استعادة الجيش السوداني "الخرطوم بحري".. لماذا تعد نقطة تحول كبيرة في مسار الحرب؟

داود علي | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

في تطور مهم، استعاد الجيش السوداني السيطرة على “الخرطوم بحري”، إحدى مدن العاصمة الخرطوم الثلاث، محققا إنجازا إستراتيجيا في الحرب المتواصلة منذ أبريل/ نيسان 2023.

ويوما بعد آخر تتسع رقعة المناطق التي يستعيد الجيش السوداني السيطرة عليها من مليشيا "الدعم السريع"، ويمضي إلى تثبيت أقدامه في معظم أنحاء العاصمة الخرطوم، إضافة إلى ولايتي الجزيرة (وسط) وشمال كردفان (جنوب).

وهذه الحرب خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

وكانت مليشيا الدعم السريع تتخذ مواقع عديدة في “الخرطوم بحري” كمراكز قيادة وتنظيم، وحاليا تجد نفسها أمام واقع مغاير تماما، حيث سقطت خطوطها الدفاعية وبدأت في التراجع والانهيار.

وتتشكل العاصمة الخرطوم من مدن ثلاث، وهي الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، يسيطر الجيش على نحو 80 بالمئة منها.

فبعد الانتصارات الأخيرة، بات الجيش يسيطر على 90 بالمئة من الخرطوم بحري، ومعظم أم درمان، ونحو 60 بالمئة من الخرطوم.

تحرير “الخرطوم بحري”

منذ بداية الحرب، لم تكن الخرطوم بحري مجرد ساحة قتال عادية، بل كانت قلبا للحركة العسكرية، وبسقوطها فقد الدعم السريع أحد أهم معاقله اللوجستية وخطوط إمداده الرئيسة، مما جعله في موقف أكثر هشاشة أمام تقدم الجيش السوداني.

وفي 15 فبراير/ شباط 2025، نشر جنود بالجيش السوداني مقطع فيديو قالوا إنه من داخل مقر قوات الدعم السريع في الخرطوم بحري شمالي العاصمة، الذي كان يعرف سابقا بمقر هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة.

وشهدت العمليات العسكرية بالمنطقة مقتل العشرات من عناصر الدعم السريع، بجانب استيلاء الجيش علي عتاد حربي إثر انسحاب تلك العناصر من المنطقة، وفق بيان الناطق باسم الجيش. 

وكانت منطقة "كافوري" التي بها مقر الدعم السريع، تشكل آخر معاقلهم في الخرطوم بحري، وهي متاخمة لوسط محلية شرق النيل شرقي الخرطوم أبرز نقاط سيطرة وتمركز قوات حميدتي المتقهقرة.

وبسبب ذلك واجه الجيش السوداني صعوبات كبيرة ومعارك شرسة للسيطرة على المنطقة، خاصة مع انتشار قناصة الدعم السريع، فوق البنايات بالمنطقة.

وتعليقا على المشهد الميداني، قال مصدر عسكري سوداني، لوكالة أنباء "شينخوا" الصينية: "إن الجيش خاض معارك شرسة ومعقدة في المربعات السكنية بمنطقة كافوري".

وأضاف: "واستفادت قوات الدعم السريع من طبيعة المنطقة، وقامت بنشر قناصين في مناطق إستراتيجية، وهذا ما أعاق تقدم الجيش في البداية، لكنه نجح في النهاية في تحقيق أهدافه".

كما أفاد شهود عيان بوقوع مواجهات عنيفة، مشيرين إلى أن وحدات من الجيش تفرض طوقا لمحاصرة الدعم السريع من الجهة الجنوبية لمنطقة السوق العربي، وهي منطقة مجاورة لمقر القصر الرئاسي ومؤسسات سيادية بوسط الخرطوم تجاه بحري.

وتمت مشاهدة أرتال عسكرية تابعة للجيش تمر بطرق رئيسة، وتتجه إلى منطقة وسط العاصمة الخرطوم، بعد نجاحها في مهمة تحرير الخرطوم بحري.

ويسعى الجيش السوداني للسيطرة على أهم منطقة إستراتيجية بوسط الخرطوم، والتي تضم القصر الرئاسي والوزارات السيادية والمؤسسات الحكومية العامة.

لذلك حرر الجيش بحري، بالتوازي مع هجماته المستمرة على منطقة الباقير جنوبي الخرطوم للسيطرة على جسر سوبا، الذي يربط بين منطقتي شرق النيل والعاصمة الخرطوم.

معركة جسر سوبا

وتدور معارك طاحنة هناك حيث يحتضن الجيش جسر سوبا من الناحية الشرقية في حين تتمركز قوات الدعم السريع في الناحية الغربية. 

في حين يستقتل الجيش ويركز ضرباته بكل قوة، لإحكام السيطرة على جسر سوبا الإستراتيجي؛ لأنه يعد من أهم الجسور المؤثرة في مسار العمليات العسكرية الحالية بصفته مدخلا لجنوب الخرطوم.

ويخوض الجيش اشتباكات على الجسر بإسناد متقدم من قوات درع السودان بقيادة اللواء أبو عاقلة كيكل الذي شكل انشقاقه عن الدعم السريع، وانضمامه المفاجئ للجيش في أكتوبر  2024 دفعا كبيرا لصالح العمليات العسكرية.

حيث تمكن خلال الأيام الماضية من السيطرة على مناطق ود أبو صالح وأم ضوابان والعسيلات والعيلفون بمحلية شرق النيل التابعة لولاية الخرطوم، إضافة إلى مناطق الخرطوم بحري.

