مؤتمر "الليكود" الصهيوني لإعادة إنشاء المستوطنات في غزة.. ما قصته؟

داود علي | 23 days ago

12

طباعة

مشاركة

أمام صمت دولي مريب ومفضوح، عقد مئات اليمينيين الإسرائيليين، في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، مؤتمرا حول إعادة إنشاء مستوطنات في قطاع غزة.

والمؤتمر انعقد في منطقة عسكرية مغلقة قرب مستوطنة "بئيري" على تخوم الحدود مع غزة، وحضره مجموعة من الوزراء والبرلمانيين، بما في ذلك أعضاء حزب "الليكود" اليميني المتشدد، الذي يتزعمه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو.

حشد المتطرفين

ورفع المؤتمر الذي دعا له حزب “الليكود” شعار “إفراغ غزة بالكامل” من سكانها الأصليين وسيطرة إسرائيل عليها، عبر القيام بعملية إحلال وتجديد، بوضع المستوطنين المتطرفين داخل القطاع.

وتقوم الخطة على “تقديم الحل الأكثر واقعية”، بحسب المشاركين، والقائم على تهجير سكان غزة إلى دول أخرى، وعدم القبول ببقائهم في القطاع بشكل نهائي وقاطع. 

أما وزراء حكومة نتنياهو اليمنية المتطرفة، الذين شاركوا في المؤتمر، هم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الإسكان والبناء يتسحاق جولد كنوبف، ووزير الرياضة ميكي زوهر، إضافة إلى وزير السياحة حاييم كاتس.

كما شارك وزير التراث عميحاي إلياهو الذي دعا من قبل لقصف غزة بالقنابل النووية، وإبادة سكانها عن بكرة أبيهم.

وشمل المؤتمر تصريحات متعددة للمسؤولين الإسرائيليين، منهم ابن غفير، الذي قال: "الهروب يجلب الحرب، سيدي رئيس الوزراء، دور القيادة الشجاعة هو اتخاذ قرارات شجاعة.. سنقول لهم لديكم الفرصة أن تغادروا غزة الآن إلى أي بلد آخر، هذه أرض إسرائيل". 

أما سموتريتش، فقال: "غزة جزء من أرض إسرائيل، ولن يكون هناك أمن دون استيطان".

وأضاف: "من لديه عينان يدرك أنه من دون وجود مدني استيطاني لا يمكن إبقاء الجيش لفترة، لذلك يجب أن يكون في غزة وجود يهودي وإحياء الاستيطان الطلائعي القوي من جديد".

أما وزيرة المساواة الاجتماعية، ماي جولان، فقالت: “سكان غزة هؤلاء وحوش وسفاحون حاولوا قتلنا السنة الماضية، ونحن لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا بكل ما أوتينا من وسائل”.

وأكملت: “هؤلاء المستوطنون يملكون الحق لوضع الخطط والوسائل كافة على الطاولة”.

كذلك صرح عضو الكنيست، أفيخاي بوارون، في كلمته: "نريد مرة أخرى إعادة الاستيطان في غزة لجلب الأمان لسكان الجنوب، بدون الاستيطان لن يكون هناك أمان للجنوب ولا لتل أبيب".

وهو ما شددت عليه زعيمة حركة الاستيطان "نهالة"، دانييلا فايس، التي أعلنت "مؤتمر الاستيطان هذا هو بداية حقبة جديدة".

وقالت: "ستشاهدون حلمكم يتحقق بمشاهدة اليهود في غزة، جميع غزة، وسكان غزة سيختفون من غزة للأبد، سنقنع كل العالم بذلك".

واستطردت: "آمل قريبا أن تستمتعوا بالشواطئ وبحر غزة، فسكان غزة والعرب فقدوا حقهم إلى الأبد في البقاء في غزة".

700 عائلة 

وفي 22 أكتوبر 2024، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن حركة "نحالا" الاستيطانية، كانت ضمن الحركات الحاضرة لمؤتمر الاستيطان.

وأوضحت أن تلك الحركة اليمينية المتطرفة أعلنت خلال المؤتمر عن 6 مستوطنات محتملة في غزة، وأن هناك 700 عائلة من اليهود المتطرفين، وقعوا على عقود للاستيطان في القطاع.

وأوردت الصحيفة أن حركة "نحالا" تأمل البدء في بناء هذه المستوطنات خلال عام، حيث توعدت أنها ستملأ "المناطق المحررة" في غزة بالمجتمعات اليهودية.

وتتلقى "نحالا" دعما مباشرا من أعضاء الليكود في الكنيست، ويحضرون فاعليتها بشكل مستمر.

كما نالت الحركة تأييدا من نتنياهو بشكل مباشر، لتوسيع فكرة الاستيطان في الضفة الغربية إضافة إلى غزة.

