وضعها خبير يهودي أميركي.. من أين جاء ترامب بخطة تهجير فلسطينيي غزة؟

إسماعيل يوسف | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

في خضم تطورات الإعلان الأميركي عن الرغبة في تهجير فلسطينيي قطاع غزة، تعود التحليلات إلى أصل المقترح في يونيو/حزيران 2024 حين وضع الخبير الاقتصادي اليهودي، جوزيف بيلزمان، خطة لما سماها "اليوم التالي" لغزة.

بيلزمان نقل الخطة لفريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في يوليو/ تموز 2024، خلال الحملة الانتخابية، وقد بحثها ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو نهاية الشهر ذاته، عندما زار الولايات المتحدة والتقى معه بمنتجعه في فلوريدا.

وبعد فوزه، طرح ترامب خلال مؤتمره الصحفي مع نتنياهو في 4 فبراير/شباط 2025، هذه الخطة التي تشمل تهجير سكان غزة بالكامل، و"تنظيف أرضها وتسويتها بالأرض"، وفق تعبيراته، ما أظهر أنها خطة مفاجئة، قبل أن يتم كشف الحقيقة.

ووفق هذه الخطة، يزعمون أن “غزة الجديدة ستكون مدينة اقتصادية بها أبراج وقطارات كهربائية على طريق البحر، وستصبح مدينة سياحية، منزوعة السلاح”.

ويؤكد تفاصيلَ الخطة أن النية معقودة منذ شهور لتهجير أهل غزة بالكامل، وما تفعله إسرائيل من تدمير وإبادة متعمدة، وما قاله ترامب ليس سوى تنفيذ لها، وفق رؤية عنصرية مشبعة بـ"البيزنس".

أما دلالات الخطة فتشير إلى أنه “ربما لن يكون هناك مرحلة ثانية من اتفاق التهدئة وربما استئناف العدوان”.

خطة شيطانية

وبحسب موقع "زمان يسرائيل" العبري التابع لـ"تايمز أوف إسرائيل" في 6 فبراير 2025، بدأت معالم الخطوط العريضة لخطة بيلزمان، تظهر حين نشر مقالا في يونيو 2024 بعنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة".

وأكد بيلزمان، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، لموقع "زمان يسرائيل"، أنه وضع الخطة، حين طلب منه مستشارو ترامب "أفكارا خارج الصندوق" حول "اليوم التالي في غزة" في يونيو/ حزيران 2024.

ولاحقا، نُشرت ورقة بيلزمان، التي تحمل عنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة: نهج البناء والتشغيل ونقل الملكية"، في مجلة "غلوبال وورلد جورنال" في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وتقع الخطة الاقتصادية، التي قدمها بيلزمان لحملة ترامب الانتخابية، في 40 صفحة، وتعتمد على بناء غزة وفق نموذج "البوت" (BOT) أي إسناد المشاريع لشركات خاصة تشارك باستثماراتها، إلى جانب هيئات دولية.

وذلك مقابل حصول هذه الشركات العالمية على حق استئجار أراضي غزة لمدة 50 عاما، ومن ثم حق بناء وإدارة مشاريع طوال تلك الفترة.

وكان أول من كشف هذه الخطة، هو المؤرخ الإسرائيلي للسياسة الأميركية والجيوإستراتيجية، كوبي باردا خلال بودكاست "أميركا بايبي" في 25 أغسطس/آب 2024.

ونقل باردا في البودكاست عن بيلزمان قوله: "كتبت الخطة من وجهة نظر خبير اقتصادي، حول كيف يبدو اليوم التالي في غزة، ونقلت الوثيقة إلى مستشاري حملة ترامب الانتخابية، وأبدوا اهتماما بها".

وبحسبه، فإن شكل الحكم في غزة في المستقبل ينبغي أن يكون على شكل "مدينة – دولة"، مع حاكم محلي وانتخابات محلية، لكن بدون سيادة كاملة أو جيش أو علاقات خارجية منزوعة السلاح.

ويقول بيلزمان: إن "الحل المطروح في ورقتي البحثية هو هدم المكان (غزة) والبدء من البداية (عليك أن تدمر المكان بأكمله، وعليك أن تبدأ من الصفر)".

وبعد البناء من جديد، سيعتمد اقتصاد غزة على ثلاثة مجالات مركزية هي السياحة، والزراعة، والهايتك (التقنية العالية).

