نتائج الانتخابات البرلمانية في جورجيا.. لماذا أزعجت الاتحاد الأوروبي؟

18 days ago

12

طباعة

مشاركة

ما تزال جورجيا، الجمهورية السوفيتية السابقة الواقعة في القوقاز تشكل "حلبة تنافس" للنفوذ بين روسيا والمعسكر الغربي، لا سيما الاتحاد الأوروبي الطامح لضم هذه الدولة إلى التكتل.

وكشفت الانتخابات البرلمانية في جورجيا التي جرت في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 أحد أوجه هذا التنافس المستمر، بعد فوز حزب "الحلم الجورجي" الحاكم بأغلبية ساحقة.

وهذه الانتخابات التشريعية متنازع عليها في جورجيا حيث نددت المعارضة بحدوث عملية "تزوير" على خطى "النموذج الروسي".

"الحلم الجورجي"

إذ منحت السلطات الانتخابية رسميا حزب "الحلم الجورجي" المقرب من الكرملين 54.8 بالمئة من الأصوات، بينما حصلت المعارضة مجتمعة على نحو 37 بالمئة.

وبذلك يتجه "الحلم الجورجي" لولاية رابعة، بعد حصوله على 89 مقعدا في البرلمان، أي أقل بمقعد واحد مما حصل عليه في 2020، فيما حصلت أربعة أحزاب معارضة موالية للغرب على 61 مقعدا إجمالا.

وقالت كل أحزاب المعارضة تقريبا، فضلا عن الرئيسة الجورجية المؤيدة للغرب سالومي زورابيشفيلي، التي انفصلت منذ مدة طويلة عن "الحلم الجورجي"، إنها لن تقبل النتائج ودعوا إلى احتجاجات.

وتنافس حزب "الحلم الجورجي" الحاكم منذ 2012 والذي يتهمه منتقدوه بالعمل على إرساء نظام استبدادي موالٍ لروسيا في جورجيا، مع أربعة تكتلات رئيسة تمثل المعارضة الموالية للغرب.

وتشكل هذه النتائج ضربة قوية للجورجيين المؤيدين للغرب، الذين عدوا الانتخابات اختيارا بين الحزب الحاكم الذي يوطد علاقاته مع روسيا والمعارضة التي كانت تأمل في تسريع التكامل مع الاتحاد الأوروبي.

وندّدت الرئيسة الجورجية الموالية للغرب سالومي زورابيشفيلي خصوصا بنظام احتيال "معقد" خلال هذه الانتخابات التشريعية.

ورأت المعارضة المؤيدة لأوروبا، ورئيسة الدولة الخارجة عن نهج الحكومة، ودول أوروبية عدة أن "مخالفات" شابتها.

ووصفت هذه الانتخابات البرلمانية بأنها معركة وجودية لأنها كانت ستحدد ما إذا ستندمج البلاد بشكل وثيق مع الغرب أم ستعود إلى الميل لروسيا.

وجورجيا دولة ذات سيادة في منطقة جنوب القوقاز في غرب آسيا، يحدها من الغرب البحر الأسود، ومن الشمال روسيا، ومن الجنوب تركيا وأرمينيا، وأذربيجان من الشرق، ويبلغ عدد سكانها 3,694,600 نسمة.

ومنح الاتحاد الأوروبي جورجيا منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2023 صفة المرشح للانضمام إليه، مع توصيات بالاستمرار في الإصلاحات السياسية التي ستخول للبلاد تحقيق هذا الهدف.

وكانت رئيسة جورجيا زورابيشفيلي قد حثت الدول الأوروبية على دعم بلادها في "طريقها الأوروبي"، خلال حفل حضره سفراء تلك البلدان يوم 4 مايو/ أيار 2024.

وجورجيا تنفذ التزامات مفروضة عليها وفق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى التكتل في عام 2030.

ويرى معارضو حزب "الحلم الجورجي" أنه يسعى إلى توجيه البلاد نحو موسكو، وإبعادها عن هدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

ولهذا سخرت أحزاب المعارضة بحسب بيان لها في 30 أكتوبر 2024 من التحقيق "العبثي" الذي يجريه "مكتب المدعي العام الخاضع لسيطرة روسيا" بشأن "عملية روسية خاصة".

واتهمت  زورابيشفيلي، موسكو بأنها وراء تزوير الانتخابات، واصفة الأمر بأنه "عملية روسية خاصة".

وقالت في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية إن أساليب تزوير الاقتراع تشبه تلك المستخدمة في روسيا. 

وأضافت استخدام التصويت الإلكتروني للمرة الأولى في جورجيا أسهم بشكل ملحوظ في عمليات التزوير هذه، كذلك تحدثت عن استخدام أساليب تقليدية مثل شراء الأصوات والضغوط.

من جانبه، رفض الكرملين بشدة مزاعم التدخل هذه، متهما زورابيشفيلي "بمحاولات زعزعة استقرار" بلدها.

بالمقابل دانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "تجاوزات" انتخابية، وطالب الطرفان تبليسي بفتح تحقيقات.

وأعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يصد حربا روسية على بلاده، في 30 أكتوبر عن أسفه لنتيجة الانتخابات معتبرا أن روسيا هي الفائز الحقيقي فيها، وأن تلك الانتخابات "سلبت حرية" الجورجيين.

"رسالة للأوروبيين"

وتعليقا على المشهد، قال محلل الشؤون الروسية أوليغ إغناتوف، إن "فوز حزب الحلم الجورجي يظهر أنه رغم دعم التكامل مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فإن فكرة الحفاظ على علاقات متوقعة وطبيعية مع موسكو لا تزال تحظى بدعم كبير في المجتمع الجورجي".

