مفارقات فجة.. هكذا تمارس ايران "الجعجعة" في فلسطين و"الطحن" في اليمن وسوريا

a year ago

12

طباعة

مشاركة

قديما قالت العرب "أسمع جعجعة ولا أرى طحينا"، وهو مثل يقول كثيرون إنه ينطبق اليوم على إيران ووكلائها بالمنطقة، في خطابهم الدعائي حول مساندة عملية "طوفان الأقصى" الفلسطينية ضد إسرائيل.

ففي وقت تناضل فيه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بصد الاجتياح الإسرائيلي البري؛ تواصل طهران وأذرعها في المنطقة خوض "معارك كلامية واستعراضية".

وهو ما يجعل المثل العربي الآنف الذكر ينطبق على ما يسمى "محور المقاومة" بقيادة طهران، بعدما أكثر الأخير من التصريحات دون عمل حقيقي ضد إسرائيل، وأطنب سابقا بالوعود "بسحق الكيان" دونما إنجاز.

ونفذت المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في عمق مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أدت لمقتل أكثر من 1500 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 آخرين، ورد الاحتلال بالعدوان على غزة ما أدى لاستشهاد أكثر من 9 آلاف فلسطيني منذ التاريخ المذكور.

انفضاح المحور

لكن محور إيران لم يدخل المعركة كما كان يلوح طوال سنوات خلت، بل اقتصر أداؤه على التصريحات الإعلامية التي توحي بأن الجبهات التي يمسك بها ستدخل في المعارك.

واللافت أن وزير الخارجية الإيراني ​حسين أمير عبد اللهيان قال إن تحديد ساعة الصفر بيد "المقاومة" في لبنان، وهي من تقرر فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل، وذلك خلال مؤتمر صحفي بمقر السفارة الإيرانية في بيروت 14 أكتوبر 2023.

وقد التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حينها مع زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله لبحث عملية "طوفان الأقصى".

وبالتوازي مع ذلك صرح نصر الله، بالقول إن "وضع المقاومة اليوم ممتاز، وجميع السيناريوهات جاهزة بالكامل".

بدوره رأى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن إسرائيل تجاوزت "الخطوط الحمراء" بتكثيف هجومها على حركة حماس في قطاع غزة، الأمر الذي "قد" يدفع أطرافا أخرى إلى "التحرك"، وذلك في منشور له بتاريخ 29 أكتوبر 2023 على موقع "إكس" (تويتر سابقا).

وتمتلك إيران قرار الحرب على جبهة لبنان من خلال "حزب الله" الذي يشكل ذراعا عسكريا لطهران في هذا البلد وتدعمه بالمال والسلاح حيث يهيمن به على الدولة.

إلا أن حزب الله اكتفى بمناوشات محدودة مع إسرائيل على الحدود مع لبنان، دون فتح معركة حقيقية.

وخلال كلمة متلفزة بثت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كان الجميع ينتظرها لزعيم حزب الله ظنا من أنه سيعلن فتح الجبهة على إسرائيل، قال نصر الله: "إن ما نفعله ضد إسرائيل على الحدود اللبنانية قد يبدو متواضعا لكنه كبير جدا"، على حد تعبيره.

وأضاف نصر الله، أن حزب الله يصعد يوما بعد يوم مما يجبر إسرائيل على إبقاء قواتها بالقرب من الحدود اللبنانية بدلا من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.

كلام نصر الله إلى أنصاره بدا وكأنه محاولة لإقناعهم بأن الحزب "المقاوم" شريك في المعركة إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية بغزة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

لكن عقب الخطاب سرعان ما تعرض نصر الله لسخرية وتهكم كبيرين، ودعاه البعض للبقاء صامدا أمام محاربة "عامود الاستطلاع الإسرائيلي على الحدود" والذي استهدفه حزب الله أكثر من مرة خلال الأيام الماضية ولم يسقطه.

حتى بدت معركة "العامود" وكأنها هي من تعيق وصول الحرس الثوري الإيراني ووكلائه إلى باحات المسجد الأقصى المبارك، وفق المنتقدين لحزب الله.

وحاولت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، دخول المعركة "عن بعد" عبر إطلاق الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة من الأراضي اليمنية مطلع نوفمبر 2023 على إسرائيل.

وقد زعم المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع أن هذه "العملية الثالثة نصرة لإخواننا المظلومين في فلسطين"، دون ذكر تفاصيل عن العمليتين السابقتين.

