المشكلة الأكبر في سوريا.. كيف ستواجه الإدارة الجديدة أكبر عملية لإعادة التوطين؟

عقبات إعادة إعمار سوريا هائلة وأبرزها قضية اللاجئين
تتمثل المشكلة الأكبر أمام سوريا الجديدة خلال الوقت الراهن في كيفية إعادة توطين ملايين اللاجئين والنازحين الذين اضطروا للهروب من جحيم نظام بشار الأسد.
ورأت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية في مقال، أن الهزيمة الصادمة التي مُني بها نظام الأسد على يد فصائل الثورة بقيادة "هيئة تحرير الشام" أثارت موجة من التفاؤل داخليا وخارجيا، ومع ذلك، فإن مستقبل سوريا “يبدو على حد سكين”.
وشارك في كتابة المقال كبير مستشاري منظمة اللاجئين الدولية جيسي ماركس، وكبير مسؤولي المناصرة والاتصالات في الخوذ البيضاء (الدفاع المدني السوري)، حازم الريحاوي.

عقبات هائلة
وأشار المقال إلى أن "عقبات إعادة إعمار البلاد هائلة، وأبرزها قضية اللاجئين الذين أجبروا على مغادرة سوريا خلال عقد من الحرب".
وأضاف: "قد تصبح عودة هؤلاء اللاجئين أضخم عملية إعادة توطين في العقود الأخيرة، إذ يعيش أكثر من 6 ملايين سوري في الخارج، فيما نزح 7 ملايين داخل البلاد".
وقد عاد مئات الآلاف بالفعل إلى وطنهم، مدفوعين برغبتهم في تفقد ممتلكاتهم، أو الهروب من الفقر والاضطهاد في دول اللجوء، أو لمّ شملهم مع عائلاتهم، أو المساهمة في رسم ملامح المرحلة القادمة من تاريخ بلادهم.
وأفاد بأن عام 2024 شهد تحولا جذريا في أعداد اللاجئين العائدين إلى سوريا.
فمنذ عام 2020، ظل عدد العائدين سنويا أقل من 51 ألفا -أي أقل من 1 بالمئة من إجمالي 6.8 ملايين لاجئ سوري حول العالم- وهو ما يعادل أكثر من ربع سكان سوريا قبل الحرب.
وبحلول أغسطس/آب 2024، عاد نحو 34 ألف لاجئ، لكن بعد اجتياح إسرائيل للبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فر 350 ألفا إضافيون من هذا البلد إلى سوريا هربا من الحرب.
ومع عودة 125 ألفا آخرين منذ سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول، بلغ إجمالي العائدين في 2024 قرابة نصف مليون.
ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، عاد بالفعل 125 ألفا آخرون في 2025، ومن المتوقع أن ينضم إليهم عشرات الآلاف من السوريين الذين قد ترحّلهم الدول المجاورة مستغلة رحيل الأسد كذريعة لطردهم.
واستدرك المقال: “لكن البلاد التي يعودون إليها تختلف جذريا عن تلك التي غادروها”.
"فدمار المنازل والبنية التحتية الحيوية، وفقدان الأحبة، وانتشار الفقر، وخطر تجدد العنف، والغموض الذي يكتنف القيادة الجديدة، إضافةً إلى الأزمة الإنسانية الممتدة لعقد كامل، جعلت الحياة لا تُطاق لملايين السوريين الذين بقوا في الداخل".
وفي الأشهر المقبلة، قد يعود مئات الآلاف من اللاجئين، مما يهدد بتفاقم الوضع المتأزم أساسا، وفق المقال.
وبين أن العودة الجماعية غير المدروسة قد تستنزف الموارد المحدودة أصلا، وتضع ضغوطا هائلة على السلطات الانتقالية ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني السوري.
وهذا بدوره يستدعي استجابة شاملة تلبي احتياجات المواطنين وتعزز الاستقرار والتعافي.
ويزيد من تعقيد الأزمة التراجع الكبير في تمويل المانحين الدوليين لبرامج استضافة اللاجئين وإعادة توطينهم خلال السنوات الخمس الماضية، نتيجة الإرهاق المالي للجهات المانحة والتباطؤ الاقتصادي العالمي بعد جائحة كورونا، مما قيد ميزانيات المساعدات الإنسانية.
وأدى الضغط على الحكومات التي تعاني أصلا في تلبية احتياجات مواطنيها إلى تصاعد المطالبات من المجتمعات المضيفة بعودة اللاجئين إلى بلدانهم.
وبدأت بعض الدول بالفعل في ترحيل اللاجئين السوريين على نطاق واسع منذ عام 2022، لتجبرهم على العودة حتى في ظل استمرار الحرب.
وقد تؤدي عمليات الترحيل الجماعي هذه إلى زعزعة الاستقرار الذي سعت الدول المضيفة إلى تحقيقه في سوريا.

