الإدارة الجديدة في سوريا.. لماذا قررت فرض قيود على دخول اللبنانيين؟
"تقدر الأموال التي أدخلها أتباع نظام الأسد عقب سقوطه إلى لبنان بنحو 20 مليار دولار"
تتجه الإدارة السورية الجديدة إلى إعادة تنظيم حركة العبور مع الجارة لبنان في مشهد ينهي حالة الفوضى المتواصلة منذ نظام بشار الأسد المخلوع، على مستوى الأفراد والبضائع.
وقال مسؤول أمني لبناني ومسؤول سوري في 3 يناير/كانون الثاني 2025 لوكالة رويترز إن الإدارة السورية الجديدة فرضت قيودا على عبور اللبنانيين للحدود المشتركة بين البلدين إلى سوريا.
نهاية الباب المفتوح
وأشار المسؤول الأمني اللبناني إلى أن القيود تتضمن منع اللبنانيين الذين ليس لديهم إقامة أو عائلة داخل سوريا من العبور، رغم أنه أشار إلى أنه تم إجراء بعض الاستثناءات لأولئك الذين لديهم أعمال أخرى داخل سوريا.
ووصف هذه الإجراءات بأنها "مؤقتة"، وقال إنها نتيجة نزاع بين الجانبين بشأن سوء المعاملة الواضح من جانب السلطات اللبنانية للسوريين الذين يدخلون إلى لبنان أو يغادرونه.
ومنذ اليوم الأول لسقوط الأسد تدفق لبنانيون إلى سوريا أسوة بكثير من السوريين، لا سيما أنه كان يسمح للبنانيين بدخول سوريا باستخدام جواز السفر أو الهوية، دون الحاجة إلى تأشيرة دخول.
وهناك 5 معابر بين سوريا ولبنان موزعة على طول حوالي 375 كيلومترا، وهذه المعابر هي "المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة".
بينما يمتلك حزب الله اللبناني معابر خاصة غير شرعية بين البلدين، وكان يستخدمها قبل سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2025 لنقل الأسلحة والمقاتلين بين البلدين.
كذلك هناك 74 نقطة حدودية للجيش اللبناني على الحدود بين الأراضي المتداخلة بين سوريا ولبنان.
وكان لافتا إجراء رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بعد انتشار الخبر اتصالا هاتفيا مع أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة جرى خلاله بحث العلاقات الثنائية.
وفي ختام الاتصال، وجّه الشرع دعوة لميقاتي لزيارة سوريا من أجل بحث الملفات المشتركة وتمتين العلاقات الثنائية، بحسب بيان مكتب ميقاتي.
وفي 22 ديسمبر 2024، تعهد الشرع بأن سوريا لن تمارس بعد الآن نفوذا "سلبيا" في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور، وذلك خلال استقباله وفدا برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي زار دمشق لتهنئة القيادة الجديدة بسقوط الأسد.
حسابات اقتصادية
وأثار هذا الإجراء قلقا لدى السلطات اللبنانية، ما دفع وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي للقول بأن العمل جارٍ لحل مسألة "منع" دخول اللبنانيين إلى سوريا بين الأمن العام اللبناني والجانب السوري.
وتوقيت حظر دخول المواطنين اللبنانيين إلى سوريا ما لم يكونوا حاصلين على إقامة فيها أو إذن رسمي، يبدو له مبررات وفق مراقبين، تعود في المقام الأول إلى المخاوف الأمنية، فضلا عن وجود جانب اقتصادي.
إذ يحمل هذا الإجراء نوعا من الضغط السياسي من الإدارة السورية الجديدة على لبنان الذي قد يعكس نتائج سريعة في أكثر من ملف، وأبرزها على مستوى تسليم ضباط نظام الأسد الذين فروا بأموالهم إلى لبنان، وهي أموال مختلسة من الدولة السورية.
وبحسب ما قال شاكر البرجاوي، رئيس التيار "العربي" في لبنان خلال تصريحات تلفزيونية: إن قيمة الأموال التي أدخلها أتباع نظام الأسد عقب سقوطه إلى لبنان تقدر بنحو 20 مليار دولار.
