نخوة مفقودة.. هل تتحد دول الخليج ضد إسرائيل وتتخذ ردا عمليا يتجاوز الإدانة؟

"لم يكن لإسرائيل أن تقوم بذلك لولا غطاء من إدارة الرئيس الأميركي"
على وقع العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، برزت تساؤلات مُلِحّة عن أسباب تواطؤ واشنطن مع الكيان، وإلى أي مدى يمكن لدول الخليج المطبعة أن تقطع علاقتها مع إسرائيل؛ دفاعا عن المنظومة الخليجية ووحدتها، التي تؤكدها دائما في بياناتها.
وأعلنت إسرائيل في 9 سبتمبر/ أيلول 2025 مسؤوليتها عن الهجوم الجوي على قادة لحركة "حماس" في الدوحة، الذي استهدف "رئيس وفد حماس المفاوض خليل الحية، وعضو المكتب السياسي زاهر جبارين، وقيادات أخرى.
ومع فشل العدوان، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو اتخذ قرار قصف قطر، وأن الأخيرة دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة وتعمل جاهدة على المخاطرة بشجاعة معنا للتوسط من أجل السلام، وأن الهجوم لا يخدم أهداف إسرائيل وأميركا.

اكتفاء بالإدانة
رغم أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي أصدرت بيانات أدانت فيها العدوان الإسرائيلي، لكن المواقف كانت متباينة ولم يصدر أي قرار مشترك يمثل المنظومة الخليجية يشكّل رادعا لإسرائيل، خصوصا أن الأخيرة عدّت هجومها على الدوحة رسالة للشرق الأوسط.
تعليقا على الهجوم الإسرائيلي ضد قيادة حركة حماس في قطر، نشر رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا، مقطع فيديو للقصف على حسابه في منصة "إكس" وكتب قائلا: "هذه رسالة لكل الشرق الأوسط".
وأجرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتصالا هاتفيا بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أكَّد خلاله وقوف المملكة التام مع دولة قطر وإدانتها "للهجوم الإسرائيلي السافر".
وأكد ولي العهد السعودي أن "المملكة تضع كل إمكاناتها لمساندة الأشقاء بقطر وما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها". حسبما نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" في 8 سبتمبر.
أما دولة الإمارات، فقد أدان المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش الهجوم الإسرائيلي، وقال في منشور على موقع "إكس": إن "أمن دول الخليج العربي لا يتجزأ".
وأضاف قرقاش "نقف قلبا وقالبا مع دولة قطر الشقيقة، مدينين الهجوم الإسرائيلي الغادر الذي استهدفها".
من جهته، اكتفى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، بكتابة تدوينة قصيرة على حسابه في منصة "إكس" قائلا: "تضامننا الكامل مع قطر الغالية".
وعلى صعيد الكويت، أدانت الخارجية الكويتية "العدوان الغاشم الذي تعرضت له دولة قطر من قبل القوات الإسرائيلية الجائرة".
وأضافت الوزارة، في بيان، أن هذا العدوان يشكّل "انتهاكا صارخا للقوانين والأعراف الدولية كافة وتهديدا خطيرا لأمن المنطقة واستقرارها، وتقويضا مباشرا للأمن والسلم الدوليين".
من جهتها، أعربت الخارجية العمانية عن تضامن السلطة مع دولة قطر وإدانتها البالغة للهجوم الإسرائيلي، وقالت الوزارة، في بيان: إن "جرائم الاغتيالات السياسية انتهاك صارخ للقانون الدولي، وخرق فاضح لسيادة الدول وتصعيد خطير".
وفي السياق، قالت وزارة الخارجية البحرينية: إن المملكة تدين الهجوم الإسرائيلي على دولة قطر الشقيقة، بصفته انتهاكا للسيادة الوطنية القطرية ولمبادئ القانون الدولي.
وأعربت المملكة عن تضامنها الكامل مع دولة قطر الشقيقة في كل ما تتخذه من خطوات لحماية أمنها وسيادتها وسلامة المواطنين والمقيمين على أرضها، داعيةً إلى التهدئة ووقف التصعيد حفاظًا على السلم والأمن الإقليميين.
