مدينة جرجيس نموذجا.. هكذا تزج أوروبا بالتونسيين في مواجهة ضد المهاجرين
"يجب على تونس، في مقاربتها نحو الهجرة غير النظامية أن تحترم كرامة الإنسان"
في زيارة هي الرابعة في عام واحد لتونس، دعت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في 17 أبريل/ نيسان 2024، من قصر قرطاج إلى "مقاربة جديدة" تجاه الهجرة غير النظامية، معلنة عزمها تعزيز دعم تونس اقتصاديا.
وفي الأسابيع الأخيرة، طرأت زيادة ملحوظة في محاولات المهاجرين غير النظاميين مغادرة السواحل التونسية للوصول إلى إيطاليا على متن قوارب متهالكة، ما تسبب في غرق الكثير منهم.
وفي هذا السياق، تسلط مجلة "جون أفريك" الفرنسية الضوء على مدينة جرجيس شمال غربي تونس، التي "صارت بابا مفتوحا بشكل متزايد أمام المهاجرين المحتملين من إفريقيا جنوب الصحراء تجاه أوروبا".
محاولات للهروب
تبدأ المجلة تقريرها بنقل حدث عاشه مزارع في منطقة جرجيس لم تسمه، قائلا: "كان ذلك قبل ستة أشهر في وقت الظهيرة. قفزت عندما سمعت طرقا على نافذة المطبخ، ثم رأيت أشخاصا يتسللون إلى الفناء. كنت وحيدا ولذلك كنت خائفا حقا".
وأكمل حديثه: "وسرعان ما أصبح الخوف الذي شعرت به يثير الشفقة عندما وجدت نفسي وجها لوجه مع شخصين من أصول جنوب الصحراء الكبرى يرددان بلا كلل "مايا، مايا"، أي الماء".
ويؤكد المزارع أن "الظهور المفاجئ في ريف يشتهر بإنتاج الحبوب ومناجم الحديد وآثاره القديمة، يثير الدهشة والحيرة"، مشيرا إلى أن "السياح نادرون في هذه المنطقة".
وفي هذا السياق، تشير المجلة أن "ظهور المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء الكبرى في شمال غرب تونس ظاهرة حديثة الانتشار".
وتابعت: "حتى قبل حوالي عام، كانت نقاط العبور مقتصرة إلى حد ما على المناطق الجنوبية المتاخمة لليبيا والجزائر". مشيرة إلى أن "زيادة الرقابة على الحدود دفعت إلى التدفق نحو الشمال".
ومن زاوية أخرى، تنقل "جون أفريك" وجهة النظر المقابلة، والتي تمثل المهاجرين غير النظاميين عبر تونس.
حيث يقول إدريس، البالغ من العمر 26 عاما من تشاد: "لم يعد أحد يعتقد أن تونس هي أرض الأحلام كما يصفها المهربون. إنها نقطة عبور فقط".
لكنها -من وجهة نظره- أيضا "فخ"، لا سيما منذ أن دخلت الاتفاقات المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة في يوليو/ تموز 2023 حيز التنفيذ.
حضور أوروبي
علاوة على ذلك، تضيف المجلة أن "تونس تعمل منذ بداية فصل الصيف على إحباط عمليات العبور السرية، بالاشتراك مع قوات الإنقاذ البحري الأوروبية الموجودة في المياه الدولية".
وبحسب ما أفاد المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي، حسام الجبالي، فقد غرق 84 قاربا وأُعيد 97 إلى تونس، وعلى متنها 4088 أجنبيا و90 تونسيا.
وادعت المجلة أن الجبالي تهرب من الأسئلة حول مراكز أو معسكرات الاحتجاز". ويشير أحد خبراء الهجرة إلى أن "الأمر الأرجح هو إعادة فتح بئر فتناسيا بتطاوين (جنوب)".
وتشير إلى أن "أولئك الذين تتم إعادتهم إلى تونس سيبقون هناك وينتظرون فرصة أخرى للمغادرة".
وفي هذا الصدد، يذكر أحد العاملين في الهلال الأحمر أن "السلطات التونسية أعادت العديد منهم إلى ليبيا أو الجزائر"، موضحا أن "بعضهم يعود مرة أخرى إلى تونس". وبذلك، تصبح الدائرة كلاسيكية ومفرغة، وفق المجلة.
