حرب الأيام الثلاثة بين الأمن المصري وعائلة "محسوب" في أسيوط.. ما القصة؟

إسماعيل يوسف | منذ ١١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

المعركة التي جرت أخيرا بين عائلة زعيم محلي مطلوب أمنيا، يسمي محمد محسوب إبراهيم، والشرطة، في قرية بمحافظة أسيوط جنوب مصر، أثارت تساؤلات حول حقيقة ما جرى وأسبابه وسر هذا العنف من الطرفين.

المعركة التي استمرت ثلاثة أيام بأسلحة بعضها ثقيل، شاركت فيها قوات خاصة (البلاك كوبرا) و20 تشكيلا قتاليا من الأمن المركزي، قتل فيها المتهم "محسوب" و7 من عائلته وهدمت الشرطة 3 منازل، حيث كانت الأعيرة النارية تتطاير في السماء، وتضيء عتمة الليل، وأصوات انفجارات القنابل كانت تهز الأجواء، بينما أصوات صفارات العشرات من سيارات الأمن تتوافد على المدينة.

وصفت الشرطة وصحف السلطة "محسوب" بأنه تاجر سلاح ومخدرات و"خُط الصعيد"، وهو تعبير يوصف به كبار المجرمين، وقالت إنه متهم في 1200 قضية منذ عام 2011، وهارب من أحكام قضائية.

فيما أظهر ناشطون وأهالي القرية تعاطفهم معه، مشيرين إلى فيديو بثه قبل مصرعه يشكو فيه بالتفصيل والأسماء من فساد ضباط شرطة، وتميزت خطاباته عبر وسائل التواصل بأسلوب عربي فصيح، بما يتعارض مع أسلوب البلطجية وتجار المخدرات.

ما القصة؟ ولماذا أسلحة ثقيلة وفرقة تدخّل خاصة و30 تشكيلا عسكريا؟ ولماذا هدم المنازل الثلاثة على من فيها؟ وما أسرار هذا الزعيم القبلي؟ وهل هو مجرم أم ضحية لفساد الشرطة، كما زعم هو عبر سلسلة فيديوهات بثها عبر فيس بوك؟ 

الرواية الرسمية

بعد أكثر من 60 ساعة من عمليات القصف وإطلاق النار المتواصلة، وثلاثة أيام كاملة، نجحت حملة أمنية مكبرة بمديرية أمن أسيوط، يوم 17 فبراير/شباط 2025 في القضاء على ما قالت الشرطة إنها "بؤرة إجرامية" بقرية العفادرة بمركز ساحل سليم بأسيوط.

كانت الرواية الرسمية سواء عبر وزارة الداخلية أو الصحف الحكومية والخاصة، التي لا تجرؤ على نشر شيء يختلف عن الرواية الرسمية، شبه واحدة، وتدور حول اتهام المقتول وأسرته بأنه "خط الصعيد" أي من كبار المجرمين، وتاجر سلاح ومخدرات.

تعود جذور قصة "محسوب" إلى عام 2011، في أعقاب ثورة يناير؛ "حيث استغل حالة الانفلات الأمني التي سادت البلاد في ذلك الوقت لتأسيس عصابته وفرض نفوذه على قرية العفادرة"، وفق موقع "مصراوي" الخاص 18 فبراير/شباط 2025.

 وعلى مدار السنوات، فشلت عدة محاولات أمنية للقبض عليه بسبب الطبيعة الجغرافية للقرية، التي تتميز بالمناطق الجبلية وبانتشار الزراعات الكثيفة وأشجار الفواكه، والتي استخدمها محسوب وأعوانه كمخابئ طبيعية للاختباء والفرار.

وقال مصريون من القرية إن اشتباكات وقعت بين عائلة محمد محسوب وعائلة "عليوة" على قطعة أرض مساحتها فدان، ولكن الحكومة تدخلت على إثر الاشتباكات وهاجمت محمد محسوب.

