بعد عام من رحيل بريغوجين.. ماذا فعل بوتين بمرتزقة فاغنر في إفريقيا؟
"روسيا فازت بسباق التسلح الجيوسياسي في منطقة الساحل واكتسبت حلفاء ملتزمين"
بعد مرور سنة تقريبا على الإطاحة بقائدهم يفغيني بريغوجين، أدمجت روسيا مجموعة مرتزقة "فاغنر"، في وزارة الدفاع ولم تعد تنكر وجود صلات لها بالقوات الروسية العاملة في إفريقيا.
وفي تقرير سلطت فيه الضوء على وضعهم، قالت صحيفة "الدياريو" الإسبانية إنه تم الإطاحة ببريغوجين في 23 أغسطس/ آب 2023، في تحطم طائرة كان يستقلها في روسيا بعد أن قاد تمردا ضد الرئيس فلاديمير بوتين.
وفتح رحيله تساؤلات عديدة حول مستقبل هذه المجموعة المنتشرة في مناطق تملك فيها موسكو مصالح كثيرة، في مقدمتها القارة الإفريقية.
حضور لافت
تقول الصحيفة الإسبانية إنه بعد مرور سنة، يبدو أن جنود فاغنر مازالوا يعملون في العديد من البلدان الإفريقية، لكنهم يفعلون ذلك تحت قيادة واسم مختلفين.
وأشارت إلى أن مسؤولين أميركيين كبارا أكدوا في مايو/ أيار 2024، وجود قوات أمن روسية في نفس القاعدة الجوية التي توجد بها القوات الأميركية في النيجر.
وفي ذلك الوقت، نشرت قناة على تطبيق تليغرام، من المفترض أنها تحت إدارة مسؤولين من موسكو، رسالة تتضمن أغنية "وداعا أميركا" لسنة 1985، لمجموعة الروك، نوتيلوس بومبيليوس، التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
بعد أسبوعين، اتفق المسؤولون الأميركيون وزعماء النيجر على انسحاب تدريجي للقوات الأميركية من الدولة الإفريقية، وانتهى الانسحاب في يوليو/ تموز 2024.
في الواقع، لم تكن القوات الأميركية هي الوحيدة التي غادرت المنطقة، ويضاف إلى انسحابها انسحاب بعثة الاتحاد الأوروبي التدريبية في مالي، التي غادرت البلاد في الشهر نفسه ورافقها آخر بقايا الوجود الغربي في منطقة الساحل.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، غادرت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، مينوسما، وهي بعثة متعددة الجنسيات تابعة للأمم المتحدة في مالي، وغادرت معها القوات الفرنسية أيضا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الفجوة التي خلفتها أوروبا والولايات المتحدة تملأها روسيا والصين وتركيا، حلفاء الحكومات العسكرية التي تحكم مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وتعليقا على ذلك، قال إيكيميسيت إيفيونغ، رئيس الأبحاث في أس بي أم أنتيليجنس، وهي شركة استشارية مقرها في لاغوس، في نيجيريا، تدرس المخاطر الجيوسياسية: "إن روسيا قد فازت بسباق التسلح الجيوسياسي في منطقة الساحل واكتسبت حلفاء ملتزمين، رغم هشاشتهم، في المنطقة".
وفقا لإفيونغ، تنقسم غرب إفريقيا إلى قسمين: الدول الساحلية، الموالية للغرب إلى حد كبير؛ والأخرى الأكثر "ميلا إلى روسيا"، الذين لا يستطيعون الوصول إلى البحر ويحتلون شريطا يعرف باسم الساحل - وهي منطقة شاسعة معرضة للانقلابات وتمتد عبر القارة من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.
ويقول مراقبون إن موسكو تريد توسيع دائرة نفوذها عالميا، وإيجاد أسواق تصدير جديدة، والحصول على الموارد الطبيعية. وتمثل إفريقيا الفرصة المثالية لوضع هذه الرغبات على الطاولة وتجسيدها على أرض الواقع.
فيلق إفريقيا
وقالت الصحيفة الإسبانية إن روسيا توجه نفوذها الآن من خلال كيان شامل تديره وزارة الدفاع الروسية يسمى فيلق إفريقيا، ويعتقد أن اسمه مشتق من وحدة ألمانية منتشرة في شمال إفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية.
