقة، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات حول أهدافها الإستراتيجية على المدى البعيد.

وأكدت أن قاعدة طرطوس البحرية تعد مركزا إستراتيجيا لروسيا؛ حيث تمثل نقطة رئيسة لنشر جزء من أسطولها في البحر الأسود، إلى جانب استخدامها لإجراء عمليات الصيانة والإصلاحات وتوفير الدعم اللوجستي. 

من جهة أخرى، لعبت قاعدة حميميم الجوية دورا محوريا في شن الغارات الجوية المكثفة ضد قوات الثورة السورية، ما جعلها عنصرا حاسما في تعزيز قدرات النظام المخلوع.

غير أن دور هاتين القاعدتين لا يقتصر في الصراع السوري، بل تُعدان أيضا مراكز لوجستية لعمليات روسيا في البحر الأبيض المتوسط ونشاطها العسكري في إفريقيا، خاصة فيما يتعلق بالمرتزقة الروس، وفق الكاتبة. 

وأردفت أن أي انسحاب محتمل للأسطول الروسي من سوريا يثير أيضا تساؤلات حول خط سير سفنها الحربية.

فوفقا لاتفاقية مونترو للمضائق الموقعة عام 1936، فإن مرور السفن الحربية عبر مضائق البوسفور والدردنيل خلال زمن الحرب يخضع لإذن تركيا.

وكونها عضوا في حلف شمال الأطلسي “الناتو” وداعمة لجماعات الثورة في سوريا فقد تكون غير متعاونة في منح هذا الإذن، ما يزيد من تعقيد المشهد بالنسبة لموسكو، بحسب تقدير الكاتبة.

وهذا الأمر يجعل إيجاد حلول بديلة بالنسبة لروسيا أمرا ضروريا لضمان استمرارية عملياتها البحرية دون عرقلة.

التحديات الروسية

واستدركت الكاتبة أن أحد الخيارات المتاحة لأسطول موسكو هو الإبحار حول أوروبا لإيصال السفن إلى قواعده الرئيسة في الشمال الروسي، مثل مورمانسك أو أرخانغلسك. 

لكن هذا الخيار على الرغم من كونه ممكنا نظريا يُعد عمليا شبه مستحيل. فالسفن الروسية، المصممة للعمل ضمن مدى قصير، ستحتاج إلى التوقف في عدة موانئ أوروبية أثناء رحلتها الطويلة والشاقة للتزود بالوقود والحصول على الدعم اللوجستي.

وأشارت الكاتبة إلى أن المشكلة الأساسية هنا أن معظم هذه الموانئ تقع في دولٍ من حلف الناتو، وهو ما يثير مخاطر كبيرة. 

فبدلاً من تقديم المساعدة، قد تواجه السفن الروسية خطر المصادرة من قبل هذه الدول، وهو سيناريو سيمثل إحراجا كبيرا لموسكو على المستويين الدبلوماسي والعسكري. 

لذلك فإن الالتفاف حول أوروبا يعد خيارا محفوفا بالمخاطر السياسية واللوجستية.

واستدركت: مع تزايد احتمالات فقدان روسيا لقواعدها في طرطوس وحميميم بسوريا، بات ميناء بنغازي في ليبيا خيارا محتملا لاستمرار وجودها في البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من ذلك، يواجه هذا الخيار العديد من التحديات. 

ولطالما سعت موسكو سعت إلى تعزيز نفوذها في ليبيا، حيث دعمت قوات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر منذ سنوات، وهو الأمر الذي يتيح لها نفوذا سياسيا وعسكريا في البلاد.

هذا الخيار قد يبدو أنه الأفضل لروسيا، لكنّ الواقع ليس كذلك، لأن ميناء بنغازي يفتقر حاليا إلى البنية التحتية اللازمة لتلبية احتياجات البحرية الروسية.

 وستحتاج روسيا إلى استثمارات ضخمة قد تصل إلى مليارات الدولارات، بالإضافة إلى سنوات من العمل لتحويله إلى قاعدة لوجستية متكاملة قادرة على تقديم خدمات الصيانة والإصلاح. 

وبذلك يبدو هذا الخيار غير عملي على المدى القصير، الأمر الذي يجعل الأسطول الروسي في بنغازي عرضة لحالة من الجمود والتوقف شبه التام.

تهديد محتمل

وأردفت الكاتبة: تكتسب ليبيا أهمية جيوسياسية بارزة في البحر الأبيض المتوسط والقارة الإفريقية، حيث تسعى روسيا إلى تقليص نفوذ الناتو المتزايد في المنطقة.

ومع تصاعد تأثيرها في دول إفريقية مثل مالي والسودان يمكن أن يصبح ميناء بنغازي نقطة محورية لعمليات روسيا في المتوسط وإفريقيا.

واختيار روسيا لبنغازي كقاعدة عسكرية يعد مثيرا للجدل من الناحية الإستراتيجية، فمن جهة يعد قربها الكبير من قوات الناتو ووجودها في موقع إستراتيجي أكثر أهمية من طرطوس تهديدا للغرب. 

إذ إن التواجد الروسي المستمر في المناطق الحيوية للبحر الأبيض المتوسط قد يثير توترات كبيرة، ويزيد من فرص المواجهة المباشرة مع الناتو، مثل البحرية الفرنسية أو القوات الجوية الإيطالية.

ومن جهةٍ أخرى، فقد كان الوجود العسكري الروسي في سوريا جزءا مهما من إستراتيجيتها لتعزيز نفوذها الإقليمي. 

لكن هذه الإستراتيجية تواجه مأزقا كبيرا في الوقت الراهن، حيث إن خيار بنغازي يمثل مخاطرة إستراتيجية كبرى.

وذلك لأن القاعدة قد تكون غير مؤهلة لوجستيا وعسكريا لتلبية احتياجات الأسطول الروسي، ما يجعلها نقطة ضعف بدلا من أن تكون عامل قوة.

وأشارت الكاتبة التركية إلى أن مساعي روسيا لتجنب انسحاب مفاجئ من سوريا قد تبدو وكأنها محاولة لتفادي الهزيمة، لكنها قد تفضي إلى تعقيدات أكبر على المدى البعيد. 

فإقامة قاعدة في بنغازي قد يُفسر كتحدٍ واضح للناتو، حيث ستنظر فرنسا وإيطاليا وباقي دول الحلف إلى الوجود الروسي في ليبيا على أنه تهديد مباشر.

وختمت الكاتبة مقالها قائلة: إن الخطوة الروسية ليست قرارا عسكريا فحسب، بل قد تبشر أيضا بعهد جديد في الصراع الجيوسياسي في البحر الأبيض المتوسط. 

ومن المرجح أن يكون البحر المتوسط مسرحا لمنافسة أكثر حدة بين روسيا وحلف الناتو والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى في السنوات المقبلة.