وقد استمرت الاشتباكات المسلحة بين قوات الشرطة وعناصر عائلة محسوب، لمدة ثلاثة أيام متواصلة، وانتهت بمقتله هو وعائلته؛ حيث فرضت قوات الأمن حصارا أمنيًا مشددا على القرية، وأغلقت جميع المداخل والمخارج، كما نشرت قواتها بين المزروعات وأشجار الفواكه لمنع أي محاولات هروب.

وبعد مقاومة من قبل العناصر الإجرامية، تمكنت قوات الأمن من اقتحام المنازل التي كانوا يتحصنون بها، وهدمت الأسوار الخرسانية والدشم التي استخدموها كخط دفاع أخير.

وقال مصدر أمني لصحيفة "المصري اليوم" 17 فبراير 2025: إن "قوات الأمن العام والبحث الجنائي، و30 تشكيلا من قوات الأمن المركزي، تمكنت من القضاء على البؤرة الإجرامية، وقامت بهدم المنازل الثلاثة التي كان المتهمون يتحصنون بها"، ما يشير ضمنا لاستخدام متفجرات أو قذائف أو هدمها بالمدرعات الثقيلة.

وقد تضاربت الأنباء حول عدد من قتلتهم قوات الشرطة؛ حيث ذكر بيان الداخلية 8 أفراد، وقالت صحف "خمسة من أعوانه، بينهم قاصران"، بخلاف إصابة أحد الضباط المشاركين في العملية. 

وأكد بيان وزارة الداخلية أن القتيل متهم في 44 جناية ما بين "مخدرات وقتل وسلاح وسرقة بالإكراه وحرق وإتلاف"، ومحكوم عليه بالسجن المؤبد بمدد بلغت 191 سنة.

وكذا تم الحكم على باقي أسرته العناصر بالسجن المؤبد بنفس التهم، وبلغت مدد سجن أحدهم 108 سنوات.

الجانب الآخر من القصة

مقابل الرواية التي قدمتها وزارة الداخلية المصرية، والصحف المصرية التي تتقيد برواية السلطة، تساءل مصريون: كيف لخط الصعيد الإرهابي أن يخرج في فيديو، يشتكي فساد الداخلية ويطالب الرئيس بحمايته وتسليم نفسه لكي يثبت أنه بريء ثم يتم قتله، وتستمر الداخلية في ممارسة القتل خارج القانون؟!

وكان المتهم المقتول (محسوب)، ذكر عبر فيديوهات أن ضباط شرطة فاسدين وراء الحملة ضده، ووجه نداء للسيسي للتدخل، وكان خطابه مصاغا بلغة عربية جيدة وعبارات دينية ما دعا نشطاء للتشكيك في رواية الشرطة حول أنه مسجل خطر ويتاجر في السلاح والمخدرات.

وقبل مصرعه بث "محسوب" عدة مقاطع فيديو عبر حسابه على فيس بوك، والذي يتابعه 27 ألف مصري، شاهدها 3.5 آلاف وعلق البعض بعبارات داعمة له، فيما سخر منه آخرون.

وكانت الملاحظة التي لفتت أنظار كثير من المصريين وعلقوا عليها هي أن "محسوب" حاول الظهور بصفته مظلوما وضحية لفساد ضباط شرطة في أسيوط (جنوب مصر)، ومناشدته لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بالتدخل. 

فقد قال في فيديو خطابه المطول: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين صدق الله العلي العظيم، لا يجري شيء في ملك الله إلا وقد كان، فمن رضي بقدر الله وتوكل عليه فلن يصيبه أذى ونحن توكلنا على الله فهو حسبنا ونعم الوكيل".

واتهم "رجال الداخلية الفاسدين في مركز ساحل سليم"، وخاصة الضباط مصطفى هاشم ومعاونه ومحمد السيف بأنهم "يريدون قتلنا عمدا خارج نطاق القانون"، ويستخدمون قوة الدولة للإفساد وفرض البلطجة وتحقيق مصالحهم الشخصية".

وقال: إنهم "قاموا بتلفيق 500 قضية" ضده هو وعائلته وأنه تقدم "بالكثير من الشكاوى ولا أحد يستجيب"، وهدد الضباط قائلا: "العين بالعين والسن بالسن والباغي أظلم".

