توقيع اتفاق جديد بين واشنطن وطهران.. كيف يفيد تركيا اقتصاديا؟

يعاني قطاع الطاقة في إيران من أزمة كبيرة مع محدودية استخدام مصادرها المتجددة
فوائد كثيرة ستجنيها أنقرة حال توقيع اتفاق نووي جديد بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، في خضم المحادثات الجارية بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
هذا ما أكدته وكالة الأناضول التركية في مقال للكاتب "أوغوز أكار" قائلا إن إيران تواجه اليوم تحديات اقتصادية عميقة في قطاعات حيوية مثل الطيران، والملاحة البحرية، والنفط، والسيارات، وتكنولوجيا المعلومات والمصارف.
وأعلنت غرفة تجارة إيران أن قطاعات البناء، والطرق السريعة، والسكك الحديدية والعقارات تحتاج إلى استثمارات هائلة تقدّر بتريليون دولار. أما قطاع السيارات وحده فيشهد حجم إنتاج واستيراد يتجاوز 50 مليار دولار سنويا.
أمّا البترول فيعدّ أكثر القطاعات تدهورا، إذ إن حقول البصرة وبحر قزوين بحاجة ماسة إلى التحديث والتطوير، مع ضرورة تحسين كفاءة استخراج النفط.

فرص اقتصادية
وعلى الرغم من امتلاك إيران احتياطات ضخمة من النفط والغاز، فإن البنية التحتية لأنظمة الأنابيب لم تشهد أي تحديث حقيقي، مما جعل من الصعب إيصال الغاز الطبيعي إلى المواطنين.
كما أن البنزين المحلي يعاني من ضعف الجودة، مما أدى إلى ارتفاع مستويات تلوث الهواء في العديد من المدن الإيرانية.
وقد قدّرت حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان احتياجات قطاع النفط وحده باستثمارات تصل إلى تريليون دولار.
ولا يتوقف الأمر عند النفط؛ إذ يعاني قطاع الطاقة في إيران من أزمة كبيرة مع محدودية استخدام مصادرها المتجددة.
وجرى تقدير حاجة البلاد للاستثمارات في هذا القطاع بما يتراوح بين 200 إلى 250 مليار دولار، بالإضافة إلى احتياجات كبيرة في قطاعات مواد البناء، والصناعات الفرعية للسيارات، والنسيج، والسياحة والصناعات الغذائية، وفق الكاتب.
وتابع: "عند النظر إلى هذه الصورة، يتضح أن إيران، بفضل مواردها الطبيعية وكثافة سكانها وموقعها الجغرافي، تقدم فرصا مغرية للمستثمرين".
ففي ظل الحروب التجارية والانكماش العالمي، تثير إيران ذات التسعين مليون نسمة اهتمام الجميع. وأضاف الكاتب: رغم أن واشنطن ترغب في التعامل مع طهران بشكل أحادي وفق شروطها، فإن ذلك غير ممكن من الناحية التقنية.
فبعد أي اتفاق محتمل ستسعى واشنطن للاستثمار في قطاعات كبرى محددة كالبترول والطيران والتأمين والمصارف، لكنها لن تتمكن من تلبية احتياجات السوق الإيراني كافة في المجالات الأخرى، وهنا تبرز أهمية تركيا.
فمن خلال علاقاتها الجيدة مع إدارة ترامب ستكون تركيا من أكثر الدول استفادة من الوضع الجديد، وفق الكاتب.
وأرجع ذلك إلى أنها "تملك القدرة على الاستثمار وتلبية احتياجات إيران في قطاعات مثل البناء، والسياحة، والنسيج، والصناعات الفرعية للسيارات، والماكينات والنقل، وهي مجالات حققت فيها تركيا نجاحات كبيرة خلال العقود الثلاثة الماضية".
وأردف: "هنا تأتي فرصة تركيا التي تتمتع بخبرة طويلة وعلاقات تجارية وثقافية متجذرة مع إيران، وهي ميزة تفتقر إليها الولايات المتحدة التي قطعت علاقاتها الاقتصادية مع طهران منذ عام 1979".
