أموال منهوبة وإعمار ينتظر.. ماذا تبحث سوريا الجديدة مع رجال أعمال الأسد؟

"من المهم وضع حارس قضائي على هذه الشركات في هذه المرحلة"
تخوض الحكومة السورية الانتقالية مناقشات بعيدا عن الأضواء مع رجال الأعمال المرتبطين بنظام بشار الأسد لاستعادة الأموال المنهوبة من الشعب السوري وضخها في إعادة الإعمار.
إذ راكَم عدد من رجال الأعمال ثروات هائلة تصل قيمتها مليارات الدولارات بالاستفادة من التسهيلات الممنوحة من النظام البائد، أو بالتشارك معه في كثير من الأحيان على مدى عقود.
تسويات منتظرة
وعقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الثاني 2024 توارى أغلب رجال الأعمال المقربين من الأسد عن الأنظار، بينما تركت شركاتهم وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة في مصير مجهول.
ولهذا سعى بعض رجال الأعمال إلى الدخول في مفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة؛ للوصول إلى "تسوية مالية" تحول دون خسارة ثرواتهم.
إلا أن النقطة المثيرة في هذه التسويات أو المصالحات المالية هي تورط هؤلاء في إمداد آلة الأسد العسكرية منذ اندلاع الثورة مقابل إطلاق يدهم في نهب ثروات ومقدرات البلد عبر استثناءات وتسهيلات غير قانونية.
وقد فر معظم رجال الأعمال الذين ارتبطوا بعائلة بشار الأسد ليلة سقوط النظام، قبل أن يبدي بعض هؤلاء مرونة في الدخول في مفاوضات مع الحكومة السورية لتسوية وضعه قانونيا.
وبدأت الحكومة السورية الجديدة التدقيق في إمبراطوريات الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات التابعة لحلفاء الأسد.
وذلك عبر إجراء محادثات مع بعض هؤلاء الأثرياء فيما يقولون: إنها حملة لاستئصال الفساد والنشاط غير القانوني، وفق تقرير لوكالة رويترز نشرته في 13 فبراير/ شباط 2025.
ولإنهاء النظام الاقتصادي شديد المركزية والفاسد الذي هيمن عليه أتباع الأسد، شكلت السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس أحمد الشرع لجنة مكلفة بتحليل المصالح التجارية المتشعبة لكبار رجال الأعمال المرتبطين بالأسد مثل سامر فوز ومحمد حمشو. حسبما ذكرت ثلاثة مصادر لرويترز.
ووفقا لمراسلات اطلعت عليها رويترز بين مصرف سوريا المركزي والبنوك التجارية، فإن الإدارة الجديدة أصدرت أوامر بعد أيام من السيطرة على دمشق تهدف إلى تجميد الأصول والحسابات المصرفية للشركات والأفراد المرتبطين بالأسد، وشملت في وقت لاحق على وجه التحديد أولئك المدرجين على قوائم العقوبات الأميركية.

وذكر مسؤول حكومي ومصدران سوريان مطلعان على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن حمشو وفوز عادا إلى سوريا من الخارج والتقيا بشخصيات بارزة في الحكومة الجديدة بدمشق.
وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على حمشو وفوز منذ عامي 2011 و2019 على الترتيب.
وأوضحت المصادر الثلاثة أن الرجلين اللذين يثيران استهجان العديد من السوريين العاديين بسبب علاقاتهما الوثيقة مع الأسد، تعهدا بالتعاون مع جهود تقصي الحقائق التي تبذلها القيادة الجديدة.
و"سامر الفوز" يعد من الشخصيات التي أطلق بشار الأسد يدها في الاقتصاد السوري، ومنحه تسهيلات كبيرة عقب عام 2011 تمكن خلالها من تضخيم مشاريع مدرة للربح.
وفي يوليو/تموز 2018، سلطت صحيفة "الفايننشال تايمز" الأميركية الضوء على سامر الفوز بعدما اشترى حصة الأمير السعودي الوليد بن طلال في فندق "فور سيزون" بفرع العاصمة السورية دمشق، الفرع الأشهر والأكبر بين فروع الفندق الشهير على طول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وذكرت أن الفوز أحد عمالقة الأعمال، والذي طالما برع في العمل بالظل، قبل أن تتولى تقارير إعلامية أخيرا الكشف عن كونه يقف على واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية في سوريا، إمبراطورية عدت إحدى قنوات الإنعاش الرئيسة التي أسهمت في صمود النظام اقتصاديا، خاصة بعد العقوبات التي نالت عددا كبيرا من الشخصيات الداعمة له.
وتتهم الخزانة الأميركية مجموعة أمان القابضة التي يملكها فوز بالتربح عبر تغطية من سلطة الأسد المخلوع إبان السنوات السابقة، وتتنوع أعمالها بين صناعة الأدوية وتكرير السكر والتجارة والنقل.
وقد فرضت الخزانة الأميركية، على الفوز عام 2019 عقوبات شملت جميع الشركات والأصول التي يملكها، ومنها "أمان القابضة" بسبب "استغلال النظام المالي الدولي خارج سوريا" وضلوعه في دعم وتمويل نظام بشار الأسد.
وبالمثل، فإن مصالح حمشو التي تندرج تحت مجموعة حمشو الدولية واسعة النطاق، وتتراوح بين البتروكيماويات والمنتجات المعدنية إلى الإنتاج التلفزيوني.
والملياردير محمد حمشو هو نائب في البرلمان منذ عام 2012 تجمعه علاقات وثيقة مع ماهر الأسد شقيق بشار منذ عقود.
واستفاد حمشو من التسهيلات التي يقدمها له نظام الأسد في تضخيم ثروته، التي استثمرها في العديد من قطاعات الاقتصاد السوري.
ومن أبرز شركات محمد حمشو مجموعة حمشو الدولية التي تأسست عام 1989، وتعمل في مجال المقاولات والتعهدات السكنية والحكومية، وتتبع لها حوالي 20 شركة فرعية.
وحمشو اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بأنه واجهة للأسد وشقيقه ماهر، حيث كان الأخير يمسك بمفاصل اقتصادية كبيرة في البلد.
ولم يسبق الإعلان عن إنشاء اللجنة التي لا يُعرف أعضاؤها، أو المحادثات بين الحكومة السورية الجديدة واثنين من رجال الأعمال اللذين ربطتهما صلات وثيقة بحكومة الأسد ويسيطران على قطاعات كبيرة من الاقتصاد السوري.

