معيصرة وزعيترة.. كيف طالت الحرب قرى شيعية ومسيحية في لبنان؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على تأثير الحرب بين إسرائيل وحزب الله على التركيبة الطائفية المعقدة في لبنان، مسلطة الضوء على القرى الشيعية والمسيحية المتأثرة بالقصف. 

وتطرقت الصحيفة إلى الوضع في بلدتين متجاورتين، معيصرة الشيعية وزعيترة المسيحية من أجل توصيف الحالة هنا ورصد مدى تأثير العدوان الإسرائيلي المتصاعد عليهما.

قصف المسيحيين

في قرية معيصرة، تستقبلك لافتة مكتوب عليها "صنع في الولايات المتحدة الأميركية"، في إشارة إلى مصدر الصواريخ التي قصف بها الاحتلال الإسرائيلي المنطقة.

ففي تلك المنطقة، أودت ضربة إسرائيلية يوم 25 سبتمبر/ أيلول 2024، بحياة 16 من السكان في مربع يتكون من ثلاثة منازل متجاورة.

ومعيصرة القرية الشيعية الصغيرة التي تقع في منطقة كسروان ذات الأغلبية المسيحية وعلى بعد 40 كيلومترا شمال بيروت، كانت أول بلدة هناك تتعرض لغارة جوية قاتلة منذ بداية النزاع. 

ومرة أخرى، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، استهدف قصف جديد منزلا في القرية، الواقعة على ارتفاع 600 متر فوق سطح البحر، دون وقوع ضحايا.

يقول جورج عون، رئيس بلدية زعيترة المسيحية المجاورة لقرية معيصرة الشيعية للصحيفة: "خلال حرب 2006، هاجم الإسرائيليون جسرين في جونية على بعد 20 كيلومترا من هنا، ولكن حسبما أتذكر، هذه هي المرة الأولى التي تُقصف فيها إحدى القرى المجاورة".

ومن ناحية أخرى، تشير الصحيفة إلى أن سهاد قطيش، المواطن الذي ينحدر من قرية حولا في جنوب لبنان والذي كان يعتقد أنه وضع مسافة كافية بينه وبين الاشتباكات التي تهز قريته، أُصيب خلال القصف الذي وقع في 25 سبتمبر.

وتضيف أن "والدته، سعادة أيوب، البالغة من العمر 77 عاما، قُتلت خلال هذا القصف، كما أصيبت زوجته وأطفاله الأربعة".

وبالحديث أكثر عن تفاصيل القصف الذي وقع في 25 سبتمبر، تذكر الصحيفة الفرنسية أنه في حوالي الساعة العاشرة صباحا، استهدفت ضربة جوية منزلا يُقال إنه يعود لعائلة أحد قياديي حزب الله، الشيخ محمد عمرو، الذي يُقدم على أنه المسؤول المدني للجماعة في المنطقة. 

وعلى الرغم من أنه لم يكن موجودا في الموقع، فقد قُتل 10 أفراد من عائلته، كما لقي 6 نازحين من جنوب البلاد -كانوا يقيمون في منازل مجاورة- مصرعهم، بما في ذلك والدة قطيش.

وتنوه الصحيفة أنه من بين هؤلاء الضحايا، رجل وصل إلى القرية -التي تستضيف 150 عائلة نازحة- قبل يوم واحد فقط، لم يُتعرف عليه حتى الآن. 

ومن ناحية أخرى، تكشف أنه لم يُعثر على بقايا جثة الطفل أمير وسام حسين، البالغ من العمر 4 سنوات، والذي تمزق جسده بفعل الانفجار. 

قصص الضحايا

وفي مقبرة القرية، دُفن الضحايا الست القادمون من الجنوب بشكل مؤقت، كما وُضعت ألعاب ودمى على قبور الأطفال الصغار. 

وبينما كان المتطوعون يعتنون بالمكان، جلس ساري (6 سنوات)، أصغر أبناء عائلة قطيش، لدقائق طويلة على قبر ابنة عمه دون أن ينطق بكلمة.

وتستذكر زهرة، زوجة سهاد قطيش، والتي يغطي حجابها عشرات الغرز على طول جمجمتها، المشهد قائلة: “كل شيء حدث فجأة، كنا نشرب القهوة في المنزل، ثم رأيت شيئا مثل وميض”.

