رغم تهمة "معاداة السامية".. لماذا تتزايد مظاهر دعم الفلسطينيين بأميركا؟
مع مواصلة إسرائيل عدوانها على سكان قطاع غزة، تتنامى بشكل ملحوظ القاعدة الشعبية المؤيدة للقضية الفلسطينية داخل الولايات المتحدة من شرائح مختلفة.
فقد باتت حالة التضامن مع الفلسطينيين والرافضة لـ"الإبادة الجماعية" لهم بمباركة من واشنطن، تأخذ أشكالا قوية ووصلت حد المجاهرة بذلك داخل قطاعات النخب والمشاهير.
لكن هذه الحالة "التضامنية غير المسبوقة" في بلد يورد أحدث أنواع الأسلحة لإسرائيل لقتل الفلسطينيين، لم تمر دون مجابهة من "اللوبي الصهيوني" والتي وصلت لحد اتهام المتضامنين بـ "معاداة السامية" التي يُروج لها على أنها "التحيز ضد الشعب اليهودي".
مشاهير مع فلسطين
وجديد ذلك، تعرض "فيوليت" ابنة النجم الأميركي "بن أفليك" لحملة من الانتقادات والاتهامات بـ"معاداة السامية"، من قبل وسائل إعلام إسرائيلية وناشطين إسرائيليين، بسبب ظهورها الأخير مع والدتها الممثلة جينيفر غارنر.
وكانت فيوليت، التي تبلغ من العمر 18 عاما وتعد أكبر أبناء "بن أفليك" من زوجته السابقة جينيفر غارنر، قد ظهرت مع والدتها خلال رحلة للتسوق أمام متجر "شانيل" الشهير في لوس أنجلوس بتاريخ 2 يناير 2024 وهي ترتدي كنزة سوداء تحمل خريطة فلسطين على شكل حز من البطيخ، وهو الرسم الذي أصبح رمزا للتضامن مع فلسطين.
وتحمل هذه الكنزة اسم 'freedom melon crewneck' أو "كنزة بطيخ الحرية"، وهي من إنتاج علامة تجارية تدعى Wear The Peace، حيث تُخصص نسبة 100 بالمئة من الأرباح الناتجة عن شراء تلك الكنزة لصالح منظمة غير ربحية تحمل اسم Pious Projects لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة، حسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
ويشارك والد فيوليت أفليك، في مجموعة Artists4Ceasefire، وهي مجموعة تضم حوالي 250 من المشاهير الذين وقعوا رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن تحثه على وقف إطلاق النار في غزة.
ومما جاء في الرسالة: "نحث إدارتكم، الكونغرس، وجميع قادة العالم، على تكريم جميع الأرواح في الأرض المقدسة والدعوة إلى تسهيل وقف إطلاق النار دون تأخير – إنهاء قصف غزة والإفراج الآمن عن الرهائن".
وتضيف الرسالة: "نصف سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة هم من الأطفال، وأكثر من ثلثيهم من اللاجئين وأحفادهم الذين أجبروا على الفرار من منازلهم. ويجب السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إليهم".
وفي سياق متصل، أجبرت رئيسة جامعة هارفرد الأميركية كلودين غاي على إعلان استقالتها بتاريخ 2 يناير 2024 من منصبها بعدما تعرضت لهجوم شرس بسبب شهادتها في الكونغرس حول "معاداة السامية" خلال احتجاجات داعمة لغزة في الحرم الجامعي عدتها ضمن حرية التعبير.
وتعرضت غاي للانتقادات بعدما رفضت الإجابة بشكل واضح عما إذا كانت الدعوة إلى "فلسطين من النهر إلى البحر" تنتهك قواعد السلوك في جامعة هارفرد لدى إدلائها بشهادتها أمام الكونغرس.
ومن صور التضامن مع غزة في الولايات المتحدة، إلقاء نشطاء داعمين لفلسطين يوم 4 يناير 2024 طلاء أحمر على موكب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء مغادرته منزله في ولاية فرجينيا.