ومن دون الدعوة إلى اجتماع طارئ، أدان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي بأشدّ العبارات "العملية الدنيئة التي قامت بها إسرائيل على أراضي قطر". مضيفا: "دول المجلس تتضامن بشكل كامل مع دولة قطر وتقف مع أي إجراء تتخذه".

"تحكم الأيباك"
وعن أسباب تواطؤ الولايات المتحدة الأميركية- حليفة قطر- في الهجوم الإسرائيلي، قال المحلل السياسي القطري، علي الهيل: إن "الزعرنة الفاشية الصهيونية مستمرة في كل الأراضي، وفي سوريا ولبنان واليمن وقبلها في تونس، وهذه المرة في قطر".
وأضاف أستاذ العلوم السياسي في جامعة قطر لـ"الاستقلال" أن "الهجوم بداية تطبيق خطة المعتوه بنيامين نتنياهو (إسرائيل الكبرى) الذي تدعمه الأيباك واللوبي الإسرائيلي في واشنطن اللذان يتحكمان في صناعة كل القرارات في البنتاغون والبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية والكونغرس".
وخلال مقابلة مع قناة "i24" العبرية في 12 أغسطس، عبر نتنياهو عن اعتقاده بأنه يؤدي "مهمة تاريخية وروحية"، مؤكدا ارتباطه بما يُعرف بـ"رؤية إسرائيل الكبرى"، والتي تشمل امتداد هذا الكيان ليشمل كل فلسطين وأجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا ومصر والسعودية والعراق.
تأسست اللجنة الأميركية للشؤون العامة الإسرائيلية المعروفة اختصارا (أيباك) عام 1953، وهي تعدّ أقوى جماعات الضغط (لوبي) في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيرا على الكونغرس، وتهدف إلى ضمان دعم أميركي متواصل لإسرائيل.
وأكد الهيل أن الرئيس الأميركي ترامب، اعترف قبل نحو 10 أيام بالضغوطات عليه، وذلك تحت ضغط شارع الولايات المتحدة الذي يعبر عنه نحو 60 مليون شاب أميركي تقريبا من اللذين ولدوا في الثمانينيات والتسعينات وما دون ذلك.
وصرّح ترامب خلال مقابلة مع موقع "ذا ديلي كولر" الأميركي في 2 ديسمبر، أن نفوذ إسرائيل في الكونغرس تراجع مقارنة بما كانت عليه قبل 20 عامًا، وأن كيان الأخيرة كان في السابق "أقوى جماعة ضغط" رآها، وأنها "كانت تسيطر تمامًا على الكونغرس، لكنها فقدت ذلك الآن".
وشدَّد الرئيس الأميركي على ضرورة التوصل إلى وقف سريع للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لافتا إلى أن استمراره يضر بكيان الاحتلال موضحا أن "إسرائيل قد تربح الحرب، لكنها ستخسر في ميدان العلاقات العامة، وهذا يلحق بها الضرر".
ولفت الهيل إلى أن "الهجوم على قطر كان أحد أهم أسبابه إجهاض مقترح ترامب للتوصل لاتفاق بشأن غزة، ولم يكن لإسرائيل أن تقوم بذلك لولا الغطاء من إدارة الرئيس الأميركي بضغط من الأيباك واللوبي الإسرائيلي وبناء على ذلك أعطى ترامب الضوء الأخضر".
ورأى الخبير القطري أنّ "كل ما يقال عدا ذلك من تصريحات سواء البيت الأبيض أو الخارجية الأميركية وحتى ترامب شخصيا، لا يعدو كونه استهلاكا إعلاميا وكذبا صريحا، خصوصا عندما يصرّح الأخير بأن إسرائيل دولة ديمقراطية لا تعتدي على أحد".

