مطالبة قمة الاتحاد الإفريقي بتعويض عن الحقبة الاستعمارية.. حقيقية أم شكلية؟

"آن الأوان أن يدفع الاستعمار ثمن أفعاله جرائمه في القارة السمراء"
شدد مسؤولو القارة السمراء، على أن التعويضات المادية والمعنوية، يمكن أن تسهم في معالجة المظالم التي واجهتها الشعوب الإفريقية طيلة القرون الماضية من قوى الاستعمار.
وناقش الرؤساء في قمة الاتحاد الإفريقي بالعاصمة أديس أبابا في 15-16 فبراير/شباط 2025، ملفات تتعلق بالعبودية والاستعمار والأخطاء التاريخية التي اقترفتها القوى الاستعمارية في القارة السمراء.
وبحسب بيان صادر عن مديرية الاتصال في الاتحاد الإفريقي، فإن القمة المنعقدة في دورتها الـ38، رفعت شعار "جبهة موحدة للنهوض بالعدالة ودفع التعويضات".
وأكد الاتحاد أن العدالة التعويضية يمكن أن تتحقق عبر العمل على العديد من المسائل المهمة مثل، التعويضات المالية، والاعتراف التاريخي، واستعادة الأراضي، والمساءلة الدولية، وكذا إصلاح السياسات، واستعادة القطع الأثرية الثقافية المنهوبة.
موضوع ساخن
بدوره كتب “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي” التابع للاتحاد الإفريقي، في موقعه الإلكتروني في 15 فبراير، أن "التعويضات هي الموضوع الساخن في أديس أبابا".
وقال المجلس: إن "المناقشة بشأن التعويضات تحتاج إلى معالجة إرث الاستعمار والعبودية اليوم، من العنصرية إلى التفاوت الاقتصادي بين إفريقيا والدول الغربية الغنية".
وبحسب وكالة "رويترز" البريطانية، ركّز جزء كبير من النقاش على التعويضات، لا سيما لدى القوى الاستعمارية السابقة، مثل بريطانيا والبرتغال، لكن المؤيدين يقولون إن التعويض عن الماضي يمكن أن يتخذ أشكالا متعددة.
وقال رئيس أمانة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ويليام كارو: إن "الإصلاحات لا تقتصر على التعويضات، بل تتعلق بضمان أن ترث الأجيال المقبلة عالما يعترف بماضيها، ويدفعها نحو مستقبل أكثر إشراقا".
وذكر أن "التعويضات لإفريقيا قد تتضمن إعادة الأراضي في البلدان التي انتُزعت أراضيها من السكان الأصليين وإعادة القطع الأثرية الثقافية".
وسلط الضوء أيضا على "الحاجة إلى تغيير السياسات التي تؤدي إلى ترسيخ عدم المساواة، وإلى قيام الهيئات الدولية، مثل الأمم المتحدة، بمحاسبة القوى الاستعمارية السابقة".
وأضاف أن "هذا قد يتطلب ضغوطا دبلوماسية، أو إجراءات قانونية في المحاكم الدولية".
مصادقة الاتحاد
وفي خضم هذه التفاعلات، صادقت قمة الاتحاد الإفريقي على لائحة تخص تجريم الاستعمار والحصول على تعويضات عن المظالم التاريخية التي تعرضت لها الشعوب الإفريقية على مدار عقود، في خطوة تعد الأولى من نوعها من أجل تشكيل جبهة قارية لطرح هذه المطالب دوليا.
وبحسب موقع “أفريكان سايد” في 15 فبراير 2025، تقدمت باللائحة دولة غانا بدعم من الجزائر، بعنوان "العدالة للأفارقة والأشخاص من أصل إفريقي من خلال التعويضات"، وعدّه موضوع إفريقيا لعام 2025.
وثمنت نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، مونيك نسانزاباغانوا، خلال كلمتها في القمة هذه الخطوة، ووصفتها بـ"التاريخية وتعيد لإفريقيا حقوقها التاريخية، وتعزز المطالب المشروعة للقارة".
فبالإضافة إلى الجزائر التي تضغط بقوة على فرنسا بشأن الإقرار بجرائمها بحق الشعب الجزائري، تبزر مطالبات الكونغو لبلجيكا بالاعتذار وتقديم تعويضات عن فترة العبودية والاستعمار، والمذابح التي راح ضحيتها 10 ملايين شخص.
كما طالبت تشاد والسنغال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاعتذار والاعتراف باستغلال باريس لثروات البلدين.
وتتضمن اللائحة "بناء جبهة مشتركة وموحدة، من أجل قضية العدالة ودفع التعويضات للأفارقة عن الجرائم التاريخية والفظائع الجماعية المرتكبة ضد الأفارقة والأشخاص من أصل إفريقي، بما في ذلك الاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية".
