سعد الحريري يعود إلى الحياة السياسية في لبنان.. لماذا الآن؟

"تيار المستقبل حاليا في حالة تأهب لتحريك عصبه استعدادا لخوض الانتخابات"
مع تغير المشهد السياسي في كل من لبنان وسوريا، قرر رئيس الحكومة اللبناني الأسبق سعد الحريري إعادة "تيار المستقبل" الذي يقوده إلى الحياة السياسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من تعليق نشاطه.
فقد عاد الحريري إلى لبنان لإحياء ذكرى اغتيال والده رفيق في 14 فبراير/شباط 2005 ببيروت، حيث أعلن أمام الآلاف من مناصريه في وسط العاصمة أن "تيار المستقبل" سيكون صوتهم في الاستحقاقات والمحطات المقبلة في البلاد.

عودة الحريري
ووعد سعد في الذكرى العشرين لاغتيال والده رفيق الحريري، التي تصادف 14 فبراير 2025 بأن "هذا التيار، تيار المستقبل.. باق هنا معكم".
وأضاف: "نحن بماذا كنا نطالب غير دولة طبيعية؟ هل تعرفون ماذا يعني ذلك؟ يعني دولة، السلاح فيها احتكار للجيش الوطني، والقوى الأمنية الشرعية، والاقتصاد فيها حر ومنتج ويوفر العمل والحياة الكريمة لكل اللبنانيين".
وعن سوريا، قال الحريري: “منذ 20 سنة في هذه الساحة طالبتم بالعدالة، وبإرادتكم طردتم نظام المجرم بشار الأسد من لبنان”.
وأردف: "بعد 20 سنة، وقبلها 30 من الحكم الطائفي والمعاناة والظلم، والقتل والاعتقال والتعذيب والوحشية، طرد الشعب السوري البطل، المجرم من سوريا. ربما هذه هي بداية العدالة".
وفي 24 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن سعد الحريري "تعليق" عمله السياسي ودعا "تيار المستقبل" إلى فعل الشيء نفسه، وعدم المشاركة في الانتخابات التشريعية، وبالفعل التزم الأخير بذلك.
وغاب سعد الحريري (54 عاما) عن المشهد السياسي في لبنان منذ ذلك الوقت وقد كانت زياراته إلى بلده نادرة جدا، حيث يقيم في دولة الإمارات كمنفى اختياري له.
إلا أنه على وقع التغيرات الداخلية والإقليمية التي أضعفت حزب الله وداعميه في لبنان، وجد الحريري الفرصة مواتية لتفعيل تياره.
لا سيما أن رئيس تيار المستقبل كان قد اتخذ خطوة تعليق عمله السياسي عام 2022 لاقتناعه بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني"، على حد وصفه.
وتزامنت عودة الحريري مع تراجع نفوذ حزب الله السياسي والعسكري في لبنان عقب المواجهة مع إسرائيل في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي تطورت لتصعيد كبير أدى لاغتيال زعيمه حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على بيروت في 27 سبتمبر/ أيلول 2024.
ويرجع تاريخ توتر علاقة سعد الحريري مع حزب الله إلى اغتيال والده رفيق، لا سيما أنه في عام 2020، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غيابيا العضو في الحزب سليم عياش، واتهمته بتنفيذ عملية الاغتيال.
كما أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 على يد قوات الثورة السورية، أضعف بشكل أكبر نفوذ حزب الله في لبنان.
ولا يزال الحريري الابن يتمتع بالأرضية الجماهيرية التي ستساعده على إعادة رسم المعالم الجديدة لـ "تيار المستقبل" الذي يحظى بتعاطف سني واسع وغير مسبوق.
ويعد الحريري الزعيم السني الأكثر نفوذا في لبنان منذ أن دخل عالم السياسة عام 2005، كونه ما يزال يمثل عباءة أبيه.
إذ كان رفيق الحريري الملياردير الذي ربطته علاقات وثيقة بدول الخليج والغرب، بمثابة مهندس إعادة الإعمار في فترة ما بعد الحرب في لبنان (1975- 1990).
لكن رغم ثبات القاعدة الشعبية الموالية لـ "سعد الحريري" في لبنان، فإن التنظيم السياسي لتيار المستقبل لم يعد كما كان في السابق بعد أن هجره الكثير من كوادره وعناصره.
ولهذا يرى كثير من المراقبين أن الحريري سيعيد الحشد السياسي لتياره من شخصيات قديمة وأخرى صاعدة وثالثة تبحث عن تحالفات جديدة بعد الهزة السياسية التي نالت حزب الله وحلفائه.