وأضاف إغناتوف لمجلة "نيوزويك" الأميركية  في 28 أكتوبر أن "هذا يمثل إشارة مهمة لسياسة الكرملين في الفضاء ما بعد السوفييتي، والتي يمكن أن تصبح نموذجا للصراع في المنطقة في السنوات المقبلة".

ومازالت جورجيا تحت تأثير حرب خاطفة خاضتها مع الجيش الروسي صيف عام 2008 حيث اجتاح الجيش الروسي الأراضي الجورجية، بذريعة حماية حلفاء روسيا من انفصاليي إقليم أوسيتيا الشمالية، لكن الهدف الحقيقي كان منع تبليسي من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو"، بحسب مراقبين.

وعقب تلك الحرب أنشأت روسيا قواعد عسكرية دائمة في منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين المدعومتين من موسكو في جورجيا. واعترفت بهما روسيا بصفتهما دولتين مستقلتين.

وشهدت جورجيا في مايو 2024 احتجاجات على مشروع قانون بشأن "النفوذ الأجنبي" مستوحى من القانون الروسي بشأن "العملاء الأجانب" الذي استخدمته موسكو لسحق المجتمع المدني. لكن هذه التعبئة لم تكن كافية لإسقاط المشروع.

ونتيجة إقرار القانون، جمدت بروكسل عملية انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على عشرات المسؤولين الجورجيين بتهمة ممارسة "قمع عنيف" بحق المتظاهرين.

وينتقد قادة "الحلم الجورجي" الغرب بشدة، ووصف زعيمه الملياردير "بيدزينا إيفانشفيلي" الغرب بـ"حزب الحرب العالمي" الذي سيحول جورجيا إلى ضحية ويستخدمها في معاركه.

وخلال الحملة الانتخابية، قدم الحزب الحاكم نفسه على أنه الوحيد القادر على منع تحول جورجيا إلى "أوكرانيا جديدة"، على خلفية النزاع بين روسيا والدول الغربية.

ويقول الحزب الحاكم إنه يريد انضمام جورجيا للاتحاد الأوروبي لكن بروكسل تقول إن طلب انضمام الدولة لعضوية التكتل معلق حاليا بسبب ما تقول إنه ميل من الحزب للديكتاتورية.

بالمقابل رحبت روسيا بفوز "الحلم الجورجي" في الانتخابات التشريعية، حيث وصفت بعض وسائل الإعلام الروسية هذا الاستحقاق بأنه نصر لـ "لحلفاء بوتين".

وعقب غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 لم يشارك حزب "الحلم الجورجي" الحاكم في العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وقاوم المحاولات الغربية لجر جورجيا إلى حرب مع روسيا.

واعترف مؤسس حزب "الحلم الجورجي" إيفانيشفيلي، في 21 أكتوبر 2024 بأن مسؤولا "غربيا" رفيع المستوى لم يسمه اقترح على رئيس وزراء جورجيا السابق غريباشفيلي أن يبدأ حربا مع روسيا،  وفق ما قال في حديث لقناة "إيميدي" الجورجية.

“حلبة تنافس”

وعن أهمية جورجيا لروسيا، كتب المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف أنه جرى "نقل أسطول البحر الأسود الروسي من سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم إلى نوفوروسيسك على الحدود الجورجية لجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للضربات الأوكرانية التي تشنها زوارق مسيرة تابعة للبحرية البريطانية، والآن سيتم مهاجمة هذه القاعدة البحرية الروسية من الأراضي الجورجية".

وأضاف على قناته في تلغرام في 22 أكتوبر 2024 قائلا:"جورجيا الآن تحاول قدر استطاعتها تجنب الانتقال إلى المعسكر الأميركي".

وكتبت "مارغريتا سيمونيان" رئيسة هيئة الإذاعة والتلفزيون الروسية عبر منصة إكس: “لقد فاز الجورجيون. يا لها من فرحة!”.

لكن في ظل التقارير التي تحدثت عن مخالفات في التصويت ورفض أحزاب المعارضة، للنتيجة بشكل قاطع، فمن غير المرجح أن يتم حسم هذه المسألة في أي وقت قريب.

وضمن هذه الجزئية، رأت الصحفية "ناتاليا انتيلافا" في مقال لها نشر في صحيفة الغارديان البريطانية في 28 أكتوبر 2024 أنه "في حالة جورجيا، الفائز الأكبر هو الكرملين، الذي فاز للتو بمعركة في حربه العالمية ضد الديمقراطية الليبرالية".

وأضافت: "من غير المرجح أن تنجح المعارضة الجورجية ما لم تحصل على اهتمام مركز من أوروبا والولايات المتحدة. ولكن في ظل المأساة التي أحاطت بالشرق الأوسط، ودراما الانتخابات الأميركية، وإلحاح الحرب التي أصبحت غير مستدامة على نحو متزايد في أوكرانيا فإن الأحداث في جورجيا سوف تكافح للتنافس على الاهتمام".

بدورها قالت أولجا أوليكر، مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في مجموعة الأزمات الدولية، في تصريحات لمجلة "نيوزويك" الأميركية  في 28 أكتوبر، إن "روسيا تنظر إلى البلاد بصفتها جائزة في منافسة مع الاتحاد الأوروبي، الذي عرض على تبليسي الترشح. ويبدو الآن أن هذا العرض الأخير من غير المرجح أن يتقدم في أي وقت قريب".