"تفكيك منظم"
ويقول محللون ورجال أعمال سوريون: إن النهج الذي تتبعه الحكومة السورية الجديدة تجاه الشركات القوية المرتبطة بالأسد، والذي لم يتضح بالكامل بعد، سيكون أساسيا في تحديد مصير الاقتصاد في الوقت الذي تكافح فيه الإدارة لإقناع واشنطن وحلفائها برفع العقوبات.
وأكد وزير التجارة ماهر خليل الحسن ورئيس هيئة الاستثمار السورية أيمن حموية، أن الحكومة على اتصال ببعض رجال الأعمال المرتبطين بالأسد دون تحديدهم أو الخوض في تفاصيل.
وأكد خلدون الزعبي الذي تعاون مع فوز لفترة طويلة أن شريكه أجرى محادثات مع السلطات السورية لكنه لم يؤكد معلومة زيارته للبلاد.
وقال الزعبي من بهو فندق فور سيزونز في وسط دمشق والذي تملك مجموعة فوز حصة أغلبية فيه "أبلغهم فوز أنه مستعد للتعاون مع الإدارة الجديدة وتقديم كل الدعم للشعب السوري والدولة الجديدة. وهو مستعد للقيام بأي شيء يُطلب منه".
وقال المصدران السوريان: إن فوز الذي يحمل الجنسية التركية غادر دمشق بعد المحادثات.

وضمن هذه الجزئية، يؤكد لـ"الاستقلال" الباحث السوري، يونس الكريم، أن "إيقاف مثل هذه الشركات المرتبطة برجال أعمال الأسد يؤثر على حركة الاقتصاد السوري من ناحية طبيعة الخدمات الناتجة عن عقود الاحتكار في السابق والتي تزود السوق بها وهي خدمات أساسية مثل المحروقات والطحين والمواصلات وشركات الاتصالات وغيرها".
إضافة إلى "امتلاك تلك الشركات للسيولة النقدية في السوق، والتي بذات الوقت تحتكر تلك السيولة سواء من الحوالات والبنوك لما لهم من ارتباطات عبر طيف واسع من الشراكات المتداخلة والمتعلقة حتى المصانع الإنتاجية التي تنتج سلعا مهمة للشعب السوري".
وأردف الكريم: "لذلك إيقاف تلك الخدمات يجب أن يكون بشكل منظم خشية حدوث ارتدادات سلبية مباشرة على معيشة المواطن السوري وعلى الاقتصاد السوري بشكل عام".
كذلك "فإن إيقاف تلك الشركات سيخلق نوعا من البطالة في قطاعات إنتاجية كالمعامل التي يمتلكها رجال الأعمال هؤلاء بتسهيلات من النظام البائد".
ونوه الكريم إلى "امتلاك رجال الأعمال هؤلاء قنوات كثيرة تساعد الاقتصاد السوري على التهرب من العقوبات وبالتالي إيقافهم يعني ضياع تلك القنوات".
ولفت إلى أن "لهذه الشخصيات علاقات دولية وشركاء خارجيين وبالتالي إيقافهم بشكل مفاجئ قد يدفع شركاءهم للعمل ضد مصالح الشعب السوري".
"حارس قضائي"
لا شك أن سعى الإدارة السورية الجديدة إلى إجراء إصلاحات جذرية للاقتصاد المنهك في البلاد، لا يمكن أن يتم دون إعادة ضبط علاقات رجال الأعمال المرتبطين بالأسد بالاقتصاد السوري.
فمنذ تسلم بشار الأسد الحكم عام 2000 استمر على نهج والده حافظ في ربط اقتصاد سوريا بشخصيات محددة تكون العلاقة بينهم وبين بشار الأسد غير معقدة كونها تقوم على عد هؤلاء واجهة اقتصادية يؤدون أدوارهم ويتم تقاسم الأرباح معهم فقط.
ولهذا لم يكن لرجال الأعمال هؤلاء- وهم يتفاوتون من ناحية حجم قوتهم المالية- أن يغوصوا في عمق الاقتصاد السوري ويتمادوا بهذا الشكل، لولا الدعم المطلق والمفتوح من رأس النظام بشار الأسد وبتسهيلات مباشرة من أجهزة المخابرات بأدق تفاصيل مشاريعهم.
ولذلك، فقد بنى هؤلاء في سوريا شبكات ضخمة من المشاريع الرابحة واحتكروا كثيرا من الصناعات المحلية وأداروها لا بالمناقصات بل "بالتزكيات الأمنية"، والتي مكنتهم في نهاية المطاف من نسج علاقات دولية هائلة خدمة للنظام البائد ولتضخيم ثروتهم.