وتابعت في حديث مع لوموند: "أذكر أن ابني وابنتي تحدثا إليّ، لكنني لم أكن أسمع شيئا. كانوا مغطين بالدماء، وأنا فقدت الوعي ثم استعدته عدة مرات. وعندما استيقظت في المستشفى، عرفت ما حدث فعلا".

وغادر سهاد وزهرة مع أطفالهما الأربعة قرية حولا في يناير/ كانون الثاني 2024. 

وهذه القرية تقع على بعد أقل من كيلومترين من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهي معقل لحزب الله شهد تبادلات إطلاق نار يومية منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023.

وبعد إقامة قصيرة في حي الأوزاعي ببيروت، قرروا الانتقال إلى معيصرة، حيث ينحدر بعض أعمام زهرة من هذه المدينة. 

وفي محاولة لتصوير التغيرات التي طرأت عليه بعد القصف، تقول الصحيفة إن "سهاد قطيش، برأسه المغطى بضمادة سميكة، يتحرك مستعينا بعكاز، كما أنه يتعثر في الكلام ويكتم غالبا دموعه بينما ينظر إلى صور الضحايا على شاشة هاتفه". 

يقول بحزم: "لو كنت أريد خوض الحرب، لكنت على الجبهة. أنا مدني هربت مع عائلتي، وكل ما فعلته في حياتي كان من أجل مستقبل أولادي". 

وتلفت "لوموند" إلى أنه أمام أنقاض المنازل التي تعرضت للقصف، كان الناس يعملون في 5 أكتوبر 2024، على ترميم القبة الذهبية الصغيرة للحسينية، وهي القاعة المخصصة للطقوس الشيعية، والتي تضررت بفعل الانفجار. 

استهداف المدنيين

ومتحدثا عن نوايا الإسرائيليين، يقول رئيس البلدية عوادي علي عمرو: "لم يخرج أي صاروخ أو قذيفة من هنا تجاه إسرائيل، وهم يعرفون ذلك جيدا بفضل تقنياتهم المتقدمة، وهو ما يعني أنهم تجاهلوا حقيقة أنهم كانوا يستهدفون مدنيين". 

ومن وجهة نظره، كانت الضربات تهدف فقط إلى "ترويع السكان والنازحين القادمين من الجنوب وضواحي بيروت وسهل البقاع". 

ويضيف عوادي: "الوضع مقلق والناس خائفون للغاية، فالموت قريب من الجميع. قبل خمس دقائق من الضربة، كنت بنفسي في الساحة التي قُصفت".

وكما تنقل الصحيفة، فإن عمرو، الذي يقدم نفسه كـ "مدني يخدم سكان القرية"، ينفي أي وجود مسلح في البلدة. 

ويقول: "من قُتل في هذا القصف حقا؟ أناس كانوا يجهزون الطعام وطفل كان يركب دراجة. لا يوجد شيء يثير الشبهة في معيصرة، مجرد مسجد وساحة صغيرة. الشيء الوحيد الذي نسمعه عادة في الصباح هو صوت الديك، وليس ضجيج القنابل". 

وأضاف: "هل ندعم المقاومة؟ نعم، ندعمها مثل غالبية اللبنانيين". 

وبإلقاء نظرة على زعيترة، البلدة المطلة على البحر، والتي لا يفصل سوى كيلومتر واحد فقط بينها وبين معيصرة، تذكر الصحيفة أن تماثيل مريم العذراء تنتشر على طول الطريق الجبلي المتعرج، مما يدل على كونها منطقة مسيحية. 

وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة عن رئيس بلدية زعيترة جورج عوض، تأكيده أن "الشخص المستهدف من حزب الله كان مسؤولا مدنيا وليس عسكريا".

لكنه لا يخفي المخاوف التي تنتاب سكان قريته، حيث يقول: “هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها الناس أصوات القصف، إذ إن منطقتنا هي الأكثر استقرارا في البلاد”.

وأردف: "عندما يأتي الناس للإقامة هنا، يكونون متأكدين من أنهم سيحصلون على الأمان والهدوء، لكن بعد هذا القصف، لم أعد متأكدا".

