فوز اليمين الفاشي بانتخابات البرلمان الأوروبي.. كيف يؤثر على المسلمين؟
الأحزاب الصغيرة وليست التقليدية تعالج المشاكل الأكثر أهمية بالنسبة للمسلمين
بعدما أظهرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، فوز الأحزاب الفاشية المعادية للمسلمين، بقرابة 40 بالمئة من المقاعد، تزايدت مخاوف مسلمي القارة من تصاعد الكراهية والتمييز.
جمعيات ومنظمات إسلامية أوروبية، خصوصا في فرنسا وإيطاليا وهولندا وألمانيا، تتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تقديم هذه الأحزاب اليمينية مزيدا من التشريعات والقوانين للتضييق على حريات المسلمين والمهاجرين.
خطورة الأحزاب الفائزة في الانتخابات التي جرت من 6 إلى 9 يونيو/حزيران 2024، أن ما يجمعها هو كراهيتها للعرب والمسلمين، رغم اختلافهم في قضايا أخرى مثل الوحدة الأوروبية ودعم أوكرانيا ضد روسيا.
ينظرون للمسلمين والعرب من منظور عنصري يرى أن الهوية الوطنية الأوروبية في خطر، ويجب حمايتها من الغزو الأجنبي المتمثل في أولئك المهاجرين.
أخطر الفائزين
حتى كتابة هذا التقرير، أظهرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، تصدر كتلة "حزب الشعب الأوروبي"، التي تضم مجموعة من الأحزاب اليمينية، والمتطرفة ومستقلين، نتائج الانتخابات بحصولها على 189 مقعدا من 720 إجمالي مقاعد برلمان أوروبا، بزيادة 13 مقعدا عن الانتخابات السابقة.
وجاء "التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين" من يسار الوسط في المركز الثاني بعدما حصد 135 مقعدا، وخسر 4 مقاعد عن آخر انتخابات.
بينما حلت كتلة "تجديد أوروبا"، التي تضم "حزب النهضة"، وهو حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في المركز الثالث بعدما حصلت على 79 مقعدا، وخسرت 23 مقعدا.
وحلت في المرتبة الرابعة "كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين"، التي تضم حزب "إخوة إيطاليا" الفاشي بزعامة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني المعادية للمسلمين بـ 73 مقعدا متقدمة بـ 4 مقاعد عن آخر انتخابات.
وفي فرنسا حقق اليمين المتطرف ممثلا في حزب "ماري لوبان" انتصارا غير عادي في الانتخابات الأوروبية 2024، ما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون، لحل البرلمان (الجمعية الوطنية) 9 يونيو.
حزب "لوبان" المتطرف المعروف باسم "التجمع الوطني" ويدعو لطرد المسلمين من البلاد وحظر الحجاب وفرض قوانين أكثر تشددا ضد المهاجرين، فاز بنسبة 32 بالمئة، تعادل 30 مقعدا منها 12 مقعدا جديدا.
هذا يعني أن الحزب حصل على أصوات تعادل ضعف ما حصل عليه تحالف ماكرون الوسطي، ما أغضب الأخير فتحرك لحل البرلمان الفرنسي ودعا إلى إجراء انتخابات مبكرة.
وزعمت ماريون مارشال لوبان (ابنة شقيق رئيسة الحزب) عبر إكس أن التجمع الوطني حقق نسبة تاريخية هي 40 بالمئة، وبدأت تدعو لتحالف يميني كبير لاكتساح انتخابات فرنسا البرلمانية المبكرة نهاية يونيو 2024.
ونشر صحفيون خريطة تبين كيف سيطر حزب "لوبان" على نسب التصويت في أغلب البلديات الفرنسية، وهو ما يظهر باللون البني في الخريطة.
وفي إيطاليا حصل حزب إخوة إيطاليا اليميني المتطرف بقيادة جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء على 28 بالمئة، بحصولها على 14 مقعداً إضافياً مقارنة بالولاية الماضية.
ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، تصدر الائتلاف اليميني المتكون من الاتحادين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي النتائج في ألمانيا بنسبة 30.3 بالمئة، وحصل على 28 مقعداً.
وحصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على المرتبة الثانية بنسبة 15.6 بالمئة بـ 15 مقعداً، 6 منها جديدة مقارنة بالولاية السابقة.
في حين حصل "ديمقراطية اجتماعية"، حزب المستشار الألماني أولاف شولتز على المرتبة الثالثة يليه حزب الخضر.
وبعكس التوقعات، تلقى حزب خيرت فيلدرز (من أجل الحرية) المناهض للإسلام والهجرة في هولندا، "صفعة" في انتخابات البرلمان الأوروبي.
فمن أصل 31 مقعدا مخصصا لهولندا في البرلمان الأوروبي من أصل 720، جاء حزب "فيلدز" في المرتبة الثانية بـ 6 مقاعد فقط، بعدما فاز في انتخابات البلاد وتفوق عليه حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية بـ 8 مقاعد.
وكان هذا الحزب المعادي للمسلمين، قد تصدر نتائج انتخابات هولندا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وحصل على ربع المقاعد (37) في البرلمان المؤلف من 150 مقعداً.
مع هذا أظهرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي أن اليسار – لا اليمين- لا يزال يحافظ عمليا على الأغلبية.
إذ إن ما يسمى بـ "التحالف الكبير" بين حزب الشعب الأوروبي (EPP) من يمين الوسط والاشتراكيين والديمقراطيين من يسار الوسط، ومجموعة أوروبا الجديدة الليبرالية، حصلوا على 403 مقاعد (حوالي 56 بالمئة من النسبة الكلية).
وهذه الأحزاب سبق أن تعاونت على مستوى الاتحاد الأوروبي، وبنت جدار حماية لمنع اليمين المتطرف من السيطرة السياسية على قرار القارة.
لكن صعود أحزاب اليمين المتطرف، وحصولها على مزيد من المكاسب بمثابة جرس إنذار للمسلمين، لأن غالبية الفائزين هم من كارهيهم.
وهذه النتائج تعني تزايد هيمنة اليمين الأبيض الليبرالي الاستعماري المعادي للعرب والمسلمين والداعي للصدام لا التعايش، رغم حصولهم إجمالا على المركز الثاني في الأصوات بعد الأحزاب اليسارية واليمينية التقليدية.
وسبق أن تنبأ "المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية" في تقرير نشره 23 يناير/كانون ثان 2024، أن تشهد انتخابات البرلمان لعام 2024 "فوز أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية بمزيد من الأصوات والمقاعد في جميع أنحاء الاتحاد".
وهذه المجموعة الشعبوية المتطرفة تدعمها أحزاب مثل "البديل من أجل ألمانيا" و"التجمع الوطني" الفرنسي، و"الحرية" الهولندي، و"فلامس بيلانج" البلجيكي.
كيف يتضرر المسلمون؟
تشتهر الأحزاب اليمينية في أوروبا بدون استثناء بمعاداتها للمهاجرين من جميع الجنسيات، وترهيب المسلمين، وتطالب بسن قوانين تمنع حفاظهم على هويتهم (تمسكهم الشريعة) ومنع تدفقهم على بلادهم.
لذا يخشى المسلمون أن تسعى هذه الأحزاب اليمينية، خاصة الفاشية منها، مع تزايد مقاعدها في البرلمان الأوروبي، لتغيير سياسة الاتحاد تجاه المهاجرين والمسلمين في ظل ارتفاع عددهم من الدول العربية والإسلامية إليها.
نيلز سبيرينغز، أستاذ علم الاجتماع بجامعة رادبود في هولندا، قال لموقع "هايفن" المعني بقضايا المسلمين بأوروبا في 6 يونيو 2024 إن التحالف الذي يضم المجلس الأوروبي للإصلاحيين سيشهد تحولا نحو اليمين وسياسات الهجرة ومكافحة التمييز، بعد الانتخابات.