فتركيا، التي أثبتت نجاحاتها خلال العقود الثلاثة الماضية في مجالات البناء والسياحة والصناعات النسيجية وصناعة الماكينات والنقل، قادرة على تلبية جزء كبير من احتياجات السوق الإيراني.
كما أن انتشار الأتراك في إيران وسهولة التواصل باللغة التركية في طهران والمدن الكبرى، يشكلان نقطة قوة إضافية تدعم فرص أنقرة الاقتصادية.
كما أن الإيرانيين اعتادوا السفر إلى تركيا منذ الثورة الإسلامية، مما جعل العلاقات التجارية والثقافية بين الشعبين أكثر سهولة.
وحتى لو أرادت واشنطن احتكار القطاعات الكبرى (النفط والطيران والبنوك)، فستحتاج إلى شريك إقليمي لإدارة القطاعات المتوسطة والصغيرة، وهنا تبرز تركيا بقوة.
والأكثر أهمية من ذلك أن تركيا ليست منافسا مباشرا للولايات المتحدة مثل الصين أو الاتحاد الأوروبي، مما يجعل التعاون الثلاثي أكثر سلاسة.
ومع اقتراب المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران من نتائج حاسمة، ينبغي على تركيا أن تراقب هذه التطورات عن كثب، وأن تستعد للتحرك السريع لاستغلال الفرص المتاحة، وذلك عبر توظيف إمكانياتها السياسية والاقتصادية والثقافية كافة، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، وفق الكاتب.

استئناف المفاوضات النووية
وقال الكاتب: شهدت سلطنة عمان في 12 أبريل/نيسان 2025 حدثا لافتا حين عادت طهران وواشنطن إلى طاولة المفاوضات النووية، وسط دهشة واسعة من المراقبين.
ففي الوقت الذي كانت التوقعات تشير إلى أن ترامب سيتجه نحو التصعيد الأقصى ضد إيران، بل وربما شن ضربات ضد منشآتها النووية، جاءت عودة الحوار لتغير مسار الأحداث بشكل دراماتيكي.
فقد جرى فتح قنوات الاتصال من جديد على الرغم من أنّ فكرة التفاوض بين الطرفين كانت تبدو بعيدة للغاية؛ إذ إنّ ترامب كان قد أصدر في وقت سابق أمرا باغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني خلال فترته الأولى، وهو الأمر الذي دفع طهران إلى وصفه بـ"القاتل".
وقال الكاتب: إن الأمر اللافت الآخر في عملية التفاوض هذه هو أن إيران التي لطالما أكدت أن "أنشطتها النووية ليست محل تفاوض" قد وجدت نفسها تواجه عرضا مباشرا من ترامب.
ويتلخص العرض في أنه: "إذا أوقفت إيران جميع أنشطتها النووية، فإن العالم سيفتح لها أبوابه". وبذلك فإن هذا الطرح المختلف عن المواقف التقليدية الأميركية أسهم في تسريع عودة المحادثات.
واستدرك الكاتب التركي: لنفهم خلفية هذا التحول لا بد أن نعود إلى اتفاق 2015، حين أبرمت إيران صفقة مع مجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة والمكونة من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين بالإضافة إلى ألمانيا).
وآنذاك، رضخت طهران لضغوط اقتصادية خانقة أضعفت بنيتها التحتية وأنهكت اقتصادها وأشعلت غضبا داخليا.
وأعاد الاتفاق حينها بعض الأمل بتحسين الأوضاع، لكنه سرعان ما اصطدم بجدار التغير السياسي في واشنطن.
فترامب رأى الاتفاق النووي إرثا فاشلا لإدارة سابقه باراك أوباما، ورأى أن الولايات المتحدة قدمت تنازلات دون مقابل فعلي.