وفي تعليق آخر، ألمح "محسوب" إلى أن الشرطة تستخدم "مواد سامة" قال: إنها منتشرة في الهواء، ودعا سكان قريته وكل القرى المجاورة لغلق النوافذ كي لا تضرهم هذه المواد السامة، وفق زعمه.

وقد رجح الحقوقي "هيثم أبو خليل" فرضية واحتمال أن يكون "محسوب" ضحية لفساد الداخلية في صعيد مصر، وتساءل: "لماذا في اشتباكات الداخلية مع من يقال إنهم خارجون عن القانون.. لا يوجد مصابون وكلهم يتم قتلهم؟

وعقب صدور بيان وزارة الداخلية بشأن تصفية محمد محسوب و7 آخرين في ساحل سليم بمحافظة أسيوط نشرت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" قائمة بأسماء 15 مواطنا قالت: إنه "تمت تصفيتهم خلال السنوات الماضية في مركز ساحل سليم ومراكز مجاورة".

لماذا "البلاك كوبرا"؟

قبل أن تبدأ الاشتباكات يوم 15 فبراير 2025، ترددت أنباء عن أنها بدأت بخلافات بين عائلتين "محمد محسوب إبراهيم" و"حسن عليوة"، وتبادُل لإطلاق النار بينهما.

لكن المفارقة أن الشرطة، التي قيل إنها حضرت للتفريق بين العائلتين، اتجهت لضرب عائلة محسوب بالنار، وانحازت ضمنا بجانب عائلة "عليوة" دون سبب مفهوم، وانتهي استهدافها عائلة "محسوب" بقتل 8 منهم.

وقد أكد موقع "مصراوي" قصة بدء التوتر في القرية بعد اندلاع مشاجرة بين محسوب وعائلة أخرى بسبب نزاع على شراء منزل (روايات أخرى قالت خلاف على ملكية أرض زراعية).

وذكر الموقع أن "هذه المشاجرة كانت الشرارة التي دفعت قوات الأمن إلى تنفيذ حملة أمنية مكبرة للقضاء على البؤرة الإجرامية التي طالما أرعبت الأهالي"، وفق الصحف دون تحديد سبب وقوف الأمن مع عائلة ضد أخرى.

وقد أثارت تفاصيل الرواية الرسمية تساؤلات منها: لماذا تحركت الشرطة الآن ضد هذا الشخص المطلوب منذ عام 2011 والمتهم بتهم تعادل 191 سنة سجنا؟ ولماذا وقفت بجانب عائلة متنازعة مع عائلة "خُط الصعيد" كما تم وصفه؟

وكيف نفذت الداخلية عملية المداهمة وقتل المتهمين الذين قيل إنهم كانوا مسلحين بأسلحة ثقيلة؟ وما نوع سلاح الشرطة المستخدم؟ وهل يتناسب حجم السلاح المضبوط (القليل نسبيا) مع اتهام القتيل بأنه تاجر سلاح؟

وأكدت صحف مصرية أن الشرطة استعانت بقوة خاصة تشبه التشكيلات العسكرية تسمي "الكوبرا السوداء" أو "البلاك كوبرا"، في تصفية المتهمين في قرية ساحل سليم بأسيوط.

وهي وحدة المهام الخاصة التابعة لإدارة مكافحة الأعمال الإرهابية بقطاع الأمن المركزي ويتولون تنفيذ المهام في المناطق شديدة الخطورة، وتجهيزاتهم العسكرية كبيرة، وتضم مدرعات عسكرية ومعدات شبيهة بمعدات الجيوش.

وكان لافتا، قبل هذه المواجهة بأسبوع، كان نشر وزارة الداخلية المصرية فيديو يوم 9 فبراير/شباط 2025، تحت عنوان "أمنك رسالتنا" تستعرض فيه لأول مرة قواتها على الأرض وقدراتها القتالية وظهرت فيه قوات "البلاك كوبرا" بمدرعاتها.

وجاء عرض الفيديو لقوات الشرطة الخاصة بالتزامن مع هجوم إعلامي مصري على إسرائيل واستعراضات للجيش المصري في سيناء، ليطرح تساؤلات حول علاقة الشرطة بالتوتر المصري الإسرائيلي حول قصة التهجير في غزة.