ودعت إلى عمل جماعي "لتجاوز الظلم التاريخي، ومعالجة الآثار الناتجة عن الاستعمار أو الاستعباد أو الفصل العنصري أو التمييز وتحقيق العدالة التعويضية"، على أن تتولى مفوضية الاتحاد الإفريقي، قيادة جهود من أجل "الاعتراف التاريخي بتأثيرات الاستعمار والعبودية على المجتمعات الإفريقية وتوثيقها".
ويشمل هذا المسعى بحسب اللائحة، البحث والاعتراف العام بالظلم الذي واجهته القارة، والسعي للحصول على "التعويضات المالية، تتضمن مقترحات بمدفوعات تعويضية للدول والمجتمعات الإفريقية المتضررة من الاستغلال الاستعماري".
وأيضا "استثمارات في البنية الأساسية والتعليم والرعاية الصحية لدعم التنمية الاقتصادية، ومعالجة قضايا ملكية الأراضي وإعادتها أمر ضروري، خاصة في البلدان التي انتُزِعَت فيها الأراضي من السكان الأصليين، وبذل الجهود لاستعادة وتعزيز التراث الثقافي الإفريقي الذي تم قمعه أو تدميره خلال العصر الاستعماري".
ورأت اللائحة أن "إشراك الهيئات الدولية في محاسبة القوى الاستعمارية السابقة عن أفعالها يمكن أن يعزز الشعور بالمسؤولية العالمية. وقد يتضمن هذا ضغوطا دبلوماسية أو إجراءات قانونية في المحاكم الدولية، وتمكين المجتمع".
عقبات متعددة
وقال المحامي الزيمبابوي وخبير التعويضات، ألفريد مافيدزينجي: "أصبح من المستحيل إنكار الضرر العميق الذي تسببت به العبودية والاستعمار، وآثاره لا تزال واضحة حتى اليوم".
ووفق موقع "صحراء ميديا" الموريتاني، في 15 فبراير 2025، أشار مافيدزينجي إلى أن أزمة الديون الإفريقية تعود جذورها إلى مرحلة الاستقلال، عندما وجدت الدول حديثة العهد نفسها مثقلة بأعباء مالية ضخمة.
كما لفت إلى أن التغير المناخي هو أحد تركات الاستعمار، إذ تتحمل إفريقيا أقل نسبة من الانبعاثات الكربونية عالميا، لكنها الأكثر تضررا من تداعيات الاحتباس الحراري.
وفيما يحتدم الجدل حول التعويضات في دول مثل بريطانيا والبرتغال على التعويض المالي، يؤكد المدافعون عن القضية أن العدالة لا تقتصر على المدفوعات المالية.
وعام 2023، أعلن الاتحاد الإفريقي تحالفا مع مجموعة دول الكاريبي للدفع بمطالب التعويضات؛ حيث تضمنت الخطة مطالب بنقل التكنولوجيا والاستثمارات لمكافحة الأزمات الصحية والأمية.
ورغم مرور ثلاثة عقود على إعلان "منظمة الوحدة الإفريقية" (الاتحاد الإفريقي حاليا) المطالبة بالتعويضات، فإن التقدم في هذا الملف لا يزال محدودا.
وقال رئيس الرأس الأخضر، جوزيه ماريا نيفيس، إن تصاعد الشعبوية اليمينية في الغرب أعاق أي تقدم حقيقي في الملف؛ إذ بات من الصعب خوض نقاش جاد في ظل الأجواء السياسية المشحونة.
وفي البرتغال، التي كانت الأكثر انخراطا في تجارة العبيد، اقترح حزب "تشيغا" اليميني المتطرف محاكمة الرئيس مارسيلو ريبيلو دي سوزا بتهمة الخيانة لمجرد أنه أشار إلى إمكانية تقديم تعويضات.
أما في بريطانيا، فقد هاجم السياسي اليميني المتطرف نايجل فاراج رئيس الوزراء كير ستارمر، ويرى أنه سيكون "ضعيفا" إذا انخرط في أي محادثات حول الملف.
وفي فرنسا التي يحقق اليمين المتطرف مكاسب متزايدة، رفض ماكرون صراحة فكرة التعويضات، داعيا إلى "المصالحة" بدلا من ذلك.
وبينما تتصدر قضية التعويضات أجندة القمة، يخشى المراقبون أن تظل المطالبات في إطار الخطابات السياسية دون اتخاذ خطوات عملية.
وفي هذا الصدد، قال مافيدزينجي: "أكبر مخاوفي أن تتحول القمة إلى مجرد نقاش دون قرارات فعلية تُنفذ على أرض الواقع".
إرث استعماري
وسبق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية أن قالت خلال بيان في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إن “الحكومات الأوروبية تغفل التأثيرات المستمرة لإرثها الاستعماري في القارة الإفريقية”، داعية إلى "تعويض الضحايا".