وكانت هذه أول مرة تعلن فيها مليشيا الحوثي المسيطرة على معظم شمال اليمن منذ عام 2014، استهداف مواقع في إسرائيل.

وضمن هذه الجزئية، كتب المحلل اليمني ياسين التميمي قائلا:"في جهد الحوثيين يلتحم في ظاهره مع معركة طوفان الأقصى، لكنه في حقيقته لا يعدو كونه دعائيا وفارغا من أي تأثير ميداني بدليل أن أيا من هذه الصواريخ والطائرات لم يصل إلى هدفه".

وأضاف التميمي في مقالة له نشرها بتاريخ 3 نوفمبر 2023 تحت عنوان "لماذا لا يجب أن نفخر بصواريخ إيران وطائراتها المسيرة التي تطلق من اليمن" قائلا: "من المؤسف أن الانعكاسات الإيجابية في الوعي العربي، للتدخل العسكري من قبل جماعة الحوثي في معركة طوفان الأقصى، ستسهم في تبيض الصورة الملطخة بالدم لهذه الجماعة الطائفية".

وقال إن هذه "الجماعة ارتكبت جرائم بشعة جداً عطلت قوى الشعب اليمني الذي يزيد عدده عن 35 مليون إنسان، جميعهم يعدون قضية فلسطين قضيتهم الأولى ومعركتهم الأولى دون ادعاء أو توظيف شعاراتي".

ومضى يقول: "هذه الجماعة استخدمت جزءا من الصواريخ والطائرات المسيرة في عملية ينظر إليها الشعب العربي على أنها بطولة وتضحية من أجل فلسطين، لكن الجزء الأكبر من الترسانة التي وضعتها إيران تحت تصرفها تستخدم في الأصل ضد الشعب اليمني من أجل تكريس سلطة طائفية لا تعد إلا بالخراب والدمار والفشل للشعب اليمني".

وأردف التميمي: "لقد اختطف حزب الله لبنان بعد أن عد كل مدنه طريقا إجباريا للمرور باتجاه فلسطين، مع أنه يتموضع في تخوم فلسطين المحتلة ولا يحتاج إلى الطريق الطويل الذي سلكه عبر لبنان والمدن السورية التي حولها إلى أطلال، لكي يصل إلى هدفه المزعوم".

وذهب التميمي للقول: "قررت إيران التنفيس عن الضغط الواقع عليها نتيجة تخاذل الساحات التي تديرها عن نصرة غزة، فقررت استخدام اليمن، في مهمة رفع الحرج عن الجبهة الرئيسة في جنوب لبنان والجولان، وأرسلت حشوداً شيعية على الحدود الأردنية لذات الغرض".

الخدعة الكبرى

وكانت طهران على مدى السنوات الأخيرة روجت لمبدأ "وحدة الساحات"، وهو مصطلح تستخدمه بكثرة وسائل الإعلام المقربة من "حزب الله" وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.

وقد دعت أصوات موالية لـ "محور المقاومة" بقيادة إيران إلى تطبيق إستراتيجية مبدأ "وحدة الساحات" العسكرية من قبل الفصائل التي "تقاوم إسرائيل" على مختلف الجبهات نصرة لـ "طوفان الأقصى".

كما همس كثيرون في أذن إيران حول فارق التسليح بين حزب الله العسكري والتقني وبين حركة حماس التي تدعي طهران دعمها.

حتى إن صوتا من داخل حركة حماس لمح إلى ضرورة تطبيق إيران لمبدأ "وحدة الساحات" في هذا التوقيت الحساس.

وجاء ذلك على لسان عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق الذي قال في مقابلة مع قناة "تي آر تي" التركية، إن "هناك اتصالات مع إيران لكننا كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر بكثير مما جرى".

ودعا أبو مرزوق إيران في المقابلة إلى "مزيد من المشاركة في هذه المعركة التي وصفها بـ"المفتوحة".

فعسكريا هناك تفاوت كبيرة بين الترسانة والإمكانات العسكرية لدى حزب الله الحاصل عليها من طهران وبين ما تدعيه الأخيرة من دعمها لحماس.  

حتى أن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، قال بتاريخ 19 أكتوبر 2023  إن على تل أبيب "الاستعداد على الجبهة الشمالية لأن حزب الله اللبناني أقوى من حركة حماس بـ10 مرات".

