خط الغاز المغربي أم الجزائري.. أيهما تفضل أوروبا لفك الارتباط مع روسيا؟

الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي
سلط موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية" الضوء على الإستراتيجية الأوروبية لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، من خلال دعم مشاريع خطوط أنابيب لهذه المادة من نيجيريا.
واستعرض الموقع أهمية هذه المشاريع لا سيما خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الكبرى وخط نيجيريا-المغرب، في تعزيز أمن الطاقة الأوروبي، ودورها في التنمية الإقليمية والتكامل الاقتصادي في إفريقيا، إلى جانب التحديات الأمنية والمالية والسياسية التي تواجهها.
كما تطرق إلى التنافس الجيوسياسي بين الجزائر والمغرب للهيمنة على تصدير الغاز إلى أوروبا، ودور الأطراف الدولية، بما فيها الاتحاد الأوروبي والإمارات، في دعم أو التأثير على هذه المشاريع.
نقطة ضعف
وأشار إلى أن "الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي بمساعدة الدول الإفريقية، من خلال بناء خطوط أنابيب غاز من نيجيريا".
واستدرك: "ومع ذلك، تتشكل نقطة ضعف كبيرة في هذه الإستراتيجية؛ تكمن في المخاطر الأمنية العالية".
فعلى سبيل المثال، يُخطط الاتحاد الأوروبي لضخّ 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا عبر خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، الذي يمد من نيجيريا مرورا بالنيجر إلى الجزائر".
وأفاد الموقع أن "المشاركين في المشروع يعترفون بأن إنشاءه جاء استجابة لارتفاع أسعار الغاز والتوترات الجيوسياسية الناتجة عن الصراع في أوكرانيا.
وتعود فكرة إنشاء هذا الخط إلى ثمانينيات القرن الماضي، لكن أعمال البناء لم تبدأ إلا في يوليو/تموز 2022.
وعزا الموقع تأخر المشروع إلى تكلفته العالية وتذبذب أسعار الغاز، إضافة إلى المخاطر الأمنية.
وتابع: "أحيا المشروع تدهور العلاقات بين الغرب وروسيا بعد بداية الحرب في أوكرانيا؛ إذ ارتفعت أسعار الغاز في 2022 و2023، وبدأ الاتحاد الأوروبي في البحث عن بدائل للغاز الروسي".
وكان الاتحاد الأوروبي يحصل سابقا على الغاز النيجيري بشكل محدود عبر الغاز المسال. لكن مع ظهور خط الأنابيب العابر للصحراء الكبرى، ستتمكن أوروبا من استيراد كميات أكبر بتكلفة أقل.

التمويل والخطة
ويتولى تمويل البناء كل من البنك الإفريقي للتنمية والبنك الإفريقي للطاقة.
وأكد رئيس البنك الإفريقي للتنمية، أكينوومي أديسينا، أن هذا الخط "مهم جدا"، وأنه والاتحاد الإفريقي يدعمان المشروع.
في ذات الوقت، أشار الموقع إلى أن "الدول الإفريقية لا تمتلك الموارد التقنية أو المالية الكافية لإنشاء مثل هذا المشروع".
وأفاد بأن تكلفة المشروع قُدرت بـ 10 مليارات دولار عام 2009، لكنها وصلت إلى 13 مليار دولار نهاية عام 2024.
ووفق الموقع، يبدأ خط الأنابيب من مدينة واري جنوب نيجيريا، وينتهي في حاسي الرمل شمال الجزائر.
ومن هناك يُخطط لتوصيل الغاز إلى إيطاليا عبر خط أنابيب Galsi (قيد الإنشاء) وخط TransMed الحالي، الذي يربط الجزائر بإيطاليا عبر تونس.
كما يوجد خط GME عبر المغرب، لكنه مغلق منذ 2021 بسبب الخلافات بين الجزائر والرباط.
وبدورها، تخطط الجزائر أيضا لتسييل جزء من الغاز على أراضيها وشحنه بحريا إلى أوروبا؛ حيث تمتلك البنية التحتية اللازمة لذلك.
