معطيات جديدة.. ما علاقة عودة ترامب باستئناف مباحثات "أستانا" حول سوريا؟

9 days ago

12

طباعة

مشاركة

رغم هدوء الجبهات السورية بين قوات نظام بشار الأسد والمعارضة منذ مطلع عام 2020، إلا أن المعادلات العسكرية التي فرضت خلال عقد من الزمن ما تزال قابلة للتغيير.

وتشير التحركات العسكرية على الأرض السورية لكل الأطراف في مناطق نفوذها منذ سبتمبر/ أيلول 2024 إلى وجود مخاوف من اندلاع معارك جديدة.

وعقب إعلان فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسيات الأميركية في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، حددت وزارة خارجية كازاخستان يومي 11 و12 نوفمبر، موعدا لانعقاد مؤتمر "أستانا 22" حول سوريا في العاصمة أستانا.

"أستانا 22"

وقالت الخارجية الكازاخستانية عبر بيان في 8 نوفمبر 2024، إن “اليوم الأول من الاجتماع تتطرق للمشاورات الثنائية والثلاثية بين الوفود على أن تستمر في اليوم التالي”.

وأشارت إلى أنه "من المقرر عقد جلسة عامة ومؤتمر صحفي عقب انتهاء اليوم الثاني من المؤتمر".

و"أستانا" مسار عسكري، وله نتائج تفيد في المسار السياسي السوري، يضم الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران)، ووفدي المعارضة ونظام الأسد.

وتشارك في نسخ المسار الذي بدأت أولى جولاته في 23 و24 يناير/كانون الثاني 2017، بعض الدول العربية، بدور المراقب فقط، كالأردن ومصر والعراق ولبنان.

أما الولايات المتحدة التي كانت تحضر بصفة مراقب فقد أعلنت مقاطعة مسار "أستانا" منذ الجولة 15 والتي عُقدت في فبراير/ شباط 2021.

وقال حينها السفير الأميركي لدى كازاخستان، وليم موزير، إن بلاده لا تخطط للعودة كمراقب إلى ما يسمى بـ"صيغة أستانا" وتعد محادثات "جنيف" تحت رعاية الأمم المتحدة أفضل طريقة للحل في سوريا.

بالمقابل، فإن روسيا تتمسك بـ"أستانا" والتي حاولت في أكثر من مرة نقل محادثاتها إلى أراضيها، بهدف استمرار "الاستفراد" بالمسار العسكري السوري، والدفع نحو رؤية موسكو للحل السياسي والقائمة على إعادة تأهيل نظام الأسد دون الإطاحة به.

وكان مسار "أستانا" الأكثر تفاعلية في سوريا، خاصة حول الوجود العسكري للدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران).

إلا أن هذا المسار لم يحقق أي تقدم سياسي في سوريا، بينما مكن نظام الأسد بمساعدة روسيا وإيران من التوسع على الأرض وإعادة السيطرة على مدن جديدة حتى مارس/ آذار 2020 بأرياف دمشق وحلب وإدلب وحتى في درعا.

ورغم إفراز مسار "أستانا" في سبتمبر/أيلول 2018 مذكرة تفاهم بين تركيا وروسيا إضافية لتعزيز وقف إطلاق النار في إدلب المشمولة باتفاق مناطق خفض التصعيد بموجب اجتماعات (الدول الضامنة) في "أستانا" عام 2017، إلا أن قصف نظام الأسد وروسيا والمليشيات الإيرانية ارتكاب المجازر لم يتوقف على إدلب وريفها وريف حلب. 

وجاءت الدعوة إلى  جولة جديدة من "أستانا" بنسختها "22" في وقت يدور فيه الحديث في الشمال السوري الخارج عن سيطرة نظام الأسد عن تكثيف فصائل المعارضة في إدلب وما حولها تجهيزاتها العسكرية عند نقاط التماس مع قوات النظام السوري.

وهذه التجهيزات وفق المراقبين تعكس استعدادا قد يكون "جديا" لخوض مواجهة معقدة في مناطق تتسم بوجود كثيف لقوى مختلفة، أبرزها روسيا وإيران والمليشيات التابعة لها.

ومن غير الواضح ما إذا كانت هناك نية لدى فصائل المعارضة السورية لكسر خطوط التماس وتغيير خارطة السيطرة الثابتة منذ عام 2020 واستعادة قرى وبلدات استعادة قوات الأسد السيطرة عليها مطلع العام المذكور.

