بينما توقع كثيرون صعوده.. لماذا يتراجع اقتصاد السنغال رغم اكتشافات النفط؟
"على الرغم من هذه العائدات، فإن التوقعات الاقتصادية الكلية لبقية العام لا تزال صعبة"
أصبحت السنغال إحدى الدول المنتجة للمواد الهيدروكربونية، إثر إعلان شركة “وود سايد إنرجي” الأسترالية في 11 يونيو/حزيران 2024 أنها بدأت استخراج النفط من حقل سانغومار، ويستهدف إنتاج 100 ألف برميل يوميا.
وبالإضافة إلى النفط، من المتوقع أن يبدأ استغلال الغاز الطبيعي هذا العام في حقل "السلحفاة أحميم" المشترك مع موريتانيا، بإنتاج يبلغ حوالي 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا.
وأثار اكتشاف حقول النفط والغاز آمالا كبيرة للدولة النامية؛ إذ يتوقع خبراء أن يدرّ هذا القطاع أكثر من مليار دولار سنويا على مدى العقود الثلاثة المقبلة.
ورغم ذلك، أفاد صندوق النقد الدولي بأن النمو الاقتصادي للسنغال كان أبطأ من المتوقع في النصف الأول من عام 2024.
وفي هذا السياق، تناقش مجلة "جون أفريك" الفرنسية تدهور الأداء الاقتصادي في السنغال على الرغم من الثروة النفطية التي تمتلكها البلاد.
وأرجعت ذلك إلى الأزمة السياسية التي هزت البلاد وأثرت سلبا على العديد من القطاعات الإنتاجية، مما أدى إلى انخفاض كبير في الإيرادات وزيادة في الديون.
وفي هذا الإطار، يدعو صندوق النقد الدولي إلى تنفيذ إجراءات قوية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
تباطؤ اقتصادي
"ففي ختام مهمة نُظمت من 5 إلى 12 سبتمبر/ أيلول 2024 في السنغال، دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر"، على حد وصف المجلة الفرنسية.
حيث أوضح رئيس البعثة، إدوارد الجميل، قائلا إن "الاقتصاد السنغالي سجل نموا أبطأ من المتوقع خلال النصف الأول من عام 2024".
كما أشار إلى أن "معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 2.3 بالمئة في الربع الأول من عام 2024".
وبحسب المجلة، نقلا عن رئيس البعثة، فإن "المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تباطؤ مماثل في الربع الثاني من عام 2024".
ونتيجة لذلك، تذكر المجلة أن "الصندوق الدولي راجع توقعاته نحو الانخفاض مع توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6 بالمئة الآن، مقارنة بـ 7.1 بالمئة في يونيو/ حزيران 2023".
وهنا، تلفت المجلة إلى أنه "قبل عام من الآن، كان الصندوق يتوقع نموا يزيد عن 10 بالمئة بفضل بدء إنتاج حقل النفط والغاز في "سانغومار"، يليه حقل "غراند تورتو أحميم" على الحدود مع موريتانيا".
وفي هذا الإطار، أعرب إدوارد الجميل عن قلقه قائلا: "على الرغم من هذه العائدات، فإن التوقعات الاقتصادية الكلية لبقية العام لا تزال صعبة".
مضيفا أنه "خارج قطاع الهيدروكربونات، من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.3 بالمئة، مقارنة بتوقع سابق قدره 4.8 بالمئة".
أزمة سياسية
وفي هذا الصدد، تقول "جون أفريك" إنه مع الأزمة السياسية التي هزت البلاد لعدة أسابيع، عملت معظم القطاعات الإنتاجية، مثل التعدين والبناء والصناعات الزراعية، بوتيرة بطيئة خلال الأشهر الأولى من عام 2024.
وبطبيعة الحال، نتيجة لهذا التباطؤ، كشفت التقارير المالية حتى نهاية أغسطس/ آب 2024 عن "نقص كبير في الإيرادات"، وفقا لما أشار إليه صندوق النقد الدولي.
"وفي حين بقيت النفقات متوافقة بشكل عام مع التوقعات، اضطرت الدولة السنغالية إلى العيش على الائتمان"، كما توضح المجلة.
وفي هذا السياق، تنقل المجلة عن مؤسسة "بريتون وودز" لفتها النظر إلى العودة المفاجئة للسنغال إلى سوق السندات الدولية في بداية يونيو/ حزيران 2024.
مع إصدار يوروبوند بقيمة 750 مليون دولار، وكذلك إلى عدة عمليات اقتراض أخرى من سوق السندات التابعة للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا "UEMOA".
وتحلل المؤسسة هذه الظواهر قائلة إنه "نظرا لضعف الهوامش النقدية، لجأت السلطات إلى الاقتراض الخارجي المكلف قصير الأجل".
وعلى جانب آخر، يتوقع صندوق الدولي أن "يتجاوز العجز، في غياب إجراءات مالية إضافية، نسبة 7.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أعلى بكثير من نسبة 3.9 بالمئة التي توقعت في الميزانية الأصلية".
ويعزو الصندوق هذه الزيادة إلى "انخفاض الإيرادات وزيادة النفقات على دعم الطاقة ومدفوعات الفوائد"، كما ذكرت المجلة.
ولذلك، يشجع الصندوق السلطات على اتخاذ "إجراءات قوية"، بما في ذلك "ترشيد الإعفاءات الضريبية والإلغاء التدريجي للدعم غير الموجه والمكلف للطاقة".
التدقيق العام للمالية
وفي السياق نفسه، يوصي صندوق النقد الدولي الدولة السنغالية بمراجعة صيغة تسعير المنتجات البترولية وتسريع تقييم تكاليف إنتاج الكهرباء وتحسين الاستدامة المالية للشركة الوطنية للكهرباء "سينيليك".
وبخلاف تلك الجوانب المقلقة، تنوه المجلة الفرنسية أن صندوق النقد الدولي أبرز بعض النقاط الإيجابية.
إذ توقع أن "ينخفض العجز في الحساب الجاري إلى 12.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بفضل ازدهار إنتاج الهيدروكربونات، كما توقع أن يصل معدل التضخم الإجمالي إلى متوسط 1.5 بالمئة على أساس سنوي".
علاوة على ذلك، تلفت "جون أفريك" إلى أن السلطات السنغالية أعادت تأكيد التزامها بتنفيذ الإصلاحات التي اقترحها صندوق النقد الدولي.
وبالإشارة إلى أن الانتهاء من التدقيق العام للمالية العامة يُجرى حاليا، تقول المجلة إنه "من المتوقع أن تساعد الملاحظات والتوصيات في تنفيذ إصلاحات قوية لإعادة توجيه المالية العامة نحو مسار جديد لتقليص العجز والديون العامة".
ومن ناحية أخرى، توضح المجلة أنه من المقرر أن يجتمع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، للنظر في الموافقة على دفعة جديدة من القروض لصالح البلاد.
وذلك ضمن إطار القروض التي تبلغ قيمتها 1.5 مليار و320 مليون دولار التي اُتفق عليها في يونيو/ حزيران 2023، تختم المجلة.