في الحقيقة، استمرت هذه العلامة التجارية في استيعاب مجموعة فاغنر، وهي المجموعة شبه العسكرية المثيرة للجدل التي قادها بريغوجين قبل تحطم الطائرة التي كان يستقلها شمال موسكو ومقتل جميع ركابها.
ونقلت الصحيفة أن بريغوجين بنى في السنوات العشر التي سبقت وفاته علاقات مع قادة دول مثل مالي وليبيا وإفريقيا الوسطى، من بين دول أخرى، وقام بنشر المرتزقة لوقف التمرد أو توفير الحماية الشخصية للقادة الأفارقة.
في المقابل، تمكنت فاغنر من الوصول إلى صفقات المناجم والبنية التحتية، فضلا عن النفوذ السياسي الذي حازته.
وكان يعد قائد أوركسترا يضم العديد من الموسيقيين: بالإضافة إلى توفير الأمن، كان لعملاء فاغنر أعمال في قطاع التعدين، وشاركوا في حملات للتدخل في الانتخابات، وفي إصدار ونشر معلومات زائفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن وجود فاغنر في إفريقيا كان له تكلفة دموية، ووفقا لمشروع بيانات الصراعات المسلحة وأحداثها، التابع لمنظمة غير حكومية، قُتل ما لا يقل عن 1800 مدني خلال عمليات المرتزقة في جميع أنحاء القارة منذ سنة 2017.
وأوردت الصحيفة أن هيكل فاغنر وعملياته دمج في فيلق إفريقيا بعد وفاة بريغوجين، كما ذهب بافيل، نجل بريغوجين، للعمل في فيلق إفريقيا.
وبعد قيادة عمليات التجنيد في ديسمبر/كانون الأول، منح مقاتلو فاغنر الاختيار بين حل المجموعة أو الانضمام إلى الكيان الجديد.
علاوة على ذلك، ومن أجل تهدئة التكهنات حول إذا ما كانت المجموعة ستستمر في الوجود، أدى مسؤولون روس كبار زيارة إلى بعض القادة الأفارقة لطمأنتهم على استمراريتها ودعمها.
رأي بوتين
وبحسب محللين، تشير الاتفاقية الجديدة إلى أن فلاديمير بوتين لا تروق له فكرة وجود قوات مرتزقة مستقلة، ولا يتسامح معها بتاتا.
وقد نفت الدولة الروسية منذ فترة طويلة وجود علاقة لها مع فاغنر، لكن ذلك تغير مع تمرد المجموعة شبه العسكرية في يونيو/ حزيران 2023 ووفاة بريغوجين اللاحقة في أغسطس.
في هذا الصدد، يقول جوزيف سيجل، مدير الأبحاث في المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية، وهو مؤسسة أكاديمية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، إن مجموعة فاغنر "تملك هامشا واسعا لانتهاك القواعد والانخراط في أنشطة مشبوهة، يمكن للروس أن ينكروها".
ويضيف "والآن أصبحت أنشطة هؤلاء المرتزقة المنتشرين في المنطقة جزءا لا يتجزأ من وزارة الدفاع الروسية، لم يعد بإمكان حكومة موسكو إنكار هذا الارتباط كما فعلت من قبل".
وبحسب أولكسندر دانيليوك، الخبير في الحرب الروسية المتعددة الأطراف والزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث دفاعي وأمني مقره في لندن، فإن "هذا التغيير ليس أكثر من مجرد عودة إلى خطة موسكو الأولية".
ويوضح دانيليوك أن "التغييرات تعني سيطرة أكبر من موسكو ومرونة أقل للمديرين المسؤولين عن (الغزو الروسي) لإفريقيا".
ووفقا للخبير، فإن فيلق إفريقيا ليس أكثر من جزء من خطة كبيرة تسمى فيلق إكسبيديشن، "مصممة ومنشأة في الأساس للعمليات ليس فقط في إفريقيا، ولكن في جميع بلدان الجنوب العالمي". ويشير: “في الواقع، هذه مجرد البداية”.
وعلى الرغم من أن موسكو تبدو كأنها تكتسب المزيد من الأرض في منطقة الساحل، إلا أن الوضع لا يزال معقدا، حيث تتنافس جهات فاعلة متعددة على النفوذ في بلدان مختلفة.
ففي أبريل/ نيسان 2024، على سبيل المثال، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس بنظيره من جمهورية إفريقيا الوسطى، فاوستين آركانج تواديرا، للمرة الثانية خلال ستة أشهر.