مشروع طريق التنمية بين تركيا والعراق.. يهدد مصالح إيران أم يدعمها؟
المشروع عبارة عن طريق بري وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا
يقدم مشروع طريق التنمية بين تركيا والعراق فرصا اقتصادية كبيرة لكلا البلدين وللمنطقة ككل، لكن يبقى التساؤل حاضرا عن موقف إيران وتأثيراته عليها.
والمشروع عبارة عن طريق بري وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
وفي 22 أبريل/نيسان، وقعت تركيا والعراق وقطر والإمارات في بغداد، مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع "طريق التنمية"، برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
ويرى مركز الدراسات الإيرانية “إيرام” ومقره أنقرة، أنه بالنسبة لتركيا فإن هذا المشروع لا يدعم إستراتيجيتها لتصبح مركزا للطاقة فحسب، بل يعزز أيضا دورها كلاعب رئيس في أمن الطاقة العالمي.
أما بالنسبة للعراق، فهذا يعني زخما ملحوظا في قطاعي التجارة والطاقة ودورا حاسما في جيوسياسية المنطقة، وفق ما يقول الكاتب التركي “أورال توغا”.
وأضاف: إمكانية النقل السريع التي يوفرها مشروع طريق التنمية ستؤدي إلى زيادة حجم التجارة.
فالشحنات التي تتم عبر طرق بحرية تقليدية مثل رأس الرجاء الصالح أو البحر الأحمر ستصبح أسرع وأكثر أمانا مع طريق التنمية.
وعند اكتمال المشروع سيقل الوقت اللازم لآليات الشحن الحالية بشكل كبير، وهو الأمر الذي سيوفر مزايا مهمة لتركيا والعراق.
وبالإضافة إلى ذلك، سيعزز هذا المشروع المدعوم بالاستثمارات الجديدة في السكك الحديدية والطرق البرية التركية، رابطا تجاريا وطاقيا مهما بين أوروبا وآسيا، وفي الوقت نفسه سيجعل من العراق مركز جذب جديد للاستثمارات القادمة من آسيا والمحيط الهادئ.
موقف إيران
وأردف الكاتب التركي: أهمية العراق لإيران واضحة، فهناك علاقات عميقة بين البلدين لأسباب تاريخية وثقافية ودينية وسياسية واقتصادية.
بالإضافة إلى أن إيران تمتلك تأثيرا في العراق وعلاقاتها مع الجماعات (المليشيات الشيعية المسلحة) هناك تعد على مستوى عالٍ.
لذلك قد يبدو تعزيز تركيا لنفوذها في العراق تهديدا لإيران في البداية، ولكن هناك جوانب أخرى للمسألة، وفق الكاتب.
وأوضح أنه من الضروري الإشارة إلى أن السلطات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تصدر بعد تصريحا إيجابيا أو سلبيا بشأن المشروع.
وأشار إلى أن هذا الصمت يمكن تفسيره على أنه عدم اتخاذ موقف سلبي مباشر من المشروع.
فقد أظهر المسؤولون الإيرانيون رد فعل قويا تجاه مبادرة إستراتيجية أخرى كانت قد طُرحت بعد حرب قره باغ الثانية وهي ممر زنغزور، لكن لم يُلاحظ للآن أي رد فعل ملحوظ من إيران حول مشروع طريق التنمية.
وتابع الكاتب: قد يبدو أن مشروع طريق التنمية يتجاوز إيران لكن الحقيقة ليست كذلك.
فعلى الرغم من أن بعض المحللين يعتقدون أن تركيا ستواجه إيران في العراق بسبب هذا المشروع، إلا أنه من المتوقع أن تدعمه طهران.
فمشروع طريق التنمية مهم لإيران كما هو الحال بالنسبة لتركيا والعراق، وهناك عدة أسباب لذلك، وفق الكاتب.