كما أن شركة "توتال إنرجي" الفرنسية تستثمر في توسيع منشآت الغاز المسال في مدينة أرزيو الساحلية شرق ولاية وهران.
وحول خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الكبرى، رأى الموقع أنه من أهم المشاريع الإستراتيجية الحديثة في إفريقيا؛ حيث سيعزز التكامل الاقتصادي والسياسي والإقليمي، كما سيرسخ مكانة القارة كمصدر رئيسي للهيدروكربونات.
ربط إفريقيا
وقال رئيس البنك الإفريقي للطاقة: "هدفنا ربط إفريقيا بشبكة أنابيب موحدة وسوق طاقة متكاملة، وهو ما سيقلل التكاليف ويحسن الوصول إلى الطاقة ويُحفز الصناعات النفطية المحلية".
أما بالنسبة للجزائر، فإن الخط يُعد فرصة لجعلها مركزا عالميا للغاز، ما سيُعزز من مكانتها الإقليمية والدولية.
وتسعى الجزائر أيضا إلى تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل، التي تعدها منطقة نفوذ إستراتيجية.
وذكر المجلس الروسي للشؤون الدولية أن رئيس البنك الإفريقي للطاقة يُخطط أيضا لتزويد دول الساحل، مثل النيجر ومالي، بجزء من الغاز لتعزيز إمدادات الكهرباء، حسب تصريح للرئيس عبد المجيد تبون.
وأضاف: "كما تأمل الجزائر في أن يؤدي المشروع إلى تقليص نفوذ روسيا كمصدر للغاز في أوروبا وزيادة اعتماد الاتحاد الأوروبي على غازها".
وكانت الخطة الأولية تقتضي الانتهاء من المشروع خلال 3 سنوات من بدء البناء.
وذكر الموقع أن شركة "Penspen" البريطانية المتخصصة في تصميم وصيانة البنية التحتية للطاقة تشارك في المشروع، إلى جانب شركات غربية أخرى، ما أسهم في تسريع وتيرة التنفيذ.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، اكتمل 80 بالمئة من أعمال المشروع (بقي أقل من 800 كم من الأنابيب).
ومع وتيرة عمل تبلغ 4 كم يوميا، كان من المتوقع الانتهاء بحلول مايو/أيار 2025، لكن من المرجح التأخير؛ إذ يستمر عمل الشركة البريطانية حتى سبتمبر/ أيلول من نفس العام لمراجعة الأعمال المنجزة وتقديم توصيات فنية وتقنية.
وأوضح الموقع أن ذلك "جاء استجابة لرغبة الاتحاد الأوروبي في تعديل التصميم لزيادة السعة من 20 إلى 30 مليار متر مكعب سنويا عبر زيادة عدد محطات الضغط وتغيير المسار".

التحديات الأمنية
من زاوية أخرى، أشار الموقع إلى أن المشكلة الأكبر في تشغيل الخط تكمن في تأمين مساره البالغ طوله 4,128 كم.
وذكر أن "الوضع الأمني في الجزائر مستقر نسبيا، أما في النيجر ونيجيريا (اللذين يحتويان على 1,878 كم من الخط)، فينشط فيهما تنظيما الدولة وبوكو حرام، بالتعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية، إضافة إلى عودة الحركات الانفصالية المسلحة في نيجيريا".
وأفاد بأن هناك 3 خيارات مطروحة لتأمين الخط؛ الاستعانة بشركات أمنية خاصة غربية، أو تولي القوات الجزائرية مهمة الحماية، أو عمل خطة مشتركة بين الجزائر وشركات الأمن الغربية.
واستدرك: "لكن تأمين خط بهذا الطول في مناطق خارجة عن السيطرة الرسمية يظل تحديا كبيرا، ما قد يؤدي إلى تأخير إضافي في إطلاقه".
