بعد سنوات من الشتات.. هل يفكر يهود سوريا بالعودة والاستقرار؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

استغل بعض من يهود سوريا سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، للعودة إلى دمشق بعد عقود قضوها في المنفى، ومعاينة مدى قدرتهم على الاستقرار مجددا في بلدهم الأم.

وفي منتصف فبراير/ شباط 2025 وصل الحاخام اليهودي السوري الأميركي يوسف حمرا وابنه هنري إلى العاصمة دمشق لأول مرة منذ هجرتهما من سوريا إلى الولايات المتحدة قبل أكثر من ثلاثة عقود.

وعادت العائلة اليهودية السورية الأميركية ضمن وفد نظمته "مجموعة الطوارئ السورية"، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة مؤلفة من معارضين سوريين.

يهود سوريا

وحظيت العائلة اليهودية السورية التي تتحدث اللغة العربية باستقبال من جيران سابقين في حارة اليهود بدمشق القديمة.

وأدت العائلة اليهودية القادمة من الولايات المتحدة "صلاة المنحة" داخل "كنيس الإفرنج" بمنطقة باب توما بدمشق القديمة، في طقس جماعي قالوا: إنهم أقاموه للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وكنيس الإفرنج، واحد من أصل ثمانية كنس أخرى موجودة في دمشق، أسسته الجالية اليهودية التي فرت من الاضطهاد الإسباني بعد سقوط الأندلس، أواخر القرن الخامس عشر.

ويوجد أكثر من 20 كنيسا يهوديا في سوريا، لكن "الإفرنج" هو الوحيد الذي ما يزال يستقبل المصلين مما تبقى من يهود دمشق.

والبناء الحالي للكنيس يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر خلال الفترة العثمانية.

وبعد ترؤس الصلاة في كنيس الإفرنج، قال يوسف حمرا (77 عاما) خلال تصريحات صحيفة في 19 فبراير 2025: "زرت هذا الكنيس هنا وأديت الصلاة لآخر مرة قبل سفري إلى الولايات المتحدة".

وأضاف "بعد وصولي قبل يومين الى دمشق، جئت أصلي لأول مرة بعد زمن.. بعد 34 عاما".

وقال حمرا الذي غادر سوريا مع عائلته عام 1992"أحاول العودة إلى دمشق منذ عام ونصف العام، لكن النظام المخلوع لم يسمح لي بذلك".

وفي حديثه إلى اليهود في الغرب، قال حمرا: "تعالوا إلى سوريا وانظروا بأنفسكم، ربما تتغير وجهة نظركم، وربما ترغبون في العودة".

وفي عام 1992، تم تهجير أكثر من 5000 يهودي قسرا من سوريا على يد نظام حافظ الأسد.

ومنع بشار الأسد اليهود من العودة إلى سوريا واستولى على ممتلكاتهم، بعدما هاجروا إلى بلدان أوروبية وإلى الولايات المتحدة.

وهذا هو الوفد اليهودي الديني الأول الذي يعود إلى سوريا منذ 33 عاما، حيث كان حمرا آخر حاخام غادر سوريا وعمره حينها 44 عاما، في عداد آلاف اليهود السوريين الذين سافروا منها مطلع تسعينيات القرن العشرين.

وتشير الأنباء المتواترة إلى أن حاخام الطائفة اليهودية في دمشق المعروف باسم إبراهيم حمرا قام قبل فراره بتهريب لفائف وتيجان وكتب قديمة ومنحوتات محفوظة في الكنيس، ومنها أقدم نسخة من التوراة منقوشة على جلد غزال ونقلها إلى إسرائيل مطلع تسعينيات القرن العشرين.

وإثر انتهاء الصلاة داخل الكنيس، أعرب رئيس الطائفة اليهودية في سوريا بيخور شمنطوب عن سعادته لاستقبال الحاخام حمرا ونجله.

وقال شمنطوب الذي غادر جميع أشقائه الـ12 سوريا "سعيد بمجيء الوفد من الولايات المتحدة.. أحتاج لوجود يهود معي في الحارة"، آملا أن "يعود اليهود إلى حارتهم وشعبهم" في سوريا.

وكان شمنطوب المقيم في حارة في دمشق القديمة تحمل اسم “حارة اليهود”، في عداد قلائل آثروا البقاء في سوريا.

وأضاف "منذ أربعين عاما، لم أصلِّ صلاة جماعة، شعوري لا يوصف".

كما زار آشر لوفتين من الجالية اليهودية السورية في الولايات المتحدة دمشق رفقة الحاخام حمرا.

ورأى الجيران المسيحيون يوسف حمرا في الشارع وتذكروه عندما كان مدرسا في المدرسة المحلية، ودارت بينهم دردشات عن الذكريات الماضية.

مواقع دينية

من بين الأمور التي قام بها اليهود كذلك، زيارة قبر الحاخام حاييم فيتال زيا والمعابد اليهودية في دمشق.

وزار الوفد المقبرة اليهودية، وكنيس جوبر الأثري الذي دمره نظام الأسد، كما زار الوفد كنيس ”العرقي”، بالإضافة إلى مدرسة “إيفن ميمون” اليهودية.

 ويعد حي جوبر شمال شرقي دمشق الموقع الثاني لليهود في العاصمة السورية قديما، وفق كثير من المؤرخين، إذ يتوسطه كنيس "إلياهو هانابي" وهو أقدم كنيس يهودي في العالم، والذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 720 قبل الميلاد.