وفسر اللواء أبوبكر عبد الكريم مساعد أول وزير الداخلية لقطاعي الإعلام والعلاقات وحقوق الإنسان الأسبق، هذا الاستعراض لموقع "العربية.نت" بقوله: إن الفيديو "يحمل رسائل موجهة لأعداء الوطن تؤكد أن أمن مصر واستقرارها خط أحمر".

وقال: إن "ظهورهم بهذا الشكل في الفيديو يعكس أنهم على أتم الجاهزية والاستعداد لتنفيذ ما يتم تكليفهم به من مهام لحماية الجبهة الداخلية"، لافتا إلى "استعداد الداخلية وضباطها وجنودها للتعامل مع المواقف كافة".

وأكد "عبد الكريم" أن “تصاعد حدة الصراعات والاضطرابات على المستويين الإقليمي والدولي”، دفعت وزارة الداخلية إلى "أن تلوح بقدراتها".

و"التصدي الحاسم لجميع صور الخروج عن القانون وإجهاض المحاولات اليائسة والمستمرة للتنظيمات الإرهابية وشلّ أي تحركات لها قد يندفعون إليها لتحقيق أهداف قوى خارجية؛ انتقاما من مواقف مصر والقيادة السياسية".

ويفسر خبراء هذا الاستعراض لقوات أمنية شبه عسكرية في مصر واستخدامها لحسم مسألة "عائلة محسوب"، بأنه ينقل رسائل من السلطة لأي قوى داخلية مصرية تفكر في الخروج ضد السلطة على غرار ثورة يناير 2011.

وتشير تقديرات الخبراء أن هذا التصدي العنيف، من جانب وزارة الداخلية، لعائلة "خط الصعيد"، وتدمير 3 منازل، جاء لإظهار قوة الشرطة في مواجهة أي احتجاجات مسلحة ضد السلطة أيضا بعدما أُشيع أن هناك من يفكر في نقل تجربة سوريا لمصر.

فيما رجحت تقديرات أخرى أن يكون هذا الصراع المسلح في أسيوط، نتاج تراجع مستمر في "الأمن الجنائي" بمصر لصالح "الأمن السياسي"، لو صح أن الزعيم القبلي هو زعيم عصابة وتاجر سلاح ومخدرات وفق اتهامات الشرطة.

آر بي جي وجيرنوف!

كانت مفارقة غريبة أن تكشف صحف مصرية نقلا عن مصادر أمنية اتهامها عائلة هذا الرجل المتهم بالإجرام باستخدام أسلحة ثقيلة في صدها لهجوم الشرطة عليها مثل صواريخ "آر بي جي" ومدفع "جيرنوف" ومع هذا قتل 8 من العائلة وأصيب ضابط واحد.

وذكرت صحيفة "الشروق" الخاصة 14 فبراير/شباط 2025، أن "العناصر الإجرامية بادرت بإطلاق النيران الكثيفة تجاه قوات الشرطة مستخدمة قاذفات "آر بي جي"، وقنابل يدوية F1، وبنادق آلية، كما فجروا أسطوانات غاز لإعاقة تقدم القوات.

وقالت: إن رد القوات على مصدر النيران، دون توضيح كيفية الرد، "أسفر عن مقتل جميع العناصر الثمانية، وإصابة ضابط من قطاع الأمن المركزي، فيما ضبطت القوات كمية ضخمة من المواد المخدرة، وترسانة من الأسلحة.

وشملت الأسلحة المضبوطة: قاذف آر بي جي ورشاشا متعددا، و2 مدفع جرينوف، و73 بندقية آلية، و11 بندقية خرطوش، و62 مسدسا محلي الصنع، و8 قنابل يدوية F1، برغم اتهام "محسوب" أنه تاجر سلاح.

وأكد بيان وزارة الداخلية أن المتهمين "بادروا بإطلاق النيران تجاه القوات مستخدمين الأسلحة النارية " آر بى جى– قنابل f1 – بنادق آلية".