تزامنا مع قمة القاهرة.. لماذا تحضّر الجزائر وليبيا وتونس لاجتماع ثلاثي؟

داود علي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع توافد بعض القادة العرب إلى القاهرة، في 4 مارس/ آذار 2025، للمشاركة في القمة الطارئة بشأن قطاع غزة، كانت تجري على هامشها مباحثات جانبية بين وزراء خارجية الجزائر وتونس وليبيا، بهدف ترتيب عقد قمة ثلاثية لزعماء الدول الثلاث.

ومن المقرر أن تضم القمة الثلاثية في العاصمة الليبية طرابلس، كلا من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والتونسي قيس سعيد، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، دون تحديد موعدها.

وجاءت هذه التطورات في وقت أثارت فيه خطوة إقرار عقد قمم دورية بين الدول المغاربية الثلاث جدلا واسعا، وتباينت الرؤى حول تأويلات تلك الخطوة التي يكتنفها الغموض، من حيث التوقيت أو ترتيب الملفات.

وأيضا تدور تساؤلات حول ما إذا كان هذا التنسيق سيحل محل اتحاد المغرب العربي؟ أو أنه يأتي لترجيح كفة تلك الدول عقب الشعور بالتهميش فيما يخص ملف إعمار غزة وتطورات القضية الفلسطينية؟

وكان غياب سعيد وتبون الأكثر لفتا للانتباه، على الرغم من مشاركة وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي، والجزائري أحمد عطاف في القمة.

لكن بحسب وكالة الأنباء الجزائرية، غاب الرئيس تبون على خلفية الاختلالات والنقائص التي شابت المسار التحضيري لهذه القمة.

وقالت الوكالة: "إنه تم احتكار هذا المسار من قبل مجموعة محدودة وضيقة من الدول العربية، التي استأثرت وحدها بإعداد مخرجات القمة المرتقبة بالقاهرة، دون أدنى تنسيق مع بقية الدول العربية المعنية كلها بالقضية الفلسطينية".

وفي خضم هذا الاستياء، أكد التلفزيون الجزائري الرسمي، تخصيص اجتماع لبحث التحضيرات المتعلقة بتنظيم القمة الثلاثية بالعاصمة الليبية طرابلس.

وتابع: "جرى الاتفاق على أهم الخطوات والترتيبات الكفيلة بضمان نجاح أشغال هذا الاستحقاق الهام".

تهميش واضح

وقال الباحث في العلوم السياسية بجامعة "مرمرة" التركية، محمد قاسم، إنه "منذ سنوات طويلة تسعى دول المغرب العربي إلى تعزيز التنسيق السياسي والأمني فيما بينها".

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": "لكن في ظل تحديات إقليمية ودولية متزايدة، من بينها القضية الفلسطينية، والخلافات الثنائية، وإعادة تشكيل التحالفات المغاربية، تأتي هذه القمة، ردا على تهميش المغرب العربي الواضح، في ترتيبات إعمار غزة".

وأكمل المحلل الجزائري أنه "على الرغم من المواقف التاريخية لدول المغرب العربي الداعمة للقضية الفلسطينية، فإن دورها في ترتيبات إعمار غزة بدا محدودا وضئيلا، مقارنة بدور دول مثل مصر وقطر والإمارات والسعودية والأردن".

واستطرد: "لكن لا يمكن أن نغفل أن ذلك التهميش الواضح، كان نتيجة لغياب التنسيق المغاربي الموحد في القضايا العربية الكبرى، فضلا عن انشغال دول المنطقة بمشكلاتها الداخلية وخلافاتها البينية، مثل ما يحدث في ليبيا على سبيل المثال".

وتابع: "في هذا السياق، قد تكون القمة الثلاثية محاولة لإعادة ترتيب الأولويات المغاربية وضمان دور أكثر فاعلية في الملفات الإقليمية الحساسة، لا سيما قضية فلسطين، ذات الأولوية لشعوب المغرب العربي عموما".

ومع ذلك تأتي قمة طرابلس المقررة سلفا، كامتداد لاجتماعات سابقة، أبرزها أول قمة ثلاثية لزعماء الدول الثلاث على هامش "أعمال منتدى الدول المصدرة للغاز"، والذي انعقد في الجزائر أواخر فبراير/ شباط 2024.

وقتها بحث قادة الدول الثلاث الأوضاع في منطقة المغرب الكبير، وجرى الاتفاق على تعزيز الجهود وتوحيدها في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية المشتركة؛ تحديدا ملف الهجرة غير الشرعية.

وخلال هذه القمة الأولى، اتفق القادة على عقد لقاء مشترك كل ثلاثة أشهر، وأعقب ذلك اجتماع تأسيسي في تونس، والذي مثل القمة الثانية، خلال أبريل/ نيسان 2024.

هذه القمة أثمرت عما يعرف بـ "وثيقة قرطاج"، التي تضمنت مجموعة قرارات، بينها تشكيل فرق عمل مشتركة لتعزيز أمن الحدود، والتصدي للهجرة غير النظامية، إلى جانب إطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية مشتركة.

وكان من المقرر أن تعقد قمة "طرابلس" في يوليو/ تموز 2024، لكنها أرجئت بسبب الوضع الداخلي المتأزم في ليبيا، التي تشهد انقساما بين حكومتين.

الاتحاد المغاربي

وذكر الباحث الجزائري محمد قاسم أنه "لا يمكن فصل هذه القمة عن التوتر المستمر بين المغرب والجزائر، حيث تتبنى الأخيرة نهجا مغايرا في السياسات الإقليمية عن الرباط، خاصة فيما يتعلق بالقضية الصحراوية والتطبيع مع إسرائيل”.

