روسيا "قد لا تمانع" ضرب إسرائيل منشآت إيران النفطية.. ما علاقة الصين؟
رغم قربها من روسيا إلا أن إيران قد تضطر إلى إعادة تقييم علاقتها معها بناء على التطورات الدولية
على عكس التحالف الذي يبدو بينهما، تؤكد دوائر إعلامية واستخبارية عديدة وجود منافسة قوية بين روسيا وإيران، والقطاع النفطي يشكل أبرز ساحاتها.
ويناقش موقع "تيليبوليس" الألماني، في هذا السياق، العلاقة بين روسيا وإيران، مركزا على أن موسكو قد لا تنقذ طهران في حال واجهت تهديدات كبيرة.
ويعرض الموقع تحفظ روسيا على تقديم مساعدات عسكرية كبيرة مثل الطائرات الحربية وأنظمة الدفاع الجوي لإيران، وذلك بسبب مخاوفها من غضب شركائها في الخليج مثل السعودية والإمارات.
ومن ناحية أخرى، يبرز الموقع أن موسكو قد لا تعارض سرا هجمات إسرائيل على البنية التحتية النفطية الإيرانية لأنها تعد إيران منافسا لها في سوق النفط، وخاصة في الصين.
ويشدد الموقع على أن إيران، رغم اقترابها من روسيا، قد تضطر إلى إعادة تقييم علاقتها بناء على التطورات الإقليمية والدولية.
علاقة حساسة
يبدأ الموقع الألماني تقريره بالتذكير أنه في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عُقد منتدى دولي رفيع المستوى ونادر في عشق آباد، عاصمة تركمانستان الواقعة في آسيا الوسطى.
وعلى حد وصف الموقع، فإن تركمانستان، التي تتمتع بحياد دائم منصوص عليه في دستورها، وفرت "منصة ملائمة للحوار الأوراسي"، شارك فيها رؤساء كل من روسيا وإيران وباكستان وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان ومنغوليا وأرمينيا.
وذلك بالإضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من الصين وتركيا والإمارات وسلطنة عمان والبحرين والعراق ودول أخرى.
ورغم أن هذه العلاقات لها قيمتها الخاصة، إلا أن الاجتماع كان في الأصل بين رئيسي روسيا وإيران، فلاديمير بوتين ومسعود بزشكيان، وكان هو المحور الرئيس.
وكان هذا الاجتماع أول لقاء منذ انتخاب الإصلاحي بزشكيان في يوليو/ تموز 2024، بعد وفاة إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة.
وفي هذا السياق، يوضح الموقع أن موسكو، في ظل العلاقات المتزايدة العدائية بين روسيا والغرب، تتعامل بحذر مع محاولات الإصلاحيين الإيرانيين للتفاوض دبلوماسيا مع الغرب.
وعلى الرغم من أن كلا الجانبين التزم الصمت بشكل لافت حول ما تمت مناقشته في الاجتماع، يتوقع الموقع أن الأوضاع في الشرق الأوسط بلا شك كانت أحد المواضيع الرئيسة.
إذ كانت تستعد إيران -حينها- لرد انتقامي إسرائيلي بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024، والذي كان بدوره جزءا من تصاعد المواجهات بين إيران وإسرائيل.
ثم بعد أيام قليلة، حذر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، إسرائيل بشدة من "مجرد التفكير في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية". واصفا ذلك بأنه سيكون "تطورا كارثيا وإنكارا تاما لجميع المبادئ القائمة في مجال ضمان الأمن النووي".
سياسيا، تؤكد مثل هذه التصريحات وجهة نظر المتشددين الإيرانيين، التي تفيد بأن "التقارب مع الغرب الذي يشجعه مجلس الوزراء الإصلاحي يُعد بلا جدوى، في حين يجب على طهران استثمار رأس مالها الدبلوماسي في علاقاتها مع موسكو".
وعندما تحدث وزير الخارجية، عباس عراقجي، عبر منصة "إكس" عن محادثاته مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، بشأن طبيعة التعاون العسكري والتقني بين إيران وروسيا، سخرت الصحفية المحافظة "فرشته صادقي" قائلة إن "عراقجي كان يجب أن يخبر بوريل بأن علاقات إيران مع روسيا لا تخص الغرب".
وفي الوقت نفسه، يضغط نواب متشددون -مثل كمران غزنفاري- لإقالة بزشكيان بسبب مزاعم عن "مخالفات قانونية تتعلق بتعيين أحد أبرز مؤيدي الحوار مع الغرب، وهو وزير الخارجية السابق جواد ظريف، نائبا للرئيس للشؤون الإستراتيجية".
مزيد من العقوبات
وبقوله إن "الغرب لا يسهم في تحسين الوضع"، يشير الموقع الألماني إلى أنه في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية بأيام فقط، يتسابق المرشحان على إظهار موقف أشد تجاه إيران.
فمن ناحية، زعمت نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بشكل غريب، أن "إيران هي (أكبر عدو) لأميركا".
متجاهلة بذلك "(غصن الزيتون) الذي قدمه بزشكيان، في سبتمبر/ أيلول 2024، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك".
ومن ناحية أخرى، يعطي المنافس الجمهوري والرئيس السابق، دونالد ترامب، رسائل مختلفة، تتناوب ما بين رسالة "توحي برغبة في علاقة بناءة مع طهران" وبين "توصياته لإسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية".
ولكن سجله الفعلي خلال فترة رئاسته، وخاصة فيما يتعلق بإيران، يضعه بشكل واضح في صف المتشددين.
"فقد كان ترامب هو الذي أنهى اتفاق إيران النووي بشكل متهور عام 2018، وجر الولايات المتحدة وإيران إلى حافة الحرب بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني"، وفق التقرير.