موارد محدودة
وتابع المقال: “في الداخل السوري، سيجد معظم العائدين أنفسهم بلا مأوى وبموارد محدودة لإعادة بناء حياتهم”.
فلا تزال مساحات شاسعة من البلاد غير صالحة للسكن بسبب دمار الحرب، حيث لا تزال أحياء كاملة في مدن كبرى مثل حلب ودمشق والرقة مدمرة، فيما سويت قرى بأكملها بالأرض.
وقد انكمش الاقتصاد السوري بأكثر من 80 بالمئة منذ اندلاع الحرب عام 2011، بينما أدى انتشار البطالة والتضخم الجامح إلى وصول نسبة الفقر إلى 90 بالمئة.
كما أن غياب البنية التحتية الأساسية والمياه النظيفة والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية، يجعل إعادة الاندماج على نطاق واسع أكثر تعقيدا.
ويواجه كثير من العائدين فقدان منازلهم، إما بسبب تدميرها أو استيلاء آخرين عليها، مما يؤدي إلى نزاعات حول الإسكان والأراضي والممتلكات.
وأوضح المقال أنه "بغياب هيئات رسمية لحل هذه الخلافات، تهدد هذه الأزمات المستمرة بإشعال التوترات وتقويض الاستقرار الهش الذي بدأ في التبلور بعد سقوط الأسد".
وقال: "في سوريا، كما هو الحال في أي دولة خارجة من صراع، لا يقتصر عودة اللاجئين الطوعية على عودتهم جسديا فحسب، بل يتطلب تحسنا شاملا في الأبعاد السياسية والقانونية والاقتصادية المتشابكة".
وعلى الرغم من أن إعادة التوطين عملية مستمرة وحتمية، فإنها غالبا ما تحتل مرتبة ثانوية لدى الفاعلين الرسميين الذين يركزون على بناء الدولة، وتحقيق الاستقرار، والتعافي المبكر والإعمار.
"ونتيجة لذلك، قد تجرى العودة بشكل عشوائي دون تنظيم أو هيكلة، مما يجعل العائدين أكثر عرضة للهشاشة والانفصال عن الجهود الأوسع للتعافي وإعادة الدمج مع السكان المقيمين".
ولتجنب الوقوع في هذا الفخ، تحتاج سوريا إلى خطة متماسكة لإعادة التوطين في مرحلة مبكرة، تضمن دمج العائدين في عملية التنمية طويلة الأمد، وعدم تحولهم إلى عبء يعرقل التعافي، وفق المقال.
وأضاف أنه "يمكن للحكومة الانتقالية وضع إطار تعاون عبر التنسيق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومع الدول المجاورة، بما في ذلك الأردن ولبنان وتركيا، لضمان إدارة العودة بشكل فعال والتزام الأطراف الإقليمية بمنع الإعادة القسرية".
وأكد المقال أن "مستقبل سوريا يتوقف على مهمة تاريخية، وهي إعادة اللاجئين إلى وطنهم وسط الفوضى القائمة، مع تلبية احتياجات من ظلوا في الداخل، والتحدي الآن هو تنسيق هذه العملية بدقة".
وشدد على أنه "ينبغي أن تتعاون الدول المجاورة والمنظمات الدولية والحكومة الانتقالية السورية لإطلاق برنامج يضمن تنظيم العودة، وحماية الفئات الأكثر ضعفا، وحل النزاعات القانونية على الأراضي، وإعادة بناء المجتمع السوري بعد الحرب".
"وفي الوقت ذاته، يجب على الحكومة الانتقالية والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية تجاوز شكوكها المتبادلة للعمل معا على تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة والمستمرة لمن لم يغادروا البلاد".
وشدد المقال على أن "التركيز على عودة اللاجئين دون معالجة أوضاع الداخل قد يعيد سوريا إلى أتون الأزمة قبل أن تبدأ عملية التعافي".