فحص التنفيذ

ومثلما تحدث ترامب عن إقامة "ريفييرا" في قطاع غزة، تنص خطة بيلزمان على تحويل غرب غزة إلى منطقة سياحية، تبنى في شواطئها فنادق، بينما في القسم الشرقي من القطاع يتم بناء أبراج سكنية.

فوفق تصور بيلزمان سيتم إقامة مطاعم وفنادق ووسائل راحة فاخرة على الجانب الغربي من القطاع المطل على البحر (للأجانب) ووحدات سكنية على طراز مباني الصين الشعبية الرخيصة تتألف من 30 طابقا على الجانب الشرقي لسكان غزة.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 4 فبراير 2025 أن ترامب أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية أواخر صيف 2024 (توقيت خطة بيلزمان) أن "غزة قطعة عقارية رئيسة وأنها قد تكون موقعا مثاليا لبناء الفنادق".

وفي فبراير 2024 قال جاريد كوشنر صهر ترامب: إن "العقارات الواقعة على الواجهة البحرية في غزة قد تكون ذات قيمة كبيرة".

وحسب ورقة "البحث" التي وضعها بيلزمان، فإن التقديرات حول تكلفة تهجير الغزيين والبناء في القطاع تتراوح بين 500 مليار وتريليون دولار (قال لاحقا من تريليون إلى تريليوني دولار) وفترة التنفيذ تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 5 فبراير 2025، أن ترامب لم يعقد أي اجتماعات أو مناقشات أو يستكشف أيا من الجوانب العملية أو القانونية وراء اقتراحه بتولي "ملكية" غزة ونقل مليوني نسمة من سكانها، قبل إعلان ذلك في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو.

ونقلت عن مسؤولين لم تكشف عن أسمائهم، أنه لم تكن هناك اجتماعات مع البنتاغون أو وزارة الخارجية لمناقشة مثل هذه الخطة، فضلا عن عدم وجود تقديرات لأعداد القوات المطلوبة، أو تقديرات التكلفة، أو حتى مخطط لكيفية عملها.

وأشارت "نيويورك تايمز"، إلى أنه قبل إعلانه ذلك، لم تقم إدارة ترامب حتى بالتخطيط الأساسي لفحص إمكانية تنفيذ مثل هذا الاقتراح والمستوى المحتمل لانخراط الولايات المتحدة.

وقال مستشارون ومسؤولون أميركيون للصحيفة، إنهم يتوقعون أن "تتلاشى فكرة ملكية غزة بهدوء عندما يصبح من الواضح لترامب أنها غير قابلة للتطبيق".

وعندما سُئل في المؤتمر الصحفي، عمن أعطاه سلطة تملك الولايات المتحدة السيطرة على أرض أجنبية، قال ترامب: إنه “لم يتخذ هذا القرار باستخفاف”، وادعى أن "كل من تحدثت إليهم يحبون فكرة امتلاك الولايات المتحدة لتلك القطعة من الأرض"، أي غزة.

بلا  أنفاق

ويقول المخطط اليهودي للمشروع: إن تطبيقه يستوجب أن "يكون المكان فارغا بالكامل، بحيث يمكن إعادة تدوير الإسمنت المدمر، وشريطة ألا يبقى شيء من البناء الأفقي إلى عمق الأرض" (أي الوصول لأنفاق المقاومة وهدمها).

فبحسبه، فإنه لن توافق أي جهة خاصة أو دولية على إعادة إعمار غزة، في أعقاب الدمار الرهيب الذي ألحقته إسرائيل في القطاع، طالما لا يتم تدمير شبكة الأنفاق المتشعبة.

وقال بيلزمان: "ستتطلب عملية إعادة الإعمار حفر الأنفاق بالكامل"، رغم أنه زعم أن الجيش الإسرائيلي "هدم الكثير منها".

أما حكم حماس لغزة، فيزعم بيلزمان أنه "لا جدوى من التعاون معها ويجب تصفية جميع عناصرها".

وتابع: "فحماس لن تتنازل أبدا، ولن يعترفوا بإسرائيل أبدا، وآمل أن ينجح الإسرائيليون في التخلص من حماس"، وفق قوله.

ولضمان تهجير سكان غزة وعدم عودتهم، اقترح بيلزمان أن يصدر الجيش الإسرائيلي بطاقات بيومترية لأي شخص في القطاع، بهدف الحصول على معلومات فورية عنهم لدى تنقلهم.