فيما نددت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بـ"الصمت الدولي" المريب عن تنفيذ الاحتلال لـ"خطة الجنرالات" التي تريد العودة بغزة إلى ما قبل عام 2005، حينما كان يقطن فيها نحو 8 آلاف إسرائيلي.

وهو ما تؤكده أغلب تصريحات حزب "الليكود" الحاكم على إفراغ غزة والاستيطان فيها.

يجلب الدمار 

وحذرت العديد من الأصوات من فكرة الاستيطان في غزة، وأن لهذه الفكرة الكثير من العوائق التي تجعل تنفيذها على النحو المتخيل من قبل حزب الليكود، والجماعات الصهيونية المتطرفة “شبه مستحيلة”. 

ففي 12 سبتمبر/ أيلول 2024، كتب أستاذ البيانات والحاسوب في الجامعة العبرية، درور فيجلسون، مقالا نشره في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” حيث رد على مقولة أن الاستيطان الإسرائيلي "يحسن من الأمن"، بالقول "الاستيطان يجلب الدمار". 

وأشار إلى اعتماده على تقارير جهاز الأمن "الشاباك"، التي ذكرت أنه “لا يمر يوم دون أن توجد عمليات فدائية” ضد جيش الاحتلال في الضفة الغربية.

وعقب فيجلسون بأن تأثير المستوطنات والتوسع فيها على الأمن الإسرائيلي “يكون بشكل عكسي”.

وأضاف أن "الكفاءة العملياتية للجيش عندما يكون منشغلا بالأمن الجاري للمستوطنات تتراجع".

وقال فيجلسون إن السبب في انهيار الجيش الإسرائيلي يوم السابع من أكتوبر 2023 "يرجع إلى انتشار 30 كتيبة منه على حساب حماية حدود قطاع غزة".

وحتى من قبل عملية "طوفان الأقصى" حذر عسكريون إسرائيليون من التوسع في الاستيطان. 

ففي يونيو/ حزيران 2017 نشر الرائد المتقاعد من الاستخبارات والباحث في جامعة هارفارد، أفيشاي بن ساسون غورديس، دراسة عبر مركز “مولاد لتجديد الديمقراطية في إسرائيل”، ذكر فيها أن "المستوطنات تعمل على إطالة خط الدفاع الذي يتعين على الجيش أن ينتشر على طوله".

وأورد أن "الجيش سيكون مضطرا إلى حماية المستوطنات في قلب المناطق الفلسطينية ما يؤدي إلى تراجع قدرته على حماية المدن الإسرائيلية داخل الخط الأخضر".

كما أشار إلى أن القوات التي يجب على الجيش الاحتفاظ بها في الضفة الغربية مثلا تصل إلى نصف القوة القتالية أو ثلثيها، في حين أن 80 بالمئة منها يذهب لحماية المستوطنات والـ20 بالمئة المتبقية إلى حماية حدود الـ67.

عقبات دولية 

العقبات الأخرى التي تواجه الاحتلال في خطته الاستيطانية، وجود قوى دولية وإقليمية ترفض هذه الفكرة، حتى أوثق حلفاء إسرائيل، الولايات المتحدة، التي تضمن أمنها وتدعمها في حربها، ترفض الاستيطان.

ففي 23 أكتوبر 2024، بالتزامن مع زيارته الحالية للشرق الأوسط، أعاد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، التأكيد على موقف واشنطن الرافض للدعوات الإسرائيلية لإعادة بناء وحدات استيطانية في غزة.

وخلال كلمته في العاصمة السعودية الرياض، قال بلينكن: "نرفض ذلك تماما، كما نرفض إعادة احتلال إسرائيل لغزة".

وهو الموقف الذي تسير عليه القاهرة، التي تصدت بكل مكوناتها لمخطط تهجير الفلسطينيين نحو سيناء. 

ففي 8 أكتوبر 2023، بعد يوم من "طوفان الأقصى"، دعا المتحدث باسم جيش الاحتلال الكولونيل ريتشارد هيخت، لفتح ممرات آمنة للمدنيين في غزة نحو سيناء المصرية.

ثم جاءت الدعوة الأكثر فجاجة في 13 أكتوبر بإصدار جيش الاحتلال بيانا، يطلب فيه من جميع سكان غزة إخلاء منازلهم والتوجه جنوبا (نحو الحدود المصرية). 

لترد وزارة الخارجية المصرية برفضها الكامل تهجير أهل غزة، كموقف ثابت للقاهرة التي رأت أن فتح سيناء “بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية”، كما وصفت رئاسة النظام المصري. 

من جانبه، وصف الباحث الفلسطيني محمد حامد، فكرة تهجير الفلسطينيين واستيطان اليهود في غزة بأنه “أكثر الأفكار جنونا وفاشية في العصر الحديث”. 