وصادف 15 نوفمبر 2024 الذكرى السنوية الـ140 لافتتاح مؤتمر برلين لإفريقيا عام 1884، حين اجتمعت 19 دولة أوروبية والولايات المتحدة لتنظيم وتوسيع الهيمنة الاستعمارية والاستغلال الأوروبي في جميع أنحاء إفريقيا.
وقال ألماز تيفيرا، الباحث في العنصرية في أوروبا في هيومن رايتس ووتش، إن "مؤتمر برلين لإفريقيا كان بمنزلة نقطة حاسمة في التاريخ الاستعماري لأوروبا؛ حيث لا تزال آثاره الطويلة الأمد دون معالجة إلى حد كبير من قبل الدول المسؤولة".
وأضاف أن "مرور سنوات عديدة لم ينهِ الحاجة إلى أن تعالج الحكومات الأوروبية إرثها الاستعماري وأن تنشئ عمليات تعويضات تركز على الضحايا وتستند إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان بمشاركة هادفة من المجتمعات المتضررة".
وفي نوفمبر 2023، نظم الاتحاد الإفريقي مؤتمرا في أكرا، تبنى فيه المندوبون إعلانا دعا إلى تعويضات للأفارقة سواء في القارة أو في الشتات، ليكون اعترافا بالضرر العميق الذي تسبب فيه الاستعمار الأوروبي والاستعباد وتجارة الرقيق.
ودعا الإعلان إلى أن يكون 2025 "عام العدالة لإفريقيا من خلال التعويضات"، وهو ما أكدته القمة الـ37 للاتحاد الإفريقي عام 2024.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية: إن الاتحاد الإفريقي ودوله الأعضاء يجب أن يتشاوروا بشكل هادف مع المجتمعات المتضررة وأن يركزوا عليها في تلك الجهود.
وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، اقترح بعض أعضاء البرلمان الأوروبي مشروع قرار بشأن العدالة التعويضية والتنمية المستدامة، معترفين بالتأثيرات الدائمة للاستعمار الأوروبي على عدم المساواة العرقية في العالم.
وتم تداول القرار نهاية عام 2023، ولكن لم يتم التصويت عليه بعد في البرلمان الأوروبي.
وقال تيفيرا: إن "الحكومات الأوروبية تجاهلت إلى حد بعيد، بل رفضت، دعوات المجتمعات إلى التعويضات لمعالجة الإرث التاريخي لأوروبا. وينبغي للقادة الأوروبيين أن يفهموا أن معالجة إرث دولهم ليس خيارا، بل التزاما بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان".
متابعة القرار
وتفاعلا مع قرار الاتحاد الإفريقي المتعلق بمطالبة الدول الأوربية بالتعويض عن جرائم الحقبة الاستعمارية، أشاد رئيس الرابطة الوطنية لتخليد بطولات المقاومة بموريتانيا محمد محمود ولد بكار، بالقرار، مشددا على ضرورة متابعته إلى النهاية.
ودعا ولد بكار في حديث لـ"الاستقلال"، القادة الأفارقة إلى "متابعة هذا القرار حتى تتحقق نتائجه المتعلقة بتعويض إفريقيا عن حقبة الاستعمار الأوروبي لبلدان القارة".
وأشار إلى أن "القارة الإفريقية عانت ومازالت تعاني مثل الكثير من شعوب العالم الثالث من الاستعمار الذي قتل وشرد ونهب ومازال يتابع الكثير من تلك الأعمال في أثواب وتجليات مختلفة".
واسترسل: "القارة الإفريقية دفعت ثمن تلك الأعمال كل يوم بأشنع الصور، من عدم الاستقرار ومن نهب الثروات ومن التدخلات السافرة ومن البقاء تحت الضغوط والتأثيرات الأجنبية".
ولفت ولد بكار إلى أن موريتانيا "تعرضت للاستعمار قرابة 60 عاما قام خلالها المستعمر بارتكاب جرائم حرب، منها القتل دون محاكمات والتشريد وحرق المحاصيل والتعذيب كما قدم شعبنا جراء ذلك مئات الشهداء".
وقال: إن "من أبشع تلك الصور قتل الشيوخ المسنين بعد مهاجمة خيامهم بالمدفع الرشاش وقذائف الهاون والإجهاز عليهم من مسافة قريبة لا لشيء إلا أنهم رفضوا الاستعمار الظالم في بلدهم".
ونبّه المتحدث ذاته إلى أن "الاستعمار فعل كل أفعاله البشعة دون أن يترك أي بنية تحتية ولا تعليمية ولا صناعية وزراعية في البلد بل غرس الفتنة وبذور الشقاق كما فعل مع كل بلد دخله".
وعليه، يردف ولد بكار: "آن الأوان أن يدفع الاستعمار ثمن أفعاله تلك، ولكي يقلع عن الاستمرار في متابعتها كل ما أتيح له ذلك".