مع ربط معلومات هذه البطاقات البيومترية بأجهزة التعرف على الوجوه، بحجة "التفريق بين المدنيين والمسلحين".

وذكرت خطة بيلزمان أنه "في حال عودة سكان غزة إلى القطاع، فإنه يجب إجراء تغيير جذري لجهاز التعليم، واستيراد مناهج تعليم، من روضة الأطفال وحتى الجامعة".

واستطرد: "هذه المناهج يجب أن تكون شبيهة بالمناهج في الإمارات أو السعودية، وأن تستند الدراسة إلى التيار الإسلامي الصوفي السني".

موافقة السيسي 

وخلال المقابلة التي أجراها المؤرخ الإسرائيلي كوبي باردا، مع بيلزمان، قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، قال الأخير: إن “نجاح الخطة يتطلب موافقة مصر على استقبال الغزيين”، مقترحا أن يتم تهجيرهم إلى سيناء أو دول أخرى.

والملاحظ هنا أن الخطة أُعدت وسط غياب تام لأي استشارة لسكان غزة الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة.

وقال: إنه في حال انتخاب ترامب، سيكون بإمكانه إقناع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، بالموافقة على تهجير جميع فلسطينيي غزة، مقابل مساعدة أميركية لمصر بما يتعلق بدينها القومي، الذي بلغ في حينه 155 مليار دولار.

بيلزمان قال: إن "مصر دولة فاشلة اقتصاديا، وهم في حالة إفلاس ومرغمون على تلقي مساعدات من العالم كله".

وأضاف: “ما يتعين على مصر أن تفعله هو السماح للغزيين بالعبور إلى أراضيها، للبقاء في سيناء، أو يخرجون من هناك إلى أنحاء العالم، أو ينتقلون إلى تونس”.

وأكد تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 7 فبراير 2025، أن "قيادة الجيش الإسرائيلي أبدت شكوكا بشأن إمكانية تنفيذ خطة الرئيس الأميركي، بشأن غزة".

ونقلت الصحيفة عن مصادر الجيش: إن "نجاحها يعتمد على عاملين رئيسين غير متوفرين حاليا، وهما رغبة سكان غزة في الهجرة، واستعداد دول لاستقبالهم".

وحسب التقرير، أعرب ضباط كبار في الجيش خلال مناقشات مغلقة عن رغبتهم في إيجاد حل لقضية غزة دون اتهام إسرائيل بجرائم حرب.

لكنهم أقروا بأن التحدي الأساسي يكمن في غياب إرادة دولية لتنفيذ الخطة، بالإضافة إلى موقف حركة حماس التي لا تزال تفرض سيطرتها على القطاع ولن تسمح بخروج السكان.

وأشار التقرير إلى أنه ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي، غادر القطاع حوالي 30 ألف فلسطيني طواعية، فيما غادر نحو 1500 مريض وجريح بموافقة إسرائيلية.

وذكر أن "قادة الجيش الإسرائيلي ناقشوا إمكانية تمويل عمليات الهجرة عبر مساهمات دول عربية غنية أو منح أميركية"، لكن هناك تباينا في الآراء داخل الجيش بشأن مدى استعداد سكان غزة للهجرة.

وأفاد التقرير بأن “إسرائيل نفذت سابقا خطة سرية سمحت بموجبها لـ60 ألف فلسطيني من غزة بالهجرة خلال العقد الماضي، عبر معبر الكرامة (جسر الملك حسين)، شرط ألا يعودوا للقطاع لعدة سنوات”.

لكن "معظم هؤلاء المهاجرين لم يتمكنوا من الاستقرار في الدول التي توجهوا إليها، مثل تركيا، وعاد عدد كبير منهم إلى القطاع لاحقا"، وفق يديعوت أحرونوت.

وحين سئل ترامب من سيسكن غزة بعد تهجير سكانها قال: "كل العالم"، و"ناس من جميع أنحاء العالم سيعيشون في غزة بعد إعادة تطويرها؟"

وكانت خطة ترامب الاستعمارية للسيطرة على غزة وتملكيها لغير الفلسطينيين، وضحت خلال المؤتمر الصحفي مع نتنياهو الذي أعلن عنها فيه.

وحين سأله مراسل: “كم عدد الأشخاص الذين تعتقد أنهم بحاجة إلى مغادرة غزة؟” رد: "كلهم، ربما مليون وسبعة ملايين أو ربما مليون وثمانية ملايين"، علما أن سكان غزة عددهم قرابة 2.3 مليون نسمة.