وعلى جانب آخر، يكشف الموقع الألماني أن الاتحاد الأوروبي، مثل الولايات المتحدة، غير مستعد لاستكشاف الفرص الدبلوماسية مع إيران.
ففي حين يواصل بوريل ونائبه في جهاز العمل الخارجي الأوروبي، إنريكي مورا، الحوار مع عراقجي، فرض الاتحاد الأوروبي أخيرا "عقوبات جديدة على إيران بسبب نقل مزعوم لصواريخ باليستية إلى روسيا".
بالإضافة إلى أن رئيسة المفوضية الأوروبية المتشددة، أورسولا فون دير لاين، هددت بفرض مزيد من العقوبات.
جدير بالإشارة هنا إلى أن بوريل في طريقه لمغادرة منصبه، وسيُستبدل خلال أسابيع قليلة برئيسة الوزراء الإستونية السابقة كايا كالاس، التي يُرجح أنها ستبحث عن سبل إضافية لمعاقبة إيران على دورها في حرب روسيا في أوكرانيا.
علاوة على ذلك، يسلط "تيليبوليس" الضوء على أن الاتحاد الأوروبي ضغط من أجل استخدام لهجة أكثر صرامة تجاه طموحات إيران الإقليمية في أول قمة للاتحاد مع مجلس التعاون الخليجي، في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2024".
"وبفضل دبلوماسية دول المجلس الحساسة"، كما يذكر الموقع، تضمن البيان المشترك أهمية "التواصل الدبلوماسي مع إيران لتحقيق خفض التصعيد الإقليمي"، رغم العداء السابق.
وهذا السياق "يدفع طهران بلا شك إلى الاقتراب أكثر من موسكو، وهو ما قد يضعف حتى المعارضة الداخلية لهذه الروابط".
وبينما يعد المتشددون عدائية الاتحاد الأوروبي دليلا آخر على صوابية سياستهم المفضلة لـ (التوجه شرقا)، قد يضطر الإصلاحيون -على مضض- إلى استنتاج حقيقية مفادها أن غياب اهتمام الدول الغربية بالاستجابة الإيجابية لمحاولات التقارب يقلل الخيارات الواقعية -التي تناهض التحالف مع موسكو- إلى حد كبير، على الأقل في المستقبل المنظور.
حدود موسكو
وفي إطار ذلك، يؤكد الموقع الألماني أن ما يُشعر الإصلاحيين بالأمان هو "تحديد القدرات والحدود الفعلية لموسكو في دعم إيران".
جدير بالذكر هنا أن أحد المجالات التي يُفترض أن موسكو وطهران قد عززا فيهما التعاون هو عمل الاستخبارات، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل، بالتوازي مع تدهور العلاقات بين موسكو وتل أبيب.
ومع ذلك، يشير الموقع إلى أن" الوعي بنقاط ضعف إسرائيل لا يعني القدرة على استغلالها بشكل حاسم".
لافتا إلى أن "إيران بالتأكيد قادرة على تكثيف لعبتها، لكن النتائج، إن وُجدت، لن تظهر إلا بعد فترة طويلة".
وفيما يتعلق بالحاجة الملحة لإيران، يقول إن "مقاتلات "سو-35" الروسية ونظام الصواريخ "S-400" قد تعزز الدفاع الجوي الإيراني بشكل كبير، لكن روسيا تتردد في تزويد إيران بهذه الأنظمة رغم سنوات من التكهنات حول هذا الأمر".
ويرجع ذلك إلى "حرص روسيا على عدم إغضاب شركائها الرئيسين في الخليج، مثل السعودية والإمارات".
وهنا، يلاحظ أن كليهما -السعودية والإمارات- قد رفض ضغط الاتحاد الأوروبي لتوحيد مواقف الاتحاد ومجلس التعاون الخليجي تجاه روسيا، خاصة فيما يتعلق بانتقادات الاتحاد الأوروبي لدورهما في التهرب من عقوبات روسيا التي فرضتها بروكسل.
وفيما يخص التعاون بين الطرفين مستقبلا، يشير الموقع إلى أن "كلا من طهران أو موسكو لم يتحدث عما إذا كانت وثيقة التعاون الإستراتيجي الطموحة التي يعتزمان توقيعها قريبا ستحتوي على التزامات أمنية".
وفي هذا السياق، ذهب الخبير الروسي في الشأن الإيراني، نيكيتا سماغين، إلى أبعد من ذلك، مدعيا أن "موسكو قد ترحب حتى سرا بالهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية النفطية الإيرانية".
موضحا ذلك بأن "هذا الهجوم قد يقضي على منافس رئيس للنفط الروسي في السوق الصينية، وهو ما يعني تعزز الميزانية الروسية بشكل كبير".
وفي النهاية، يعتقد الموقع أن أفضل ما يمكن أن تأمله إيران هو أن "تهدأ الأوضاع بعد تبادل الضربات مع إسرائيل، وأن تُنتخب حكومة جديدة في واشنطن تكون مستعدة لممارسة الدبلوماسية مع طهران وتحديد إفراط إسرائيل".
وسيؤدي ذلك إلى "توسيع خيارات إيران وتقليل الحوافز لدعم القوى المدمرة في الشرق الأوسط والانحياز بشكل أحادي نحو روسيا".
ومع ذلك، بالنظر إلى المسار الحالي، يذهب الموقع إلى أن "الأمل في حدوث ذلك ضئيل".
بدلا من ذلك، انخرطت إيران في شيء يصفه الموقع بأنه "تقارب غير مكتمل بشكل عميق مع روسيا".
ومن وجهة نظرها، ترغب طهران في أن تحقق بعض الفوائد من هذا التقارب، في الوقت الذي تتلاعب موسكو فيه بمصالحها في الشرق الأوسط وما وراءه.