ففي هذا الإطار، ينظر إلى اللقاء الثلاثي كخطوة لتعزيز محور يضم الجزائر وتونس وليبيا، في مواجهة التقارب المغربي مع دول أخرى، وهو ما قد يزيد من تعقيد الأوضاع داخل الاتحاد المغاربي.

واستطرد قاسم: "فأمام الجمود الذي يعيشه الاتحاد المغاربي، وغياب التوافق بين أعضائه، تبرز محاولات لإنشاء تحالفات بديلة أكثر انسجاما وقوة، مثل التنسيق الثلاثي بين الجزائر وليبيا وتونس".

ورأى أن هذه القمة خطوة أولى نحو صياغة تكتل مغاربي جديد، يركز على التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين الدول المتقاربة في الرؤى، وهو ما قد يعيد رسم خريطة التحالفات في شمال إفريقيا عموما.

ولفت إلى أن القمة الثلاثية هي محاولة للخروج من عزلة المغرب العربي في الملفات الإقليمية، لكن نجاحها مرهون بتجاوز الخلافات الداخلية بين دول المنطقة. 

هذه الخلافات بين دول المغرب العربي أو تحديدا بين المغرب والجزائر، دفعت لسؤال: هل هذا التكتل سيكون بديلا للاتحاد المغاربي؟ 

وفي هذا الإطار رأى موقع "بي بي سي" البريطاني في 5 مارس 2025، أن هناك محاولة لبناء تحالف إقليمي جديد، يكون بديلا لاتحاد المغرب العربي الذي يضم الجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا وموريتانيا.

وذكر أن القمة تأتي في ظل تدهور العلاقات أخيرا بين الجزائر والمغرب بسبب قضية الصحراء الغربية، وفي ظل تعطل عمل الاتحاد المغاربي الذي انعقدت آخر قمة له عام 1994 في تونس، وذلك بعد نحو خمس سنوات فقط من تأسيسه عام 1989.

لكن وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أكد خلال تصريحات له في أبريل 2024 أن قمة تونس التي جمعت الزعماء الثلاثة كانت "ناجحة"، وأنها “ليست وليدة ظروف خاصة”، كما شدد حينها، أنها "ليست بديلا عن اتحاد المغرب العربي".

وجاء ذلك على الرغم من تصريح لتبون في الشهر السابق لذلك بأن المسؤولين الثلاثة قد اتفقوا على “خلق كيان مغاربي موحد”.

رهانات القمة

وهذا يعني إطلاق منظمة إقليمية جديدة على أنقاض اتحاد المغرب العربي القديم، الذي كان يهدف إلى فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.

لكن في ظل الخلافات بين بعض دوله، يواجه الاتحاد منذ تأسيسه عقبات أمام تفعيل هياكله وتحقيق الوحدة المغاربية.

ولم تنجح محاولات إحياء اتحاد المغرب العربي بسبب الخلافات الجزائرية المغربية حول ملف الصحراء وملفات أخرى أبرزها التطبيع مع إسرائيل.

وتصاعدت الأزمة الدبلوماسية منذ قطع الجزائر علاقاتها مع الرباط صيف عام 2021، متهمة الأخيرة باقتراف "أعمال عدائية" ضدها، في سياق النزاع حول الصحراء وتطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل في مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على هذا الإقليم المتنازع عليه.

وكانت صحيفة "العرب" اللندنية، قد تحدثت خلال تقرير أصدرته في 7 مارس، أن الجزائر تسعى لجعل اللقاء الثلاثي بديلا عمليا عن اتحاد المغرب العربي.

وتابعت: "لكن هذا التكتل يعيد إنتاج أزمة الاتحاد المغاربي نفسها؛ أي تحويله إلى مناسبة لعقد اجتماعات تعتد بالاستعراض الإعلامي والسياسي دون نتائج على الأرض تستفيد منها دول المنطقة". 

وطرحت الصحيفة فرضية، أنه إذا كان اللقاء الثلاثي يسير على خطى الاتحاد المغاربي، فما الجدوى من عقد لقاءات دورية.

وتساءلت: لماذا تحرص الجزائر على عقده في وضع غير ملائم مثل الوقت الحالي الذي ينشغل فيه العرب بالملف الفلسطيني وتداعيات خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين، وفي ظل غياب أي مبادرات أو مشاريع مشتركة بين البلدان الثلاثة المكونة له؟

كما ذكر المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل، في تصريحات لموقع "الحرة" الأميركي، في 6 مارس، أن "القمة الرئاسية الثلاثية المرتقبة لن تتجاوز أبعادها الشكلية وإثبات الحضور أكثر من أي شيء آخر".

وأرجع السياسي الليبي ذلك إلى عدة أمور أهمها أن "ليبيا بأزماتها الحالية، لا تتوفر فيها صفة الشريك الإستراتيجي الذي يمكن الاعتماد عليه في الوصول إلى خطط يمكن أن تكون ثلاثية".

وتحدث لنفس الموقع الدبلوماسي التونسي السابق أحمد ونيس، الذي رأى أن رهانات القمة متعلقة بحل الأزمات الداخلية للدول الأعضاء، وضرب المثل بتونس.

وقال: "إن الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعيشه تونس يحتاج تضامنا مغاربيا واسعا يساعد هذا البلد على تجاوز صعوباته المالية في الظرف الراهن".

واختتم أن الوضع الحالي في المنطقة المغاربية، يحتم توسيع دائرة النقاش لتشمل أيضا المغرب وموريتانيا ولا تقتصر فقط على تونس وليبيا والجزائر.