وتعني سيطرة الجيش على جسر سوبا وضع يده على أحد أهم الجسور بولاية الخرطوم مما يمكنه من تضييق الخناق على قوات الدعم السريع ومحاصرتها في رقعة جغرافية ضيقة ما بين الخرطوم والبقية من الخرطوم بحري يصعب وصول الإمدادات إليها، ويجعلها في مرمى نيران الجيش من أكثر من اتجاه. 

انهيار الدفاعات

ومع تقدم الجيش وسيطرته على معظم مدينة الخرطوم بحري، وتوسيع عملياته العسكرية جنوبي الخرطوم، وقرب انهيار دفاعات الخصوم على جسر سوبا. عمد الدعم السريع المنهزم إلى محاولة إعادة تموضع قواته بمنطقة شرق النيل.

حيث تم رصد عربات عسكرية تابعة للدعم السريع تتحرك بسرعة باتجاه شرق النيل بصورة مكثفة، حتى تضمن تقوية دفاعاتها في شرق النيل، وتحاول تقليل خسائرها والحفاظ على البقية الباقية من العاصمة التي على وشك التحرر. 

ونقل موقع "باج نيوز" المحلي المستقل، عن مصدر عسكري بالجيش السوداني، قوله: "إن الدفاعات الصلبة لمليشيا الدعم السريع في وسط الخرطوم انهارت بصورة كبيرة".

وأضاف "تحرز القوات المسلحة تقدما كبيرا بوسط الخرطوم وبحري، ومن الناحية الشرقية يتوقع أن يصل الجيش في وقت قريب إلى شرق الخرطوم عبر جسر المنشية".

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، قد أعلن خلال لقائه مع ضباط وجنود من قلب منطقة بحري العسكرية في 13 فبراير 2025، استمرار “حرب الكرامة حتى دحر التمرد”.

وتكمن أهمية الخرطوم بحري في أنها تعد مفتاح العاصمة، حيث تقع شمال الخرطوم على مساحة تبلغ 5060 كم مربع ويزيد عدد سكانها عن مليون نسمة.

وتنقسم إداريا لأكثر من أربع عشرة وحدة من أهمها وحدة بحري المدينة، وتتضمن العديد من التجمعات السكنية المميزة الأخرى، مثل وحدة بحري وسط، ووحدة بحري شمال، ووحدة ريفي بحري. 

كما تحتوي بحري أيضا على العديد من المناطق الاقتصادية والسياحية والترفيهية التي تجذب نسبة كبيرة من سكان السودان و زوارها.

كما ترتبط بالعديد من الولايات الأخرى بسبب موقعها الجغرافي، حيث يحد منطقة بحري من جهة الجنوب شاطئ النيل الأزرق، ومن جهة الشمال ولاية نهر النيل، في حين يحدها من ناحية الشرق يحدها منطقة القنطرة، ومن ناحية الغرب تقع على مجرى نهر النيل، الذي يتصل مباشرة بولايات مهمة مثل الجزيرة التي تعد الحاضرة الاقتصادية للسودان.

إضافة إلى ذلك، تعد الخرطوم بحري واحدة من أكبر المناطق الصناعية في السودان.

وهي نقطة وصل مهمة تربط العاصمة بشمال السودان عبر السكك الحديدية، وجنوبه حتى منطقة كوستي ودولة جنوب السودان بالبواخر النيلية.

نقطة تحول 

وتعليقا على المشهد، قال السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي: إن “تحرير الخرطوم بحري ليست مجرد انتصار عسكري عابر، بل نقطة تحول كبيرة في مسار الحرب”.

وأضاف لـ"الاستقلال": "الآن، الجيش السوداني يمتلك فرصة ذهبية لمواصلة التقدم واستعادة الخرطوم بالكامل، والدعم السريع في أضعف حالاتهم".

وتابع: "لكن، هل الجيش يستثمر هذا النصر بسرعة ويواصل التقدم؟ وهل سقوط الخرطوم بحري معناه انهيار التمرد نهائيا؟ الأيام القادمة ستجيب عن هذه الأسئلة، لكن الشيء الأكيد أن السودان اقترب خطوة كبيرة من استعادة أمنه واستقراره".

وعن سؤال هل تحرير الخرطوم بحري يعني نهاية الحرب في الخرطوم؟، أجاب السياسي السوداني قائلا: "الحقيقة، كلمة التحرير كبيرة جدا حاليا، لكن ليس بالضرورة أن المعركة انتهت تماما".

واستطرد: "لكن لو نظرنا للوضع الحالي، نجد أن تحرير الخرطوم بالكامل بقى أقرب من أي وقت مضى، وهذا لعدة أسباب..". 

وتابع: "الجيش يمتلك اليد العليا الآن، بعدما فقد الدعم السريع الخرطوم بحري تقريبا، والوضع أصبح في صالح الجيش، والتحرك نحو بقية المناطق بقى أسهل،

المعاقل المتبقية للدعم السريع بقيت قليلة، ومع الضغط العسكري المستمر، فإن احتمال انهيارهم في العاصمة بقي أقرب". 

وشدد عبد العاطي على أن "الحسم مسألة وقت؛ لأن السيطرة على الخرطوم بحري معناه تآكل قوة التمرد بسرعة، ولن يطول الوقت قبل عودة بقية العاصمة تحت سيطرة الدولة، وعودة عناصر الدعم السريع إلى أوكارهم التي جاءوا منها، سواء من داخل السودان أو من خارجه".