عن طريق سفيرها بواشنطن.. هكذا تخرق الإمارات الموقف العربي تجاه غزة

داود علي | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

بينما يصطف العالم العربي والإسلامي في وجه مخطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يستهدف تهجير الشعب الفلسطيني من غزة إلى مصر والأردن، فاجأ السفير الإماراتي في واشنطن يوسف مانع العتيبة، الجميع بتصريحات معاكسة تماما.

وقال العتيبة خلال افتتاحية القمة العالمية للحكومات في دبي، 11 فبراير/ شباط 2025: إنه “لا يوجد خطة بديلة لما تم طرحه بشأن القطاع الذي دمرته إسرائيل على مدار 15 شهرا من العدوان”، مبينا أن الولايات المتحدة تتبع نهجا صعبا بشأن قضية غزة.

وعندما سئل عن مقترح ترامب تحديدا، تابع "إذا كان لدى أحد اقتراح، فنحن على استعداد لمناقشته واستكشافه، لكنه لم يظهر بعد". 

ووصف العتيبة موقف بلاده قائلا: "نتمتع بالمرونة، ونعبر عن آرائنا بوضوح، نحن صريحون جدا، ولا نندم على ذلك، يستمع أصدقاؤنا إلينا في بعض الأحيان، ولا يستمعون إلينا أحيانا، نتفق على مواقف معينة في بعض الأوقات، ونختلف في بعض الحالات، سعينا دائما لإيجاد أرضية مشتركة".

وأثار حديث العتيبة الريبة لتطرقه إلى عدم وجود خطة بديلة رغم تصريحات مصرية أردنية بشأن إبطال مخطط ترامب عبر إعادة إعمار قطاع غزة وبقاء سكانه فيه.

كما لم يعلن العتيبة رفض بلاده خطة ترامب، ولم يوجه لها أي نقد، ولم يتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في أرضه، وذلك في موقف تحاول فيه الدبلوماسية العربية التوحد ضد مخططات التهجير.

تلك التصريحات أثارت تساؤلات عن موقف الإمارات من غزة؟ وهل هي متسقة مع الموقف العربي؟ أم لها مسار مختلف منذ البداية حتى اللحظة الراهنة؟

كسر الجبهة 

وتعمل الإمارات على كسر الجبهة العربية الموحدة أمام دونالد ترامب عبر اتخاذها موقفا أقل حدة تجاه خطة التهجير، وفق ما تقول صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير لها 14 فبراير 2025.

وأكدت أن الإمارات تشق الصف العربي، الذي بدا موحدا ضد طرح ترامب للتهجير القسري لمليوني فلسطيني من غزة إلى كل من مصر والأردن.

وكشف التقرير الذي أعدته مراسلة "لوموند" في بيروت، هيلين سالون، أن شكوك العتيبة تتعارض مع عزيمة الشركاء العرب في مواجهة مخطط ترامب. 

واستشهدت بالموقف الرسمي لمصر والأردن، وقالت إنهما اعتبرتا نقل الفلسطينيين قسرا من أراضيهم خطا أحمر، وذلك في خطوة مبكرة بعدما أدركتا أن اقتراح ترامب ليس مجرد هوس.

وكان ملك الأردن عبد الله الثاني أول من صعد إلى الميدان وبدا متوترا في هذا الاختبار الحساس، وأشار خلال لقائه مع ترامب في واشنطن يوم 11 فبراير إلى وجود خطة عربية بديلة.

وفسر حسين إيبيش، خبير شؤون الخليج في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، لـ "لوموند" موقف الإمارات، بأنها لا تعارض الموقف العربي.

وبين أنها تتخذ نهجا أقل حدة تجاه خطة ترامب لشعورها بأنها عالقة في اتفاق مع ترامب ونتنياهو.

لكن تقرير الصحيفة الفرنسية أشار إلى تناقضات مواقف الدولة الخليجية، وذكر أنه في إطار اتفاقيات "أبراهام" التي وقعت عام 2020، طبعت الإمارات علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي ونتنياهو، ما جعل موقفها من القضية الفلسطينية على هذا النحو. 

لكن المثير أن ترامب نفسه تفاعل مع العتيبة، وأبدى إعجابه بتصريحاته عن خطة تهجير أهل غزة، وذلك بعد أن أعاد الرئيس الأميركي، نشر تصريحاته، في صفحته الرسمية عبر منصة “تروث”.