وقال حامد لـ"الاستقلال" إن "العالم لم يكتف بقتل وحصار أكثر من مليوني ونصف المليون إنسان بلا مأكل أو مأوى أو علاج أو ظروف إنسانية رحيمة على مدار أكثر من عام، والآن يريدون طردهم بعد الاستيلاء على أرضهم وممتلكاتهم". 

ثم عقب: "هذا مستحيل أن يحدث لعوامل تتعلق بعقيدة وهوية الفلسطيني الذين لن يترك أرضه، وسيستمر في مقاومته ونضاله حتى تتحرر فلسطين من البحر إلى النهر، لا غزة فقط أو الضفة فقط، فنحن أبناء حرب استقلال وتحرير طويلة، وإن ما نشهده فصل من فصولها". 

وأضاف: "العامل الثاني ما يتعلق بالوضع الدولي والإقليمي، فمن سيقبل لا أقول مليونين أو مليونا، بل مئة ألف أو مئتي ألف مواطن ليستقروا في بلاده كمهاجرين، هذه أطروحة جنونية ألقاها اليهود عبر الزمن، ويريدون تنفيذها واقعا، ونقول لهم إنما هي أحلام الجراد، الذي لا أرض ولا وطن له".

مخططات قديمة 

وتعد مخططات استيطان اليهود، وتهجير الفلسطينيين تحديدا في غزة والضفة الغربية بل والمدينة القديمة بالقدس قائمة منذ أمد بعيد، ويرددها سياسيون وإعلاميون عبريون.

حتى إنه في 7 مايو/ آيار 1971، نشرت صحيفة "الدستور" الأردنية مانشيت "بدء تفريغ قطاع غزة من السكان" وتحدثت عن خطة إسرائيلية لنقل 300 ألف من سكان القطاع إلى سيناء. 

ويمثل القطاع قنبلة سكانية فلسطينية في وجه دولة الاحتلال، ومع الوقت أصبح هاجسا أمنيا وسياسيا لها، حتى إن رئيس الوزراء الأسبق، إسحق رابين، قال مقولة شهيرة: "أتمنى أن أستيقظ يوما وأجد البحر قد ابتلع غزة".

وتمثل الديمغرافيا الفلسطينية هلعا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وفي 30 أغسطس/ آب 2022، نشرت صحيفة “هآرتس” تقريرها الذي شارك فيه الباحثون جلعاد هيرشبرغ، وسيون هيرش بلر، وشاؤول اريئيلي.

وجميعهم وصفوا الزيادة السكانية الفلسطينية بـ"شيطان الديمغرافيا" الذي يهدد إسرائيل.

وقالوا إنه "في الوقت الذي غفوتم فيه قد يتحول اليهود إلى أقلية في إسرائيل (الأراضي المحتلة)". 

سر غزة 

ويعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، من أسبابه الرئيسة التفوق "الديمغرافي" الكاسح للفلسطينيين هناك. 

وفي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021، قال المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم، لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية، إن "قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون الانسحاب من قطاع غزة كان صحيحا".

وأضاف: "هناك حاليا مليونا فلسطيني وبعد سنوات يمكن أن يرتفع العدد إلى 3 أو 4 ملايين، أما الوضع بالضفة الغربية فهو مختلف فهي بنظر اليمين أرض إسرائيل ولا يمكن الاستغناء عنها".

وأشار إلى أن "اليسار والوسط الإسرائيلي يريان أن المخاوف الديمغرافية تفرض انسحابا إسرائيليا إلى حدود 1967 لكي تبقى إسرائيل دولة يهودية خالصة بها أقليات أخرى".

وأكد أن "التحدي الديمغرافي السياسي أيضا كان أحد الأمور التي أقنعت رئيس الوزراء إسحق رابين بالتوقيع على اتفاقيات أوسلو".

وكان معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب قد نشر دراسة في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قال فيها" منذ انتهاء الموجة الكبيرة من الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفيتي السابق، انخفضت نسبة اليهود في الميزان نتيجة الزيادة الطبيعية الأسرع بين السكان الفلسطينيين في إسرائيل حتى الآن".

وأتبع: "سيحدث انخفاض إضافي في نسبة اليهود في الميزان إذا ضمت إسرائيل أراضي مع سكانها الفلسطينيين".

تلك المعطيات تؤطر إلى طبيعة الأزمة الحالية التي تعيشها إسرائيل أمام صعود الديمغرافيا الفلسطينية، فهي لا تستطيع منع الزيادة السكانية للشعب الفلسطيني، ورأت في نموذج غزة الذي باتت مهددا لوجودها غير آمن لها. 

وبالتالي تسعى إلى استحضار المخطط القديم المستمر، بمحاولة تهجير قطاع من السكان الفلسطينيين إلى دول الجوار، تحديدا مصر والأردن.