لكن هذا الكنيس العريق في حي جوبر الذي كان يأتيه اليهود كل سبت للصلاة فيه تعرض للدمار نتيجة قصف نظام الأسد للحي عقب اندلاع الثورة، بعدما شكل محجا لليهود من أنحاء العالم؛ حيث كان يحتوي على صالة بطول نحو 60 مترا، إضافة لغرفة للخادم.

وقد كان في حي جوبر الدمشقي مدرسة لليهود تدعى المجيدل.

وتمتع اليهود، الذين يعود وجودهم في سوريا إلى قرون قبل الميلاد، بحرية ممارسة شعائرهم الدينية خلال حكم عائلة الأسد.

لكن نظام الأسد الأب حافظ قيد حركتهم داخل سوريا ومنعهم من السفر حتى عام 1992. 

وبعد السماح لهم بالسفر، انخفض عددهم من نحو خمسة آلاف إلى سبعة مسنين يقيمون حاليا في دمشق.

وامتاز يهود دمشق بانفرادهم في صناعات معينة أهمها صناعة الكبريت والأواني النحاسية علاوة على تجارة الذهب، وكانوا يتحدثون العربية واللهجة الشامية والحلبية مع اللغة العبرية، حيث كان لهم مدرسة خاصة.

وقد قيل إن غالبية يهود سوريا هاجروا إلى الولايات المتحدة، بعد إسقاط الجنسية السورية عنهم من قبل نظام حافظ الأسد والسماح لهم بمغادرة البلاد، شرط عدم التوجه إلى إسرائيل.

لكن بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 جرى إغلاق كل الكنس اليهودية في سوريا.

لكن الإدارة السورية الجديدة تعهدت بإشراك الطوائف كافة في بناء مستقبل سوريا، وضمان أمنها.

وقد واجه يهود سوريا عقب عام 1948 شكوكا في كونهم جواسيس أو متعاونين مع إسرائيل.

قبل أن يتزايد هذا الشعور بعد إعدام الجاسوس الإسرائيلي الأشهر منذ تأسيس دولة إسرائيل، إيلي كوهين، الذي أعدم في ساحة المرجة بدمشق عام 1965.

وإيلي كوهين جاء إلى سوريا بهوية مزيفة تحت اسم "كامل أمين ثابت"، واستطاع أن يخترق دوائر الحكم في سوريا حتى وصل إلى أعلى سلطة فيها وهي اختراق دائرة أمين الحافظ، الذي كان رئيسا منذ يوليو/تموز 1963 وحتى فبراير/شباط 1966.

وجند الموساد الإسرائيلي كوهين ودربه على إتقان اللهجة السورية ثم أرسله إلى الأرجنتين لتقديم نفسه للجالية السورية هناك كرجل أعمال ثري ومهاجر شغوف بالعودة إلى وطنه الأم.

واليوم مع سقوط نظام الأسد، أتاحت الإدارة السورية الجديدة ليهود سوريا العودة إلى ممارسة طقوسهم.

دعم الإعمار

وضمن هذا السياق، قال المدير التنفيذي لقوة الطوارئ السورية، السوري معاذ مصطفى، إنه "يأمل أن يشجع الوفد اليهودي المزيد من اليهود السوريين على العودة ويساعدوا في دعم القضية السورية لدى واشنطن لرفع العقوبات التي فرضت في عهد نظام الأسد".

وأضاف مصطفى لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أنه "يأمل أيضا أن تُظهر الزيارة أن السلطات الجديدة في البلاد بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع جادة في تصريحاتها العامة حول الشمول وحماية الأقليات، مما سيؤدي إلى قيام الولايات المتحدة ودول أخرى بإزالة تسمية الإرهاب عن هيئة تحرير الشام التي يقودها الشرع".

والتقى الوفد اليهودي دبلوماسيين من الخارجية السورية بدمشق، وأرسل يوسف حمرا رسالة إلى الرئيس الشرع قال فيها إن الجالية اليهودية السورية في الخارج "لا تزال تحافظ على ارتباطها العميق بسوريا وطنها الأم".

وكتب حمرا: "لقد كان هذا المجتمع على مر التاريخ جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري، ونحن نتطلع إلى إعادة بناء جسور التواصل والمشاركة الفعالة في إعادة إعمار وطننا، والوقوف جنبا إلى جنب مع إخواننا السوريين".

ورغم المشاعر العاطفية التي انتابتهم عند عودتهم إلى ديارهم، فإن عائلة حمرا تقول إنهم غير مستعدين للتفكير في العودة الدائمة إلى دمشق، حيث يعاني البلد من ضعف البنية التحتية ودمار هائل في كل مناحي الحياة.

وقال هنري ابن الحاخام: "لا يمكنك البقاء بدون كهرباء، ولا يمكنك البقاء بدون مياه، وعندما تعيش في نيويورك ولديك كهرباء وإنترنت على مدار 24 ساعة... فمن الصعب للغاية العودة إلى هنا".

وسبق أن زار "جو جاجاتي" اليهودي السوري الأصل، في ديسمبر/ كانون الأول 2021  دمشق مع 12 شخصا من عائلته، قادمين من مدينة نيويورك التي وصلوا إليها في تسعينيات القرن العشرين.

وغادر جو مع عائلته دمشق عام 1996 ثم زار سوريا مرات عدة بمفرده، نظرا لاحتفاظه بجنسيته السورية، إذ لا يجد  صعوبة في الدخول إلى البلاد.