وأمام هذه التحركات العسكرية فإن كثيرا من المراقبين يتفقون على أن أي معركة جديدة على الأرض السورية في الوقت الراهن لا يمكن أن تحدث دون غطاء سياسي دولي يوازيه دعم عسكري.

فعلى سبيل المثال منذ سبتمبر 2024 كثر الحديث في الشمال السوري عن وجود تحضيرات لفصائل المعارضة لشن هجوم ضد قوات الأسد، مستفيدة من التطورات الإقليمية والخسائر التي لحقت بـ"حزب الله" في لبنان والذي قيل إنه سحب كثيرا من عناصره من سوريا لدعم جبهة لبنان.

وقد كان لافتا أنه ردا على تلك الأنباء، استقدمت قوات النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى محاور الشمال السوري استعدادا لأي مواجهة محتملة.

"دراسة المستجدات"

وعلى صعيد النفوذ الأميركي، شمال شرقي سوريا حيث توجد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تدعمها واشنطن، عادت تركيا بالتصريح رسميا عن عزمها استكمال تأمين "المنطقة الآمنة" عند حدودها الجنوبية مع سوريا.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "سنكمل في الفترة المقبلة الحلقات الناقصة للمنطقة الآمنة التي أنشأناها على طول حدودنا".

وأوضح أردوغان خلال كلمة ألقاها في فعالية بالعاصمة أنقرة في 10 نوفمبر 2024، إن "تركيا ستقطع بذلك أي اتصال بين التنظيمات الإرهابية وحدود البلاد".

وتابع: "بالتالي سنعطل إلى الأبد اللعبة المستمرة منذ 40 عاما التي يمارسها الإمبرياليون وعملاؤهم في منطقتنا، الذين يوجهون خارطة الطريق السياسية والاقتصادية لبلادنا كما يحلو لهم من خلال التنظيمات الإرهابية".

ويحمل كلام أردوغان بعدا عسكريا وتلويحا جديدا بتنفيذ العملية التي أعلن عنها في 23 مايو/ أيار 2022، بهدف استكمال "الحزام الأمني" عند حدود تركيا الجنوبية، إلا أنه جرى تأجيل تلك العملية العسكرية  ضد فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" لأسباب غير واضحة.

وتنطلق تركيا من عزمها لشن عملية عسكرية هي الثالثة ضد فروع "بي كا كا" والخامسة بسوريا، لوأد حلم تشكل كيان انفصالي على حدودها الجنوبية داخل الأراضي السورية.

إذ ما تزال سيطرة فروع "بي كاكا" على بعض المناطق بالحدود السورية التركية تعيق تلك المنطقة الآمنة، فيما تصر أنقرة على تحويل ذاك الشريط الحدودي إلى منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترا، للسوريين الفارين من بطش نظام الأسد.

ويرى بعض الخبراء العسكريين أن هناك معطيات جديدة حدثت في سوريا عقب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وانعكست على المعادلة العسكرية في هذا البلد من "ناحية إضعاف النفوذ الإيراني وتلقي ذراعه الأساسي حزب الله ضربة كبيرة".

وقال رئيس وفد المعارضة السورية إلى "أستانا" أحمد طعمة،  إن "الجولة الجديدة تأتي في ظل مستجدات أولها الحرب الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، والثاني فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة ما يعني أن لهذا تأثيرا جديدا على الملف السوري".

وأضاف خلال تصريحات تلفزيونية في 10 نوفمبر 2024، إن “ترامب صرح سابقا بسحب القوات الأميركية من شرق سوريا ولهذا وفد المعارضة سيناقش المستجدات”.

وأكد طعمة أن المعارضة "ستركز على تطبيق القرار الأممي 2254 ومدى إمكانية تغيير نظام الأسد رأيه بضوء هذه المستجدات.. فضلا عن فهم الموقف الإيراني والروسي حول حلحلة القضايا التي تخص الملف السوري الأمر الذي سيمنح المعارضة الوصول إلى قناعات جديدة من أجل تشكيل المواقف القادمة لها". 

وعُقدت في يناير 2024 أعمال الجولة الـ21 من "مسار أستانا" بشأن سوريا، بمشاركة وفود الدول الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، ووفدي النظام والمعارضة، وحضور الأردن ولبنان والعراق بصفة مراقبين، بالإضافة إلى الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

"القرار أميركي"

ولهذا يقرأ البعض أن إعادة تفعيل هذا المسار في هذا التوقيت بهدف "منع أي تصعيد قد يهدد استقرار المنطقة وحتى مسار أستانا ذاته".