أولا، يحمل هذا المشروع أهمية إستراتيجية كبيرة بحيث إنه يعزز الاندماج بين الجماعات داخل العراق، مما سيقرب هذه الجماعات من بعضها البعض على أساس المصالح المتبادلة.
لذلك، يتوقع أن يسهم المشروع بشكل كبير في استعادة الاستقرار في العراق بشكل يؤدي لإزالة بعض التهديدات الأمنية لجميع دول المنطقة.
كما أن الرغبة المشتركة لكل من إيران وتركيا هي أن يصبح العراق دولة آمنة ومستقرة. وقد جرى التأكيد من قبل السلطات التركية والإيرانية على أهمية استقرار بغداد بشكل متكرر.
ولفت الكاتب إلى أنه يجب ألا ننسى أن إيران لديها ورقة رابحة مهمة في يدها وهي مضيق هرمز.
وبين أن إيران ستستقبل بترحاب تحويل مسار التجارة نحو إقليمها بعد أن كان يعبر من خلال البحر الأحمر وقناة السويس.
إذ تأثر مسار التجارة هناك بفعل تحركات الحوثيين بعد العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتابع: “ستجد إيران في ذلك فرصة للسيطرة غير المباشرة على هذا المسار التجاري بالنظر إلى نفوذها على مضيق هرمز الإستراتيجي الواقع على الطريق البحري المؤدي إلى سواحلها”.
وبالتالي، ستصبح إيران لاعبا مؤثرا على واحد من أهم طرق الطاقة والتجارة العالمية وستزيد من أهميتها الإستراتيجية.
من ناحية أخرى، يجب تذكر تصريحات قائد القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنكسيري قبل بضعة أشهر بأنهم يسيطرون على مضيق هرمز بشكل كامل، كما يجب عدم نسيان أن إيران هددت من حين لآخر بإغلاق المضيق.
المجموعات الشيعية
وأضاف الكاتب: هناك موضوع آخر مهم وهو أن مشروع طريق التنمية سيجلب الحركة إلى مدن مثل النجف وكربلاء وهي مهمة للشيعة، وسيوفر العديد من الفوائد للمجموعات الشيعية في البلاد التي لها علاقات وثيقة مع إيران.
ومن المحتمل أن معارضة إيران لمشروع سيجلب هذا القدر من الحركة والزخم الاقتصادي ستضر بعلاقاتها مع هذه المجموعات على المدى القصير أو حتى المتوسط والطويل.
من جهة أخرى، تمتلك إيران القدرة على التصدي لهذا المشروع من خلال الجماعات المتحالفة معها أو يمكنها أن تبطئ تقدمه أو حتى تعطله، وهو ما يمثل لها عنصرا آخر من عناصر النفوذ والطمأنينة.
ومع ذلك، فإن الخطوات الدبلوماسية الفعالة لتركيا والعلاقات الدبلوماسية المنسقة مع الجانب الإيراني تقلل من احتمالية حدوث مثل هذه الأنشطة في الوقت الحالي، وفق تقدير الكاتب التركي.
وبين أن إيران التي تدير مشروع طريق النقل الشمالي الجنوبي قد تعد هذا المشروع منافسا لها. وهذا سؤال آخر يتبادر إلى الذهن، ويتطلب الإجابة عليه التفكير العميق والتدعيم بالأرقام.
وبالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه وعند النظر في الأهمية الإستراتيجية المتزايدة للمنطقة مع التطور الاقتصادي، يتضح أن مشروع طريق التنمية يوفر العديد من الفوائد لإيران.
ونظرا لأن إيران تعد نفسها مرتاحة بدلا من الشعور بالتهديد من هذا المشروع، يمكن القول إنها لن ترغب في تعطيله.
إذ يعد هذا المشروع بالنسبة لإيران تكميليا بدلا من كونه بديلا لطريق النقل.
وإذا بقيت الظروف الحالية كما هي أو إذا لم يصبح مشروع طريق التنمية مادة للسياسة الداخلية في إيران، فلن يكون هناك تغيير في موقفها الحالي.