من جانب آخر، يُعد مشروع خط نيجيريا-المغرب (المعروف بـ "إفريقيا-الأطلسي") منافسا مباشرا للخط الجزائري، ويمتد لمسافة 5,700–7,000 كم عبر 11–13 دولة في غرب إفريقيا؛ إذ طرحه الملك المغربي محمد السادس كمشروع إستراتيجي لربط إفريقيا بأوروبا وتطوير الاقتصاد الإفريقي.
ويهدف لنقل 30 مليار متر مكعب سنويا (18 مليار منها لأوروبا)، ما يمثل نحو 10 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي.
وأشار الموقع إلى أن "المغرب يروّج لمشروعه بصفته أكثر أمنا واستقرارا؛ لأنه يمر عبر دول مستقرة سياسيا، ويشمل عددا أكبر من الدول مقارنة بالخط الجزائري، كما أنه سيُحفز نمو منطقتي الساحل وغرب إفريقيا".
وتابع: "رغم ما يروج له المغرب، فإن المشروع يواجه مشكلات مماثلة، بانطلاقه أيضا من نيجيريا، التي تعاني من الإرهاب، ودول غرب إفريقيا كغانا وبنين وكوت ديفوار التي تعرضت أيضا لهجمات إرهابية، وإن كانت أقل حدة".
وأضاف: "كما أعاد الصراع في الصحراء الغربية في 2020 تأجيج النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، ما قد يعيق مرور الخط عبر هذه المنطقة".
ولفت إلى أن "المشروع المغربي يعاني من تعقيدات تقنية ومالية وجيوسياسية، إذ تُقدّر تكلفته بـ 25–26 مليار دولار، مقابل 13 مليار فقط لخط أنابيب الغاز العابر للصحراء الكبرى. ويتوقع الخبراء الجزائريون عدم بدء تشغيله قبل عام 2046".
وحسب الموقع، يأمل المغرب في بدء المرحلة الأولى من المشروع في 2025 بمساعدة شركة Jingye الصينية والإمارات والبنك الإسلامي للتنمية وصندوق أوبك. وربما يُموله الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف.

التقييم والمنافسة
ورغم التقدم الكبير في خط أنابيب الغاز العابر للصحراء الكبرى، يصفه المغرب بـ "المشروع الفاشل" بسبب مشكلات الأمن والعزلة الجيوسياسية للجزائر.
لكن الجزائر ترفض هذه المزاعم، وتُشير إلى استمرار التعاون الأوروبي معها رغم الخلافات.
ويرى مراقبون أن "الجزائر باتت شريكا مهما لأوروبا في ظل التوترات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والأزمة الأوكرانية".
وفي تحليله للمشهد، أشار الموقع إلى أن "لكل مشروع مزاياه وتحدياته، إلا أن الخط الجزائري يبدو أكثر واقعية وأقل تكلفة، مما يجعله خيارا مفضلا للاتحاد الأوروبي".
واستدرك: "لكن للمشروع المغربي داعمون أقوياء، مثل الإمارات التي تعارض نظيره الجزائري وتدعم منافسيه، ضمن صراع جيوسياسي أوسع يشمل ليبيا".
في المقابل، يرى الاتحاد الأوروبي المغرب شريكا أقل إشكالية من الجزائر، التي كثيرا ما تصطدم مع إسبانيا وفرنسا، وأحيانا مع بروكسل.
من زاوية أخرى، أشار الموقع إلى أن "التهديد الإرهابي يبقى العقبة الأكبر أمام كلا المشروعين".
ويعتقد المحللون أن "إفريقيا الشمالية ستلعب دورا محوريا كمصدر بديل للغاز الروسي في المدى القصير. ولهذا، قد يُنفذ المشروعان معا كخطة بديلة في حال فشل أحدهما".
واختتم: "أعلن البنك الإفريقي للطاقة تمويله لكلا المشروعين، فيما تشارك شركة Penspen في دراسات جدوى لمشروع المغرب أيضا، بينما تبلغ احتياطيات الغاز النيجيري 5.94 تريليونات متر مكعب، وهي كافية لتشغيل كلا الخطين لقرابة 100 عام".