وزعيترة ليست القرية المسيحية الوحيدة التي طالها العدوان الإسرائيلي، فقد قتل 18 شخصا وأصيب 4 آخرون بغارة إسرائيلية استهدفت شقة بزغرتا شمال لبنان في 14 أكتوبر.

وكان هذا أول استهداف من نوعه لبلدة أيطو بقضاء زغرتا المسيحي شمالي لبنان منذ بداية العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023.

تدفق هائل للنازحين

وفي ظل تصاعد الأوضاع واستهداف جميع المدنيين والطوائف والأديان، أعرب رئيس بلدية زعيترة عن قلقه قائلا: "يجب أن تتوقف هذه الحرب. التأثير الاقتصادي سيكون رهيبا، والبلاد ستغرق في أزمة". 

وتساءل: “متى سيتوقف الإسرائيليون؟” ويشدد عوض على أن المآل سيكون مثل سوريا والعراق إذا ما احتل الإسرائيليون المناطق الشيعية.

كما يعبر عن خوفه من "تداعيات كارثية على المناطق المسيحية التي قد تتعرض لعدم استقرار بسبب التدفق الهائل للنازحين".

وفي هذا الصدد، يقول: "نتحدث هنا عن أكثر من مليون لاجئ، أين سنضعهم؟ فالبلدة مليئة بالفعل باللاجئين السوريين".

وتابع: "ليست هذه المرة الأولى التي تحدث فيها موجات لجوء، فقد جلبت الحروب السابقة مهاجرين".

وأردف: “في الماضي، كان المسيحيون هم من يغادرون الجنوب ليقيموا هنا، لكن في ظروف أفضل وبعدد أقل بكثير، كيف سيتمكن هؤلاء القادمون الجدد من العيش، على المدى الطويل، وهم يتكدسون مع عدة عائلات تحت سقف واحد؟”

ومن ناحية أخرى، تبرز "لوموند" أن "المسيحيين يخشون أيضا من أن يكون بعض النازحين الشيعة مرتبطين بحزب الله وأنهم يشكلون أهدافا محتملة لإسرائيل". 

وبهذا الشأن، يقول عوض: "أعلم أن هناك ستة أو سبعة منازل تأوي لاجئين شيعة، ولا أستطيع أن أعرف إذا كان ابن عم أحدهم، الذي يمر لتناول العشاء أو النوم، عضوا في حزب الله أم لا. لكنني لا أستطيع إغلاق الطريق أمامهم على أي حال".

شلل سياسي

وفيما يخص مساعدة النازحين في معيصرة، يوضح رئيس البلدية، عوادي علي عمرو، أن جانب رعاية الضحايا يعكس فشل الدولة وهيمنة الأحزاب السياسية على العمل الإنساني في لبنان.

ويقول عمرو: "إننا لا نعتني بهذا الجانب، وإنما حزب الله هو الذي يساعد الناس ويعمل على إيصال المساعدات الغذائية إلى هنا".

ويصف الوضع المرير قائلا: “يصل الناس إلى هنا في حالة من الذعر، والكثير منهم غادروا بشكل عاجل دون اصطحاب أي من حاجياتهم، حتى دون قميص بديل”.

وأردف: "لقد فتحنا المدرسة للنازحين، ولكن لا يوجد ماء على سبيل المثال. وما أستطيع توفيره سرير وغطاء، لكن لا شيء أكثر من ذلك".

وتلفت الصحيفة الفرنسية النظر إلى أنه "في قرية زعيترة، يتعلق جورج عوض بأمل انتخاب رئيس جديد تقبله جميع الطوائف، ويستطيع أن يطلب وقف إطلاق النار بدعم من المجتمع الدولي". 

وتقول الصحيفة إن "لبنان بلد يعاني من الشلل السياسي، فهو بلا رئيس منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر 2022". 

وقد حاول البرلمان منذ ذلك الحين انتخاب خليفة له في اثنتي عشرة محاولة، ولكن دون جدوى.

وتنقل الصحيفة ما قاله النازح في معيصرة سهاد قطيش، معبرا عن عجزه: "إذا وصل قارب وعرض على أطفالي أن يأخذهم بعيدا عن هنا، سأرسلهم في الدقيقة نفسها. لم يعد لدي سوى رغبة واحدة في الحياة، وهي رؤية أطفالي يغادرون هذا البلد".