"هدف مشترك"
وبخصوص مدى اتخاذ دول الخليج قرارا مشتركا لقطع لعلاقة مع إسرائيل، قال الكاتب والمحلل السياسي المختص في شؤون الشرق الأوسط، عماد الدين الجبوري: إن "تعرض قطر إلى عدوان إسرائيلي بقصفها لاغتيال قادة حماس يفترض أن يكون هناك موقف خليجي مشترك".
وشدد الجبوري في حديث مع "الاستقلال" على "ضرورة عدم الاكتفاء بالتنديد والاستنكار، لا سيما أن هناك منظومة خليجية، لذلك يجب أن يكون هناك حراك على أرض الواقع ضد الهجوم الإسرائيلي".
وتوقع الكاتب ألا يعدى الموقف الخليجي "حالة الاستنكار والشجب وغير ذلك؛ لأن هناك منظومة خليجية طبعت مجانا مثل الإمارات والبحرين، ولن يكون لها موقف حاد وحاسم تجاه العدوان الصهيوني، كونها لديها التزامات وتعاون، خصوصا أن طائرة إماراتية هي من تنقل الأسلحة لإسرائيل".
وشدد على أن "الاستهتار الإسرائيلي تجاه العرب بشكل عام، وتحرك نتنياهو لم يكن من تلقاء نفسه وإنما هناك موافقة من واشنطن، وإلا فإنه لن يُقدم على هذا الهجوم بغضّ النظر عما يقوله الرئيس الأميركي وإدارة البيت الأبيض عن أنه قرار أحادي".
تساءل الجبوري، قائلا: "أين هي القاعدة العسكرية الأميركية في قطر والحماية والدفاعات الجوية والرادارات، لذلك فإن هذا الهجوم يدل على أنه مهما كان هناك من تعاون أو تطبيع مع العدو الصهيوني، فإنه لن ينجيهم من أي ضربة تخص التمدد الإسرائيلي والنقطة التي تريد أن تصل إليها إسرائيل".
وقال الخبير السياسي، إن "هذا الأمر مَعِيب بحق الحكام العرب بشكل عام، وعلى القواعد الجماهيرية أن ترفض التمدد والهيمنة الصهيونية على الواقع العربي".
واستبعد الجبوري أن "تسحب دول خليجية السفراء من إسرائيل، لا سيما أن هذا الفعل الإسرائيلي له ردود وانعكاسات، لكن لن يكون له هدف مشترك سواء من المنظومة الخليجية أو عبر الجامعة العربية أو حتى مع الدول العربية التي طبعت مع الكيان الإسرائيلي".
وتابع: "لن يكون هناك استنفار على مستوى المنظومة الخليجية كما نود، ولكن يجب أن تكون وحدة هدف مشتركة تجاه العدو الإسرائيلي، لأنه للأسف ما نتمناه شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر".
وخلص الجبوري إلى أنه "بعض النظر عن عدوان إسرائيل المستمر على سوريا ولبنان، وسابقا تونس وليبيا، لكن الوصول إلى قطر بالذات والمنظمة الخليجية، فإن الاستهتار أصبح واضحا وصريحا، لذلك لا بد من ردة فعل تليق بهذا التحدي والاستخفاف الإسرائيلي تجاه العرب عموما، والخليج خصوصا".
وبشكل رسمي طبعت الإمارات والبحرين مع إسرائيل منذ 20 أغسطس/آب 2020 برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى، بينما لاتزال الدول الخليجية الأربعة الأخرى خارج التطبيع رسميا حتى مع امتلاك البعض منها علاقات مع الاحتلال.
وكان الديوان الأميري القطري، قد أعلن عقب الضربة الإسرائيلية، أن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأكد خلال المكالمة على أن دولة قطر ستتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية أمنها.
وعلى الوتيرة ذاتها، أكّد رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أنّ بلاده "تحتفظ بحق الرد" على الضربة التي أودت بحياة ستة أشخاص بينهم عنصر في الأمن القطري، وخمسة من "حماس" منهم: همام الحية، نجل خليل الحية، ومدير مكتبه جهاد لبد.