بدوره، يقول رمضان بن عمر، من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES): "إن "الجزائر تُضلل تونس من خلال ادعائها بأن عدد القادمين قليل جدا مقارنة بعدد المرحلين، وعرضها صورا ومقاطع فيديو كدليل على أعمال الترحيل التي قامت بها".
وفيما يخص التصريحات الجزائرية، تشير المجلة الفرنسية إلى أن "عددا كبيرا جدا من الشهادات يبطل هذه التصريحات".
حيث يوضح أحد سكان الحدود أنه "بالنسبة للجزائر، فإن التخلص من المهاجرين عبر دفعهم نحو تونس أو النيجر يمثل مشكلة أقل".
ويتذكر هذا الساكن أن ظهور هذه الظاهرة -المهاجرين غير النظاميين-، في منطقة توزور شمال غرب البلاد منذ 18 عشر شهرا، كان قد نُسب إلى التدفقات السياحية، حيث كانت فكرة المهاجرين غير النظاميين غريبة على سكان الحدود، الذين اعتادوا على استقبال العديد من الزوار الأجانب.
ولكن بدلا من السياح، كانت الحافلات تفرغ حمولة ضخمة من مواطني جنوب الصحراء الكبرى، الذين يمثلون عبئا على الجزائر.
كراهية المهاجرين
ومنذ ذلك الحين، تؤكد المجلة الفرنسية أن "هذه الظاهرة أصبحت شائعة إلى حد أنها تمثل مشكلة اجتماعية أو يمكن استغلالها لأغراض حزبية".
وعن هذا الشأن، تعطي المجلة مثالا على ذلك بالإشارة إلى النائبة عن مدينة صفاقس، فاطمة مسدي، والتي تستخدم كل الحجج الشعبوية لإثارة العداء تجاه المهاجرين.
وتقول النائبة: "ما أفعله هو محاولة لتحرير حقول سيدي أحمد، من غير المقبول أن يكون لدينا 20 ألف أجنبي اقتحموا أراضينا وممتلكاتنا. إنهم يعتدون على الشعب، نحن نعاني في صمت".
أما في شمال البلاد، فإن الخطاب مختلف تماما، وفق ما ورد عن "جون أفريك".
ففي حديث له مع المجلة الفرنسية، أوضح معلم متقاعد أنه قال لشاب مختبئ منذ عدة أيام إنه "آسف لعدم إيوائه بسبب القانون الذي يمنعه من استضافته".
لكنه في المقابل، عرض عليه أن يذهب إليه اللاجئ للحصول على الماء والطعام كل يوم.
وبحسب المجلة فإن هذا المعلم المتقاعد غاضب للغاية من النواب والمشرعين بشكل عام، الذين لم يجدوا أنه من المناسب خلق سياق قانوني يجعل من الممكن الترحيب بهؤلاء المهاجرين.
حيث يقول: "بدون صفة لاجئ أو طالب لجوء ودون تصريح عمل، يُدفع بهؤلاء إلى الجريمة".
وفي هذا الصدد، تعكس المجلة الفرنسية وجهة نظر هذا المعلم، والذي تفيد بأن "منظمتي الهجرة، المنظمة العالمية للهجرة (UNHCR) واللجنة العليا لشؤون اللاجئين (IOM)، من المفترض أن تساعدا في هذا الوضع".
ولكن بحسب ما ذكرته المجلة، فإن المنظمة العالمية للهجرة لا تتدخل إلا في عمليات العودة الطوعية إلى الوطن بعد إجراء محدد.
جدير بالإشارة إلى أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قلصت هوامش التدخل كذلك.
وفي المقابل، اعترف حسام الجبالي، المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي، ضمنا بالصعوبات التي تواجه إدارة الهجرة غير الشرعية، طالبا المساعدة من المجتمع المدني.
ولكن في رأي المجلة، “سيكون من الصعب على الجمعيات الإغاثية والحقوقية التي كانت في الخطوط الأمامية أن تستعيد قوتها”.
وأضافت: "فالكثير منها يستفيد من التمويل الأجنبي، ما يجعلها موضع شك في نظر حكومة ترى أن هذا النوع من التمويل يمثل اعتداء على السيادة".
وتبقى الحقيقة -من وجهة نظر المجلة الفرنسية- أنه "يجب على تونس، في مقاربتها لهذه الظاهرة، أن تحترم كرامة الإنسان".
وهي قيمة يلوح بها الرئيس التونسي، قيس سعيد، بانتظام عندما يخاطب شركاءه الأجانب، وفق المجلة.