وضمن هذا السياق، يرى الأكاديمي معروف الخلف، أن فرض السلطات الجديدة في سوريا قيودا على دخول اللبنانيين يعد "إجراء تقنيا من جهة، وسياسيا من جهة ثانية، بمعنى يتعلق بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل كما تفعله لبنان مع السوريين".
وأضاف لـ"الاستقلال": "أما الجانب السياسي فيتعلق بعدم تفاعل لبنان مع الإدارة السورية الجديدة بصورة إيجابية عقب إسقاط الأسد، بل كانت بيروت باردة في المواقف؛ ولهذا جرى اتخاذ إجراء كهذا عبر الحدود".
ونوه الخلف إلى "أن إجراء الإدارة السورية الجديدة مع لبنان سيعيد رسم شروط الدخول لسوريا للأفراد والبضائع أو العلاج أو من قبل الأجانب وإلغاء حالة الدخول العبثية بما يسهم في نهاية المطاف في تحريك الاقتصاد السوري".
واستدرك "كما أن وجود تجارة مخدرات بين سوريا ولبنان بصورة كبيرة إبان النظام البائد ووجود معابر غير شرعية بين البلدين يديرها متنفذون وخارجون عن القانون يدفع الإدارة السورية الجديدة إلى إنهاء هذه الحالة التي ستمنع تهريب الأموال بشكل غير شرعي خاصة من قبل أتباع الأسد".
وأشار الخلف إلى أن "الإدارة السورية الجديدة يمكنها الاستفادة اقتصاديا حاليا من خلال ما يسمى سياحة الثورة للوافدين من الدول العربية لكي يطلعوا على سوريا بعد سقوط الأسد وللتعرف على المآسي التي خلّفها الأسد والتي تدر نقدا أجنبيا".
"عامل أمني"
ويبدو أن هذه التطورات هي أول حالة احتكاك بين الجارتين، اللتين تشتركان في تاريخ طويل من العلاقات المعقدة.
فعلى مدى ثلاثة عقود، ظلت سوريا القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في لبنان بعد تدخلها في الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
وفي نهاية المطاف، سحبت سوريا قواتها في عام 2005 تحت الضغط الدولي بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وعقب اندلاع الثورة السورية في مارس 2011 تدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات بشار الأسد المخلوع بأمر مباشر من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا عناصر لمنع سقوط الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.
وأمام ذلك، فقد لاقى القرار استحسان جزء كبير من السوريين لا سيما أن هناك من ينظر إلى الإجراءات المذكورة من الوجهة الأمنية بالدرجة الأولى.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لـ"الاستقلال" إن "وقف دخول اللبنانيين إلى سوريا هو مبدأ دولي يتم التعامل فيه بالمثل، لكن هذه الخطوة تحمل بعدا أمنيا؛ حيث تريد الإدارة الجديدة ضبط الحدود ومعرفة الداخلين والخارجين خاصة التدقيق في هوية الداخلين من الجنسية اللبنانية لا سيما من قبل عناصر حزب الله".
وأشار شعبو إلى أن "خطوة ضبط عملية الدخول من لبنان إلى سوريا تحمل أيضا بعدا اقتصاديا حيث ستستفيد سوريا من ذلك بشكل كبير ما يعني أنه لم يعد هناك حاجة لموانئ لبنان كي يتمكن نظام الأسد المخلوع من تحقيق الالتفاف على العقوبات الدولية" .
وذهب للقول: "هناك حاجة لتشغيل موارد سوريا وأيضا مطار دمشق الذي حدد موعد استقبال الرحلات الخارجية إليه بدءا من السابع من يناير 2025 ما يعني أنه أصبح هناك بدائل لمطار بيروت للقادمين سواء من السوريين أو غيرهم من الوفود العربية والأجنبية ".
وختم بالقول: "النقطة الأكثر أهمية هي العمل من الإدارة السورية الجديدة على وقف عمليات التهريب غير الشرعية عبر المعابر غير الشرعية التي تحتاج لضبطها في هذه المرحلة ضمن إطار القانون".