ونشر ترامب رابطا لخبر يتضمن تصريحات العتيبة، في إشارة على ما يبدو إلى توافق الدولتين.

تضامن مع العدو

وبالعودة إلى بداية العدوان على غزة، كان موقف الإمارات بعيدا عن الإجماع العربي، ووصل في بعض الأحيان للتعاطف مع إسرائيل.

ففي 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبينما كان الطيران الإسرائيلي يقصف الأحياء المدنية في غزة، قالت وزارة الخارجية الإماراتية: إن "الهجمات التي تشنها حركة حماس ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من القطاع، تشكل تصعيدا خطيرا وجسيما".

وأعرب البيان الإماراتي عن التعازي لأسر “الضحايا”، وأكد على ضرورة أن ينعم المدنيون بالحماية الكاملة بموجب القانون الإنساني الدولي، وضرورة ألا يكونوا هدفا للصراع. 

كما أعلن يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، وزعيم المعارضة الحالي، عن مكالمة هاتفية دارت بينه وبين وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد. 

وأوضح لابيد أن ابن زايد أعرب عن تضامنه الكامل مع إسرائيل ضد ما تعرضت له من اعتداء، على حد تعبيره. 

واستمرت مسيرة التقارب الإماراتي الإسرائيلي على أكثر من صعيد في ظل الأحداث المتفاقمة حينها. 

ففي 10 أكتوبر 2023 رفض وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، فكرة أن يؤثر الهجوم الإسرائيلي على غزة في العلاقات التجارية بين أبوظبي وتل أبيب. 

وقال وقتها للصحفيين خلال مؤتمر في دبي: "نحن لا نخلط بين التجارة والسياسة".

ووقعت الإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع إسرائيل، دخلت حيز التنفيذ في مارس/ آذار 2023، ليصبح أول اتفاق للتجارة الحرة بين تل أبيب ودولة عربية.

قاعدة الظفرة 

وتزامن اللغط حول موقف الإمارات البعيد عن الإجماع العربي، مع تسريبات عن وصول سرب جوي إلى قاعدة الظفرة بالإمارات.

وجاء هذا السرب من طائرات A-10 لـ"دعم إسرائيل في حربها وردع أي هجمات عليها"، بحسب ما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال الأميركية" في 12 أكتوبر.

وهو الأمر الذي أحرج النظام الإماراتي خاصة أن الغضب العربي كان في عنفوانه مع انتشار صور الخراب والدمار الذي حل بغزة جراء عدوان الاحتلال. 

ونفت الوزارة ذلك واكتفت بالتأكيد عبر حسابها في موقع "إكس"، أن "وجود هذه الطائرات الأميركية في قاعدة الظفرة يجرى وفق جداول زمنية محددة مسبقا منذ عدة شهور".

واستقبل المتابعون النفي الإماراتي بشيء من "الريبة" نظرا لأن الولايات المتحدة بدأت في تدشين جسر جوي لحماية إسرائيل، مع إعلان وصول حاملة طائرات أميركية إلى مياه البحر الأبيض المتوسط.

وبالتزامن أعلنت الحكومة البريطانية بحسب صحيفة "التايمز" أن لندن سترسل سفينتين تابعتين للبحرية الملكية إلى المتوسط لدعم تل أبيب.

وهو ما عضد تقديرات بأن استخدام قاعدة الظفرة الإماراتية يأتي ضمن تحركات غربية واسعة بإرسال معدات عسكرية إلى الشرق الأوسط، دعما لجيش الاحتلال في حربه على المدنيين في غزة المحاصرة. 

تحذير سوريا

وتجاوز الدور الإماراتي موقعه إلى فكرة أن أصبح لاعبا يرتب الأوراق الإقليمية، لتعضيد مصالح إسرائيل في المنطقة، وإيقاف أي جبهات محتملة قد تعكر مخططها أو تكبح جماح عدوانها على غزة.

وفي 9 أكتوبر 2023، كشف موقع "أكسيوس" الأميركي أن الإمارات وجهت تحذيرا شديدا لنظام بشار الأسد آنذاك، في سوريا من التدخل في الحرب بين حماس وإسرائيل.

وزادت في التحذير بأنه يجب عدم السماح بشن هجمات على إسرائيل من الأراضي السورية.