وهو ما حذر "سبيرينغز" من أنه "قد يؤدي إلى تأثر المسلمين بقوانين أكثر صرامة حول قضايا مثل لم شمل الأسرة".
وبما أن دور البرلمان هو مراجعة التشريعات الجديدة والموافقة عليها، عادة ما يأتي بتعديلات يتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي الاتفاق عليها قبل أن تدخل اللوائح أو التوجيهات حيز التنفيذ، وفق وكالة "رويترز" البريطانية.
وتوقعت دراسة لـ "الأكاديمية الأوروبية للأديان والمجتمع" فبراير/شباط 2024 أن يواجه المسلمون في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي "زيادة محتملة في كراهية الإسلام بعد الانتخابات".
أكدت أن "انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي لعام 2024 وتقدم اليمينيين المتطرف سيؤدي لمزيد من القوانين المقيدة لحرية المسلمين، وتزايد التمييز ضدهم.
وأشارت إلى تهديد يثير القلق بشأن "تطبيع الإسلاموفوبيا" في بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي)، أي عد العداء للإسلام أمرا شبه رسمي.
موقع التلفزيون الألماني (دويتشه فيله) أكد 11 يونيو 2024 أن مكاسب اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي، تثير مخاوف المهاجرين، وخاصة المسلمين، بشأن المستقبل.
وأشار إلى مخاوفهم وقلقهم نابع من "التمييز المتزايد والسياسات التقييدية مع تحول أوروبا نحو اليمين".
"دويتشه فيله" نقل عن الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا "أيمن مزيك"، أن تصاعد حظوظ الأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات لا يمثل مشكلة لمجتمع المهاجرين والمسلمين فحسب، بل للديمقراطية ككل".
قال إن "البديل من أجل ألمانيا" المتطرف اليميني لم يعد هامشيا، بل أصبح حزبا سياسيا رئيسا، على الأقل في شرق البلاد، وهم يتخفون عقائديا.
وكانت ماريون مارشال لوبان، وهي متطرفة فازت في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، وورثت المواقف اليمينية المتشددة من خالتها مارين بنت حملتها الانتخابية على العداء للمسلمين وكتبت عدة تغريدات حول ذلك.
انتقدت "اليساريين والحثالة والإسلاميين"، ووصفت الهجرة لفرنسا بأنها تعني تحويل البلاد إلى أرض خصبة للإسلام.
وادعت أن "الإسلام هو أرض خصبة للإسلاميين، والإسلاميين هم أرض خصبة للإرهاب"، وفق زعمها.
وسبق أن قالت إنها ترى أنه يمكن للمسلمين أن يصبحوا مواطنين فرنسيين فقط في حالة اتبعوا الثقافة المسيحية، وتوقفت نساؤهم عن ارتداء الحجاب.
وتزعم "ماريون" أن "فرنسا كانت الابنة الكبرى للكنيسة، لكنها على وشك أن تصبح ابنة أخت الإسلام الصغيرة"، بسبب تزايد المسلمين ونشاطهم في البلاد.
لمن صوتوا؟
قال مسلمون في ألمانيا لموقع "هايفن" 6 يونيو 2024 إنهم يعتقدون أن الأحزاب الصغيرة تعالج المشاكل الأكثر أهمية بالنسبة لهم، لذا فهم يصوتون لها لا للأحزاب التقليدية الكبيرة.
"هايفن" أوضح أن تهديد اليمين المتطرف لم يدفع المسلمين إلى دعم أحزاب يسار الوسط والأحزاب الليبرالية التقليدية الكبيرة، وإنما دعم الأحزاب الصغيرة، بعد أن خاب أملهم في دعم السياسيين الكبار لحل مشاكلهم أو نصرة غزة.
نقل الموقع عن نيلز سبيرينغز، أستاذ علم الاجتماع بجامعة رادبود في هولندا أن هذا الدعم للأحزاب الصغيرة يعكس اتجاهًا أوسع بين المسلمين في أوروبا، خاصة في الانتخابات التي تستخدم التمثيل النسبي، مثل انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي.