وهرع هؤلاء خلف السيارة حاملين أعلاما فلسطينية وهتفوا بشعارات باللغة الإنجليزية: "عار عليك"، و"أوقفوا القتل في غزة"، و"مجرم حرب".
كما قررت مجموعة "أطباء ضد الإبادة"، الاحتجاج بتاريخ 3 يناير أمام متحف "الهولوكوست" في العاصمة الأميركية، قبل أن تتعرض المجموعة للضغط من "اللوبي الداعم لإسرائيل" والتي أفضت إلى إلغاء الفعالية.
والمجموعة تشكلت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهي مؤلفة من تحالف عالمي للعاملين في مجال الرعاية الصحية وهدفها التحرك حيث فشلت الحكومات العالمية في مواجهة ومنع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة، وفق الموقع الإلكتروني.
صوت عالٍ
لقد بات مشهد رفع الأعلام الفلسطينية والاتشاح بالكوفيات في الولايات المتحدة من قبل أميركيين أمرا مألوفا عقب العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023 والذي أدى لاستشهاد أكثر من 22 ألف فلسطيني.
وشهدت الولايات المتحدة منذ بداية العدوان على غزة، مئات التظاهرات والتجمعات التي نددت بالمجازر الإسرائيلية، والداعمة لفلسطين.
وقد أصبحت الجامعات والمدن الأميركية الكبرى ساحات قتال للاحتجاجات، حيث يدين الطلاب المؤيدون للفلسطينيين إسرائيل بصوت عال بسبب حملة القصف الضخمة والعشوائية التي تشنها إسرائيل على غزة.
ووضع العدوان الإسرائيلي على غزة الجامعات الخاصة في الولايات المتحدة أمام معضلة دقيقة تتمثل في تلبية مطالب داعميها الأثرياء المؤيدين لإسرائيل، والحفاظ في الوقت عينه على حق طلابها في التعبير عن آرائهم الداعمة للفلسطينيين.
وكل تلك المشاهد الداعمة فلسطين، جعلت من إدارة الرئيس جو بايدن تواجه انتقادات كبيرة من سياسيين ومشاهير ومنظمات حقوقية لإعطائها الضوء الأخضر لـ "إبادة أهالي غزة".
إذ شارك العشرات من المشاهير الأميركيين بدعم أهالي غزة، قبل أن يواجهوا إجراءات قاسية وصلت حد إلغاء عقود مع ممثلين ومشاهير من قبل شركات كبيرة.
وأمام ذلك، أشهرت إسرائيل تهمة "العداء للسامية" في وجه المشاهير والمؤثرين الذين ينددون بالمجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
حتى إن الكونغرس الأميركي، صادق بتاريخ 6 ديسمبر 2023 على مشروع قرار ينص أحد بنوده على المساواة بين "معاداة الصهيونية" و"معاداة السامية".
وتُعرف "معاداة الصهيونية" بأنها حركة معارضة لفكرة إقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية والسياسات التي تنتهجها إسرائيل في سبيل ذلك.
ومع ذلك، فإن منسوب التضامن مع الفلسطينيين داخل الولايات المتحدة آخذ بالتزايد بشكل ملحوظ، والذي أصبح يلقي بثقله على الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2024، وفتح باب الجدل الحاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذي ينتمي له بايدن.
فالحزبيون على المستوى الشعبي منقسمون، حيث أصبح الجمهوريون أكثر تعاطفا مع إسرائيل والديمقراطيون أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين.
وقد استخدم بايدن أخيرا السلطة الرئاسية لإرسال أسلحة إلى إسرائيل، حيث أثارت هذه التصرفات غضب بعض الديمقراطيين - سواء المشرعين أو الأميركيين العاديين - الذين يشعرون بالقلق إزاء الخسائر الناجمة عن ذلك في أرواح المدنيين والأزمة الإنسانية في غزة.
مشاعر مؤيدة للفلسطينيين
وأمام ذلك، باتت تشكل دعوات الشباب الأميركيين لوقف إطلاق النار تهديدا خطيرا على إعادة انتخاب بايدن في عام 2024، حيث من المرجح أن يلعب الأميركيون الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما دورا حاسما في التصويت المقبل.