وأوضح الموقع الأميركي أن الإماراتيين الذين أعادوا علاقتهم مع نظام الأسد (قبل أن يسقط في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024)، ودعوه لزيارة أبو ظبي، كانوا يتمتعون بنفوذ لدى الحكومة السورية أكبر من معظم الدول العربية في المنطقة.

ولفت إلى أنهم استغلوا تلك الورقة لصالح إسرائيل خلال الحرب المستمرة حاليا، التي تحشد فيها الدول العبرية كامل طاقتها على مختلف الأصعدة. 

وذكر الموقع أن المسؤولين الإماراتيين وجهوا رسائل إلى مسؤولين سوريين رفيعي المستوى بشأن عدم التعرض لإسرائيل.

ولفت إلى أنهم أطلعوا إدارة الرئيس الأميركي وقتها، جو بايدن، على اتصالاتهم مع السوريين، وأن ذلك الجانب لن يكون فيه قلاقل خلال تلك الفترة. 

مواقف الإمارات الجدلية خلال العدوان الإسرائيلي، لم تنتهِ فقط على التقاطعات الدبلوماسية والسياسية، بل امتدت إلى الرياضة.

فقد منعت الإمارات رفع علم فلسطين خلال مباراة ودية بين منتخب مصر لكرة القدم مع نظيره الزامبي على استاد هزاع بن زايد بمدينة العين الإماراتية، يوم 11 أكتوبر 2023، وذلك في غمرة العدوان الغاشم على غزة.

وقالت هدى بهاء زوجة لاعب المنتخب المصري أحمد السيد "زيزو"، في منشور عبر "إنستغرام": إن لاعبي منتخب مصر كانوا ينوون دخول المباراة الودية أمام زامبيا رافعين أعلام فلسطين، إلا أن أمن الملعب منعهم من ذلك، كما منع الجماهير أيضا من إدخال العلم الفلسطيني.

وعلقت هدى زوجة اللاعب المصري على الوضع بالقول: "ده موقف دولة الإمارات العربية المسلمة!".

تاريخ أسود

ووقعت الإمارات في 20 سبتمبر/ أيلول 2020، اتفاقية سلام مع إسرائيل برعاية أميركية، لكن تعاونها الحميم مع الاحتلال يسبق ذلك بسنوات ووصل إلى مستويات استخباراتية متقدمة. 

فلا ينسى ما فعلته الإمارات خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في حرب عام 2014. 

فعندما شن الاحتلال عدوانه على القطاع عام 2014، في العملية التي أسمتها المقاومة "العصف المأكول"، كان للإمارات حضور مختلف عبر التجسس.

فمع بداية تساقط الضحايا المدنيين بالمئات، والقصف العشوائي على الأحياء المدنية، أرسلت الإمارات وفدا من الهلال الأحمر الإماراتي مكونا من 50 طبيبا، ودخل إلى غزة بهدف إقامة مستشفى ميداني لمساعدة الضحايا. 

مكث الوفد الإماراتي أقل من يوم في غزة، ثم غادر على نحو مفاجئ من خلال معبر رفح المصري، وترك معداته كافة دون سابق إنذار.

وقتها أعلنت وسائل إعلام عربية مثل شبكة قنوات "الجزيرة" وصحيفة "القدس العربي" وغيرها عن فضيحة تسببت في مغادرة وفد الإمارات.

وهي أن الجهاز الأمني التابع لحركة حماس اكتشف أن بعض أفراد الطاقم الإماراتي يعملون لصالح الموساد الإسرائيلي.

وأن مهمتهم السرية التي جاؤوا من أجلها إلى قطاع غزة تنص على جمع معلومات استخبارية عن مواقع كتائب القسام ومنصات إطلاق الصواريخ.

وقتها اعتقلت حماس جميع أفراد الطاقم وأخضعتهم لتحقيق مطول، اعترفوا خلاله بأن عددا من الوفد يعملون كضابط كبار في جهاز الأمن التابع لأبو ظبي. 

حينها أجرت أبو ظبي اتصالات مكثفة مع قيادات حماس لاحتواء الفضيحة، عن طريق محمد دحلان مستشار ولي عهد أبوظبي وقتها والرئيس الحالي محمد بن زايد، ليجري على إثرها الإفراج عنهم وطردهم من القطاع.