الأولى منذ سقوط صدام.. ماذا وراء الاستثمارات الخليجية الكبيرة في العراق؟
بعد مرور عقدين من الزمن على سقوط نظام صدّام حسين (عام 2003)، يجتذب العراق، وللمرة الأولى، استثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك السعودية.
وأعلنت السعودية أن لديها استثمارات متعددة في مختلف القطاعات في العراق تقدر قيمتها بأكثر من 5 مليارات دولار، وهي الحصة الأكبر في القطاع العقاري بالعاصمة بغداد.
أما الإمارات، بصفتها أول دولة خليجية تستثمر في العراق، فقد أعلنت أخيرا أنها ستوسع استثماراتها هناك.
وبعد 20 عاما من الاستثمارات المحدودة في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق شبه المستقل، قالت الإمارات إنها ستوسع استثماراتها لتشمل مشاريع عقارية كبيرة في بغداد.
كما أعلنت قطر رسميا عن استثمارات في العراق، دون الكشف عن قيمتها النقدية.
وبذلك تنضم الحكومة القطرية إلى المستثمرين القطريين من القطاع الخاص، الذين دخلوا سابقا في استثمارات عقارية كبيرة في بغداد.
علامة فارقة
وقال موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي، إن "هذا يُعد علامة فارقة، نظرا للخلافات الكبيرة السابقة بين الدول الخليجية والعراق بشأن علاقة الأخير مع إيران".
وفي مايو/أيار 2023، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذراع الاقتصادي للمملكة، رسميا عن إنشاء وحدة جديدة للاستثمار في العراق، برأس مال قدره 3 مليارات دولار.
وتشمل مجالات الاستثمار المرتقبة البنية التحتية والتعدين والزراعة والتطوير العقاري والخدمات المالية.
وللمساعدة في هذه الاستثمارات، أنشأ الصندوق فرعا للبنك العربي السعودي، باسم البنك العربي العراقي.
كما أنشأ الصندوق "الشركة السعودية-العراقية"، ضمن مبادرة لتأسيس خمس شركات إقليمية تستهدف الاستثمارات في الأردن والبحرين والسودان والعراق وعمان.
ووفق الموقع، فإن الأرقام والإحصائيات الرسمية تشير إلى أن التجارة بين العراق والسعودية نمت بنسبة 50 بالمئة بين عامي 2021 و2022، بقيمة إجمالية بلغت 1.5 مليار دولار.
أما المشروع الاستثماري السعودي الأكبر في العراق، فقد أعلن عنه أخيرا السفير السعودي لدى بغداد، عبد العزيز الشمري، هو مشروع "جادة بغداد" القريب من مطار المدينة.
ويشمل هذا الاستثمار -الذي تبلغ قيمته مليار دولار- أكبر مركز تجاري في العراق و4 آلاف شقة و2500 فيلا.
وفي إطار الجهود الاستثمارية الإماراتية، أُودع مبلغ 3 مليارات دولار في صندوق خاص للاستثمار في العراق، فيما أعلنت شركة "إعمار" الإماراتية عن مشاريع عقارية جديدة في بغداد.
وقال مصدر في وزارة التجارة العراقية لـ"ذا ميديا لاين" إن "الاستعدادات جارية للإعلان عن 10 مشاريع عقارية كبرى في العراق، باستثمارات سعودية وإماراتية وقطرية".
وأضاف المصدر أن المشاريع تبلغ قيمتها الأولية التقديرية 15 مليار دولار، وتقع على مساحات واسعة من الأراضي حول العاصمة العراقية.
وكشف أن العشرات من الوفود التجارية كانت تسافر بين العراق والسعودية كل أسبوع، وأن الرياض قدمت في يناير/كانون الثاني 2024، أكبر جناح في معرض استثماري خاص في بغداد.
وتحظى المشاريع بمتابعة مباشرة من قبل مكتب رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، كما أنها تخضع لهيئة الاستثمار، بحسب المصدر.
وأوضح أن "العديد من الاتفاقيات وُقعت مع السعودية، وتُنفذ حاليا بالكامل على أرض الواقع".
أزمة عقارية
بدوره، قال المدير في وزارة الإسكان والتعمير العراقية، سنان الجابر، للموقع الأميركي: "منذ أن ناقشنا التبادل التجاري مع السعودية، عرضنا عليهم الدخول في مشاريع عقارية للمساعدة في إعادة إعمار بلادنا، وتوفير الوحدات السكنية".
وذكر أن "هناك أزمة كبيرة في الوحدات السكنية في العراق"، مشيرا إلى أن "الجانب السعودي وافق على العرض العراقي".
وأكد الجابر أن بلاده "تخطط لتقديم المزيد من الفرص الاستثمارية للدول العربية وغيرها".
وأردف الجابر بأن المشاريع العقارية المعلن عنها أخيرا "حققت استقرارا في السوق العقاري العراقي، وأن هناك تراجعا في الأسعار ببعض المناطق التي شهدت تضخما غير منطقي، وهو ما يشكل فائدة كبيرة للعراق".