ولذا ينظر المتضامنون مع غزة من الأميركيين إلى أن دعم الولايات المتحدة الثابت للحرب الإسرائيلية، يترك الباب مفتوحا لمزيد من الفظائع وانتهاكات القانون الدولي.
ولذلك كان هناك أعضاء في الكونغرس أعربوا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص، أعربت النائبة رشيدة طليب (ديمقراطية من ولاية ميشيغان) عن حزنها لخسارة أرواح إسرائيليين وفلسطينيين على حد سواء بينما دعت إلى مسار للمضي قدما يتضمن "رفع إسرائيل للحصار" وإنهاء الاحتلال، وتفكيك نظام الفصل العنصري.
وقد قوبلت دعوات "طليب" لتحقيق العدالة للفلسطينيين باتهامات شديدة بـ"معاداة السامية" من جانب زملائها.
لكن النائبة من أصل فلسطيني رشيدة طليب، قالت إن معارضة السياسات المتطرفة لحكومة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو يجب ألا تُعد "معاداة للسامية".
ومع احتدام العدوان على غزة، أصبحت وجهات نظر الشباب الأميركيين المؤيدة للفلسطينيين أكثر وضوحا.
وكانت التوترات شديدة في العديد من الجامعات، حيث يناضل الطلاب لضمان عدم مرور محنة الفلسطينيين دون أن يلاحظها أحد.
ومن خلال الوقفات الاحتجاجية والاحتجاجات وحملات وسائل التواصل الاجتماعي، يعمل الشباب الأميركي على خلق الوعي بالدمار في غزة والدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار هناك.
وقد أجرى معهد هاريس ومركز الدراسات السياسية الأميركية بجامعة هارفارد في ديسمبر 2023 استطلاعا شمل 2000 ناخب أميركي من فئات عمرية مختلفة، أظهر أن أغلبية الشباب الأميركي بين 18 و24 عاما تبنوا مواقف غير داعمة لإسرائيل، بل تكون أحيانا مناهضة لها.
وبين الاستطلاع الذي نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أن 51 بالمئة من الشباب من هذه الفئة العمرية يعتقدون أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو "إنهاء إسرائيل وتسليمها لحماس والفلسطينيين".
ويقول جوي أيوب، وهو من أصل فلسطيني لبناني ويقوم بتحرير بودكاست حول ما يجرى بفلسطين تعليقا على تنامي التأييد في الولايات المتحدة لحقوق الفلسطينيين، إن "الشباب الأميركيين هم أكثر عرضة لتصور القضية الفلسطينية كقضية مرتبطة بالنضال من أجل العدالة العرقية".
ولهذا بات ينظر إلى أن هذه الموجة الحالية من الاحتجاجات نيابة عن الفلسطينيين داخل الولايات المتحدة تمثل بعضا من أكبر الاحتجاجات حول هذه القضية في هذا البلد.
وتاريخيا، كان معظم نشاط التضامن الفلسطيني موجودا بين بعض مجتمعات الأقليات والحرم الجامعي والهامش السياسي.
ووفقا لخبراء تحدثوا إلى موقع "PBS NewsHour"، فإن تضخم الاحتجاجات هذا هو نتيجة؛ تزايد المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بين الشباب الأميركي، وتزايد عدد القتلى المدنيين في غزة بسبب الرد العسكري الإسرائيلي.
ويضيف الموقع قائلا: "يمكن أن تكون الاحتجاجات مهمة لفهم التحولات في الرأي العام أو مدى استعداد أفراد الجمهور للتعبئة من أجل قضية ما".
وفي هذه الحالة، تأتي هذه الاحتجاجات الأميركية في وقت يناقش فيه الكونغرس تمويلا بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، بما في ذلك الاستخدامات العسكرية، بالإضافة إلى 3.8 مليارات دولار من المساعدات الأميركية التي تتلقاها البلاد بالفعل سنويا، يختم الموقع.