قرار السعودية استثمار 5 مليارات دولار بمصر.. ما علاقته بالإمارات وتركيا؟
"السعودية تعد مصر شريكا مهما لدورها في قمع الحركات السياسية الإسلامية السنية بالمنطقة"
في 19 سبتمبر/ أيلول 2024، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن السعودية تخطط لضخ استثمارات جديدة بقيمة 5 مليارات دولار في مصر، بعيدا عن ودائعها التي تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار في البنك المركزي للبلاد.
وتفاعلا مع هذا القرار السعودي، تقول مجلة "جون أفريك" الفرنسية إن "هذا الاستثمار لا يُعزى فقط للفوائد والمكاسب الاقتصادية العائدة منه، لكنه يخدم أيضا مصالح الرياض الجيوسياسية في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة".
كما تناقش المجلة تنافس السعودية مع الإمارات في مجالات الاستثمار الإقليمي، لافتة إلى دور العلاقات المصرية المتنامية مع تركيا، وهو عامل قد يلعب دورا في التوجهات السعودية.
تفاصيل غير واضحة
تبدأ المجلة تقريرها بالإشارة إلي أن "تفاصيل الاستثمار السعودي قليلة وغير واضحة مقارنة بضخامة مبلغ الـ 5 مليارات دولار الذي قدمه صندوق الاستثمارات العامة السعودي".
وتقول إنه "في وقت تعاني فيه مصر من صعوبة الخروج من أزمتها الاقتصادية وتغرق المنطقة مرة أخرى في حالة من عدم الاستقرار المقلق، تعد هذه الخطوة السعودية قرارا إستراتيجيا من عدة جوانب".
وبالعودة إلى تاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 2024، تنقل المجلة عن بيان الحكومة المصرية تصريحها بأن "ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وجه صندوق الاستثمارات العامة، بضخ استثمارات في مصر بإجمالي خمسة مليارات دولار، كمرحلة أولى".
وجاء البيان بعد أن التقى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بولي العهد السعودي في الرياض، حيث ناقشا تعزيز العلاقات الثنائية.
وخلال اللقاء، أشاد مدبولي بالتطور الكبير الحاصل في المملكة ضمن الجهود المبذولة لتنفيذ رؤية السعودية 2030.
مثمنا ما شهدته المملكة من تطور وتنوع كبير في مجال العمران والتنمية بوجه عام.
وبحسب ما ورد عن المجلة الفرنسية، أكد مدبولي في هذا السياق "الدور البارز الذي يلعبه الأمير محمد بن سلمان في تحقيق تنمية حقيقية لصالح الشعب السعودي، فضلا عن دوره المهم في خدمة قضايا الأمة العربية".
كما شدد على أن "زيارته الحالية للمملكة والوفد الوزاري المرافق له تستهدف دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين بلدينا الشقيقين".
وأشاد بالتعاون الوثيق بين الجانبين في شتى المجالات، ومرحبا من جهة أخرى بالانتهاء من إعداد بنود اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المصرية السعودية على المستوى الفني.
وعلى جانب آخر، تشير "جون أفريك" إلى أن مدبولي أوضح أن "الحكومة المصرية نجحت في إنهاء أغلب مشكلات المستثمرين السعوديين في مصر، حيث وُجدت حلول لنحو 90 مشكلة من التحديات التي تواجه المستثمرين السعوديين، ويتبقى 14 محل نزاع فقط، وسيُعمل على حلها خلال الفترة المقبلة".
وفي هذا السياق، تلفت المجلة إلى أنه "على الرغم من عدم معرفة توقيت استثمار تلك الأموال أو كيفية استخدام مصر للعائدات، إلا أنه من المعروف أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يسعى للحصول على عوائد من جميع استثماراته الخارجية".
وبهذا الشأن، يوضح جوزيبي دينتيشي، رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز الدراسات الدولية في روما، قائلا: "استثمرت السعودية في مصر لضمان استقرار البلد الواقع في شمال إفريقيا، وكذلك لتوسيع نفوذها هناك".
وتنقل المجلة كذلك عن حسام أبو جبل، محلل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة التحليل "Dragonfly" التي تتخذ من لندن مقرا لها، قوله إن "السعودية تعد مصر منذ فترة طويلة وجهة مفضلة للاستثمارات".
كما أكد المحلل على أن "المملكة تعد مصر شريكا مهما بسبب دور الجيش المصري في قمع الحركات السياسية الإسلامية السنية في المنطقة، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين".
منافسة اقتصادية
وبالإشارة إلى أن السعودية مهتمة كذلك بالمدن الساحلية، تذكر "جون أفريك" أن المملكة تُسرع في الوقت الحالي في تطوير مشروع مدينة "نيوم" الضخم، الذي يُقدر بحوالي 500 مليار دولار على شواطئ البحر الأحمر.
وهنا، توضح أن هذا المشروع أطلقته السعودية كجزء من خطتها للتحول الاقتصادي "رؤية 2030".
ومن المخطط أن تصبح المدينة مدينة ذكية عابرة للحدود، تقع في شمال غرب المملكة على ساحل البحر الأحمر وتمتد على مساحة 26.500 كيلومتر مربع.
وبحسب المجلة، تهدف "نيوم" إلى أن تكون مركزا عالميا للتكنولوجيا والسياحة المستدامة.
وبعودة الحديث إلى اهتمام السعودية بمصر، تذكر المجلة الفرنسية أن المملكة اشترت من مصر جزر تيران وصنافير في صفقة مثيرة للجدل عام 2016.
وفي هذا الصدد، يقول جوزيبي دينتيشي: "جنوب سيناء والبحر الأحمر هما منطقتان أساسيتان في النهج الإستراتيجي للرياض من حيث السياسة الخارجية والسياسات الأمنية وسياسات التنويع".
وفي غضون ذلك، تشير المجلة إلى أن الاستثمار السعودي في مصر يتزامن مع استحواذ الإمارات، في مارس/ آذار 2024، على منتجع "رأس الحكمة" السياحي على الساحل الشمالي لمصر، مقابل 35 مليار دولار.
ورغم ذلك، يعتقد حسام أبو جبل أنه "لا توجد دلائل على أن السعودية تتنافس مع الإمارات في مصر"، بالرغم من المنافسة الاقتصادية الشرسة بين البلدين في إفريقيا.
وعلى النقيض، يرى جوزيبي دينتيشي أن "المنافسة الاقتصادية بين السعودية والإمارات هي أحد الدوافع وراء الاستثمار السعودي، خاصة في هذا الوقت، الذي تغذي فيه حالة عدم الاستقرار المنافسة بين البلدين".
دور تركيا
وعلاوة على ما ذُكر سابقا، تسلط المجلة الفرنسية الضوء على أن "العلاقات المزدهرة بين مصر وتركيا، التي كانت تحتفظ بعلاقات سيئة مع الإمارات منذ الربيع العربي في عام 2011، قد تكون عاملا آخر محتملا وراء الاستثمار السعودي الجديد".
ومن المحتمل -بحسب المجلة- أن "تسعى السعودية إلى إزاحة الإمارات كأكبر ممول لمصر".
وبهذا الشأن، يقول حسام أبو جبل: "يبدو أن هذا غير محتمل في هذه المرحلة، وأشك في أن التقارب الأخير بين مصر وأنقرة سيؤثر على علاقاتها مع دول الخليج".
وعلى جانب آخر، يرجح المحلل السياسي أن "مصر والسعودية قد تريان وجود تركيا إلى جانبهما كوسيلة للحد من تأثير الإسلام السياسي".