وبسبب الفشل التاريخي في التعامل مع المسلمين من قبل الأحزاب الأوروبية الرئيسة، والغياب التام لأعضاء البرلمان الأوروبي المسلمين، تحول مسلمون للتصويت للأحزاب الصغيرة.
والسبب أن البرلمان الأوروبي يخصص مقاعده الـ 720 مقعدًا وفقًا لمبدأ "التناسب" مما يعني أن الجزء الصغير ينتخب أكبر عدد من الأعضاء لضمان عدد سكانها بشكل مناسب.
ويضمن هذا أن عدد أعضاء البرلمان المنتخبين من الأحزاب الصغيرة يحصلون على مقاعد، وفق موقع "إنديا إكسبريس" 11 يونيو 2024.
ويوضح موقع "هايفن"، أن الكثير من مسلمي أوروبا لا يصوتون في انتخابات البرلمان لأنه لا يُسمح لهم بذلك.
وأن "هذا التمثيل الناقص للمسلمين في الانتخابات يشكل مشكلة خطيرة ومتفاقمة في جميع أنحاء أوروبا".
أكد أن حوالي 5 بالمئة من سكان الاتحاد الأوروبي مسلمون، لكن العديد من البلدان التي تضم أكبر عدد من السكان المسلمين، مثل هولندا والنمسا والدنمارك وإسبانيا، لا تسمح بالجنسية المزدوجة للأجانب المتجنسين، ومن ثم تمنعهم من التصويت.
وقالت كورنيليا إرنست، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب "دي لينك" اليساري ورئيسة المجموعة البرلمانية الأوروبية لمكافحة العنصرية والتنوع، إن عدم قدرة العديد من المسلمين على التصويت معناه نقص مذهل في التنوع في السياسة الأوروبية.
وأشار إلى أنه "نتيجة لذلك، فإن الإسلاموفوبيا والرسائل المناهضة للمهاجرين تظهر بشكل متزايد في السياسة السائدة حاليا" وفق قولها.
على الرغم من أن هناك أكثر من 20 مليون مسلم يعيشون داخل الاتحاد الأوروبي، لا يوجد حاليًا عضو واحد في البرلمان مسلم بشكل علني، حسبما يبين تقرير لموقع "bbva open mind".
ولا يهتم الاتحاد الأوروبي رسميًا بعمل إحصائيات حول عرق أو ديانة البرلمانيين، ومع ذلك، فازت لأول مرة فرنسية من أصول فلسطينية هي ريم حسن لتصبح عضوا في البرلمان الأوروبي بمقعد ثمين وسط التصويت الكبير لليمين المتطرف في فرنسا.
ويرى خبراء في تاريخ اليمين الأوروبي المتطرف أن خطورة هؤلاء اليمينيين المتطرفين أنهم يربطون الإسلاموفوبيا بصراع الحضارات.
"جان إيف كامو"، الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية بباريس، والمتخصص في اليمين المتطرف في مؤسسة جان جوريس، أوضح لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذه الأحزاب ركزت في السابق على الموقف المناهض للهجرة، والآن تركز على صراع الحضارات.
"كامو" ذكر أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تسعى الآن إلى زيادة "الشعور بصراع الحضارات" في أوروبا والتأكيد على أمور مثل "الاحتكاكات بين الإسلام والغرب".
أضاف: "تتجلى الأمثلة على هذا التركيز على الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء القارة، حيث لوحظ وجودها في هولندا وفرنسا والسويد وألمانيا وغيرها الكثير".
وكمثال، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال حدث سياسي أقامه حزبها (إخوة إيطاليا) اليميني المتطرف في روما ديسمبر/كانون الأول 2023: "لا يوجد مكان للثقافة الإسلامية في أوروبا".
زعمت أن: "الثقافة الإسلامية لا تتوافق مع القيم الأوروبية"، و"هناك مشكلة توافق بينها وقيم وحقوق حضارتنا"، بحسب موقع “إيكونوميك تايمز”.