ونقل موقع "نداء بوست" السوري المعارض عن مصدر خاص، قوله إن  "الجانبين التركي والروسي يدرسان في أستانا 22 الفرص الواسعة التي قد تسمح بها إدارة ترامب في المنطقة، خاصة أن الجانبين يعتقدان أنهما بانتظار تفاهمات جديدة تكون على حساب الجانب الإيراني الذي بات الطرف الأضعف على طاولة أستانا".

لكن بالمقابل، هناك من ينظر إلى أن الدول الضامنة الثلاث (روسيا تركيا إيران) لديها مخاوف من “تمرير الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب مشاريع عسكرية جديدة على الأرض السورية”.

وضمن هذا السياق، قال المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب إنه "لا توجد مؤشرات لدى الإدارة الأميركية المنتخبة بأنها بصدد حل المسألة السورية، حيث ما يتضح هو أن واشنطن تدير دفة أزمات المنطقة نحو مصالحها فقط".

وأوضح أيوب لـ"الاستقلال" أن "واشنطن لها قوة عسكرية في منطقة الـ55 السورية  (مثلث الحدود السورية–الأردنية–العراقية) ولديهم فصيل سوري محلي يعمل تحت أيديهم يسمى (جيش سوريا الحرة) ولهذا ربما يكون هناك مشروع خلال عهد ترامب يقوم على ربط منطقة الـ55 بمناطق الجزيرة على الضفة اليسرى من نهر الفرات التي تسيطر عليها مليشيات قسد".

واستدرك: "خاصة أن هذا المشروع قديم يهدف إلى إنشاء ممر بين هاتين المنطقتين أي وصل النفوذ الأميركي مع بعضه جنوب سوريا بشرقه".

وأسست حامية قاعدة التنف جنوبي سوريا عام 2016، والتي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وفرضت فيها منطقة منع صراع طولها 55 كيلومترا، وذلك كجزء من تفاهم أميركي روسي، عقب تمكن التحالف الدولي من طرد "تنظيم الدولة" من محيطها.

وتضم القاعدة الأميركية ما بين 100 و200 جندي أميركي إلى جانب أعداد محدودة من دول قوات التحالف.

واستخدمت الولايات المتحدة القاعدة كمركز تدريب عسكري لمقاتلين من المعارضة السورية على مهارات استخدام بعض الأسلحة.

وتحتفظ واشنطن في محيط القاعدة بنحو 300 مقاتل سوري معارض منذ يناير 2016، أصبحوا مدرجين تحت اسم "جيش سوريا الحرة" هناك.

ومع تقدير أن الأهداف الإستراتيجية لأميركا في سوريا "مشوشة" والدور العسكري فيها "غير واضح"، فإن الخبير العسكري أيوب لفت إلى أن "هناك خشية كذلك من إشعال عمليات اقتتال بين المعارضة والنظام أو بين النظام وهيئة تحرير الشام".

ورأى أن "الدول التي تحضر مسار أستانا هي دول هامشية بما فيها روسيا لأن القرار أميركي بشأن سوريا أو حتى تفعيل الحل السياسي وتطبيقه".

وذهب أيوب للقول إن "المنطقة تخضع لمشروع أميركي صهيوني هدفه نهب ثرواتها وإضعافها وتقسيمها عبر تأسيس كنفدراليات أو خلق دويلات جديدة أو عبر التهجير".

واستبعد أيوب أن "تقوم إدارة ترامب بتحريك المياه الراكدة في سوريا باتجاه إيجابي"، مضيفا: "بل أعتقد سيكون التحريك باتجاه الأسوأ خاصة أن هناك مشاريع قائمة في هذا البلد ومنها التغيير الديموغرافي".

يشار إلى أن تقارير صحفية أكدت حدوث توغل جديد للقوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية وقيامها بأعمال تجريف للأراضي الزراعية خلال أكتوبر 2024، الأمر الذي دفع روسيا إلى إعادة تموضع تكتيكي عبر إنشاء نقاط مراقبة عسكرية تابعة لها قرب الجولان السوري المحتل.

وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن القوات الروسية، ثبتت منذ 25 سبتمبر 2024، ثماني نقاط مراقبة على حدود الجولان السوري المحتل، لضبط التوتر على وقع التصعيد القائم بين إسرائيل وحزب الله في لبنان؛ تحسبا لاتساع المواجهات التي قد تصل إلى الجبهة السورية.