"حالة تأهب"
وقال سعد الحريري في “دردشة” مع الإعلاميين: إن الوقت اليوم ليس زمن خلافات سياسية بل إصلاحات، وإنه يعول على عهد الرئيس جوزيف عون وحكومة نواف سلام.
وأضاف الحريري في 14 فبراير 2025: "هناك فرصة ذهبية اليوم أمام لبنان كي ينهض من جديد ويحقق كل الإصلاحات المطلوبة".
وأمام الحريري متسع من الوقت لبدء الاختبار الأول لتياره عبر خوض غمار استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية (انتخابات المخاتير) في مايو/أيار 2025.
بينما سيكون استحقاق الانتخابات النيابية عام 2026، بمثابة تمهيد لعودة العمل السياسي للحريري على المستوى الشخصي بعد طول انقطاع.
وضمن هذا السياق، رأى مستشار رئيس "تيار المستقبل" النائب السابق غطاس غوري أن "كلمة سعد الحريري هي إعادة رسم خارطة طريقة لتيار المستقبل في ظل تغيرات إقليمية ودولية وتغيرات في المشهد السياسي في لبنان حيث اليوم لا وجود للنفوذ السوري والإيراني في لبنان".
وأضاف غوري في تصريحات تلفزيونية في 14 فبراير 2025 "لبنان اليوم دخل مرحلة جديدة تعيد إنتاج سلطة حرة قادرة على مواجهة الأزمات وهذا يتسق مع انتخاب رئيس جديد للبلاد وكذلك حكومة جديدة ما يعني إطلاق عملية سياسية من رأس الهرم إلى أسفله".
ونوه إلى أن "الحريري أعاد تموضع تيار المستقبل عبر التأكيد على انطلاقه من جديد بعد تعليقه للحياة السياسية لأنه لم يكن هناك إمكانية للتأثير في مسار الأمور في لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية".
ولفت إلى أن "تيار المستقبل حاليا في حالة تأهب لتحريك عصبه حيث سيعيد شعبيته في المناطق الانتخابية لمرشحيه سابقا سواء للانتخابات البلدية أو النيابية".
وألمح غوري إلى "وجود تحالفات جديدة لتيار المستقبل سيكشف عنها عند كل استحقاق انتخابي".
ورأى أن "عودة تيار المستقبل يأتي لخلق توازن سياسي في لبنان غاب في السنوات الثلاث الأخيرة كون التيار ليس طائفيا بل وطنيا أسهم في نهضة البلاد وإنتاج حلول لبنانية بالتنسيق مع القوى الأخرى".
وجاء تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام، بضغط دولي خصوصا من الولايات المتحدة والسعودية، وعلى وقع تغيّر موازين القوى في الداخل بعد نكسات مني بها حزب الله في مواجهته الأخيرة مع إسرائيل وسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.
وقد اتضح ذلك، حيث إنه للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (في عام 1990)، جرى انتخاب رئيس للبنان وهو جوزيف عون دون قدرة حزب الله على فرض رأيه في مسألة تسميته.

ترتيب علاقاته
ولعل بدء سعد الحريري بترتيب صفوف تياره من جديد في لبنان يتطلب إعادة إحياء علاقته مع السعودية، حيث شكل سحب الرياض الغطاء السياسي الداعم له خطوة نحو إضعاف حضوره.
وضمن هذا الإطار أعرب أستاذ العلوم السياسية عماد سلامة عن اعتقاده بأن السعودية "تسعى إلى قيادة سنية قوية ومنظمة، وإذا تمكن سعد الحريري من تقديم نفسه بهذه الصورة، فمن شأن عودته أن تخدم مصالحه ومصالحها".
وأضاف سلامة في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية في 14 فبراير 2025 "نظرا لقدرته غير المسبوقة على توحيد الناخبين السنة، فإنه يبقى الزعيم الوحيد الذي يستطيع تأمين كتلة برلمانية قوية" في الانتخابات المقررة عام 2026.
وكان غياب الحريري عن الانتخابات النيابية عام 2022، قد أحدث فجوة كبيرة، إذ لم تتشكل كتلة سنية وازنة تكون فاعلة في المشهد اللبناني كما كان في الدورات البرلمانية السابقة حينما كان تيار المستقبل نشطا.
وكان توتر علاقة الحريري مع السعودية، داعمته الرئيسة والتي يحمل جنسيتها، قد شكل منعطفا في مسيرته السياسية، حيث أعلن في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 من الرياض استقالته من رئاسة الحكومة.
وعد خصومه حينها قرار استقالته "سعوديا"، قبل أن يعود إلى لبنان بعد أيام آنذاك بوساطة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويتراجع عن الخطوة.
وفي أكتوبر 2019، قدّم الحريري استقالته من رئاسة الحكومة إثر اندلاع احتجاجات شعبية طالبت برحيل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد.
وعزا البعض تراجع شعبية الحريري إلى تنازلات سياسية قدمها لحزب الله، لكنه قال لاحقا: إن هدفه كان الحفاظ على السلم الأهلي.
وجاء ابتعاده عن العمل السياسي حينها بعدما مُني بانتكاسات عديدة، ماليا وسياسيا.
وعلى وقع التغير في موازين القوى، عادت السعودية في الآونة الأخيرة إلى المشهد السياسي في لبنان، بعد انكفاء طويل اعتراضا على تحكم حزب الله في القرار اللبناني.