من جانبه قال فاروق علي، وهو عراقي يعمل مستشارا عقاريا في مشروع شارع بغداد، إن "السوق العراقي متعطش للمشاريع العقارية".
وأضاف: "هناك طلب على أكثر من 1.5 مليون وحدة سكنية، منها مليون وحدة بشكل فوري ونصف مليون خلال السنوات الأربع المقبلة".
وقال علي إن معظم المشاريع العقارية الحالية إما استثمار عراقي أو تركي، وأغلبها تنفذها شركات تركية.
واستدرك: "لكن في الوقت الراهن، نرى دخول المستثمرين من دول الخليج".
وأوضح أن "ما يميز المشاريع العقارية في العراق هو أن لها أرباحا مستمرة".
وتابع: "تشترط الحكومة على المطور العقاري تنفيذ مشاريع البنية التحتية وتوفير خدمات الكهرباء والماء والخدمات البلدية، وبدوره يقدم المستثمر هذه الخدمات مقابل رسوم شهرية، ما يعني أن استمرار وجود المستثمر يعني استمرار أرباحه، على عكس المشاريع في الدول الأخرى".
دور إيران
من جانبه، قال المحلل السياسي العراقي المقيم في الخارج، إبراهيم الجنابي، إن "الاستثمارات السعودية جاءت بعد المصالحة السعودية-الإيرانية (في 10 مارس/آذار 2023)".
وأضاف أن "العراق كان جزءا من هذه المصالحة، وهذه المشاريع هدية له".
واستدرك: "من وجهة نظري فإن المليشيات لا تزال تسيطر على العراق، وقد تقوم في أي لحظة بمشاريع عدائية تجاه الاستثمارات السعودية والخليجية هناك، إذا ما تلقوا أوامر من إيران بهذا الخصوص".
وتابع الجنابي: "هناك رسائل سياسية تحاول السعودية إرسالها، وهي أنها تسيطر على دول الشرق الأوسط، وأنها الدولة المهيمنة، من خلال ضخ الاستثمارات".
لكنه أوضح أن "هذا الأمر نسبي ويعتمد على توافقات سياسية كبيرة قد تتغير في أي لحظة".
وقال الجنابي إن العراقيين سيستفيدون من هذه المشاريع التي تدعمها حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السوداني.
لكنه ينبه أيضا إلى أنه رغم النجاح في جذب الاستثمارات، إلا أن "الحقيقة هي أن الاستقرار السياسي غير موجود، وهو الآن نسبي".
وأضاف: "طالما أن شبح الحرب يخيم على المنطقة، والحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني موجودان على بعد أقل من 100 كيلومتر من هذه المشاريع، فإن هذه المشاريع ستتأثر بشكل مباشر بأي ضربة أميركية أو أي حرب تجرى هناك".
وأردف: "لعل وجود هذه المشاريع وموافقة الحكومة العراقية عليها هو محاولة إيرانية لكسب المزيد من الحلفاء؛ لعدم تنفيذ أي عملية عسكرية ضد طهران".
وأوضح أن بهذه الطريقة "ستكون مصالح السعودية والإمارات وقطر في خطر، ومن ثم ستضغط هذه الدول على الجانبين الأميركي والإسرائيلي لعدم تنفيذ أي عمل، بما في ذلك عملية عسكرية ضد مصالح إيران ووجودها في العراق".
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة الأنبار، موفق الدليمي، أن "السعودية كانت بعيدة عن العراق، لكن أدركت الرياض أن الطريقة الوحيدة لإعادتها إلى العرب هي الدخول المباشر إلى سوق الاستثمار والتأثير في القرارات السياسية".
وأضاف: "منذ الإعلان عن المشاريع السعودية، شهدنا تغيرا في لهجة الحكومة العراقية تجاه إيران، وشهدنا لأول مرة أن متحدثا عراقيا رسميا يخرج ويعترض على قصف إيراني داخل العراق (منتصف يناير 2024)".
وأردف: "استقرار العراق يعني استقرار السعودية"، ويرى أن "هذه الخطوة انتظرها العراقيون منذ زمن طويل، وهي حاليا ذات فائدة كبيرة، وستعود بمردود اقتصادي كبير على البلدين".
فيما قال المستثمر السعودي في العراق، سعود الهذال، لـ"ذا ميديا لاين" إن "العراق لديه أكثر من 40 مليون نسمة، وحوالي 15 مليون منهم في بغداد، لذا فإن الاستثمار هناك مهم للغاية".
وتابع: "العراق ليس بلدا فقيرا، بل يملك موارد وإمكانيات كبيرة جدا، ومستوى الدخل العراقي أفضل بكثير مما توقعنا".
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي العراقي، إبراهيم العبودي، أن الاستثمارات السعودية في العراق "ستكون مربحة للغاية طالما حرص المستثمرون على بناء نظام مصرفي عراقي فعال".
وختم بالقول إن "النظام الحالي غير فعال، وستكون هناك مشاكل في التحويلات المالية"، مشددا على ضرورة "حل هذه المشاكل سريعا".