وتابع الكاتب: بعد الاتفاق جرى رفع العقوبات عن إيران، وبدأت الشركات الأوروبية والآسيوية تتهافت على السوق الإيرانية، بينما لم تحصد الولايات المتحدة شيئا يُذكر، حتى إنّ طهران من خلال سياساتها شددت حظر المنتجات الأميركية على أراضيها.
ولذلك من وجهة نظر ترامب فإنّ رفع العقوبات قد منح إيران القدرة المالية لتعزيز دعمها لوكلائها الإقليميين دون أي قيود، مما زاد من نفوذها الإقليمي الذي تعده واشنطن تهديدا مباشرا لمصالحها وحلفائها.

مفترق طرق
وبعد إعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة عام 2024 قدم دونالد ترامب عرضا جديدا لطهران، مستعرضا مقاربة مختلفة تماما عن النهج الدبلوماسي التقليدي.
فبدل إرسال دبلوماسي رسمي أو مسؤول حكومي للتفاوض، اختار ترامب أن يرسل رجل الأعمال ستيف ويتكوف مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط من أجل التباحث مع إيران.
والرسالة كانت واضحة وصريحة، فالمطلوب ليس حوارا سياسيا مطولا، بل صفقة تجارية مباشرة: "تخلوا عن مشروعكم النووي، وسنفتح معكم باب التجارة."
وأردف الكاتب التركي: انطلقت المفاوضات فعليا في 12 أبريل 2025 على هذا الأساس، وجعلت من الاقتصاد محور الحديث بدلا من السياسة التقليدية أو الأمن النووي وحده.
وبهذا فإن اختيار رجل أعمال للتفاوض قد كشف بوضوح عن أولويات ترامب: تحقيق استفادة أميركية مباشرة من السوق الإيرانية. وقال الكاتب: إن الرئيس الأميركي يدرك تماما الإمكانات الاقتصادية الهائلة لإيران.
ولذلك، فقد حرص على إبعاد الاتحاد الأوروبي وأي أطراف دولية أخرى عن طاولة المفاوضات، وذلك في محاولة للاستئثار بالفرص الاقتصادية الإيرانية وحده.
فبعدما شعر أن الولايات المتحدة خسرت في اتفاق 2015 حينما استفاد الجميع من تخفيف العقوبات باستثنائها، بدا عازما هذه المرة على عدم تكرار الخطأ نفسه.
في المقابل، يقف الاقتصاد الإيراني على حافة الانهيار بعد سنوات طويلة من العقوبات والعزلة، في ظل بنية تحتية متهالكة وعزلة مصرفية دولية خانقة.
فالمجتمع الإيراني الذي أرهقته الأوضاع الاقتصادية بات يرى بوضوح الرسالة الأميركية الجديدة: المطالبة بالتخلي الكامل عن البرنامج النووي مقابل مكاسب اقتصادية ضخمة.
ومع ذلك، فإن هذا العرض يحمل لإيران معضلة سياسية حقيقية؛ إذ إنّ فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأميركية الواسعة قد ينسف الخطاب الثوري الذي تبنته البلاد منذ عام 1979، والذي لطالما صوّر الولايات المتحدة كـ"الشيطان الأكبر".
ولذلك فإن الدخول في شراكة اقتصادية مع واشنطن قد يقوض أسس الشرعية السياسية الإيرانية داخليا.
واليوم تجد القيادة الإيرانية نفسها أمام خيارين صعبين: إما القبول بالعرض الأميركي وإنعاش الاقتصاد، أو الاستمرار في المسار الحالي مع ما يحمله من مخاطر الانهيار التدريجي والعزلة الدولية المتزايدة.
وفي الختام، بين الكاتب أن المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن قد تفتح لإيران باب العالم من جديد، ولكنها أيضا تفتح لتركيا نافذة ذهبية لدخول السوق الإيرانية بقوة.
وعليه ينبغي لتركيا أن تتابع هذه التطورات بدقة، وأن تجهز شركاتها ومؤسساتها للاستفادة السريعة من أي اتفاق محتمل، وأن تضع إستراتيجية شاملة لاقتناص هذه الفرصة التاريخية، وفق قوله.