وأمام ذلك، فإن تفكيك مثل هذه الإمبراطويات التجارية والمالية، لا يمكن أن يتم وفق الخبراء بجرة قلم بل تقوم عبر مراحل دقيقة وقانونية.
وهذا ما ذهب إليه الكريم بقوله: "لتجاوز مشكلة مخاطر رجال الأعمال المرتبطين بنظام الأسد البائد والاستفادة منهم في العهد الجديد يمكن مراجعة الوثائق الأمنية لعلاقة هؤلاء بمخابرات الأسد التي أصبحت بحوزة الحكومة السورية الجديدة، وذلك لتسهيل عملية تفكيك هذه الإمبراطوريات بشكل آمن".
وألمح الكريم إلى أهمية "وضع حارس قضائي على هذه الشركات" في هذه المرحلة مما يعني وفق قوله:
"ضمان حقوق الشركاء الدوليين لدى هذه الشركات المرتبطة برجال أعمال مقربين من الأسد حيث يتيح ذلك استمرار عملها وبقاء دورها في تقديم خدماتها والإبقاء على القوى العاملة فضلا عن تخفيف حجم الارتداد السيئ على الاقتصاد السوري".
كذلك فإن "إبقاء رجال الأعمال هؤلاء ضمن الحجز الاحترازي أو في المنازل ومنع التحرك التام لهم أمر مهم خلال قيام الحكومة السورية الحالية بالتحقق من مصادر ثروتهم وعلاقاتهم"، وفق الكريم.
علاوة على "منع رجال الأعمال هؤلاء من استخدام نفوذهم في الضغط على الحكومة الحالية والإفلات من العدالة الانتقالية وفتح تحقيقات معهم".
ورأى الكريم أنه يمكن في هذه المرحلة "إيداع أموال رجال الأعمال المرتبطين بنظام الأسد وعليهم إشارات سوداء كوديعة في وزارة المالية، حيث يتمكن الاقتصاد السوري من استخدامها في خضم التحقق من مصادر ثروة هؤلاء وبكل الأعوام خلال حقبة نظام الأسد".
وراح يقول: "ولا بد هنا من تشكيل هيئة قضائية متخصصة في عملية محاسبة رجال الأعمال المرتبطين بالأسد والذين كانوا يديرون اقتصاد البلد، وأن تكون لهذه الهيئة صلاحية الوصول إلى المعلومات المطلوبة من قبل الأجهزة الأمنية".
فضلا "عن إعطاء الحماية للشهود من موظفين وغيرهم من المرتبطين بهم ولديهم معلومات حول طرق استغلال السلطة للكسب غير المشروع والإثراء غير الشرعي"، وفق الكريم.
المصادر
- حكومة سوريا الجديدة تستهدف رجال الأعمال الموالين للأسد
- هيئة الاستثمار السورية: العقوبات على البنوك تقوض التعافي
- هيئة الاستثمار: العقوبات تعرقل الاستثمارات في سوريا رغم الاهتمام الدولي
- الثاني خلال أسبوعين.. "مجلس الشعب" يسقط عضوية محمد حمشو بسبب الجنسية التركية
- يعملان مع سامر فوز.. محكمة أوربية توافق على رفع العقوبات عن اثنين من رجال الأعمال الموالين للأسد