ولهذا يرى مراقبون أن إيران تحاول دعم حركة حماس سياسيا، إلا أنها لا تدعمها بما يقوي نفوذها العسكري ويزيد من أدواتها وأوراقها بالمنطقة. 

وهذا وفق الخبراء ما يدعو حزب الله للدخول في معركة حقيقية ضد إسرائيل تغير موازين المعركة طبقا "لإمكاناته وتشدقه" خلال السنوات السابقة في سعيه لتحرير المسجد الأقصى والقدس.

الطحن الحقيقي

وأظهرت السنوات الماضية أن طريق القدس بحسب إيران ووكلائها يمر عبر دماء السوريين واليمنيين، وهذا هو "الطحن" الحقيقي لا الطحين، الذي رأته المنطقة منهم، وفق ناشطين.

فقد مارست إيران ووكلاؤها عمليات "الطحن" في سوريا حيث ارتكبت المليشيات الإيرانية وحزب الله عشرات المجازر منذ عام 2011 لقمع ثورة السوريين، وفق منظمات حقوقية وإنسانية.

في سوريا أظهرت وثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، نشرتها مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" الإيرانية المعارضة، في 10 أغسطس/آب 2023، أن طهران أنفقت ما يزيد على 50 مليار دولار خلال 10 سنوات على الحرب في سوريا.

وبحسب ما ذكر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في نهاية يونيو 2020 فإن 306 آلاف و887 مدنيا قتلوا في سوريا منذ بداية الثورة عام 2011.

بينما بعض المنظمات والمراصد الحقوقية تقدر عدد القتلى في سوريا -وسطيا- بنحو 600 ألف شخص حتى منتصف عام 2021.

وفي 17 فبراير/شباط 2022 قدم محامون حقوقيون طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيق أولي في دور إيران ومليشياتها في سوريا بارتكاب جرائم حرب.

وذكر التقرير "أن إيران قدمت دعما عسكريا ومدنيا مكثفا لتحقيق أهدافها، أهمها حماية نظام بشار الأسد هناك، في حين كان تحقيق هذا الهدف على حساب مئات الآلاف من القتلى والجرحى والنازحين المدنيين".

كذلك يتضمن الطلب المذكور إلى الجنائية الدولية، "وثائق وأدلة مقدمة من لاجئين سوريين على أن القوات التابعة لإيران، بما في ذلك حزب الله اللبناني، ولواء فاطميون، ومليشيا أبو الفضل العباس، أجبرتهم على الفرار من منازلهم وعائلاتهم أثناء اقتحامهم بعض المدن دون السماح لهم بالعودة".

أما "الطحن" في اليمن فقد كان موثقا على يد مليشيا الحوثي ذراع إيران هناك، والتي ارتكبت عشرات المجازر بحق اليمنيين منذ عام 2014.

فقد كشف تقرير لوزارة حقوق الإنسان اليمنية صدر في مارس/آذار 2017، عن أن أعداد الضحايا الذين سقطوا على يد مليشيات الحوثي في اليمن بلغ 10 آلاف و811 قتيلا، فيما أصيب 37 ألفا منذ وقوع الانقلاب في اليمن، موضحا أن من بين القتلى 649 امرأة و1002 طفل و9 آلاف و160 رجلا.

كما ذكر تقرير أممي نهاية عام 2021، أن الصراع في اليمن قد أدى إلى 377 ألف وفاة. وبحسب التقرير، تسبب النزاع "في خسارة اليمن 126 مليار دولار أميركي من النمو الاقتصادي المحتمل".

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أعداد القتلى من المكون السني في العراق وسوريا واليمن على يد إيران ووكلائها يبلغ عشرات الآلاف من المدنيين، دون أرقام دقيقة.

وهذا ما يؤكد أن جعجعة إيران فقط تجاه إسرائيل أما "الطحن" فهو من نصيب الشعوب العربية بعكس ما تروج له طهران بأن معركتها الأساسية هي ضد إسرائيل التي لم تفتح معها معركة واحدة إلى الآن. 

وخاصة أن "فيلق القدس" الإيراني الذي تأسس بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) بهدف "تحرير فلسطين والقدس"، قتل قائده قاسم سليماني عام 2020 عن عمر 63 عاما، أفنى 40 عاما منه في قتل العراقيين والسوريين واليمنيين.